الفن التشكيلي العربي المعاصر في أسبانيا
(في عرض جماعي للمرة الأولى)

(خاص)
في خطوة جديرة بالانتباه، يقام للمرة الأولى على مستوى كبير، معرضاً للفن التشكيلي العربي المعاصر على صالة غاليري واحدة من أهم المؤسسات الثقافية في إقليم غاليثيا، وهي مؤسسة آراغواني التي تعنى بمد الجسور الثقافية ما بين العالمين العربي والأسباني، وذلك بالتعاون مع حكومة الإقليم الغاليثي. والمعرض الذي أفتتح اليوم و الذي سيستمر حضوره حتى نهاية شهر نيسان، على أن ينقل بعد ذلك في صالتي عرض على التوالي حتى الصيف القادم، والفكرة جاءت لأتاحه فرصة ووقت أطول للجمهور للإطلاع على نماذج منتخبة من الفن التشكيلي لآخر مدارس وفناني الطليعة العرب. ومما يذكر أن معارض معدودة أقيمت لفنانين عرب بصورة فردية، ولكنها المرة الأولى التي تجتمع فيها ما لا يقل عن 50 لوحة تشكيلية وعمل نحتي لأكثر من 15 فناناً من دول عربية مختلفة.

والمعرض الذي أشرف على تنظيمه و انتقاء لوحاته وفنانيه الكاتب العراقي المقيم في مدريد عبدالهادي سعدون (ضمن ورشة النشاطات الثقافية لـ موندو آرابي بمساعدة الكاتب أحمد حجازي)، كما كتب مقدمة الكاتلوج الخاص بالمعرض والذي جاء بلغات ثلاث هي العربية والأسبانية ولغة الإقليم، الغاليثية. واللوحات الفنية والأعمال النحتية المشاركة شملت دولاً مثل العراق، سورية، لبنان، المغرب، فلسطين، ولأسماء فنانين مثل: صدر الدين أمين، عبدالكريم سعدون، نذير نصرالله، مولاي الحيضرة، م.حنوش، عتاب حريب، شداد قهار، فاخر محمد، حقي جاسم، خالد الخاقاني، خالد كاكي، م. شليار، كاظم شمهود،علي علي و أحمد النابلسي. ومن المؤمل مشاريع مشتركة للأشهر القادمة تنظم مع المؤسسة الثقافية آراغواني، ومنها إضافة للعروض الفنية، ستكون هناك أسابيع عن الثقافة العربية ومهرجان للسينما العربية اليوم.. هذا وقد كتبت الناقدة التشكيلية ساره كاسترو دي أوغارتي تقريضاً خاصاً بالمعرض تشيد فيه بالطفرة الكبيرة التي قفزها الفن التشكيلي المعاصر العربي واقترابه من الفنون العالمية في الأساليب والموضوعة، مما يعني كسر التابوات المعروفة عن الفن العربي وألتصاقه الوحيد بالمعمار والخط. وفيما يلي مقدمة الكاتلوج الخاص بالمعرض التي كتبها عبدالهادي سعدون، المشرف العام على المعرض:
الفن التشكيلي العربي المعاصر في أسبانيا "أكثر من 15 فناناً تشكيلياً عربياً منتخباً لهذا المعرض، يشكلون تظاهرة أساسية من بين بحر من الفنانين والمدارس الفنية في العالم العربي، أجيال متعددة سواء أولئك الذين برزوا داخل أقطارهم أو في خارجها (على الأغلب في أوربا). لا نزعم هنا أن هذه البانوراما من الفنانين تمثل تمثيلاً كلياً للفن التشكيلي العربي المعاصر، بل شئنا لها أن تكون ممثل صادق لآخر الظواهر الفنية المعاصرة.
ومثلما هو معروف أن العرب قد بدءوا مسيرتهم الفنية مع الرسم المعاصر بمناخ ليس له علاقة بالمعاصرة، على الأقل بمفهومها الأستاتيكي، أكثر من علاقته بالمؤثر السياسي ـ الاجتماعي، إلا أنه اليوم، وهذا المعرض لأكثر من 40 لوحة فنية معاصرة ، يعد نموذجاً واضحاً على مدى ما وصل له الفن التشكيلي العربي من علاقة وشيجة مع الحركات المعاصرة في الفن العالمي. الفنانون المشاركون في هذا المعرض الجماعي، يستندون على كل ما هو معاصر في المدارس الفنية من تقنيات وأساليب حديثة، ولهم في الوقت ذاته نسغ رابط بكل ما له علاقة بثقافة مجتمعاتهم الأصلية وتاريخها، ولا يتحددون بوسيلة فنية معينة فتتراوح أعمالهم بين الرسم، التجسيد النحتي، الغرافيك وشتى الاتجاهات الحديثة الأخرى.
الفن التشكيلي العربي المعاصر في أسبانيا في هذا المعرض هناك اتجاهات تعبيرية متغايرة بين فنان وآخر، وهذا الاختلاف مثله الرابط اللامرئي بين لوحاتهم يشكل تلك اللغة من الحوار والتفاهم الضمني. فهذه المدارس والأساليب الفنية المتباينة هي في حد ذاتها تشكل كتلة متناسقة بقدر ما هي منفتحة على تأويلات مختلفة. وعلى الرغم من أن كل فنان يعد عالماً مستقلاً بحد ذاته، فهو من جهة أخرى نقطة تلاقي وتبادل فكري مع الآخر ضمن الحيز المتاح.

المعرض يمنحنا فرصة المعاينة ضد الفكرة العتيقة التي تعلن عن تقيد الفنان العربي (المسلم على وجه الخصوص) وانعدام حريته في التعبير الفني بسبب من مفهوم منع الفن في الإسلام. لكن هذه البانوراما الفنية، مثل غيرها الكثير، توفر لنا مثالاً مبسطاً عن مدى تطور وحرية التعبير في الفن التشكيلي العربي، على الأقل في الخمسين سنة الماضية.

الفن التشكيلي العربي المعاصر في أسبانيا المعرض كذلك يبرز لنا أن الفن العربي لم يعد منكفئاً على نفس التعابير الفنية ضمن مفاهيم الغرافيكية والخطية التي حصرته فيه الفنون الإسلامية لقرون ـ والتي هي من الأهمية بكثير ولها صداها اليوم أيضاً ـ ، بل مضت للدخول في الحركات الفنية المعاصرة بكل حرية. واليوم نجد صدى الفنون العالمية وتأثيرها في الرقعة العربية بشكل موازي لما يحصل في العالم.

الفن التشكيلي العربي مثله كالثقافة بصورة عامة، يعد أفضل ممثل للنظر للبنية الاجتماعية للشعوب. الثقافة هي البؤرة المثالية لمعاينة منطقتنا، وذلك للخروج من كل التشبيهات والتعابير التشهيرية اللاصقة بالعالم العربي ـ الإسلامي وجعله هدف صيد سهل.العالم العربي الذي يبدو مختلف جداً عن الآخر، ولكنه أيضاً هارموني النزعة، شبيه بالآخر ومختلف مثله. من الممكن أن يكون العالم العربي، عن طريق الثقافة أولاً قبل كل شيء، أكثر استعدادا اليوم لمد جسر التبادل والتفاهم مع العالم أجمع، بالأخص الغرب، وليس بالضرورة أن يؤدي ذلك لتصادم ثقافي من أي نوع... ".

وللمزيد من الأطلاع على المعرض وتصفح الكاتلوج :
www.fundacionaraguaney.com/interactivos/arte_arabe_2005/1-1.htm