أم مجرد ثرثرة الكترونية؟

(المدونات الالكترونية كما يراها ابو هواش، جلعاد، الزين، جبران، الطوخي، عبد الله ورخا)

عناية جابر
(لبنان)

كثرت المدوّنات على شاشات الكومبيوتر، حتى باتت أشبه بحسب الصديق الشاعر سامر أبو هواش بجمعيات خاصة، يشترك فيها عدد من الأفراد قد يزيد وقد ينقص بحسب «مواضيع» واهتمامات «المدونة وصاحبها أو أصحابها. وتشبه هذه الجمعيات أو العائلات الصغيرة، تلك الجمعيات التي تبرز في الغرب، حيث يجتمع مرضى السمنة او ضحايا العنف المنزلي في حلقات يعرضون أو يكشفون فيها عن مشاعرهم، وهذا من شأنه أن يساعدهم على الشفاء من تجربتهم القاسية.

المدونة هي تلك الحرية في نهاية الأمر، من الرقيب. الرقيب على الأمور كافة، السياسية والدينية واللغوية والأخلاقية والجنسية وسوى ذلك. في المدونة، التعبير في حدوده القصوى خارج كل القيود، وهي الحل المتاح والممكن أيضاً للذين يودون عيش حياتهم وكلماتهم وأفكارهم من وراء قناع. رفعت المدونات سقف الحرية وسحبت أيضاً الغطاء عن «الإنشاء العثماني» والتعبير للشاعر الصديق حسان الزين. عن انتشار المدونات على شبكة الانترنت وعن أصل المدونة، من كلمة «تدوين» ولها امتداد في التراث العربي ايضاً، العباسي خصوصاً، وعن تنوعها واستعمالاتها وسوى ذلك، قاربنا في هذا التحقيق آراء بعض الشعراء والكتّاب والروائيين الشباب: الشاعر والروائي الفلسطيني سامر أبو هواش، والشاعر الكاتب اللبناني حسان الزين، والقاص والكاتب المصري يوسف رخا، والروائي والكاتب المصري نائل الطوخي، والشاعر الأردني حسين جلعاد، والكاتب السعودي خالد العبد الله، والكاتب والاعلامي اليمني جمال جبران، لنقع على عوالم وأفكار عن المدونة، وأمزجة وأسئلة كل بحسب فهمه وحاجته الى مثل نوع هذه المدونات، التي تتكاثر كالفطر، تحت عنوان كبير هو حرية التعبير، ولكن مع بعض التحفّظات هنا او هناك، صاغها اصحابها كل على طريقته.

صفحة بيضاء

الشاعر سامر أبو هواش كان قد لفته خبر قبل ايام عنوانه أن «الانترنت قد تنهار في أي وقت» ذلك لأن الشبكة يضيف سامر باتت ترزح تحت ثقل مليارات المعلومات، وهذه مشكلة باتت تواجه وستواجه أكثر الشركات العديدة المعنية بهذا الأمر. وفي الخبر أيضاً ان هناك بحثاً مستمراً عن طرق تكنولوجية لتوسيع قدرات الشبكة العنكبوتية. ومع ذلك يضيف سامر تخيلت يوماً يأتي يتحقق فيه الأسوأ فعلاً، فيفتح المرء جهازه ويجده صفحة بيضاء، فلا يستطيع «الإبحار» بين الصفحات، ولا الدخول إلى بريده الالكتروني وإرسال الرسائل واستقبالها. لا بد من أنها صورة متشائمة تشبه الصور السوداوية عن عودة العصر الجليدي فجأة، وانتهاء الحضارة البشرية كما نعرفها. ويطرح مثل هذا الاحتمال سؤال الذاكرة. هل يمكن اعتبار صفحات الإنترنت مستودعاً أميناً للذاكرة؟ أم أن شيئاً ما، فيروساً ما يمكن ان يأتي في لحظة على ما سجلته الذاكرة الالكترونية فجأة، مثلما لنقل قد يأتي حريق على محتويات مكتبة او ارشيف ما؟ المدونات عملياً، في بعض استخداماتها الفردية، هي دفتر يوميات الكتروني، مفتوح على العامة. شخصياً، وبعيداً عن صمود المدونات أمام اختبار الذاكرة، هذا الانفتاح على العموم، الذي هو في صلب معنى المدونة، هو من أسباب عدم انجذابي إليها، لا قراءة واطلاعاً، ولا إنشاء المدونة تخصّني. عدد كبير من المدونات العربية ذات الطابع الاجتماعي، هي كناية عن ثرثرة الكترونية، تحتشد فيها النكتة، مع المعلومة التي هي من قبيل «هل تعرف عدد اسماء الأسد»، او «ما هو صوت البقرة».. الخ، اضافة الى التعليقات الدائمة حول الزواج و«تعريف» الرجل والمرأة، وهذه المدونات تكون عادة (لسبب غامض) مليئة بالزهور... وقد يصادف فيها المرء من حين لآخر أبياتاً من الشعر.

من جهة أخرى يضيف سامر لا يستطيع المرء أن ينكر الازدهار الهائل للمدونات العربية ذات الطابع السياسي، والتي باتت بمثابة «هايد بارك» الكتروني مفتوح يعكس رغبة الملايين من العرب المحرومين من التعبير السياسي في بلدان عربية كثيرة، في ان يكون صوتهم مسموعاً. وهذه بحد ذاتها مفيدة، غير أنها ليست ساحة للنقاش السياسي بقدر ما هي منبر يعبر فيها المرء عن رأيه السياسي الذي قد يكون غاية في التخلّف والرجعية. للدين نفسه حصة هائلة في المدونات. تبقى التجربة الإنسانية الفردية، الأكثر حضوراً في «المدونات» في الغرب، والأقل عربياً. هذا النوع من المدونات لا يزال خجولاً، لأنه لم يتجاوز حدي الثرثرة والفضائحية الى التعبير الفعلي عن التجربة الفردية. أهمية المدونة هي تجاوز السرد التقليدي للحياة، والمحكوم بعدد من القيود، ومقاربة التجربة الفردية بجرأة لغوية أكبر، بل فتح الباب على لغة جديدة، واسعة. المدونة حتى الآن لم تسجل اختراقاً على الصعيد السردي، وننتظر أن نفاجأ بلغة أدبية جديدة، ينتجها هذا الوعاء التعبيري الذي لم يعد جديداً.

جداريات الشوارع

الشاعر حسين جلعاد يرى في المدونات حالة أكثر تفاؤلاً من أبو هواش. جلعاد يقول فيها إنها تشبه جداريات الشوارع لرسامين مجهولين في المدن الكبرى. هذه المساحة المنتزعة من الحرية في ليل العالم. خذ مساحتك وتكلم. وجدانياً يقول جلعاد أميل الى المدونة أكثر من المواقع الالكترونية المؤثثة بعناية. في المدونات تستطيع أن تضع كرسياً وتجلس في الشوارع الافتراضية، تثرثر وتغني على ليلاك. سيهز العقلاء الآن رؤوسهم او الثقلاء لا فرق وسيطلون علينا بمقولات المسؤولية التي تقع على عاتق المدون في أن يكون مسؤولاً عن كل ما يكتب. أنا أرفض مصادرة الحرية باسم المسؤولية، منذ متى احتاج إذناً من الرقابة الاجتماعية والسياسية كلما رفعت سماعة الهاتف لأهاتف صديقاً أو عزيزاً. الانسان الحر هو مسؤول بالضرورة، والمدونة صرخة لا يحدها حد، حرية خالصة. أهم ما أتاحته المدونات يضيف جلعاد انها رفعت سقف الحرية وسحبت الغطاء عن الإنشاء العثماني، والأهم انها تعطي الكتابة زخماً جديداً. هناك حيوية تفاعلية تتيحها المدونات لكاتبيها ومتابعيها. الأخبار تنتقل بسرعة البرق. الآراء تتبلور بعد مطاحنات ومشاحنات غير مؤذية، والأهم غير دموية. إنها نوع من الحرية السلمية، هايد بارك الكتروني. المدونات في الدول التي يقرأ ناسها، تحولت الى ما يشبه خلايا للرأي العام. قد لا نتوقع غارسيا ماركيز الكترونياً يطل علينا من هذه الجدران الالكترونية، لكنها تساهم في خلق جو من تشابك الأفكار وتفاعلها. انها عتبة من عتبات الانفتاح الإنساني، ولعل ذلك أشد ما يحتاجه المجتمع البشري بعد أن وشمت العسكرتاريا جبين العالم بالكراهية والتعصب وفوبيا الآخر.

الشاعر حسان الزين يحب المدونات، الأصح فكرتها التي تدعو الذات إلى مساحات شاسعة خاصة وحرة. بين حين وآخر، يتحمس الزين ليكون لديه واحدة، ويُغريه يقول حسان حلم يقظة إنه مواظب عليها كتابة وتحديثاً، «لكنني أجدني متكاسلاً استهول الشروع بمهمة تربطني والمرجح أنني سأخضعها لمزاجي وتقلباتي الراديكالية جداً هذه الفترة».

هكذا يضيف بقيت زائراً للمدونات لا أستغني عنها ولا أتجاهلها، وأحب الحساسية واللغة الجديدتين اللتين أحتفي بهما حين أعثر عليهما في الكثير من المدونات، خصوصاً شبيهة الرسائل التي لا عنوان تأتي منه ولا عنوان تذهب إليه، فأحس أنني منقّب وتستهويني فكرة جمع تلك النتف. فهذه المهمة سهلة.

المدونات التي يرى فيها كثيرون، بما في ذلك اصحابها، بديلاً من المواقع، وتالياً هي ليست محترفة، أجد فيها تعبيراً يضيف حسان او تعبيرات عديدة عن النزعة الفردية في التعبير عن الذات خارج قيود المؤسسات الإعلامية ومصالحها وحساباتها وخطوطها الحمر وتقاليدها المهنية، بل وخارج مصالح المواقع (لا سيما التي يديرها أدباء وشعراء وصحافيون) وحساباتها، وما أكثرها. لعل من الغريب على صحافي يعمل في الوسائل المكتوبة على أنواعها أن يحب المدونات التي يُخفي أصحابها أسماءهم وهوياتهم، وخصوصاً التي تروي اليوميات، وتحكي بصراحة وشفافية من دون اكتراث بالاسم والاعتراف الأدبي والصحافي. بينما غالبية المدونات التي يظهر فيها اصحابها أسماءهم الحقيقية مثقلة في المواقف الأيديولوجية والقومية والشعارات الكبيرة التي ملّت نفسي منها. المدونات بحسب حسان الزين، التي تهتم بالذات والإنسان والحياة بما هي عيش وفن عيش، تريحني وتشعرني بالصدق وبأن الكتابة البسيطة في الدرجة صفر، وأعثر فيها على أدب وشعر، ولو في عبارات متفرقة حيث اللغة قوية وشيفرة للروح، وليس لأي اعتبار اجتماعي.

التواصل ها هنا، هو مجاني بلا غاية تتجاوز التعبير عن الذات التي تحترف نفسها وقولها. هذا ما أحبه في المدونات وما يغريني. لذا لا أزور إلا لهدف معرفي إخباري المدونات السياسية وهي كثيرة ويديرها نشطاء غالباً هم معارضون. علماً أن المدونات باتت لا تنفصل عن العمل الصحافي، المؤسساتي والفردي وقد أنتجت تقاليد أدبية ومعنوية في أميركا وبعض أوروبا. وهي، أي المدونات في هذه الحال، تعبير عن حرية الإعلام وبحثه عن معلومات ومصادر معلومات وعلاقته بها وطريقة تعامله معها. والمسافة بيني وبين مدونات و(مواقع) الأدباء والشعراء الذين أنفر من مجتمعاتهم وشخصياتهم محترفة الحسابات وخوض الحروب الصغيرة المتمحورة حول الأنا، فهي أبعد، أبعد بكثير، مما هو بيني وبين السياسة.

لجمال جبران، المدونة هي حل وممكن لأولئك الذين يودون عيش حياتهم من وراء قناع. وأنا يقول جمال واحد منهم، اعترف. لديّ مدونة. أفعل فيها وأقترف كما وأستبيح جسدي. أقول فيها ما يقوله الفتى بينه وبينه. ما يفعل فيها استرجاعاً لمراهقته الأولى، وهي تلك التي لا يودّ، وأبداً، إطلاع أحدهم عليها. هي مدونة لي وحدي، إذ أخشى بحكم الثقافة المسيطرة عليّ كما والممسكة بعنق البيئة الاجتماعية التي أنتمي إليها والمعادية للبوح والكلام المفتوح، هي مدونتي وحدي، وأقول فيها ما أقول ذاهباً إلى أقصى درجات البوح، وأفعل هذا من وراء اسم وهوية مستعارة. مجرد اسم يقول جمال أو حائط أحتمي خلفه لأكتب مطمئناً وبراحة بال. لأكتب متحرراً من أثقال شتى. إلى هذا، يروقني «التلصص» على مدونات الآخرين، التلصص بما هو فسحة لها أمر تمكيني من اختراق وعيش حياة وتفاصيل وأسرار الآخرين. هو نوع لذيذ من النظر الى قلوب مدونيها عارية بلا ستار. وغالباً ما تكون مدونات مصرية بحكم تقاطعي «العاطفي» مع مكونات البيئة المصرية وطريقة حكيها للأشياء. فيما يخص المدونات اليمنية، هي ما تزال تراوح، على قلتها، في البدايات، أي في المدونة بشكلها الأول والبسيط والخالي من الابتكارات وعناصر الإدهاش. هي لا تبعد، هنا، كثيراً عن طبيعة مجتمعنا ذاته، النائي بطبعه عن المبتكر والمدهش.

طفل لقيط

نائل الطوخي يقول في مدونته، إنه منذ شهرين فقط كان يلجأ اليها بقلة اهتمام، ويكتب فيها كل شهور موضوعاً، حتى كتب له أحدهم قائلًا إنه يعامل مدونته كاللقيطة، حتى أضحت خرابة. كتب صديقي التعليق في المدونة يقول نائل المدونة عينها التي صارت خرابة، بنص تعبيره.
طفل لقيط يردف نائل وأرض خراب، ثمرة اللقاء الجنسي وحيزه. لا يمكن فصل المدونة عن شهوة الكثير منا لأن ينجب للهواء، للحرام، طفلاً لا يحمل اسمه. أكثر المدونات رواجاً هي تلك غير المعروف اصحابها، آباؤها، لأنها تمنح المدون أكبر قدر من الحرية، بالضبط مثل شخص يغتصب قحبة في خرابة، عارفاً أنه لن يلزم منها بشيء، ولا حتى بابنه الذي سيخلق للعدم. سيصير لقيطاً بتعبير صاحبنا. جزء كبير من ثورة «كفاية» في العامين الماضيين قام على اكتاب المدونات، المدوّنات مجهولة النسب.

المدونة حيّز من الخراب، بوصفه اختباء من العمران، بوصفه حرية، ويمكن اعتبارها مقهى ايضاً، تلتقي فيه بالعابرين من اصحاب المدونات المجاورة، يمرون فيلقون السلام، يعلقون عندك ويتركون توقيعات مدوناتهم فتدخل، بدافع الذوق والفضول، وإذا أعجبك الحال ترمي تعليقاً، وإذا لم يعجبك فيكفيهم شرف زيارتك لهم يا باشا.

حررتني مدونتي يضيف نائل من رقيب بداخلي، رقيب الفصحى، صرت أصيغ جملي الأدبية بالعامية المصرية. وبالضبط مثلما تعلمك المقاهي كيف يمكنك النطق بكلمات المثقفين من دون أن تبدو أكثر حذلقة من قدرة مستمعيك على الاحتمال، هكذا تفعل المدونة، ومن لا يعدل لغته لتبدو أكثر رشاقة، من ينسخ مقالاته المنشورة في الصحف على صفحة المدونة، هو الأثقل ظلاً بطبيعة الحال، هو من يعرّض نفسه لأن يراه الجميع ويماهوا بينه وبين الشخصية الورقية التي تنشر في الصحف، هو من يُضبط متلبساً بالابن الذي سيحمل اسمه الى الأبد.

الشاعر خالد عبد الله يرى في المدونة العربية أنها مشوبة بالكثير من الأخطاء التحريرية واللغوية. يقول عبد الله: «لم يسبق ان وجدت فسحة من التواصل ومن تنوع طرق التعبير وحرية النشر بحدود الممكن في وطننا العربي كالتي أحدثها انتشار المدونات على شبكة الانترنت. ربما لأن كلمة «تدوين» لها امتداد في التراث العربي أيضا، في العصر العباسي خصوصاً، أوجد نوعاً أدبياً جديداً قد يتأصل في اللغة العربية حيث أصبحت المدونات من أنواع الكتابة الإبداعية والصحفية في لغات أخرى.
عدا عن الأخطاء التي تشوب المدونات، هناك فسحة الحرية التي تسمح في نقل الأخبار الممنوعة، والتي جعلت من مدونين عرضة للملاحقة والسجن. الاتحادات التي ينشؤها بعض المدونين، مثل تجمع المدونين اللبنانيين، مع أن أغلب المدونات تحرر باللغة الانكليزية، قد تهيئ لنوع كتابي يلتزم ويؤسس لمعايير تحريرية جديدة في الصحافة العربية. في الحرب الأخيرة على لبنان، شكلت المدونات نافذة على عوالم اللبنانيين المعيشية وجعلت من المدونات جسور مساعدات لم تستطع الطائرات الإسرائيلية ضربها، وكما هو معروف في انتشار المدونات المناهضة للحرب الأميركية على العراق.

مع كل حدث ساخن يضيف خالد يلحظ نشوء مدونات تغطي هذا الحدث وتنقل آراء مختلفة ومتناقضة أحياناً، ولكنها قد تكون أقرب إلى واقع الحال، كما في الأحداث الراهنة في مخيم نهر البارد. بعض المدونات أصبحت مصدراً خبرياً يومياً، مثل مدونة «وكالة أنباء العربي الغاضب» حيث تحتوي على تنوع خبري وأدبي وترجمات شعرية ومراجعة نقدية يومية للأحداث الراهنة في الشرق الأوسط. تبقى المدونات أصدق أنباء من «الجرايد» العربية.

مدوّن لا يقرأ المدوّنات

القاص والصحافي يوسف رخّا، كتب في المدونات: «لم يكد يغمض غوتنبرغ حتى ارتعشت خطوط التلفون تعطس شاشات جعلت الجميع كتاباً وفنانين وحولت النشر والانتشار الى سبل مجانية لتمضية الوقت. كيف يفرح كاتب بمثل هذه الحرية؟ ومع ذلك دائماً ما كان يثيرني شكل المدونة تحديداً لما يطرحه من احتمالات أدبية وتقاطعات بين الأدب والحياة. كقارئ أصابني منها ما يصيبني من الصحف منذ المراهقة: إحساس طاغٍ باللاجدوى. أنا صحفي لا يقرأ الجرائد، وهذه حقيقة لا بد أن لها مدلولاً أعمق من احتقاري للآني وقرفي من الكذب ويأسي من تطور الأوضاع. منذ زمن قريب صرت، بالإضافة الى ذلك، مدوناً لا يقرأ المدونات! ربما السر في ذلك هو عددها المخيف، او تفاهة القسم الأكبر منها، او كوني لا أستريح للقراءة على الشاشة في مقابل الورق.
لا شك عندي في جدوى المدونات كبديل حتى للنشر الالكتروني المحكوم بسياسة هيئة ما او مطبوعة. في مصر مثلا، أفضى موت الصحافة كمجال فاعل لتقصي الحقيقة، سواء في الجرائد الحكومية او جرائد المعارضة، عن انتقال مسؤولية الكشف عن التطورات السياسية والاجتماعية، وما تستتبعه تلك المسؤولية من اعتقال أمني الخ.. الى مجموعة من الشباب المدونين. أما أنا فأستخدم مدونتي كدفتر مفتوح أدعو اليه الأصدقاء فقط، ليشاركوني بعض ما أقوم به أدبياً وفوترغرافياً، وأفرح كثيراً بردود أفعالهم. لا أمتنع تماماً بجدوى ما أكتب، حتى ينشرني أحد غيري!

السفير
16 يوليو 2007