أمل دنقل

القصيدة السياسية منذ لاتصالح!
من يقول 'لا' بعد أمل دنقل ؟

يحيي وجدي
(مصر)

عندما كتب عبدالرحمن الشرقاوي قصيدته الشهيرة (من أب مصري إلي الرئيس ترومان' في بداية الخمسينات رأي النقاد فيها تجديدا لشكل ومعني القصيدة السياسية أو قصيدة الموقف الرافض حتى جاء أمل دنقل بديوانه (البكاء بين يدي زرقاء اليمامة) ليشكل تحولا هاما وجذريا في مجري تلك القصيدة.. رفض كامل لما حدث.. للأعداء والمسئولين عن الهزيمة معا هؤلاء الذين لم يصدقوا نبوءة (زرقاء اليمامة) فاستحقوا الهزيمة واستحق (أمل) بعدها ان يكون نبي القصيدة الجديدة وأمير شعراء الرفض السياسي علي حد وصف لويس عوض في الأهرام عام.1972
ولم يقف الشاعر الرافض المرفوض عند حد التجديد في القصيدة بل قدم أيضا نموذجا مختلفا عن الشاعر ذاته عندما خرج إلي الطلاب المعتصمين في ميدان التحرير (قبيلة الرافضين) بقصيدة لهم وعنهم هي (الكعكة الحجرية).. نموذج لم يكن موجودا عند سابقيه أو أكثر مجايليه.. الشاعر العضوي.. شاعر القبيلة الثائرة.
كانت قصائد أمل دنقل السياسية تحديدا رد فعل شعري فوري ومباشر علي الأحداث من داخلها بجمل قوية مباشرة وساخنة كان أمل في قصائده منشغلا تماما بالحدث يتابعه وينطلق منه ويكتب عنه في الوقت ذاته.. كان (أمل) بحاجة إلي ان يكون مشاركا بشكل أو بآخر ليكتب ما يفهمه المتلقي وما يتجاوب معه بشكل مباشر وصريح'.
هكذا يري الشاعر محمد سليمان ملامح القصيدة السياسية عند (أمل دنقل) في معرض إجابته علي السؤال.. أين القصيدة السياسية بعد (أمل)، وماذا عن ملامحها؟ يقول:

'اختلفت القصيدة السياسية بعد أمل دنقل اختلافا كبيرا، فالقصائد السياسية عند أمل كانت في أغلبها تعتمد علي الخطابية والمباشرة وتتكيء علي متابعة الحدث وهو ساخن لدرجة ان بعضهم يتوهم أن 'أمل' كان يتنبأ بالكوارث والنوازل القادمة.. سنكتشف أن قصيدة 'زرقاء اليمامة' كتبت في 16/6/1967 أي بعد النكسة بأسبوع وهي تعتمد كما نعرف جميعا علي أسطورة زرقاء اليمامة التي تري الجيوش القادمة والتي تحذر والتي لا يأبه بها أحد فتكون الكارثة.. لكن قصيدة أمل كانت رد فعل للهزيمة لأنها كتبت بعد وقوعها، أيضا قصيدة 'سفر الخروج' التي تعرف باسم الكعكة الحجرية كتبت في السبعينيات كرد فعل لمظاهرات الطلبة وهي في ديوانه الثالث (العهد الآتي) 'لاتصالح' هي أيضا كرد فعل شعري رافض لمعاهدة السلام المعروفة باسم كامب ديفيد أو هكذا علي الأقل اعتبرها لان هناك ديوانا كاملا كتبه (أمل) أيضا كرد فعل هو تعليق علي ما حدث، ومن العنوان نفسه نجد ان قصائد الديوان تعليق سياسي علي الأحداث بجمل قوية مباشرة وساخنة'.
ويضيف 'سليمان': 'المباشرة هنا والخطابية غلبت علي معظم أشعاره السياسية وحجبت في الوقت ذاته أجمل قصائده غير السياسية مثل أوراق الغرفة 8، العهد الآتي، حديث مع أبي موسي الأشعري وقصائد جميلة عديدة أعتمد فيها أمل علي الذات ووظف تجاربه الشخصية واتكأ علي جماليات السرد واللغة الحميمة والصور الأبسط والنغميات الأهدأ، كما أنه اتجه إلي الملحمي والتوظيف الأسطوري والتراثي، بينما تغيب هذه المعطيات التي تصنع من أمل شاعرا كبيرا.. هذه القصائد و كما قلت حجبت قصائده الأهم'.
قاطعته: لكنها كانت الأعلى صوتا والأوسع شهرة وارتبطت بأمل أكثر في الوقت الذي لم تكتب فيه قصيدة سياسية مختلفة تحوز نفس الشهرة والتأثير؟،
أجاب: علي مدي ربع قرن نحارب بقصيدة (أمل) لاتصالح وننخرط في الصلح مع إسرائيل في الوقت نفسه وكأننا نعتذر لأنفسنا عن تخاذلنا وانهيارات الواقع السياسي العربي والتردي الذي نعيشه.
نقدم التنازل بعد التنازل ثم نصيح لاتصالح، لم يقف أحد عند مغزى بعض السطور في قصيدة لاتصالح.. لم يقف أحد عند 'لاتصالح وليمنحوك الذهب، لاتصالح علي الدم حتى بدم.. لم يفهم أحد معني رفض التعويض أو الدية رفض الصلح القائم حتى علي القصاص الذي تحول إلي صراع عبثي لا معني له، لم يسأل أحد نفسه لماذا استلهم أمل التراث.. كان يسخر من الواقع العربي ويقصد الحكايات القديمة وحروبنا العبيطة، وبداوتنا وحكاية كليب وجساس بن مرة والناقة البسوس والحروب التي دامت أربعين سنة وأبيدت فيها بشكل تقريبي القبيلتان.
أمل اتكأ علي التراث وحاول ان يطرح أسئلة بحدة لكنهم تعاموا مع الشكل الظاهري، مع السطح،
سألته: هذه كانت مميزات قصيدة أمل السياسية فماذا عن ملامح القصيدة السياسية بعد لاتصالح والكعكة الحجرية وغيرها؟
معظم القصائد السياسية ما بعد أمل خصوصا تأخذ شكلا مختلفا، القصيدة في جيلي تختلف كثيرا في أنها قصيدة تتعامل مع الواقع ككل، لم تعد تعلق علي ما حدث ولم نعد نضع فأس المسئولية في عنق حاكم أو نظام بعينه.
المسئولية هنا تقع علينا جميعا، علي الشعوب العربية كلها.. لأننا نظن أن كل شعب يستحق حاكمه كما يقول الاسبانيون.. ستجد لي قصائد عديدة (كالعجائز)، (في مديح القطيع)، (شيء هناك وهنا خطأ).. قصائد تتعامل مع الواقع ككل، ككتلة واحدة لتري في أعماقه كل أشكال الجمود والركود والخراب هنا تصبح القصيدة أكثر عمقا وبحاجة إلي الكثير من التأمل الذي يبذله الشاعر والقارئ لكي يتجاوب معه وفي الوقت نفسه لن تصل إلي القارئ المتسرع، ما نشرناه من قصائد في السنوات الماضية كان يتنبأ بما نعيشه الآن.. لم نكن نعلق علي الأحداث، كنا نرصد ونري المقدمات والنتائج التي ستترتب عليها.. القصائد السياسية عند حسن طلب وعبدالمنعم رمضان وحلمي سالم وآخرين وعند شعراء العامية اتخذت منحي مختلف لقد عشنا مرحلة عبدالناصر والسادات وأعوام الثمانينيات لنكتشف ان هناك خطأ في البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع العربي وان هذا المجتمع هو الذي يولد الطغاة والفراعنة والظلمة وهو الذي يفسح الطريق للفاسدين والمفسدين'.
سألته: لكن ألا تري ان اللحظة الحالية تحتاج إلي قصيدة سياسية كقصيدة أمل دنقل بشكلها الذي رصدته..الساخن المباشر؟
كان السؤال الذي لاحقنا أثناء الغزو الأمريكي البريطاني للعراق لماذا لم يتابع الشعر الحدث ولماذا لم يكن علي نفس مستواه، هذا السؤال ينطلق من نفس الذهنية القديمة التي تربت علي الحرب بالكلام فقط.. يريدون من الشعراء ان يساقوا إلي جبهات القتال.. الشعراء وليس الجيوش.. الكلام وليس الفعل وفرق كبير بين الكلام والفعل.
ويستطرد سليمان:لكن هذا ليس معناه ان تكون القصيدة السياسية معقدة وبالغة العمق وبعيدة عن الحدث، هناك تيارات شعرية مختلفة وهناك أيضا شعر العامية وهي قصيدة لها جمهور أوسع وأعرض، وهناك أيضا القصيدة المباشرة وهي مطلوبة ومداها أكثر تأثيرا لكنها توجه للجمهور المظاهرات هذا الذي تحركه الهتافات وأي جمل موزونة مقفاة، هنا القصيدة تقوم بدور الفرقة العسكرية وليس الجمالي والفني وهو الدور الحقيقي للقصيدة'.
يتفق الشاعر محمد صالح مع 'سليمان' في أن قصائد أمل دنقل السياسية برغم شهرتها إلا أنها ليست أجمل أعماله، ويري في دواوينه غير السياسية 'كأوراق الغرفة 8' وغيرها جماليات أعمق من الأخرى، لكنه يختلف حول الظروف الموضوعية التي أنتجت قصيدة (أمل) السياسية.. يقول: 'أمل دنقل كان نموذجا للشاعر الطرف.. فقصيدته السياسية لم تكن تواكب فقط حركة الشارع وتعبر عنها أو تتنبأ بها كما في 'زرقاء اليمامة' بل كانت طرفا أساسيا.. لأن مثقف مرحلة (أمل دنقل) كان هو نفسه المحرك السياسي للأحداث التي كتب عنها الشاعر.. مرحلة كان للشاعر فيها موقع ووظيفة لم تعد موجودة الآن.. وظيفة الشاعر النبي أو شاعر القبيلة هذا النموذج اختفي الآن لاختفاء الظروف الذي أنتجت هذا النموذج، وهذا يجعلنا نتساءل أين الحركة السياسية المنظمة أو شبه المنظمة في الشارع والتي لها موقف واضح ومحدد وبرنامج عملي للرفض يواكبه الشاعر بقصيدته.. إذن جمهور قصيدة أمل دنقل السياسية كان موجودا وجاهزا ومعدا لاستقبالها. هذا ليس معناه ان القصيدة السياسية انتهت أو لم تعد موجودة بل اختلفت مع اختلاف الظرف. لأن الكتابة أصلا تنطوي في جوهرها علي ثورة ورفض.. أي كتابة حقيقية تنطلق من رغبة في تغير الواقع والتأثير فيه.. الواقع هو ما اختلف الآن وبالتالي اختلفت القصيدة وشكلها وبنيتها وجمالياتها هناك بالطبع فرق بين شاعر وشاعر.. هناك شاعر كبير وموهوب مثل (أمل) يتعاطى المناسبة أو الحدث فتظهر موهبته عن عشرات آخرين كتبوا عن نفس المناسبة أو الحدث ومن هنا تأتي قيمة القصيدة وتأثيرها، لكن هذا لا يساوي انه لم يعد هناك شاعر يكتب القصيدة السياسية بنفس القوة والتأثير.. نحن نعيش حالة جذر واضحة علي المستوي السياسي والاجتماعي ومن الطبيعي ان ينعكس هذا علي شكل القصيدة الحالية وليس من العدل ان نقارنها بقصائد أمل دنقل أو غيرها وإلا فعلينا ان نعيد السياق الذي كتب فيه أمل قصائده وهذا مستحيل'.

انتهى إذن الظرف التاريخي الذي أنتج أمل دنقل وقصائده ولم يعد واردا بحسب رؤية كثيرين عودة نموذج الشاعر الرافض المحرض وشعره باعتبار ان ما كان كان، ولن تعود بالطبع للقصيدة السياسية قوتها ولا تأثيرها لكنه ورغم اختفاء الظرف أو تغيره استمرت قصيدة أمل.. قصيدة الظرف القديم إلي الآن ومازال ل (لاتصالح) وغيرها حضورها القوي وسط جمهور ربما لم يعاصر شاعرها أو يره، ألا يعني هنا احتياجا لتلك القصيدة وجوهرها بما يتناسب مع الظرف الجديد؟، سألت الشاعر فتحي عبدالله:
لم يصل أمل جماهيريا وهذه احدي الأكاذيب التي تروج عن شعر أمل، وكل ما حدث في مظاهرات الجامعة أو غيرها من مظاهرات أن استعادت بعض النخب الثقافية أو التي لها تماس مع الثقافة بعض قصائد أمل وهذا لا يمثل استهلاكا جماهيريا، لأن المؤسسة الثقافية والإعلامية لم تلعب الدور المطلوب للتوصيل، ثانيا: لأن الجماعات المستهلكة للشعر علي مر العصور ضيقة ومحدودة'.
قاطعته: ولماذا لم يكن ذلك بسبب غياب هذا الشكل عند الذين جاءوا بعد أمل دنقل؟
لم تخل الشعرية المصرية من اعتماد السياسة كجزء أساسي في إنتاج هذه الشعرية وما مشروع حسن طلب بارستقراطيته اللغوية التي فصلته عن الجماهير ولا ابتذال وسوقية حلمي سالم حققت النجاح المطلوب جماهيريا وفي ظني ان أحمد طه هو الشاعر الوحيد الذي يعد استمرارا لظاهرة الشعر السياسي بعد تجربة أمل دنقل.. إلا إنه تحت هواجس عقلية واضطرابات اجتماعية انفصل عن تجربته هو الآخر.
أما الحلقات الأخرى (الثمانينيات والتسعينيات) فقد ولدت مع التغير النوعي لمفهوم الشعر ودور السياسة فيه قد وقعوا في الابتذال والانفصال كليا عما يحدث في المجتمع من تغيرات حادة وعنيفة وانشغلوا بتجديد النوع اعتمادا علي الذات المحصورة والضيقة التي أنتجت متشابهات شعرية، لم ينج منها إلا الذين عاشوا مع المجتمع وما يحدث فيه. قد حدث ذلك بصحبة فساد المؤسسات السياسية والثقافية التي أخرجت الشعر من حسابها وأصبحت تعمل ليل نهار لتدميره وهذه ظاهرة لم تحدث في مصر منذ ان عرفت الشعر خاصة وان هذا النوع قد تحرر من الغرض القديم كالهجاء والمديح للسلطة'.
إذا أنت تتفق معي في ان القصيدة السياسية الحديثة أو الجديدة عاجزة عن التعبير والتأثير لأسباب كثيرة ذكرت أنت بعضا منها، وهذا يعني إننا نحتاج لقصيدة سياسية مختلفة؟
'بالطبع، ولكن ليس بطريقة أمل... لا لسبب شعري وإنما لسبب سياسي، نحتاج إلي نص آخر... مختلف، وتكتب هذه القصيدة الآن وربما تكون نصوص عماد أو صالح، وحسن خضر وجرجس شكري ومحمود قرني تعبر عن ذلك أما أنها لم تؤثر نفس التأثير فهذا لأنها لم تقرأ ولم تستهلك'.
إذن ما الذي يعطي 'لاتصالح' مثلا هذه الديمومة رغم اختلاف الظرف الذي تتحدث عنه؟
لاتصالح شعرية نادرة واستثنائية وليعود ذلك إلي ما هو قبلي أو سياسي بها وإنما يعود لعبقرية أمل في اكتشاف العواطف. وانفعالات الإخوة فيما يحدث لهم في الحياة وهذا ما يعطيه الديمومة، أما ما هو سياسي فعابر وفي ظني انه احدي مميزات الكتابة لدي أمل وليست الكتابة كلها'.

'الشعر السياسي ليس تابعا بالضرورة لحدث سياسي بعينه أو ظرف متفجر لأن هناك أحداثا اكبر وأعمق لا تواكبها قصائد سياسية بالمعني المباشر كما كان يحدث سابقا.
هكذا يبدأ الشاعر أحمد طه إجابته على نفس السؤال مضيفا.. 'الشعر السياسي المباشر يلزمه منظمات سياسية تدفع بسخاء وتنشر هذا النوع من الشعر وتمجد الشاعر وتروج له كل هذا لم يعد موجودا الآن، اختفي تماما.. ثانيا جمهور الشعر نفسه تغير ولم يعد هو نفسه جمهور أمل دنقل.. جمهور لاتصالح كان جمهور الأبيض والأسود جمهور القيم المتقابلة.. الرجعية والتقدمية.. الإمبريالية والتحرر الوطن، لكن الآن لا الحدث ولا التفاصيل اليومية تتناسب مع هذه المفاهيم التي تغيرت لم يعد الأبيض والأسود موجودا، هناك..
الآن¬ ألوان متعددة في زمن أمل كانت السياسة هي المدخل الوحيد للثقافة تماما مثلما كانت العسكرية هي الطريق الوحيد للسلطة.. عالم 'أمل' كان ذروة الإيديولوجيات قبل ان تموت نهائيا.. عالم أحلام وبرامج الأبيض والأسود¬ كما قلت¬ القادرة علي بناء قصيدة بلونين فقط، أمل كان آخر الشعراء الجاهليين.. الآن تغيرت القبيلة التي كان يمثلها لم يعد نفس المجتمع البسيط موجودا وما يجد من أحداث كبيرة ومتشابكة يحتاج هضمها الي شاعر مختلف بأدوات جديدة وصوت مفارق يحلل لا يقرر ويتجادل ولا يحرض وكما نري فالقصيدة المباشرة ليس لها أي صوت أو قيمة.. المناخ المختلف ينتج شعرا مختلفا وشعراء مختلفين، أقول انه لو عاد أمل دنقل للحياة الآن في هذا المناخ بنفس أدواته القديمة فسيكون مدعاة للسخرية'.. ويضيف طه 'وجود واستمرار بعض قصائد أمل دنقل السياسية لا يرجع الي القصائد نفسها ولكن الي جيل 'أمل' الموجود حتى هذه اللحظة علي سدة المناصب الثقافية والإعلامية.. الجيل الذي يحكم ويتحكم في الثقافة الرسمية نحن نعيش ثقافة ستينيه بدون 'ناصر' هذه الثقافة الذي أنتجت شعر أمل ومن مصلحتها أن تروج له ولشعره هذه الثقافة تحتضر في العالم كله لكنها مازالت تقاوم الموت هنا واستمرار شعر 'أمل دنقل' وجيله يعطيها¬ كما تتوهم بعض الحياة، أما القصيدة الجديدة بعد أمل أو المختلفة عن أمل فهي لقارئ لابد وان يكون لديه رؤية تحليلية يشرح القصيدة ويتفاعل معها وهذا ضد الترجيع والترداد'.
يختلف حسن طلب بداية مع مفهوم وتوصيف القصيدة السياسية مؤكدا علي انه لم يعد هذا التصنيف موجودا ضمن الحس النقدي الحديث والتطور الذي لحق بالقصيدة 'لأن الشاعر عندما يكتب فانه يمارس فعلا سياسيا بالأساس بغض النظر عن الغرض هذا الذي اختلف تماما في لحظتنا الحالية، فالقصيدة التي كان يكتبها الشاعر بقصد سياسي كقصائد أمل ومظفر النواب ونزار قباني في أشعاره السياسية أصبحت تاريخا والشعر التابع لهذه القسمة شعر ينتمي الي المدارس النقدية التي عفا عليها الزمن.. القصيدة لم تعد تكتب لغرض معين ولذوق محدد سلفا القصيدة الحديثة والتي يمكن اعتبارها سياسية أيضا هي التي تبحث عن توكيد الذات في عصر القطيع وزمن الحريات المفقودة والشعارات السلطوية، لكن السياسة بشكل عام عندما تكون معيارا فنيا فأنها تبحث عن الشعار لاعن الشعر، كذلك لم تعد الإمبريالية مثلا هي العدو الوحيد لو طبقنا هذا علي ما حدث ويحدث في العراق الآن.. الوضع اختلف وكذلك ما نسميه بالقصيدة السياسية'.
ربما كانت التحليلات من نوع انتفاء الظرف السابق واختلاف الجمهور حجة مثقفة منطقية أو دفاعا متماسكا.. لكنها لن تغير من الواقع شيء.. واقع غابت فيه 'لا' السياسية الجمالية والفنية منذ أن قالها أمل واضحة قوية فأعطاها وأعطته الديمومة والخلود.

أخبار الأدب

رجوع