علي رشيد
(العراق/هولندا)

Avril Wardما أن يكتب شاعر خطابه الشعري ليجمع فيه عصارة جهده ، وتحولات قلقه ، ومواطن الوجع والمسرات فيه ، ويفرد خزينه المعرفي ليسطر به نصا ارقه ... فسطره ... فأراح ... ثم دفعه لقيامة القراءة ، حتى تجد أن منتحلا من نساخي النصوص قد استنسخ نص الشاعر بعنوانه ومحتواه وصورته الشعرية ودفعه بجرأة المنتحل للنشر، وبنفس دوريات النشر و المواقع التي نشر بها النص الأصلي .

أن يختار الشاعر لنصه عنوانا ( خير محض ) مثلا ، اختار المنتحل نفس العنوان ، أو أن يكتب الشاعر عن استذكاراته واستشهاداته بالأصدقاء وذكر أسمائهم في نصه ، أو يستنفر المحكي أوالموروث أو التاريخ أو الأسطورة ليكثف من قيمة السرد ، حتى تجد المنتحل قد أدخل النص المستنسخ بكل مفردات النص الأصلي واستشهاداته .

ما أن يرسم الفنان عملا فنيا ، أو ينجر لوحته التي استغرقت عمره ، وجهده ، وجنونه اللذيذ ، وسنوات دراسته، ليرتقي بها إلى نفسه كدليل على استنباط مفرداته ، وبلورة خياله في صياغة أشكاله وخطوطه ومرموزاته وأدائه اللوني ، وتحولاته في معالجة سطح اللوحة ، ومساحاتها الشاسعة ، و في نحت دلالاته وقيمه البصرية وكياناتها التطبيقية ، حتى تجد المنتحل نفسه وقد سطا بكل دونية على منجز الفنان ورؤاه ، استنسخه بخطوطه وأشكاله وألوانه وحتى خاماته ، نعم سيكون الاستنساخ بائسا ومضحكا لأنه دون دراية وخبرة ، وإنما نتاج روح مريضة متربصة بجهد الآخرين و بالوثوب على أية مساحة ، لتتخلص من دونيتها ولتبني تاريخها المزيف على صفحات هلامية غير واضحة الملامح .

ما أن يقرأ هذا المنتحل مقابلة مع فنان أو حوارا يتحدث فيه الفنان عن طريقة استخدامه لخامته مأخوذا بقيمة المادة ، وقابليتها على الإدهاش ، أو كيفية إدخال المفردة والمادة اليومية المبذولة من قبل الآخرين والتي غالبا مايكتشف الفنان غايته البصرية فيها ، وكذلك سحر هذه المادة لتثوير الحرفة لديه ، مثل استخدام العديد من الفنانين للأوراق المهملة وبقايا الصحف أو أغلفة الكتب الممزقة والرسائل وطوابعها البريدية والأخشاب وقطع المعدن ووو... ، حتى تجد المنتحل وقد سطر نصا مستنسخا يتحدث فيه عن قابليته على تثوير المادة وقدرته على معالجة السطح وبنفس المفردات التي تداولها الفنان ، بل حتى بنفس عنوان الخطاب الذي استلهمه الفنان لبحثه ، فلو فرضنا أن الفنان اختار لمجمل مشروعه الشخصي عنوان ( تدوين الذاكرة ) ، ستجد المنتحل قد استنسخ العنوان نفسه مع تحوير كسول وبسيط ، ولكنه مفضوح .

لذلك يمكن اعتبار المنتحل ساديا ومريضا فهو يعبث بالكيانات الفكرية الجميلة والمصاغة
بجهد وتعب وعذابات ولذة الاكتشاف لدى الآخرين ، هو يدخل النص ليخلط حروفه ويشتت أحباره ، ويغيب معناه ، المنتحل إنسان عديم القيم ولذلك تراه منقادا إلى تسفيه قيمة الأشياء وجدواها وغرضها ، فتراه يتقافز بثعلبية بحثا عن مكان ليدون اسمه ، فهو لايكتفي بالسطو على نتاج الآخرين الإبداعي ولكن على المسميات ، فهو تارة الفنان وتارة الشاعر وتارة القاص وتارة الباحث وتارة أخرى أستاذ جامعي ، وهو الأمي الجلف ، ويشيع كلّ هذه المسميات عن نفسه لتسفيه المسمى أولا ، وكذلك كرها وحسدا لمن يحملها ، ومحاولة منه لخلق هالة ضالة حول وجوده الهش والسلبي ، فهو يوقع مسروقاته من النصوص والأعمال بكل المسميات السابقة دون وجه حق .
كذلك يشارك في كلّ حملات التواقيع على البيانات والاحتجاجات و حملات التضامن رغم نزاهة الهدف والمهمة الأخلاقية والقيمة الحضارية الإنسانية لهذه الحملات لوقوفها ضد كل مايسيء للإنسان ويبطش به وينتهك كرامته ، أو للوقوف ضد قمع الأنظمة والسلطات لحريات الأفراد وخصوصا الحريات الشخصية ، وكذلك حرية التعبير ، والتي كثيرا مايعاني منها المبدع الحقيقي ، رغم ذلك لم تسلم هذه الحملات والبيانات من تدنيس المنتحل لها بتذيل توقيعه ، ليس تضامنا بل لتقديم اسمه مقرونا بدال كاذبة أو صفة إبداعية ، بل يتمادى في كثير من الأحايين في زج تواقيع أطفاله ، وزوجته مسبوقة بكلمة فنان أو شاعر أو شاعرة أو باحثة ، لذلك لاريب في أن المنتحل إنسان مهووس بالبدع والغموض والكره ، لأنني أعرف الكثير من الأصدقاء الذين توقفوا منذ زمن بعيد عن المساهمة في أي حملة تواقيع مهما كانت دوافعها ، خوفا من أن يجدوا أسماءهم محاصرة بجيش من المنتحلين ومدعي الثقافة وبعناوين كبيرة تثير سخرية المطلع على الحملة أكثر من أن يتضامن مع فحواها ، وهنا ساهم المنتحل وأشباهه في تكريس غفلة الأشياء وتسطيح مكاسبها وتحويلها مكامن للإدعاء والظهور المجاني .

المنتحل أملس وناعم يتقدم بنعومة الأفاعي من المبدع ويتقرب اليه ، ويكيل المديح له بتذلل ، ويستفهم عن الأشياء برذالة ، ويتابع انبهاره بقدرة المبدع على صياغة عمله الإبداعي
وما أن يتعرف على مشروع المبدع ، حتى تراه قد استنسخه وقدمه متبنيا فرادة الخلق ، مرسخا أولويته بخيانة الذات وخيانة الآخر .

هو يربك القراءة الأولى للنص ، ويغيب تدوينه بنزوعه السافر إلى نشر النص المستنسخ بعد فترة قصيرة من نشر المبدع لنصه ، ثم إن المنتحل له القدرة على التلاعب في تحشيد انتباهة القارئ من خلال محاولته الحديث عن مشروعه الفني أو نصه بضجيج وصلافة وإدعاء يفتقدهما المبدع أصلا ، فيحاول تعمية قراءة النص الأصلي ، فيتقاطع النصان في ذهنية القارئ ، وربما يرفضهما معا ، لكون النصين يمتلكان روح وجسد نص واحد ، فيخلق تضادا وغموضا في متعة قراءة اللغة ، واكتشاف بهجة النص لدى القارئ ، كون النص لا يملك مرجعية واضحة .

ولكننا لا يمكن تجاهل المسؤولية التي يساهم بها المبدع في إشاعة وديمومة نموذج المنتحل وأشباهه ، فكثيرا ما يعترف المبدع ويقر بمعرفته بشخصية المنتحل ، ومكامن السطو على نصه أو عمله ، ولكن هذا الاعتراف يتم في الكواليس وربما بهمس ، وكأن المبدع هنا يمتثل لسادية المنتحل في تكريس الخطاب المستنسخ منه ، فهو يدفن نفسه في رمال ( دع الآخر يتكلم ) ليخلي مسؤوليته في فضح نموذج المنتحل.

المنتحل نموذج يتكاثر بتناسل فطري في الثقافة العربية ، وخصوصا في زمن مشاعة النشر الالكتروني ودخول كم هائل إلى مساحة الكتابة والنشر دون تمحيص ، مع انتشار ظاهرة العناوين المزيفة المصاحبة للأسماء والسير الذاتية المفبركة ، وتدوين أسماء لمعارض ومشاركات وأمسيات وأخبار وهمية .


أقرأ أيضاً: