أمل دنقل

أمل دنقل الذي لا يموت

سيد البحراوي
(مصر)


قبل رحيله مباشرة:
نصار عبدالله وعبلة والطفل كريم
محمد سيف وأمل وشقيقه

حينما طلبت هيئة قصور الثقافة من الصديقة عبلة الرويني ومني إعداد كتيب صغير عن أمل دنقل تضمن مقدمة عن حياته وشعره وبعض القصائد التي لم تنشر، اقترحت أن ينشر الكتاب تحت هذا العنوان.
"أمل دنقل الذي لا يموت" لكنهم لم يتحمسوا كثيرا، ونشروا الكتاب سنة
1990 بعنوان 'أمل دنقل كلمة تقهر الموت' وهاأنذا ذا بعد ثلاثة عشر عاما أجد نفسي ما أزال أذكر العبارة، وما أزال مدفوعا لاستخدامها عنوانا لهذه المقالة فأنا لم أكن أقصد تعزية نفسي أو تعزية الآخرين كما يفهم من العنوان الذي صدر به الكتاب، وإنما كنت أقصد تقرير حقيقة عملية تقول أن الفن الجيد لا يموت وكنت ومازلت أري أن شعر أمل دنقل من أجود ما أنتجه شعراؤنا المحدثون.
مثل شعر أمل دنقل أزمة الإنسان العربي المعاصر في لحظتيها القاسيتين: هزيمة 1967 وتوقيع كامب ديفيد بأعلى درجة من الفنية التي كانت اللحظتان تقتضيانها وخاصة الإيقاع الحاد الذي وشي بالمباشرة والشعارية وقد كان إيقاعا ضروريا لإعلان رفض انتظرته الشعوب العربية وهرب منه الكثيرون أو أعلنوا التسليم بالهزيمة مبكرا ورغم هذا الإيقاع الحاد، فإن التحليل العميق لقصائد هاتين اللحظتين يستطيع أن يكتشف خصائص الحداثة الدنقلية أو التي سميتها من قبل بالحداثة العربية والتي تتمثل أساسا في المفارقة فلسفة وتقنيات كما يستطيع أيضا أن يلمس الذات الشاعرة كامنة بتمردها وبألمها، وهي نفس الذات التي سيطرت بوضوح علي قصائد الغرفة رقم (8) التي هدأ إيقاعها قبل أن يموت.
لم يكن موت أمل دنقل إذن هو الذي أوقف قصيدة المقاومة، بل إن موت حركة التحرر الوطني عند فاصل 1967 هو الذي أوقفها لنفسح الطريق أمام طريق آخر، لا يعيش فيه الشعراء سوي تجاربهم الشخصية (الفردية) ذهنية كانت أو جسدية.. ولهذا كان من الطبيعي أن يتم الهجوم علي النموذج الشعري لأمل دنقل، وأن تتجاهله المؤسسات الرسمية طوال هذا الوقت..
غير أن الشعر الجيد لا يموت.. ولذلك حينما استيقظ الإنسان العربي، وأدرك أنه مازال قادرا علي الاستمرار في التاريخ، وعلي الفعل، بعد طرد إسرائيل من جنوب لبنان، واندلاع الانتفاضة الفلسطينية.
عاد الشعراء لهذا النموذج الشعري.. بل إن المتظاهرين العرب في كل مكان ضد إسرائيل وضد الحرب الأمريكية علي العراق، لم يجدوا سوي هذا النموذج سلاحا يرفعونه في وجه الأعداء. وأنا علي يقين أن الشعراء العرب يعيشون في هذه اللحظات حالة قاسية من الارتباك المركب والقلق أكثر من جميع شعوبهم..
فنحن جميعا نعيش الألم والأسى وعدم الفهم وعدم القدرة علي التوقيع لما حدث وما سيحدث.. أما الشعراء الذين كتبوا قصيدة المقاومة أو الذين لم يكتبوا.. وقد رأوا بأعينهم ماذا تنتظر منهم شعوبهم فلاشك لدي أنهم يعيدون التفكير في أنفسهم.. وفي أمل دنقل.

أخبار الأدب -