ثقافياً ووعيوياً وإدراكياً

عبدالله يوسف
(البحرين)

عبدالله يوسف(تجربة في التعبير عن الأعمال الأدبية)
هو عنوان الندوة التي استضاف فيها الملتقي الثقافي الأهلي مساء الثلاثاء الماضي الخامس من هذا الشهر الحالي الأستاذ الفنان عبدالله يوسف متعدد الاشتغالات والاهتمامات، تشكيل، مسرح، تلفزيون، إذاعة، حيث استعرض فيها تجربته مع الصنوف الإبداعية منذ الستينات التي يشتغل ويتفاعل بدءا من اللوحة التشكيلية الفنية عطفا علي اغلفة الكتب والشعارات التي صممها وقوفا عند مرامي ديكور المسرحيات والأعمال التلفزيونية. عارضا بعضا لتلك النماذج في القسم الثاني من الندوة والتي تضمنت أيضا بعضا من آرائه أثناء الشرح والتعليق علي تلك النماذج منها تأكيده علي ضرورة قراءة الفنان التشكيلي الأدب وتعمقه فيه كونه يفجر شرارة أو يوقد شيئا لم يلق له منفذا للخروج، مشيرا إلي ضرورة قيام وحصول وتواجد أعمال فنية مشتركة (تجربة بين فنان تشكيلي وشاعر ومسرحي وموسيقي مثلا) معتقدا ان من أسباب هروب الحركة التشكيلية عن الأدب ليس الجانب السياسي الذي كان - الحركة الأدبية متاحة الآن - الفنان التشكيلي ظل علي المستوي الثقافي في معظمه متواضعاً ثقافيا ووعيويا وادراكيا، إلي ذلك أيضا وفي سياق الشرح والتعليق عرج علي ذكر الأستاذ الفنان ناصر اليوسف مشيدا بتجربته الإبداعية والفنية وبما قدمه في هذا المجال سيما رسومه الداخلية لديوان علي عبدالله خليفة - عطش النخيل - منوها إلي ما يمتلكه من قدرة بصرية داخلية قادرة علي خلق التكوين وهو لا يراه (الفترة الحالية مثالا) وان قراءته الأدب وإطلاعه عليه مدّه بهذا الخيال الواسع، ندع للقارئ الإطلاع علي وجهة نظر الفنان عبدالله يوسف وآرائه فيما هو ماض ومقتنع عبر ورقته التي قدم وعرض.
ان سمة الجدلية في تكوين العلاقة المفترض حدوثها بين الفن التشكيلي عموما والأدب في مجمل فروعه وصنوفه تفتح للمبدع دون ريب أفقا غنيا شاسعا، يكمن شرط تجذره في الواقع الثقافي والفني - الاجتهاد علي استمرارية توثيق العلاقة وتعميقها من خلال مراكمة المنتوج الإبداعي الواعي في الجانبين وفق العمل علي مشاريع مشتركة بين مبدعي التشكيل ومبدعي الأدب، وربما التجربة الإبداعية العراقية في طرفيها الأدبي والتشكيلي قد حققت بعضا من إنجازات زاهية في ذلك منذ بواكير أعوام القرن الماضي، مما أدى إلى تجديل علاقة أخرى بالغة الأهمية والتفرد تمثلت في عمق وبلاغة التجربة المسرحية العراقية، التي كان مأمولا لها بما بلغته من تألق شحذ الطاقات المسرحية العربية كنموذج رائد في التلاحم العضوي بين فنون الأدب والتشكيل والمناخات المسرحية المتعددة الأبعاد والمستويات، لولا ان الوأد السياسي الأرعن قد طال جل عناصر التجربة بالتهميش والمصادرة والمطاردة، بحيث أضحي مبدعوها مهجرين في جهات الكون أو مقبورين.

التجربة التشكيلية في البحرين كانت مأمولة الترشح لتأسيس وتجذير نفس العلاقة مع الحركة الأدبية الجديدة في البحرين - والجديدة بمعني المغايرة في تقديري، بدأت في ستينيات القرن الماضي وبالتحديد في 1986م عام تأسيس أسرة الأدباء والكتاب في البحرين، ككيان استقطب مبدعي الحركة الأدبية الجديدة وجمهورها العريض المواكب في ذلك الوقت لمجمل الندوات والأمسيات الشعرية التي كانت تقيمها الأسرة.
ولان التجربة الأدبية الجديدة قد غايرت سائد الأدب المطروح في تلك الفترة أو قبلها، فإنها بضرورة طرحها الموضوعي والتقني المغايرين للسائد قد بلورت رؤى إبداعية جديدة طالت المجالات الإبداعية الأخرى، كان الفعل المسرحي أبرزها وأهمها، فيما تواري كثيرا عن مناخاتها الفن التشكيلي، ربما بسبب خشية الفنانين التشكيليين ولوج دروب مغايرة لما ألفوه، وجدوا الأدب فيها يزكي الحياة الاجتماعية المشحونة بالرثاثة والقهر، مواضيع حيوية مؤثرة، ويطرح الأبعاد السياسية بتقدمية توجهاتها كخطاب أدبي جديد، استدعته مناخات الاحتقانات المحلية والعربية عموما كنتيجة مباشرة للنكسات العسكرية والسياسية وغياب الحريات العامة.

كان ذلك مدخلا ضروريا في نظري لإثبات ان التجربة التشكيلية في البحرين ظلت في عمومها بعيدة عن طرح الموضوعات الحيوية الساخنة في فترة زمنية هامة ومفصلية في التجربة السياسية والتجربة الأدبية الحديثة في البحرين إلا فيما ندر وضمن حدود ضيقة لم ترق إلي مفهوم التأسيس الجديد المغاير في طبيعة ضخ المنتج التشكيلي الذي ظلت اغلب موضوعاته تراوح بين محاكاة الطبيعة الحية والصامتة والبورتريهات الاعتيادية والحرف والمهن القديمة ومظاهر الأفراح والحياة الشعبية كالعرضة ودق الحب والمسحر والمراداة وغيرها.. او استلهام مفردات ومظاهر الحضارات التي نشأت علي تراب البحرين وإعادة صياغتها، دون بزوغ أفق شاسع مؤثر ومنظور للوحة التعبيرية الجديدة، المكتظة بالهموم الاجتماعية الإنسانية الشاملة، كانعكاس لما كانت تمور به الحياة في الداخل او الخارج العربي والعالمي وتعضيد ما كانت تطرحه وتركز عليه نتاجات الحركة الأدبية الجديدة في البحرين.. وربما لا زالت العلاقة المفترضة غير قائمة بين الكيانات التشكيلية والكيانات الأدبية والمسرحية في البحرين حتى اللحظة الراهنة، عدا بعض اجتهادات فردية ضئيلة جدا وخافتة.

ولعل من ابرز حالات النأي تلك في تلك الفترة، ندرة او قلة مساهمة الفنانين التشكيليين في دعم الحركة الأدبية الجديدة بالاغلفة التعبيرية والتصاميم والرسومات الداخلية للإصدارات الكثيفة في مجال المجموعات القصصية والروايات والدواوين الشعرية، واستلهام موضوعاتها لصياغة أعمال تشكيلية تواكب حركة الأدب الجديدة وترفدها، وأيضا عدم مساهمة الفنانين التشكيليين منذ تلك الفترة إلي الآن في توفير الاحتياجات التشكيلية الملحة والضرورية والحاسمة في خلق المناخات والأجواء السينوغرافية للفعل المسرحي في العروض المسرحية المتوالية، رغم العدد الكبير نسبيا من الفنانين التشكيليين الذين تزخر بهم البحرين قياسا لعدد السكان ورقعة الأرض.
وأكرر ملاحظة ان ذلك ليس تصورا في المطلق يشمل الجميع.. بل هو يستثني بعض الاجتهادات والمساهمات الفردية المتفرقة هنا وهناك، لكنها لم تواصل فعل المراكمة علي المساهمة الأولي او الثانية كي تضحي تجربة حية متنامية، واضحة المعالم والاتساع الكمي والزمني بحيث لا يتجاهلها قلم الباحث عن ظاهرة، او عين الراصد لانبثاق تجربة لافتة يمكن التعويل علي تناميها وتطورها عبر الزمن وحضورها المتقد إلي اللحظة الراهنة.. متسلحة بالتعدين التقني والموضوعي ومسعوفة بالآفاق الأدبية الحديثة المحلية والعربية والعالمية لتستقر بثبات في عمق بانورامية المشهد الثقافي في البحرين علي اقل تقدير.

تجربتي التشكيلية المحدودة الرقعة، والمتقطعة النفس علي صعيد الإنجاز المستديم والعرض الخاص او المشترك، ترعرعت وعيا وثقافة واتت بعضا من أكلها في كنف ورعاية الحركة الأدبية الجديدة التي أتشرف كثيرا بالانتماء إلي قناعات وثقافات وتضحيات ووعي وفكر المؤسسين لها وكنت واحدا منهم، مما استلزم والحال كذلك ان يأتمنوني علي صياغة اغلفة وتصميمات ورسوم داخلية عديدة لنتاجاتهم الأدبية المتميزة، كنت اسعى جاهدا الاحتفاظ بصبغة الإعلان في تصميمها مع المراعاة في الوقت ذاته ضرورة اختزال الفكرة بترميزية تعبيرية او واقعية فاقعة من اجل اغناء الدلالات والإشارات والترميزات التي كانت تكتنف مضامين المنتوج الأدبي الجديد في شتي فروعه.

وبدافع من لياقة الأدب التي تعلمتها منهم واعترافا بفضلهم انتهز هذه الفرصة للتأكيد علي ان علاقات الصداقة الحميمة التي ربطتني منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بالإخوة الأعزاء قاسم حداد / علي عبدالله خليفة / أمين صالح / علي الشرقاوي / يعقوب المحرقي / محمد عبدالملك / عبدالحميد القائد / إبراهيم بوهندي / علوي الهاشمي / خلف احمد خلف / عبدالرحمن رفيع / احمد المناعي / سعيد العويناتي / إيمان أسيري / حمدة خميس / محمد الخزاعي / صقر الرشود / إسماعيل فهد إسماعيل / وآخرون كثر من محبي الأدب ومبدعيه، ومن العناصر الفاعلة في التجربة المسرحية السبعينية، قد ساهمت إبداعاتهم ووعيهم وبلاغة جلسات النقاش التي كانت تجمعهم في بلورة قناعتي بضرورة تخليق علاقة تفاعلية بين الفن التشكيلي وفنون المسرح من جهة وبين عنفوانية الحركة الأدبية الجديدة، وربما كنت الأوفر حظا من بين زملائي في ذلك الوقت كوني حظيت باصالة اهتمام كل أولئك باهتماماتي التشكيلية والمسرحية، القليلة الوعي والخبرة حينها.
ان الحال الراهن المتمثل في الفجوة والجفوة والضمور بين أضلاع المربع: الأدب (الفن التشكيلي) المسرح الموسيقي، هو بالضرورة نتيجة لافتقاد تأسيس سابق لعلاقة جدلية فيما بين العناصر المبدعة للمشهد الثقافي والفني عند المفصل الزمني الذي تبلورت فيه الحركة الأدبية الجديدة في البحرين، لما لذلك المفصل السبعيني من تاريخية الريادة في تأسيس أدب تلك المرحلة والمراحل اللاحقة. وما تبعثر الاجتهادات والتجارب اليتيمة اللاحقة والحالية في الأدب والتشكيل والمسرح وحالة التشرذم المستشرية إلا دليل بارز ورئيس علي ذلك من وجهة نظري.
ان الشواهد العالمية علي أهمية وايجابية خلق علاقة جدلية بين الفنون البصرية والسمعية وبين الأدب عديدة، وان تضافر وتداخل جهود المبدعين لكل تلك الإبداعات الأدبية والفنية، قد حققت تجارب أصيلة متميزة، لم يغب عنها رصد الباحث والمحلل والمؤرخ، ولم تبرح ذاكرة أجيال من متلقيها.

ولذلك يتبادر السؤال التالي:
كيف يمكن، او عند من تكمن القدرة الخلاقة الفاعلة لاستثمار جفاف اللحظة الراهنة، وترطيب تربتها بإعمال ريادية تساهم في صياغة أبعادها، إمكانيات الإبداع لدي المعنيين بالمشهد الثقافي والفني، مستثمرين تراكم الخبرة وتطور مفاهيم صياغة الرؤى الإبداعية / الأدبية والفنية علي مدي خمسة وثلاثين عاما. انه هاجس مؤجل، ما زالت آمال تحقيقه قائمة، لو انبثقت إلحاحات جماعية نحو تحقيق ذلك، عند المعنيين والمبدعين للفنون في البحرين لإنجاز مشهد ثقافي شامل نزهوا به جميعا.

وبألق فرح التجربة النموذج المستقر في خلايا الذاكرة تطل الوجوه في التجربة الشعرية التشكيلية المسرحية الموسيقية (وجوه) لإبراهيم بوسعد / قاسم حداد / خالد الشيخ / ادونيس / عبدالله يوسف، مفصحة بكل جلاء عن الجدوى الفاعلة المؤثرة لمعني العلاقة الجدلية بين الفنون الإبداعية، شرط تخلي المبدع إلي حين عن أنانية الزهو بإبداعه كي يفسح للفكرة مجال التحليق في آفاق الجماعة المبدعة لعمل جماعي خلاق تقتضيه حالة الركود والاعتيادية التي باتت عليها الأوضاع الثقافية الراهنة. هي فكرة في إطار دعوة للكيانات الثقافية الأدبية والفنية (أسرة الأدباء والكتاب / الملتقي الثقافي الأهلي / الفرق المسرحية الأهلية / جمعية البحرين للفنون التشكيلية / جمعية البحرين للفن المعاصر / فرقة أجراس والجماعات الموسيقية والفنية الأخرى كفرقة البحرين للفنون الشعبية، والعناصر المبدعة في مجال الصوت والضوء وتقنيات الكومبيوتر. هؤلاء وآخرون غيرهم جديرون - فيما لو تم استثمار طاقاتهم الكامنة - علي تحقيق إنجازات ثقافية فنية باهرة عجزت الأجهزة الرسمية المعنية حتى الآن عن تحقيقها او حتى التفكير في جدوى ابتكار قنوات لضخ أوكسجين يسعف رغبة حدوثها.

وأخيرا، قد لا ينتهي الحديث حول ذلك لو استثمرنا الليل كله، لذلك أود تخصيص حيّز من الوقت لمشاهدة نماذج من إعمالي لتصميمات الاغلفة والرسوم الداخلية لمجموعة من الإصدارات الأدبية التي أنجزتها أسرة الأدباء والكتاب منذ عام التأسيس والأعوام اللاحقة، وكذلك بعض إصدارات دار الغد في الكتب والمجلة الدورية (كتابات)، ولجهات أخرى مثل مسرح أوال والروائي الصديق إسماعيل فهد إسماعيل، ونماذج من اللوحات التشكيلية المستمدة موضوعاتها من بعض الأعمال الأدبية والأعمال المسرحية، مراعيا في عرضها تسلسلها الزمني بقدر ما أسعفتني به الذاكرة، بادئا بعرض أول غلاف لأول إصدار أدبي حققته الأسرة وكان لي شرف وضعه يليه أول غلاف كتيب لأول عرض مسرحي قدمه مسرح أوال عندما كان اسمه المسرح البحريني في عام 1970 وتم تغييره إلي الاسم الحالي بطلب من إدارة الشئون الاجتماعية في ذلك الوقت وأول شعار لأسرة الأدباء والكتاب وأول شعار للاتحاد الوطني لطلبة البحرين وما تلا ذلك من تصميمات لاغلفة الكتب وشعارات بعض الجمعيات الفنية والاجتماعية وملصقات ولكتيبات بعض العروض المسرحية.