عدنان بشير معيتيق (ليبيا)

XXXXXXXXXX XXXXXXXXXX

الإنصات بكل الحواس إلى وقع العالم الخارجي, تتبع الانفعال الداخلي وما امتزج بالمتبقي من الباطني العميق المترسب على مهل في تلك السنوات المليئة بالقلق والحيرة, والممارسة الإبداعية في الكتابة , الاطلاع على قسط وافرا بما أنتج في الغرب , المعرفة بالموروث الثقافي العربي. كل هذا يتيح لاديب الفنانين وفنان الادباء التشكيلي الليبي رضوان ابوشويشة الدخول إلى عالم فن الرسم والتلوين يتخذ مكان مرموقا فيه.

بدايته في الرسم كالومضة الخاطفة, مراحله المتتالية في التنقل السريع بين التجارب الفنية التي مرر بها أفكاره في محاولة قد نجحت كثيرا لتقليص المسافات وتقطيع الوقت المهدور لاحداث خلل في علاقة الفكر بالابصار وعلاقة المكان بالزمان واستخدامه الزمن كما لو كان خامات مختلفة في أعماله الفنية بكل ما كان يجمعه من بقايا أشياء مهملة وألوان صريحة ذات كثافة عالية تتيح أرضية تخدشها فرشاته , أصابعه , أظافره وروحة ايضا للكشف عن أشياء غائرة في ذاكرتنا مطبوعة (بدم الإخوة ) على جدرانها , لمشاهد تلوح من حين إلى أخر بفعل ومضاته التعبيرية المضيئة , في ظلمة الواقع التعس لسنوات كان يرزح تحتها الواقع الثقافي الليبي.

التجربة عنده تصل الى حدود التماس بتجربة الفنان الامريكي المدهش سي تومبلي حيث الحدائق والغابات المتخيلة بزهورها وأشجارها وعبث الاداء المتقن المختلط بشاعرية اللحظة وخبرة السنين في تعبير جميل عن مشاعر وحالات ذهنية بتشويه الاشكال وتحطيم ما تبقى منها وإخفاء اجزاء من المهشم والمفكك . خطوط قوية وسريعة متقطعة احيانا ومتصلة احيانا اخرى وعدم محاكاة الحياة الواقعية والابتعاد عن التشخيص الى ابعد مدى حيث بالكاد لا تجد نماذج مقابلة للمفردات التي تتشكل على اسطح لوحاته الفنية فعالمه مبتكر رغم اقترابه بعوالم سي تومبلي وجاكسون بولك في حالاتها التعبيرية. ينتج عالمه في معمله الخاص حيث الباطني العميق بأدواته المهجريه وخبرته الخميائية في مزاوجة الافكار والأشكال والمواد ايضا فهو الباحث في سر جماليات الفن الصخري رسوم اكاكوس وتخطيطاتها المنتشرة في ارجاء الصحراء الليبية وعلى جدران كهوفها فتاتي اعماله مصاغة بقوالب جديدة بعد التفاعلات الكيميائية وبخلاف الكثير من الفنانين فكانت تجربتهم في رسم الفن الصخري بمثابة (الكولاج) قص من على الجدران ولصق على اسطح اللوحات.

كائنات الفنان نشعر بوجودها ولا ندركها فهي كالأثر على جدران الروح خربشات وخطوط واهية بالكاد تظهر في بقع من جمر , كتل من سحب وأدخنه , اعمدة النور في لون اسود تشير الى الطريق من جانب واحد على طريق الشط بطرابلس, اشياء جاهزة مثبتة في منتصف اللوحة كالمحراث والأدوات الشعبية المهملة والغير مستعملة في وقتنا هذا اصبحت موجودة وجديرة بالوجود في عرض فني ينضح بالمعاني الادبية والأفكار المجردة المبعثرة في نصوصه التشكيلية والتي تحتاج الى مخيلة خصبة لتفكيك شفراتها وحل طلاسم علاقاتها المتداخلة حتى يتسنى للمتفرج التعامل معها وإفساح المجال لحوار ممتع ينتهى بزيادة المعرفة في جغرافية التاريخ وتاريخ الأدب والفن.

XXXXXXXXXX

تندرج مخرجات فنه في عمومها رغم اقترابها من التصنيف التقليدي (التعبيرية التجريدية) تحت مسمى الاوت سايدر outsider الفن المنفلت من روابط الاكاديمية الخارج عن المألوف حتى الآن. البعيد كليا عن الفن البدائي والساذج والحالات الفنية التقريرية او التوثيقية فالحاجة الفنية للرسم عنده حالة يستعصي فهم دوافعها : الفنان يريد ان يرسم فقط كما هي تلك الرغبة في الكتابة و في الحياة . منطلقاته ذهنية ممزوجة بوجدان جمعي ليبي وأدواته متعددة في ايصال الفكرة وغير منتبه الى جماليات السطح بقدر تركيزه على الباطني اثناء اشتغاله على اللوحة والذي يتسرب عبر اثر الاظافر على الوان كثيفة تزفر فرشاته في جو مسرحي للوحة فهي نص بصري مفرح مكتوب بالفرشاة وألوانها . ورغم كل مظهر الفرح هذا فهو في حقيقته مظهر للألم كالرقص على الجمر من هول ضنك الواقع المأزوم حاملا معه امنيات الوطن ليوم تشرق فيه الشمس على الجميع .

الفنان رضوان صديق الجميع يبتعد عن الرؤى الضيقة والخطابات الجهوية ومشاحنات الشارع وما آلت اليها امور ليبيا ما بعد الثورة ومشاكل السياسة ولعنتها التي طالت الجميع مبتعدا قليلا وأخذا بموقف المثقف المتعالي عن تفاهة المشهد المنحط والخالي من الذوق والمسؤولية , محفزا الجميع على الانتاج وإقامة المعارض الفنية والأمسيات الشعرية حتى يتسنى للوطن ان يسترجع انفاسه ويبرءا من مصابه .

كتب قصص قصيرة باللغة الانجليزية بعنوان " ملك الموتى" , صدرت في لندن سنة 1975 م وصدر له بالغة العربية , الشعب الخفي 1987. السلفادور من القمع الى الثورة1983 . موجة حب الى غرناطة 1996 . ومسرحية "حمودة الزاهي" والكثير من المقالات والنصوص المسرحية اقام العديد من المعارض الفنية بدار الفنون بطرابلس . ولد الفنان بمدينة العزيزية الليبية بالقرب من العاصمة طرابلس تنقل في انحاء كثيرة من العالم وعاش فترة من الزمن في دبلن وغرناطة قبل ان يعود ويستقر بليبيا .

عدنان بشير معيتيق
فنان تشكيلي من ليبيا
2015.05.03 م


أقرأ أيضاً: