نبيل علي
(مصر)

رفيق شرقتهدف هذه الدراسة إلى بلورة رؤية مستقبلية للثقافة العربية من منظور معلوماتي مع إبلاء اهتمام خاص بشق الفكر الثقافي نظرا لافتقار الخطاب الثقافي العربي الراهن له.
استهلت الدراسة بتناول ثلاثية الثقافة والمعرفة والمعلومات. يكمن جوهر العلاقة الثقافية-المعرفية في كون الثقافة هي ما يبقي بعد زوال كل شيء، في حين تتميز المعرفة بكونها هي المورد الوحيد الذي يبقى ويتجدد دوما، فهو على خلاف الموارد المادية، لا ينضب بل ينمو مع زيادة استهلاكه، ويعني ذلك بالنسبة لنا نحن العرب أن أهم مواردنا هي ثقافتنا ، والإنسان العربي صانع هذه الثقافة وصنعيها، والقادر على إنتاج المعرفة وحسن استغلالها.

إن العالم يمر حاليا، من خلال الإنترنت، بمرحلة يطلق عليها مجتمع المعلومات العالمي، يرى منظرو التنمية أنه يمكن للشعوب النامية استغلاله لبناء نموذجها الخاص بـ"مجتمع المعرفة"، وقد تبنت الدراسة هذا المصطلح بناء على توصية منظمة اليونسكو نظرا لأنه أشمل بكثير من "مجتمع المعلومات" الذي يركز على الجوانب التكنولوجية. اتساقا مع هذا التوجه يصبح الهدف الرئيسي للتنمية الثقافية هو رأب "الفجوة المعرفية" من منظور ثقافي، وهو ما يعني تربويا: إتاحة فرص التعليم أمام الجميع، ولغويا: التصدي لتهميش اللغة العربية بفعل العولمة، وإبداعيا: إقامة بيئة مواتية لتنمية الإبداع، واجتماعيا: التصدي لمظاهر الاستبعاد الاجتماعي بفعل طيف الطبقيات وليدة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكذلك التصدي لانتهاك حقوق الإنسان الأساسية التي باتت تشمل حق النفاذ إلى مصادر المعرفة.
أما عن علاقة الثقافة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات فقد تم تناولها من خلال علاقتها بمسألة الهوية الثقافية. لقد انتاب الجميع قلق بالغ أن تقضي التكنولوجية المعلوماتية على التنوع الثقافي كما كادت سابقتها، التكنولوجيا الصناعية، أن تقضي على التنوع البيولوجي. ولا مكان في عصر الإنترنت لانغلاق ثقافي، وكما ترتبط هويتنا العربية بالماضي فهي ترتبط أيضا بالمستقبل، والمستقبل في عصر المعلومات رهن بقدرة مجتمعاتنا العربية على اللحاق بركب مجتمع المعرفة.

الثقافة ـ كما قيل ـ لا تقبل التهميش، بيد أنها قد همشت في ظل عولمة متمركزة اقتصاديا لا تشغلها الثقافة إلا بقدر كونها أداة لهذا الاقتصاد بهدف تطويع الأسواق لتقبل سلعها الثقافية.
وقناعة الكاتب الراسخة أنه لا أمل في إقامة مجتمع معرفة عربي دون تكتل عربي يتخذ من الثقافة مدخلا رئيسيا، ولدعم وجهة النظر هذه تم طرح الدور المحوري الذي تسهم به الثقافة في التكتل الأوروبي وتكتل إقليم جنوب شرق آسيا من خلال منظمة الإسيان.
ارتكزت الدراسة على تقديم منظومة الثقافة في عصر المعلومات على هيئة منظومة شاملة تتكون من عدة منظومات فرعية هي: التربية والإعلام والإبداع والتاريخ والفكر الثقافي. تتمحور هذه المنظومة الشاملة، حول منظومة اللغة التي أكدت الدراسة على كونها البداية الملكية لبناء مجتمع المعرفة العربي، والتالي أهم التوجهات الرئيسية للمنظومات الثقافية الفرعية وكذلك المحاور المتوقعة لتطوير الفكر في الفرع الثقافي المتخصص.

أولا: ثلاثية الثقافة والمعرفة والمعلومات: رؤية عربية مستقبلية

1 : 1 مجتمع المعرفة: رؤية ثقافية عربية مستقبلية

(أ) جوهر العلاقة بين الثقافة والمعرفة: من منظور عربي
الثقافة ـ كما أوجزها البعض ـ هي ما يبقى بعد زوال كل شيء، والمعرفة ـ على خلاف الموارد المادية ـ هي المورد الوحيد الذي يبقى وينمو مع زيادة استهلاكه، ربما يكمن هنا جوهر العلاقة الوثيقة والتي تزداد وثوقا يوما بعد يوم بين الثقافة وتقانة المعلومات، وعسانا نعي ـ نحن العرب ـ مغزى ثنائية التعريف هذه، فلن يبقى لنا في نهاية الأمر إلا ثقافتنا ومواردنا البشرية، صائغة هذه الثقافة وصنيعتها. وليس أمامنا، بعد كل ما أهدر من مواردنا المادية، إلا مورد المعرفة المتجدد دوما، وإنتاجها وتوظيفها على يد المبدعين العرب صغارا وكبارا، نخبة وعامة.

(ب) "مجتمع المعرفة" لا "مجتمع المعلومات":
كما أفرزت تكنولوجيا الصناعة مجتمعا مختلفا عن مجتمع الزراعة، كذلك أفرزت تكنولوجيا المعلومات مجتمعا مختلفا عن مجتمع الصناعة، ولكن شتان بين هذا الاختلاف وذاك، فالنقلة النوعية إلى مجتمع المعلومات تفوق سابقتها بكثير، سواء من حيث عظمة الآمال التي تبشر بها، أو جسامة المخاطر التي تنطوي عليها، وقد تعددت أسماء هذا المجتمع الجديد، ومن أكثرها شيوعا: مجتمع المعلومات ومجتمع المعرفة. وبرغم ما يبدو من تشابه ظاهري بينهما فإن هناك اختلافا جوهريا من حيث المفهوم، ويستلزم حسمه من البداية، على أساس تعريف دقيق لكل منهما.

  • مجتمع المعلومات: وليد الفيض الكثيف من المعلومات، والانتقال الحر للمعلومات والأفكار، وتنظيم موارد المعلومات، وتمثيلها رقميا بحيث يسهل الوصول إليها وتحويلها وإدماجها.
  • مجتمع المعرفة: القائم على استغلال المعرفة كأهم مورد للتنمية: إن العالم من خلال الإنترنت يمرّ بمرحلة يطلق عليها "مجتمع المعلومات العالمي" يرى أهل التنمية أنه يمكن استغلاله في بناء مجتمع معاصر مغاير تماما لسوابقه، هو "مجتمع المعرفة"، وفي تمكين الدول النامية من بناء نموذجها الخاص له بما يوافق ثقافتها وهويتها الحضارية، وهو تحد هائل بكل المقاييس.

كان لا بد من أن تتبني الدراسة الحالية المتمحورة حول الثقافة وجهةَ نظر منظمة اليونسكو فيما يخص التفريق بين مجتمعي المعلومات والمعرفة، والتي أسفرت عنها المنظمة بوضوح في الدورة الأولى لـ "القمة العالمية حول مجتمع المعلومات WSIS" في جنيف )ديسمبر 2003(، حيث أوصت بتبني مفهوم "مجتمع المعرفة" بدلا من مجتمع المعلومات؛ لقدرة التوجه "المعرفي" أن يتسامى على "المعلوماتي"، الذي يركز على الشق التكنولوجي الاتصالي. بعبارة أخرى: إن خطاب مجتمع المعلومات ينشغل بأمور البنى التحتية، التي توفر الوسائل العملية للنفاذ إلى مصادر المعلومات وتبادلها، وهي مهمة يتكفل بها عالميا الاتحاد الدولي للاتصالات ITU.
إن إقامة مجتمع المعرفة يتطلب من المؤسسات العربية ضرورة تغطية الدورة الكاملة لاكتساب المعرفة، والتي تشمل بجانب مهمة النفاذ إلى مصادر المعلومات، مهام أخرى تشمل استيعاب المعرفة وتنظيماتها وإدارتها وإنتاجها وأرشفتها، وتوفير قنوات التواصل التي تضمن الإنسياب الحر للمعرفة من مستويات التشغيل إلى الإدارة العليا.

(ج) الفجوة المعرفية: من منظور ثقافي
اتساقا مع اتخاذ مفهوم "مجتمع المعرفة" بدلا من "مجتمع المعلومات"، يتطلب الأمر خطابا جديدا لـ "الفجوة المعرفية"، يختلف عن نظيره المعلوماتي التي عادة ما يطلق عليه "الفجوة الرقمية". يندمج في إطار هذا الخطاب الجديد وجهات نظر المفكرين ذوي الصلة بالمجال الثقافي من تربويين واجتماعيين، ونشطاء حقوق الإنسان ومناهضي للعولمة الراهنة، وفلاسفة نوجز فيما يلي وجهات نظرهم:

  • وجهة نظر التربويين: يرون الفجوة المعرفية قضية تعليمية في المقام الأول، ومظهراً لعدم المساواة في النفاذ إلى فرص التعليم، والحل ـ في رأيهم ـ هو إكساب المتعلم القدرة على التعلم ذاتيا مدى الحياة، على اتساعها، باستغلال الإمكانات التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وفي مقدمتها الإنترنت، وتنمية القدرات الذاتية للجامعات ومراكز البحوث.
  • وجهة نظر الاجتماعيين: يرون الفجوة المعرفية ضربا من عدم المساواة الاجتماعية عبر الفواصل الاجتماعية المختلفة: كالدخل والسن والنوع (ذكر/أنثى) ومستوى التعليم وسكنى المدينة والريف (أو المناطق البدوية)، ويرون ضرورة بلورة نظرية اجتماعية جديدة لمجتمع المعرفة، وهو ما لا يتماشى مع مفهوم الفجوة المعرفية.
  • وجهة نظر نشطاء حقوق الإنسان: يرون الفجوة المعرفية انتهاكا لحق الإنسان في تنمية ذاته، بحرمانه من حرية النفاذ إلى المعلومات في صيغتها الأمريكية، وحقه في مواصلة تعليمه وتعلمه.
  • وجهة نظر مناهضو العولمة: يرون أن العولمة الحالية تعمل على اتساع الفجوة المعرفية بسبب نزعتها الاستقطابية الاحتكارية، وهم يؤكدون أن تحرير التجارة والأسواق سيقلل من فرص الدول النامية للحاق بركب اقتصاد المعرفة.
  • وجهة نظر الفلاسفة: يرون الفجوة المعرفية قضية أخلاقية في المقام الأول إلى حد اعتبار البعض منهم أمور التنمية التكنولوجية فرعا من فلسفة الأخلاق.

1 : 2 تعريف الثقافة: من منظور معلوماتي

الثقافة مفهوم زائع، وقد تعددت تعريفاتها حتى زادت عن 150 تعريفا، وهو ما يؤكد تعدد وتباين وجهات النظر في شأنها، وبعد تصنيفها وترشيحها خلصنا إلى أكثر التعريفات دلالة بالنسبة للدراسة الحالية نوردها فيما يلي متنوعة بمغزاه المعلوماتي.

( أ ) الثقافة كنسق اجتماعي: قوامه منظومة القيم والمعتقدات والمعارف والفنون والعادات والممارسات والطقوس الاجتماعية، وصلة هذه المقومات بالمعلومات لا تحتاج إلى دليل، فكل منها ينطوي على شق رمزي، وتكنولوجيا المعلومات هي الأداة المثلى للتعامل مع كافة أنواع الرموز.
(ب) الثقافة كأيديولوجيا: تعرف الثقافة في إطاره بصفتها المنظار الذي يرى الفرد من خلاله ذاته والعالم من حوله. وتتضح صلة هذا التعريف بالمعلومات ما أن ندرك كيف أصبحت تكنولوجيا المعلومات هي الأخرى منظارا نرى العالم من خلاله؛ من خلال شاشات التليفزيون وشاشات الكمبيوتر وشاشات الهواتف النقالة ولوحات التحكم وشبكة الإنترنت التي أصبحت نافذة الإنسان يطل من خلالها على العالم بأسره، وكذلك من خلال نماذج المحاكاة الرقمية للواقع والمؤشرات الأحصائية التي تقدم ما هو قائم وجاز في هذا الواقع بصورة كمية.
(ج) الثقافة بوصفها انتماء: تعبر عن التراث والهوية والحمية القومية وطابع الحياة اليومية والزود عن تلك الهوية للجماعة الثقافية. وتكنولوجيا المعلومات هي الوسيلة الفعالة للمحافظة على هذا التراث، ورصد توجهات الحياة اليومية.
(د) الثقافة بوصفها تواصلا: من خلال نقل أنماط العلاقات والمعاني والخبرات ما بين الأجيال. وهذا التعريف ـ بلا شك ـ أقرب تعريفات الثقافة إلى تكنولوجيا المعلومات، حيث اللقاء المباشر بين التواصل الثقافي واتصالات وشبكات المعلومات ونظمها.
(هـ) الثقافة بصفتها دافعا: على الابتكار والإبداع والحث على النضال ضد القهر وصنوف الاستبعاد الاجتماعي. وهنا يبرز دور تكنولوجيا المعلومات كأداة للمبدعين ونشر الأعمال الإبداعية من جانب، ودور الإنترنت كوسيلة في يد المناضلين والمناهضين لإسماع أصواتهم، وحشد التأييد لمواقفهم من خلال الإنترنت.
(و) الثقافة بوصفها حصادا متجددا: من إبداع الفكر والفنون والمعمار يتم استهلاكه وإعادة إنتاجه، ويكفينا من هذا التعريف مفهوم "إعادة الإنتاج"، ويقصد به –معلوماتيا- إعادة النشر والتسجيل والمزج ونسخ البرامج وتجديد استخدام التراث وما شابه، وهو ما يمكن تكنولوجيا المعلومات من التعامل بأقصى درجات المرونة مع هذا الحصاد الثقافي من خلال ما يعرف مصطلحيا بتكنولوجيا"الرقمنة digitization".
المنظور العربي: وصفت الثقافة العربية، كما أورد عبد السلام المسدي، أنها ثقافة إنسانية أصيلة، شاملة لمظاهر المادة والروح، ذات عراقة تاريخية، تتميز بقيم فكرية عالية وقيم الحق والعدل والمساواة واحترام المعرفة، ثقافة تتمثل الثقافات الأخرى دون إذابة أو ذوبان، تنفرد بجهاز لغوي ليس له مثيل في السعة والمرونة. ولسنا وحدنا الذين نزعم بتفرد ثقافتنا، فمعظم شعوب العالم شديدة الاعتزاز بثقافتها، تسمو بها فوق كل ثقافة أخرى، حتى رأى البعض في هذه النزعة الشوفينية شرطا ضروريا لتكوين الهوية فردية كانت أم جمعية.

1 : 3 الهوية: من منظور معلوماتي عربي

(أ) مفاهيم أساسية حول الهوية: أعادت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات طرح مسألة الهوية انطلاقا من عدة مفاهيم أساسية نوجزها فيما يلي:

  • الهوية ليست أقنوما ثابتا، وهي دائمة التشكل والتغير، والمراوجة بين مواضع التأثير والتأثر، خاصة مع الثقافة المهيمنة عالميا. ومرة أخرى، تمثل تكنولوجيا المعلومات أداة فعالة لرصد ظواهر التغير واقتفاء دينامياته، في ذات الوقت الذي توفر فيه قنوات فعالة لإقامة الحوار مع الهويات الأخرى.
  • لا مكان اليوم للانغلاق الثقافي، فبجانب أنه ينكر على الهوية حقها في التطور والتفاعل والنمو، فقد أضحى أمرا شبه مستحيل في عصر المعلومات.
  • كما ترتبط الهوية بالماضي، فهي ترتبط أيضا بالمستقبل، والمستقبل في أيامنا هذه بات رهنا بقدرة الجماعة على اللحاق بالركب المعلوماتي. ولا يكفي أن يصوب المرء ناظريه صوب ثقافته لكي يحقق تنميته متشبثا بهوية مرسومة سلفا في صدر تاريخه القديم، وليس له إلا أن ينفض عنها غبار الزمن لاستجلابها إلى حاضره. وفي إطار "أركيولوجيا التاريخ"، ليس الماضي هو الذي يؤدي إلى الحاضر، بل الحاضر هو الذي يؤدي إلى الماضي، ويقصد بذلك إعادة بناء هذا الماضي وفقا لمتغيرات الحاضر وتلبية لمطالبه.
  • ستظل الهوية هي الملاذ الأخير الذي تلجأ إليه الأمم والشعوب والجماعات في أوقات الأزمات، ويصدق هذا القول ـ أكثر ما يصدق ـ على الهوية العربية فأصحابها يؤمنون بأنهم أصحاب إرث تاريخي عظيم يفرض عليهم دورا عالميا ينبثق من هذا الإرث التاريخي، والهوية العربية هي ملاذ العرب وهم يواجهون الصدمة المجتمعية الحادة التي أحدثتها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

(ب) الهوية شاغل الجميع: لقد أصبحت الهوية شاغل الجميع، فها هم أهل فرنسا، رائدة الثقافة عالميا، راحوا يتساءلون ما هي فرنسا؟ أما أهل اليابان الذين سبق لهم أن طرحوا بشدة سؤال الهوية، وهم ينتقلون بأمتهم إلى عصر الثورة الصناعية، وقد أصبحوا بفضل تحقيقهم لهذه النقلة في مقدمة الركب التكنولوجي عالميا، ها هم، أهل اليابان يعيدون طرح ذات السؤال من جديد، من منظور معلوماتي هذه المرة، فهم يخشون على لغتهم، ومن ثم ثقافتهم، من الانسحاق تحت هيمنة اللغة الإنجليزية على ساحة الإنترنت.
ولا يكتمل حديث الهوية في هذا العصر دون إشارة إلى الدور الذي لعبته الثقافة في إيقاظ المارد الأصفر من سباته العميق، وهو الدور الذي أثمر تلك النهضة الصينية المبهرة، تساندها ثورة ثقافية أصيلة، وذلك في ظل سياسة توفر فرص التعليم بالتوازي مع فرص العمل. وما هو أكثر مغزى بالنسبة إلى ما نحن بصدده، هو أن هذه الثورة قد انطلقت من تعاليم كونفشيوس، حكيم الصين العظيم، وهنا تبرز دلالة ما قام به الفكر الإستراتيجي الصيني من تهجين الكونفوشيوسية مع ما نادى به "كارل بوبر"، فيلسوف العلم البريطاني الشهير، عن كيفية بناء المجتمع المفتوح، القائم على إشاعة المعرفة وحرية التعبير ومشاركة الجميع، من أجل بناء مجتمع ديموقراطي خطوة بخطوة، بيد أنها ـ بلا جدال ـ خطوات واثقة.

(ج) تكنولوجيا المعلومات وتهديد الهوية: لقد انتاب الجميع قلق بالغ على مصير هويتهم من جراء هذه التكنولوجيا الساحقة الماحقة؛ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وقد وصل هذا القلق إلى حد توقع أن تقضي التكنولوجيا المعلوماتية على التنوع الثقافي مثلما كادت أن تقضي سابقتها الصناعية، على التنوع البيولوجي. في مقابل ما ذكر، هناك من يبشر بـ "هيتروتوبيا" عالمية، مدينة فاضلة معلوماتية، تحتفي بالتنوع الثقافي بفضل هذه التكنولوجيا ذاتها، وما توفره من وسائل عملية للحوار الثقافي، والتهجين الإبداعي بين مآثر تراث الشعوب، بين الموسيقى العربية والموسيقى الفارسية، وبين أدب أوروبا وأدب أمريكا اللاتينية، وبين الرفض الهندي ورفض القبائل الأفريقية، وذلك بالطبع على سبيل المثال لا الحصر.

(د) المدخل المعلوماتي الثقافي للتكتل العربي: لقد أسهبنا قصدا في تأكيد أهمية العامل الثقافي في إحداث التكامل الإقليمي، وحسبنا أن لهذا ما يبرره فيما نبتغيه لوطننا العربي، وبرغم قوة الدوافع، فقد واجه التكتل العربي الإقليمي كغيره مصاعب جمة من أجل تحقيقه من خلال المدخل الأمني أو السياسي أو الاقتصادي، ولم يبق إلا المدخل الثقافي أسوة بما حدث في تكتلات إقليمية أخرى كما أوضحنا، ويتوفر لهذا المدخل عوامل عدة تؤكد أصالته، يكفي منها عامل اللغة والتاريخ. وتوفر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وسائل عدة لإمكانية ترجمته إلى واقع عملي، بيد أن هذا لا يعني سهولة تطبيقه فلا غنى عن توفر الإرادة السياسية والتصدي لمحاولات تفويض الهوية العربية.

يتطلب المدخل المعلوماتي الثقافي عدة أمور أساسية من أهمها:

  • زيادة التواصلية البينية Inter-confectivity بين البلدان العربية، حيث يشكو العالم العربي من غياب الترابط بين شبكات الاتصالات، وقد أجرت منظمة الاسكوا دراسة فنية لتحقيق هذا المطلب
  • زيادة معدل تدفق المعلومات بين البلدان العربية من خلال تبادل الإنتاج الإعلامي والمحتوى التعليمي، وبناء الكتالوج الموحد للمكتبات العربية، وهو المشروع الذي شرعت في تنفيذه مكتبة الإسكندرية بمشاركة معهد الكويت للأبحاث العلمية
  • تنمية توجه المشاركة في الموارد خاصة فيما يخص التعليم عن بعد وإقامة الجامعات الخائلية virtual

(هـ) غايات التنمية الثقافية من منظور معلوماتي: ويقترح الغايات التالية:

• إقامة تكتل عربي انطلاقا من المدخل المعلوماتي الثقافي الذي تنادي به هذه الدراسة ويشمل ذلك ضمن ما يشمل:

- إرساء الوحدة القومية وصون الهوية الحضارية العربية: لغويا وإعلاميا وتربويا، والتصدي للتشرذم الثقافي.
- إقامة البنى التحتية فكريا التي تكفل الانسياب الحر، وزيادة التواصل بين الدول العربية وزيادة التدفق الإعلامي وزيادة التعاون الأكاديمي والتنسيق من خلال الإنترنت ما بين المؤسسات الثقافية المختلفة.
- الحث على المشاركة في الموارد وحشد جهود التنمية المعلوماتية والمعرفية.
- إبلاء أقصى اهتمام بأمور اللغة العربية تنظيرا وتعجيما.
- تجديد الوسائل لتنمية الثقافة العلمية-التكنولوجية وربطها بالمشكلات الواقعية التي تعاني منها المجتمعات العربية.
- خلق بيئة مواتية لتنمية الإبداع الثقافي وتذوقه.

ثانيا: منظومة ثقافة عصر المعلومات: رؤية عربية مستقبلية

2 : 1 منظومة الثقافة مكوناتها وعلاقاتها بخارجها

(أ) الإطار العام للمنظومة: يتم طرح هذا الإطار عبر ثلاثة محاور رئيسية هي:

  • المحور الأول: العناصر الداخلية لمنظومة الثقافة، وتشمل عدة منظومات فرعية هي: التربية والإعلام واللغة والتاريخ والإبداع الفني ونظام القيم والمعتقدات وفكر الثقافة. يستعرض البند (و) من هذه الفقرة بإيجاز هذه المنظومات الفرعية، ويتم تناول كل منها تفصيلا في الأقسام أرقام 2 إلى 6 كما أشرنا في الإطار العام للدراسة.
  • المحور الثاني: البنى التحتية لمنظومة ثقافة المعلومات، والتي تشمل السياسة الثقافية والإعلامية وشبكات الاتصالات البينية التي تربط الشبكات القطرية وشبه الإقليمية، والمؤسسات الثقافية وموارد المعلومات الثقافية، والموارد البشرية. وقد تم تناول هذه الأمور في عدة دراسات سابقة، أعفت الدراسة الحالية من الخوض فيها.
  • المحور الثالث: محور العلاقات الخارجية التي تربط منظومة ثقافة المعلومات بخارجها، وهي ترتبط بجميع المنظومات المجتمعية الأخرى بدرجات متفاوتة، ولا يسمح المجال هنا باستعراض جميع العلاقات الخارجية للمنظومة وسنكتفي منها هنا في البنود الثلاثة التالية بمنظومتي السياسة والاقتصاد نظرا لأهميتهما ثقافيا، يسبقهما تحليل موجز لعلاقة منظومة الثقافة بمنظومة المجتمع ككل.

(ب) علاقة منظومة ثقافة المعلومات بمنظومة المجتمع ككل من منظور عربي: لم تعد الثقافة مجرد عامل مساعد يدفع المجتمع صوب غاياته، أو مؤسسة ضمن مؤسسات اجتماعية أخرى، ولم يعد بالإمكان اختزالها ـ أي الثقافة ـ إلى ناتج فرعي، أو بنية فوقية، لأنماط الإنتاج وعلاقاته السائدة. فالثقافة ترفض الاختزال، كما ترفض التهميش في ضوء ما ورد في الفقرة 1: 5، بما يعني ضرورة تناولها بصورة شاملة نظرا للتفاعل الشديد بين مكوناتها الفرعية، ولهذا السبب تحديدا تبنت هذه الدراسة نهجا منظوميا في تناولها.
المنظور العربي: لا شك أن علاقة مجتمعاتنا العربية بمنظومة ثقافتها أكثر حساسية وتعقيدا. ويميل الكاتب إلى اعتبار نمط هذه العلاقة بمثابة النقيض لوجهة النظر التي تبنتها يوما المدرسة الإنجليزية لعلم الاجتماع، والقائلة باستقلالية الثقافة، أو عدم حساسيتها للعوامل الاجتماعية. ويمكن القول أن المجتمعات العربية أكثر تقبلا لمبدأ محورية الثقافة، على أن يكون تمحورا حول الثقافة في كليتها، لا تمحورها جزئيا حول فرع أو مكون واحد منها فقط، مثل تمحورها حول الإبداع كما في الفكر الرومانسي، أو حول الإعلام وفقا لنظرية الإمبريالية الإعلامية، أو حول نظام القيم والمعتقدات كما في المنظور الثيولوجي.

(ج) علاقة منظومة ثقافة المعلومات بالمنظومة السياسية: من منظور عربي: نود في البداية أن نشير هنا إلى ما خلص إليه تقرير لليونسكو من أن الخيال السياسي قد أصيب بالخمول، وقد تخلف عن الطفرات التي حققها ويحققها الخيال العلمي والتكنولوجي، وهو الأمر الذي أدى بدوره إلى فجوة بين السياسات وبين العلم والتكنولوجيا ومن ثم ثقافة العصر التي ترتكز عليها بصفة أساسية. ولا شك أن وضع سياسة للتنمية الثقافية في عصر المعلومات تحتاج إلى درجة عالية من الخيال والإبداع الاجتماعي، وقدر عال من الجسارة لمساءلة الأوضاع القائمة وتجاوز ما هو سائد ومألوف.
من أبرز ملامح العلاقة المعلوماتية ـ السياسية إعادة طرح مفاهيم العدالة الاجتماعية وحماية الخصوصية الفردية والملكية الفكرية، وما يتعلق بالديموقراطية، مفهوما وممارسة؛ حيث يرى الكثيرون: أن الإنترنت ستفضي إلى إعادة النظر في مسألة الديموقراطية. بعد أن وفرت هذه الشبكة التواصلية الفريدة ساحة جديدة للرأي العام تسمح بظهور أشكال جديدة للممارسات الديموقراطية،.

المنظور العربي: يشكو عالمنا العربي من نقص وعي ثقافة المعلومات لدى عدد كبير من أصحاب القرار وقادة الرأي، وعدم إدراكهم أن ثقافة المعلومات لا يمكن التعامل معها على مستوى عموميات المنظومة المجتمعية الكلية فحسب، بل يجب تناولها بصورة أكثر تعمقا على المستوى القطاعي أيضا، وهو ما سعت هذه الدراسة إلى الإسهام فيه، ويلح على الذهن هنا ما صرح به "مهاتير محمد" عن أهمية دور الثقافة في جميع مجالات التنمية المستدامة (*)، حيث يؤكد رائد النهضة الماليزية على ضرورة أن تتفرع نظرتنا لثقافة هذا العصر إلى: ثقافة التعليم، وثقافة الصناعة، وثقافة الإعلام، وثقافة السياسة، وثقافة الاقتصاد.

وقد قامت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بعدة محاولات لبلورة سياسية ثقافية عربية أهمها الخطة الشاملة للثقافة العربية، والتي تضمنت استشرافا لآفاق المستقبل الثقافي، ومشاريع محددة لتنمية المجالات الثقافية المختلفة، والخطة القومية لتحقيق التكامل بين السياسات الثقافية والإعلامية في الوطن العربي، وقد اتبعت ذلك بعدد من السياسات القطاعية في مجالات التربية والإعلام. وقد أسهم في وضع هذه الدراسات نخبة متميزة من العقول العربية، ويحتاج الأمر إلى مداومة تحديثها وترجمتها تخطيطيا وإجرائيا، وقبل هذا وذاك توفير الموارد المادية اللازمة لتنفيذ ما أوصت به من مشاريع والتي تتضاءل إذا ما قورنت بضخامة العائد المحسوس واللامحسوس المتوقع من ورائها.

فيما يخص حماية الملكية الفكرية، فقد انضمت معظم الدول العربية لاتفاقية منظمة التجارة العالمية الخاصة بحماية الملكية الفكرية (TRIPs) وأنشأت بعض هذه الدول بالفعل التنظيمات والمؤسسات الخاصة بحماية المصنفات الفنية. وعدّلت كثير من البلدان العربية المنضمة إلى اتفاقية التجارة العالمية تشريعاتها المحلية استجابة للوفاء ببنوود هذه الاتفاقية.
من المتوقع أن يطرأ على مجال الملكية الفكرية تغيرات جذرية مع انتشار اتصالات النطاق العريض Broad Band، والتوسع في استخدام الروبوتات المعرفية في مسح مواقع الإنترنت بصفة دورية، والربط بين الوثائق الإلكترونية أتوماتيا، وهو ما يستوجب أن نستعد من الآن لخوض معارك سياسية ساخنة على جبهة الملكية الفكرية بإعداد الكوادر البشرية القادرة على التفاوض التكنو-سياسي في مثل هذه الأمور المعقدة، ولا بد كذلك من الاهتمام بحماية الملكية الفكرية الجماعية ذات الأهمية الخاصة بتراثنا العربي والإسلامي والتي لم تحظ بأي اهتمام من قبل منظمة التجارة العالمية حتى الآن، حيث انصب الجهد على حماية الملكية الفكرية الخاصة بالمؤسسات الاقتصادية.

أما فيما يخص حماية الخصوصية الفردية: فلم تهتم المجتمعات العربية بعد بأمور حمايتها، وهي أحد المطالب الأساسية للارتقاء بالأداء الديموقراطي في المجتمعات العربية؛ ولا بد أن تنهض منظمات المجتمع المدني مدافعة عن خصوصية المواطن العربي. وكانت هناك محاولة ناجحة قامت بها إحدى المنظمات الأهلية العربية لمنع صدور قانون يمنع استخدام نظم التعمية encryption لحماية البيانات الشخصية. وذلك من خلال توعية القائمين بالتشريع بمدى تهديد مشروع القانون للخصوصية الفردية.

(د) علاقة منظومة ثقافة المعلومات بالمنظومة الاقتصادية: من منظور عربي: صار مستقرا أن هناك نوعيين رئيسيين من الاقتصاد: الاقتصاد التقليدي واقتصاد المعرفة أو ما يطلق عليه "الاقتصاد الجديد"، وهي ازدواجية ملتبسة لم يعهد مثلها الفكر الاقتصادي من قبل. وليت الأمر يقف عند هذا الحد، فاقتصاد المعرفة ينقسم بدوره إلى فرعين: اقتصاد قائم على المعرفة knowledge-based، لكون المعرفة موردا حيويا لا غنى عنه في كافة قطاعات الإنتاج والخدمات، واقتصاد للمعرفة ذاتها economy of knowledge بصفتها ـ أي المعرفة ـ قطاعا اقتصاديا قائما بذاته، له أصوله وخصومه، وسلعة وخدماته، وتكنولوجياته المحورية وصناعاته المغذية، ويندرج اقتصاد منظومة الثقافة بصورة شبه كلية تحت هذا الفرع من الاقتصاد الجديد.

لقد طرأت بفعل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تغيرات جذرية على المقومات الأساسية للمنظومة الاقتصادية نوجزها في التالي:

  • القيمة: من ثنائية قيمة المنفعة وقيمة التبادل في الاقتصاد التقليدي إلى رباعية القيمة في الاقتصاد الجديد التي تشمل بجانب الثنائية المذكورة قيمة المعلومات كما في نظم خدمات المعلومات وسلعها والقيمة الرمزية مثل تلك المتعلقة بالهوية الثقافية.
  • الملكية: من الملكية المادية للاقتصاد التقليدي التي يمكن تحديدها وحمايتها إلى الملكية الفكرية التي يصعب تحديدها وحمايتها في الاقتصاد الجديد.
  • العرض والطلب: يركز الاقتصاد التقليدي على جانب العرض في ظل تكنولوجيات تقليدية تنتج ما تقدر على صنعه، على النقيض من ذلك، يركز الاقتصاد الجديد على جانب الطلب في ظل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ذات القدرة العالية على إنتاج نطاق واسع من السلع والخدمات يتوقف طرحها في الأسواق على توفر الطلب المجتمعي عليها وينطبق هذا أكثر من ما ينطبق على المنتجات الثقافية.
  • نظام التوزيع: يعتمد الاقتصاد التقليدي على نظم التجارة التقليدية بصفة أساسية، ونقل البضائع برا وبحرا وجوا. في المقابل، يقوم الاقتصاد الجديد على نظم التجارة الإلكترونية عبر الإنترنت، خاصة فيما يتعلق بمنتجات التصنع الثقافي من تسجيلات وإصدارات وبرامج وما شابه.

والسؤال الآن: ما أثر كل هذه التغيرات الجذرية على نظام الدولة اقتصاديا؟ لقد نجح هذا النظام في عصور ثروات الأراضي وثروات الأموال، فهل سيكتب له النجاح في عصر الملكية الفكرية والثروات المعرفية والعمالة الذهنية؟ وهنا يكمن التحدي الحقيقي الذي يواجهه الفكر السياسي-الاقتصادي حاليا ويزعم الكاتب أنه لن يكلل بالنجاح دون مشاركة فعالة من طرف ثالث ألا وهو الفكر الثقافي، الذي يصبو حاليا للارتقاء إلى مصاف العلوم الدقيقة كما سنوضح في القسم الثامن من هذه الدراسة.

المنظور العربي: السؤال بالنسبة لنا هو: كيف ينهض الاقتصاد العربي ليسير "على ساقين: تقليدي وجديد"، مثلما فعلت الاقتصاديات الناهضة البازغة وفي مقدمتها الصين والهند والبرازيل وماليزيا، وهل يمكن للقيادات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والثقافية، إنجاز هذه النقلة النوعية الحاسمة في مسيرة التنمية المجتمعية.
لقد ورث الفكر الاقتصادي العربي عن الفكر الغربي، الذي ينقل عنه، انعزاليته المعرفية. وإن جاز هذا في المجتمعات المتقدمة التي يحظى فيها الاقتصاد بدرجة عالية من استقلاليته، وبكونه عاملا حاكما، يؤثر أكثر كثيرا مما يتأثر. إن جاز هذا لدى هؤلاء، فهو لا يجوز في مجتمعات نامية كالمجتمعات العربية، التي تتداخل في أدائها الاقتصادي، وبشدة، عوامل حاكمة عديدة: اجتماعية وثقافية وتربوية.
وإن تقاعسنا عن ذلك واستسلمنا لما يشيعه البعض من أمثال توماس فريدمان من حتمية تخلف المنطقة العربية لأسباب كامنة في صلب ثقافتها فتلك بحق هي الطامة الكبرى، ولن يتأتى لنا ذلك إلا بالخروج من أسر النظريات السائدة، وتبني نماذج اقتصادية مبتكرة سواء فيما يخص ترشيد مواردنا المادية أو الفكرية، ويتطلب ذلك ـ أول ما يتطلب ـ تمحيصا دقيقا للبنية الداخلية لمنظومة الثقافة العربية وشبكة العلاقات البينية التي تربط بين فروعها المختلفة.

(هـ) مكونات منظومة ثقافة عصر المعلومات: من منظور عربي مستقلبي

يلخص الشكل المكونات الداخلية لمنظومة ثقافة المعلومات من منظور عربي وهي تتكون من سبع منظومات فرعية هي:

شكل: مكونات منظومة ثقافة المعلومات: من منظور عربي

  • المنظومة الفرعية للتربية: وقوامها ثلاثية المعلم والمتعلم والمقرر التعليمي.
  • المنظومة الفرعية للإعلام: وقوامها ثلاثية المرسل والمستقبل والرسالة الإعلامية.
  • المنظومة الفرعية للإبداع: وقوامها ثلاثية المبدع والمتلقي والعمل الإبداعي.
  • المنظومة الفرعية للغة: وقوامها ثلاثية النحو (نظام القواعد) والمعجم والاستخدام اللغوي متمثلا في النصوص اللغوية، وتمثل اللغة ـ كما يوضح الشكل ـ محور منظومة الثقافة العربية بلا منازع.
  • المنظومة الفرعية للقيم والمعتقدات: وقوامها ثلاثية القيم والمعتقدات والنصوص الدينية التي تشترك ـ كما يشير الشكل ـ من خلالها مع المنظومة الفرعية للغة.
  • المنظومة الفرعية للتاريخ والتراث: وقوامها التاريخ الثقافي والتراث الثقافي، وموارد المعلومات التاريخية والتراثية.
  • المنظومة الفرعية لفكر الثقافة: وقوامها سداسية من فروع الفكر الثقافي المتخصص تشمل: فكر اللغة، وفكر المعتقدات وفكر التربية وفكر الإعلام وفكر التاريخ. إضافة إلى هذه السداسية المتخصصة، هناك الفكر الثقافي الكلي على مستوى المنظومة الثقافية الشاملة.
    وكما ورد بالشكل، هناك ثلاث خصائص أساسية لمنظومة ثقافة المعلومات من المنظور العربي هي:
  • الخاصية (أ): تتمحور المنظومات الفرعية الثلاث: التربوية والإعلامية والإبداعية حول الفرد، متعلما ومستقبلا ومتلقيا، ونظرا لأن تربية عصر المعلومات، تجمع بين التعليم النظامي formal والتعلم اللانظامي informal من خلال عدة وسائل على رأسها الإعلام، هنا يتوحد المتعلم في منظومة التربية مع المستقبل في منظومة الإعلام.
  • الخاصية (ب): في إبداع عصر المعلومات يكثر إعادة استخدام عناصر التراث الثقافي، لذا فإن العلاقة بين العمل الإبداعي والتراث الثقافي تمثل أحد المحاور الرئيسية لإنتاج الإبداع الفني خاصة في مجالات الأدب والموسيقى والتشكيل.
  • الخاصية (ج): كما يوضح الشكل، فأن العصب الفكري الرئيسي لتناول إشكالية الثقافة العربية هو ذلك الواصل بين فكر المعتقدات وفكر الثقافة الشامل وفكر اللغة ومنظومة اللغة ومنظومة القيم والمعتقدات. ونترك للقراء الحكم على مدى جدية الخطاب الثقافي العربي الراهن في تناول الجوانب العديدة التي يحملها في طياته هذا العصب الفكري المحوري وشبكة العلاقات البينية التي تنبثق منه، مثل مدى إسهام اللغة العربية في تنمية الفكر الثقافي بفروعه المختلفة، وعلاقة توجهات الفكر الثقافي الحديث بتحليل النصوص الدينية،.

2 : 2 صورة الثقافة العربية على الإنترنت

لخص فيما يلي الملامح البارزة لصورة الثقافة العربية والحضارة الإسلامية على الإنترنت بناء على مسح قام به الكاتب.

(أ) تقاعسنا هو السبب الأصلي: المشهد الحزين لثقافتنا العربية ناتج عن تقاعسنا واسترخائنا، أكثر من كونه نتاجا لما يقوم به الآخرون من تشويه وطمس.

(ب) مدى التغطية لمنظومة الثقافة: تطغى الأمور المتعلقة بالعقيدة ونظام القيم على كل النواحي الأخرى، وباستثناء فنون الزخرفة والعمارة، تظل غائبة، أو شبه غائبة، تلك النواحي المجهولة والمهملة من ثقافتنا وحضارتنا، كالموسيقى والأدب والشعر والسينما والمسرح واللغة والتراث الشعبي والحرف. ويتركز معظم الحديث في تناول إسهاماتنا الثقافية والحضارية على الماضي، وإغفال شبه تام لحاضرنا الثقافي.

(ج) تراث بلا سياق: معظم مآثر التراث العربي الثابت والمنقول والحي تعرض منعزلة عن السياق الإنساني الأشمل الذي يوسع من قيمة الرسالة الثقافية المتضمنة ويؤكد عالمية هذا التراث ويتصدى لما يقال افتراء عن الثقافة العربية بأنها ثقافة منغلقة على ذاتها ويمثل هذا التوجه السياقي توجها عالميا ومصدرا لا ينضب لإثراء المحتوى الثقافي.

(د) غالبية المعلومات باللغة الإنجليزية: عادة ما يتم إعدادها أو ترجمتها من مصادر عربية من قبل عرب ومسلمي المهجر. وهؤلاء، برغم ما لهم من فهم لا بأس به لعقلية المتلقي الغربي، يعوزهم ـ بلا شك ـ المحتوى العميق والنظرة الأكثر شمولا لتجديد الخطاب الثقافي العربي. ولسوء الحظ فإن معظم المحاولات الجادة لتجديد وجه الثقافة العربية ما زالت حبيسة اللغة العربية لضعف الترجمة من العربية إلى الإنجليزية. أما المحتوى العربي الصادر محليا فيعوزه بشدة فهم عقلية الملتقى العربي.

(هـ) نصوص بلا تناص: نظرا لتعدد الثقافات وتنوعها وامتداد نطاق مجالاتها الذي يكاد يشمل جميع جوانب الحياة، فإن النصوص الثقافية ـ تنزع بشدة إلى التناص inter-textuality مع غيرها من النصوص الثقافية وغير الثقافية، ومع هذا فالنصوص الثقافية العربية تفتقد إلى هذا النوع من الترابط النصي، فعلى صعيد النصوص الدينية ـ على سبيل المثال ـ ما زال التناص بين النص القرآني وتراث السيرة النبوية في أضيق الحدود.

2 : 3 نبذة مختصرة عن منظومة القيم والمعتقدات

(أ) تعاظم الأبعاد الأخلاقية لاستخدام التكنولوجيا: أفرزت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات متضافرة مع التكنولوجيا البيولوجية، أجناسا أخلاقية مستحدثة من قبيل أخلاقيات الإنترنت وأخلاقيات الإعلام وأخلاقيات الهندسة الوراثية. لقد ولى إلى الأبد عصر البساطة في تناول المسائل المتعلقة بالقيم فمعظم القضايا التي تثيرها هذه الأخلاقيات المستجدة ذات طابع خلافي، بعد أن اقتربت التكنولوجيا من المناطق الحميمية لمخ الإنسان وجسده، وبعد أن نفذت إلى صلب الكيان المجتمعي مولدة فجوات وطبقيات جديدة، تهدد بيئته واستقراره، لقد حدا ذلك بالبعض لأن يطالب بضرورة اعتبار التكنولوجيا فرعا من فلسفة الأخلاق لا من العلم.

(ب) الجمع بين الإلزام والالتزام: لن ينحصر الأمر فيما يخص أخلاقيات عصر المعلومات في نوعية القيم، بل كذلك ـ وهو الأهم ـ في أسلوب فرض هذه القيم وإشاعتها، فلم يعد مجديا ما كان ساريا في عصر تكنولوجيا الصناعة، الذي صاغ الأخلاق في صورة قوانين وتشريعات. لقد ولى عصر حراسة البوابات الأخلاقية، وأصبحت مسألة الأخلاق تشغل منطقة وسطى بين الاجتماعي ذي طابع الإلزام والنفسي ذي طابع الإلتزام.
يتطلب الأمر مراجعة شاملة لمنظومة القيم العربية من منظور عصر المعلومات، دون المساس بالثوابت منها، وعدم التسرع في افتعال الخصومة مع بعض منها، وذلك من خلال التمحيص الدقيق لمواضع التماس والتداخل، إضافة إلى استحداث وسائل مبتكرة لإشاعة هذه القيم في بيئة المجتمعات العربية. وكمثال على ما نقصده هنا، فقد ظهرت منذ فترة آراء متسرعة بصدد قيم حماية الملكية الفكرية كادت تصل إلى حد رفض المفهوم على أساس من تفسير ديني خاطئ قد غفل يقينا عما يبديه الدين الإسلامي من تقدير للفكر والعلماء. تمثل قيم حماية الملكية الفكرية نموذجا عمليا لتطبيق مبدأ الإلزام والالتزام، وفي هذا الصدد، وفرت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نظما آلية لاكتشاف السرقات العلمية في اللغات الأجنبية، يحتاج تطوير نظم عربية مناظرة.

(ج) نحو معرفة دينية أعمق وأشمل: أن معرفة الدين بالغة الأهمية ومتعددة الجوانب، تتجاوز معرفة شعائره وشرائعه التي أسس لها الأئمة والفقهاء بشكل بالغ الدقة والاكتمال. إن المعركة الثقافية الشرسة التي تدور رحاها على ساحة الإنترنت تتم على جبهة الدين أساسا، وهي تظهر حالة صريحة من معاداة الإسلام، تحتاج مواجهتها إلى تأسيس علمي من مجالات معرفية متعدة تشمل على سبيل المثال لا الحصر: علم نفس الدين وعلم اجتماع الدين، والدين المقارن، وعلم النص والمعالجة الآلية للنصوص الدينية باستخدام أساليب متقدمة من هندسة المعرفة والذكاء الاصطناعي، ولا يتسع المجال هنا لاستعرض هذه الفروع المعرفية، وسنكتفي هنا بما يجرى حاليا على صعيد علم نفس الدين.

(د) علم نفس الدين وتكنولوجيا المخ والأعصاب: أن الدين، في جانب منه، نسق رمزي، يرسخ لدى الإنسان حالات وجدانية ودوافع قوية، وذلك من خلال تشكيل رؤيته الكلية عن الوجود، وتعميق فهمه للعالم والكون، ولعلاقته بذاته وبالآخرين. لقد غاب عن ساحتنا الأكاديمية علم نفس الدين، والذي يجمع بصفة أساسية، بين فرعي علم النفس السلوكي والمعرفي، وبدونه ـ أي علم نفس الدين ـ يتعذر إماطة اللثام عن المعرفة اللاواعية الكامنة وراء مظاهر السلوك الديني، وذلك التأثير الذهني والوجداني الذي تحدثه الرسالة الإيمانية لدى المتلقي، وهو التأثير الذي بات يدرس بأحدث المعالجات النظرية، والوسائل التكنولوجية المتقدمة، والتي تشمل، على سبيل المثال، راسمات المخ الوظيفية باستخدام الرنين المغناطيسي F- MRI، التي يمكن من خلالها رصد انعكاسات هذا التأثير على مخ المتلقي بصورة دينامية.

(هـ) إساءة استخدام المعرفة: لا يفوق البشر في إبداعهم، ونضالهم من أجل إحداث النماء، أو الحرص على البقاء، إلا سوء استغلالهم لمواردهم الطبيعية والبشرية. وكان لا بد أن يفضي ذلك بهم إلى إساءة استغلال أهم مواردهم قاطبة، ألا وهو المعرفة، وهو ما يمثل أبشع صور الممارسة اللاأخلاقية، فما أكثر ما ضل البشر طريقهم في تحديد غايات استخدامهم لها، وأطاحوا بأبسط مبادئ العدالة في توزيعها. وتبلغ إساءة استخدام المعرفة منتهاها، عندما تمارس القوة بطشها ضد المعرفة ذاتها، بالاعتداء المباشر على تراثها، فما أكثر ما أحرقت المكتبات، وأغرقت الكتب، ونهبت أرشيفات التراث المعرفي، وهل يمكن أن يغيب عن ذاكرتنا ذلك التاريخ الأسود، قديمه وحديثه، الحافل بوقائع مروعة لاغتيال المعرفة، من إغراق كنوز مكتبة بغداد، إلى ما ارتكبه الغزو العراقي للكويت بمقتنيات متاحفها، وما ارتكبه الغزو الأمريكي للعراق من تدمير وتبديد لذخائر المتاحف ومراكز الآثار في بلاد الرافدين.

لقد أمسى جليا كيف يساء استخدام أسلحة المعرفة ضد البلدان العربية، من قبل قوى خارجية تستهدف العرب والإسلام. وقد أصبحنا بالفعل، لقمة سائغة أمام هذه القوى اللينة، التي تستند إلى ما تتيحه مراكز الدراسات والبحوث داخل الجامعات الأوروبية والأمريكية وخارجها، والتي تقوم على معارف علمية زائفة من قبيل صراع الحضارات ونهاية التاريخ.

(و) التأسيس العلمي لظاهرة معاداة الإسلام: واقتفاء جذورها في فكر فلاسفة الغرب من أمثال فولتير وماكس فيبر وكارل ماركس وآخرين، ومن نماذج هذا التأسيس العلمي التي يمكن الاستهداء بها ما قام به إدوارد سعيد في تفكيك خطاب الاستشراق، وما خلص إليه فرانسوا يورجا فيما يخص زيف ما يتردد في الغرب عن ذلك الخطر الأخضر المزعوم يصفون به الإسلام، وما قام به مؤخرا المفكر الإنجليزي روي جاكسون في كتابه عن نيتشه الذي أظهر ـ على عكس الانطباع السائد ـ تفهما عميقا لروح الإسلام ويكفي هنا أن ننقل فقرة مما أورده الكتاب من أقوال نتيشه في هذا الصدد: "ليتني أعيش بين المسلمين ردحا من الزمن، ولاسيما حيث يكون دينهم غضا، فلعلني أشحذ ذائقتي وأرهف بصيرتي لكل ما هو أوروبي".

2 : 4 نبذة مختصرة عن منظومة التاريخ والتراث

(أ) أهمية التاريخ الثقافي: التاريخ ليس رصدا لما مضى من واقع وحقائق، بل هو إعادة بناء الماضي من منظور الحاضر. أن التاريخ ـ كما يصفه أهله ـ جزء من سعي البشرية ومسيرتها صوب المعرفة. وهو "علم البشر في رحاب الزمان".
وتاريخنا الثقافي هو أهم فروع تاريخنا بلا منازع، بيد أن هذا التاريخ متهرئ، لا يحظى بأهمية، فهو ـ كما يقول محمد عابد الجابري ـ تاريخ علوم وفنون من المعرفة منفصلة بعضها عن بعض، تاريخ زمنه راكد وممزق لا يقدم لنا صورة واضحة عن كلية الفكر العربي.
ولم تظهر الأكاديمية العربية الاهتمام الواجب بتاريخنا الثقافي الحديث، ويوصي الكاتب في هذا الصدد بزيادة الاهتمام بتاريخ الأدب بصفته مقوما أساسيا لتاريخ الثقافة من جانب، ولكون التحليل الأدبي أصبح منهلا أساسيا لتطوير التنظير اللغوي، ومن حسن الطالع أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات توفر وسائل عملية نافذة لمعالجة النصوص الأدبية آليا.

(ب) من إبداع المؤرخين إلى حرفة التاريخ: كما أورد قاسم عبده قاسم، تركز الدراسات التاريخية الحديثة، كما في مدرسة الحوليات، على دراسة المصادر، وتحقيق الوثائق، ولا مجال فيها للخيال فهي تلتزم بحياد فكري حتى تتيح الفرصة لكل عصر أن ينتقي من حقائق التاريخ ما يعينه على فهم حاضره ويفتح الباب على مصراعيه أمام باحثي التاريخ لتفسير ظواهره وإعادة بناء عناصره.

(ج) التاريخ الرقمي: من الطبيعي أن يكون لتكنولوجيا المعلومات أهمية خاصة بالنسبة لمجال معرفي مثل التاريخ، يقوم أساسا على دراسة مصادر المعلومات على اختلاف أنواعها، وبفضل هذه التكنولوجيا انفتحت أرشيفات تاريخ العالم أمام البحث التاريخي، وقد بزغ إلى الوجود ما يعرف بـ "التاريخ الرقمي" الذي سيحيل ـ كما يتوقع بعض غير قليل ـ أن تكون له انعكاسات واضحة على جميع فروع دراسة التاريخ.

(د) تعريف التراث: يشمل التراث: التاريخ والآثار وتراث المعمار والإسهام الحضاري: فلسفة وعلما وعملا والفنون والتراث الشعبي والمحفوظات والوثائق. جميع هذه الفروع بلا استثناء تمر حاليا بثورة حقيقية بفعل تكنولوجيا المعلومات، حيث توفر وسائل عديدة للتعامل مع التراث الثقافي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • نظم الذكاء الاصطناعي لتحليل مضمون الوثائق التاريخية.
  • نظم الرقمنة digitization المختلفة للتراث المنطوق والمرئي، وكذلك الرقمنة ثلاثية الأبعاد للتراث الثابت من مآثر المعمار والمنحوتات وما شابه.
  • تكنولوجيا إعادة بناء التاريخ خائليا virtual historical reconstruction، ويوصي الكاتب باستخدامها لإعادة بناء مدينة القدس قبل أن تطمس معالمها على يد الاحتلال الصهيوني، ومن حسن الحظ أن مراكز التوثيق الفلسطيني بحوزتها موارد المعلومات التاريخية اللازمة لبناء هذا النموذج الخائلي.

ثالثا: المنظومة الفرعية للغة في ثقافة عصر المعلومات

3 : 1 التوجهات الرئيسية للغة في ثقافة عصر المعلومات

(أ) المعالجة الحاسوبية من ظاهر النصوص إلى عمق معناها: يشهد حاليا مجال معالجة النصوص آليا (حاسوبيا) نقلة نوعية حاسمة من التعامل مع ظاهر الألفاظ وسطحية البنى التركيبية إلى عمق معاني الألفاظ والجمل والعلاقات المنطقية والسياقية التي تربط بينها، وذلك توطئة إلى تطوير نظم لتحليل مضمون الصورة تلقائية. أن الهدف من وراء ذلك هو التصدي للإِشكالية الأساسية التي يعاني منها الجيل الحالي للإنترنت، الذي يتعامل مع ظاهر النصوص، وهو ما جعل محركات البحث في ويب الإنترنت عاجزة عن مواجهة المشكلة المتفاقمة للانفجار المعرفي، حيث تقذف هذه المحركات طالب المعلومة بكم هائل من الوثائق الإلكترونية يثبت فيما بعد أن معظمها ليس له مغزى بالنسبة للمقصود من طلب البحث من أجل التغلب على هذه المشكلة المحورية. يقوم جيل الإنترنت الثاني على تكنولوجيا "الويب الدلالي Semantic Web". يتطلب ذلك ضرورة لحاق العربية بـ "الويب الدلالي"، ويزعم الكاتب أن هناك من المعالجات الآلية المتوفرة الصرفية والنحوية ما يؤهل العربية لذلك.

(ب) بناء المعاجم من ذاكرة المعجميين إلى ذخائر النصوص المحوسبة: لم تعد عملية بناء المعاجم تعتمد على حصيلة المفردات لدى المعجميين، فمهما كان ثراء هذه الحصيلة لا يمكنها تغطية جميع معاني المعجم، ولا مواكبة التغيرات التي تطرأ عليها بصورة مستمرة. لقد أصبح بناء المعاجم يعتمد على ما يعرف بـ "ذخيرة النصوص المحوسبة computerized textual corporus"، التي تخزن بها عينة منتقاه على أسس إحصائية بحيث تمثل الاستخدام الفعلي للغة، وهو ما يمكن من تحديد معاني الكلمات وفقا للسياقات الفعلية التي ترد بها داخل النصوص الواقعية.
هناك بعض المحاولات لبناء ذخيرة نصوص للغة العربية في الجزائر والسعودية وسوريا إلا أنها لم تصل بعد إلى مستوى التطبيق العملي.

3 : 2 المناحي المستقبلية المتوقعة لتطور الفكر اللغوي

( أ ) المنحى البرجماتي: انصب تركيز التنظير اللغوي حتى الآن على اللغة المتصورة، أي اللغة "كما يجب أن تكون" ينحو الفكر اللغوي إلى دراسة الأداء اللغوي الفعلي، أي دراسة اللغة وهي تعمل، وهو ما يطلق عليه " البرجماتية اللغوية". التي تتناول علاقة اللغة بالمقام، وعلاقة اللغة بسياقها الاجتماعي.
أولى التراث اللغوي العربي اهتماما بعلاقة المقال بالمقام، بقدر يكفي لتدشين دراسات جادة لتأصيل هذه العلاقة علميا، وتفتقد العربية إلى بحوث الأسلوبية وعلم اجتماع اللغة

(ب) المنحى البيولوجي: أيقن الجميع أن سبر أغوار اللغز اللغوي لن يتحقق بشكل حاسم دون إماطة اللثام عن الأساس البيولوجي (الجيني) لعمليات الذهن اللغوية، وقد أقامت أمريكا والاتحاد الأوروبي واليابان مشروعات لدراسة المخ البشري.
مضى العقد الأخير من القرن الماضي والذي أطلق عليه "عقد المخ" وكاد ينقضي العقد الحالي، الذي أطلق عليه "عقد السلوك الذهني" دون أي اهتمام من قبل البحث اللغوي العربي.

رابعا: المنظومة الفرعية للتربية في ثقافة عصر المعلومات

4 : 1 التوجهات الرئيسية للتربية في ثقافة عصر المعلومات

(أ) من التمدرس إلى التعلم مدى الحياة: لقد ولّى إلى الأبد عصر التعليم المغلق، المحدود مكانا بالمدرسة، والمحدود زمانا بمراحل العمر المبكرة، والمحدود نطاقا في مجالات التخصص الضيقة، ليحل محله التعلم مدى الحياة، وعلى اتساعها.
تواجه المجتمعات العربية تحديا تربويا هائلا، فالتعلم مدى الحياة مسؤولية المجتمع ككل لا المؤسسة التربوية وحدها، ويتطلب ذلك أول ما يتطلب ضرورة التنسيق الدقيق بين المؤسسات التربوية والإعلامية والثقافية.

(ب) من معرفة الماهية إلى معرفة الكيفية: ركز تعليم الماضي على "ماذا تعرف؟"، لا "كيف تعرف؟". ومع ظاهرة الانفجار المعرفي انقلب الوضع؛ حيث أصبحت الأولوية هي تعليم الطالب "كيف يتعلم".
تشكو معظم مناهجنا من طغيان المادة التعليمية على تنمية مهارات التفكير، وتنمية القدرة الذاتية على مداومة اكتساب المعرفة.

4 : 2 المناحي المستقبلية المتوقعة لتطور الفكر التربوي

(أ) منحى اجتماعي نقدي: يختص علم اجتماع التربية بوضع الأسس العادلة التي يتم بناء عليها انتقاء المعرفة، وتنظيمها، وتوزيعها داخل المدرسة، وكيف يمكن أن تعمل آليات التفاعل الاجتماعي خارج المدرسة على تقويض هذه الأسس. تسعى المدرسة النقدية لعلم اجتماع التربية إلى استحداث أساليب بديلة للفكر، وأشكال جديدة للفهم، وأنماط مختلفة للسلوك، وأبعاد جديدة للمعرفة مغايرة لتلك التي تساندها نظم التربية التقليدية.
الفكر التربوي العربي فكر غير نقدي، ولم ينجح في تحويل المسألة التربوية إلى مسألة سياسية واجتماعية وثقافية وإعلامية، على الرغم من كل الضغوط التي تمارسها عليه عولميا ومحليا.

(ب) باراديم تربوي جديد: يسعى الفكر التربوي إلى صياغة باراديم تربوي جديد يقوم على عدة ركائز أساسية من أهمها:

  • مراعاة الوحدة المركبة للطبيعة الإنسانية: من حيث كون الإنسان كائنا فيزيائيا وبيولوجيا ونفسيا وثقافيا واجتماعيا وتاريخيا.
  • التصدي لظاهرة انفجار المعرفة: ويقصد بذلك كيف نوائم بين تضخم المعرفة وقدرة الإنسان على استيعابها.
  • التمحور حول المتعلم، وذلك بعد أن أصبحت القدرة على مواصلة التعلم ذاتيا، لا التعليم، هي أساس تربية عصر المعلومات، ويتطلب ذلك في المقام الأول ضرورة تخليص التربية العربية من آفة التلقي السلبي.
    • التخلص من نزعات التعصب والعنف، ويتطلب ذلك من تربية عصر المعلومات الاهتمام بتدريس تاريخ الحضارات ومواضع التقاء ثقافات الشعوب الإنسانية المختلفة، وتنمية مهارات الحوار مع الآخرين عبر الإنترنت.

خامسا: المنظومة الفرعية للإعلام في ثقافة عصر المعلومات

5 : 1 التوجهات الرئيسية للإعلام في ثقافة عصر المعلومات

( أ ) من الإعلام إلى التواصل: يرتكز مفهوم الإعلام أساسا على مهمة توجيه الرسائل من المرسل إلي المستقبل. أما التواصل فهو ثنائي الاتجاه لا يقتصر على إبلاغ الرسائل، بل يتجاوز ذلك إلى مهام التعليم والتعلم والتراسل والتحاور عن بعد، وأهم من هذا وذاك إقامة ساحة إعلامية لدعم المشاركة في توظيف المعرفة القائمة وإنتاج المعرفة الجديدة.
يحتاج التحول من الإعلام إلى التواصل إلى إقامة بنية تحتية مغايرة من شبكات الاتصالات ذات السعة العالية broad band، مما يخشى معه ـ نظرا لارتفاع كلفتها ـ من ظهور نوع من الفجوة الإعلامية تفصل بين العالم المتقدم والعالم العربي، وبين المجتمعات العربية ذاتها.

(ب) الانتقال من الإعلام الفوقي إلى الإعلام الشعبي: تقوم عظمة الإنترنت إلى احتوائها الصحافة والإذاعة والتليفزيون والبحث عن المعلومات. لقد وفرت الإنترنت وسيطا إعلاميا غاية في الإثارة والمرونة يجمع بين البث على نطاق عريض broadcasting والبث على نطاق ضيق narrowcasting، والبث المصوب لفرد أو فئة محدودة من الأفراد pintcasting.
الأخطر من كل ما سلف أنها ـ أي الإنترنت ـ وفرت ساحة إعلامية مغايرة تماما للإعلام الجماهير ذي الطابع الفوقي، فمن خلال ما يعرف بالشبكات الاجتماعية مثل u-tabe، والـ facebook وانتشار المدونات، ظهر ما يمكن أن نطلق عليه "الإعلام الشعبي" المنبثق من أسفل إلى أعلى.

إن انتشار المدونات العربية ، إضافة إلى عدة مبادرات ناجحة لصحف عربية ولدت إلكترونية، عبر الإنترنت تشير إلى تغيرات جوهرية سوف تطرأ، إن عاجلا أو آجلا، على ساحة الإعلام العربي الرسمي وغير الرسمي على حد سواء.

5 : 2 المناحي المستقبلية المتوقعة لتطور الفكر الإعلامي

( أ ) المنحى الاقتصادي النفسي: الانتباه سلعة نادرة، فقدرة الإنسان على تلقي المدركات الحسية محدودة بقيود فسيولوجيا الجهاز العصبي، إن ثراء المعلومات الحالي يقابله ـ كما خلص البعض ـ فقر في الانتباه، حيث يتم على حساب استهلاك الموارد الإدراكية، وهو ما أدى إلى ظهور ما يعرف بـ "اقتصاد الانتباه"، الذي تسعى أجهزة التسويق للشركات العالمية إلى توظيفه من أجل اقتناص أكبر نصيب من "سوق الانتباه"، وذلك باستحداث أساليب مبتكرة لاجتذاب المشاهدين. تشكو غالبية المواطنين العرب من أمية إعلامية تجعلهم لقمة سائغة لمثل هذه الأساليب مما يستوجب محوها من خلال المدرسة ومنظمات المجتمع المدني.

(ب) المنحى اللغوي: تتضمن دساتير الأداء لكبرى المؤسسات الإعلامية قواعد صارمة وملزمة في انتقاء الكلمات وكيفية صياغة نص الرسالة الإعلامية، وقد أدى ذلك بدوره إلى اهتمام الفكر الإعلامي بـ"لغة الإعلام".
دأب الإعلام الغربي على إساءة استخدام اللغة بهدف التغطية على الجرائم التي يقترفها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة. من قبيل: استخدام المناطق المتنازع عليها بدلا من الأراضي المحتلة، وإغلاق المنافذ بدلا من الحصار، والمجاورات بدلا من المستوطنات، والمتعاونين من الفلسطينيين بدلا من العملاء.
هناك كم هائل من النصوص الإعلامية تكفي لدعم بحوث لغوية جادة لا تفهم لغة الإعلام فحسب بل الإصلاح اللغوي بمعناه الشامل.

سادسا: المنظومة الفرعية للإبداع في ثقافة عصر المعلومات

6 : 1 التوجهات الرئيسية للإبداع في ثقافة عصر المعلومات

( أ ) من فنون الإدارك الحسي إلى فنون المعرفة: يمكن تصنيف الفنون التقليدية على أنها فنون قائمة على الإدراك الحسي أساسا، وقد شهدت الآونة الأخيرة ظهور فنون قائمة على المعرفة، خاصة على صعيد فن التشكيل شملت الفن المفهومي: القائم على تقديم الأفكار المجرده، والفن النانوي nanoart: القائم على إبراز جماليات البنية الميكروية (النانوية) للمادة، والفن البيولوجي bioart: القائم على البيولوجيا الجزيئية وإبراز روحة وسحر الآليات البيولوجية التي تقوم بصنع عناصر الحياة.
ساهم السلف في تأسيس العلاقة بين المعرفة والفن، ويكفي مثالا هنا ما قام به الفارابي وابن سينا والكندي زرياب في التأسيس العلمي للموسيقى، ويمكن اعتبار الزخرفة العربية من أولى مبادرات تطبيق الرياضيات وحساب المثلثات فنيا، وبالرغم من ذلك ما زال هناك الكثيرون لدينا يجدون صعوبة بالغة في اعتبار الفن ضربا من المعرفة.

(ب) من الفن النخبوي إلى الجماهيري: يوصم فن الحداثة بنخبويته المفرطه، وهو ينظر باحتقار لكل ما هو جماهيري وشائع، على النقيض من ذلك تتسم فنون عصر المعلومات بطابعها الجماهيري اللانحبوي.
تشكو فنوننا العربية الحديثة من نخبوية طاغية، وهو ما أدى إلى استفحال الأمية الفنية خاصة على صعيد التشكيل والموسيقى.

6 : 2 المناحي المستقبلية المتوقعة لتطور الفكر الإبداعي

(أ) المنحى السيميوطيقي: العالم كما ندركه في أذهاننا يمكن تمثله كعالم من العلامات، فالعلامة وسيط التواصل بين الإنسان والإنسان، وبين الإنسان وغيره من الكائنات، وأخيرا بين الإنسان والآلات من كمبيوترات وربوتات وما شابه.
ومفهوم العلامة مفهوم قديم تعرض له منذ قرون عديدة مضت الفكر الإغريقي ، وكذلك فكرنا الإسلامي استنادا إلى الآية القرآنية: "وعلامات وبالنجم هم يهتدون"، (سورة النحل ـ آية 16).
يمكن أن تسهم السيموطيقيا بدور فعال في التنظير للأدب العربي الذي ينظر إليه البعض كمدخل رئيسي للدفع قدما بالتنظير اللغوي الذي تحتاجه العربية بشدة.

(ب) المنحى المعرفي: الأدب نثرا وشعرا، ليس مقصورا على وظيفته الجمالية فهو يمثل أسلوبا في التفكير والمعرفة. إن معرفة الأدب تختلف من حيث طابعها ودورها عن المعرفة العلمية، لكنها لا تقل عنها أهمية في نظر الكثيرين. إن معرفة الأدب لا تبغي تبسيط الواقع أو اختزاله كما يجرى أحيانا على صعيد العلم، إنها تبقي على الواقع تعقده، تسعى بجسارة لاقتراح طرق جديدة للتعامل معه.
وصدق من قال أن كل ما اكتشفه العلم سبق للأدب أن سجله كتابة، ويكفي شاهدا أن ما خلص إليه علم نفس فرويد عن عقدة الابن إزاء أبيه قد سجلها المسرح الإغريقي منذ ما يزيد عن عشرين قرنا في مأساة "أوديب".
إن المنحى المعرفي لفكر الفن يمثل أهمية خاصة بالنسبة للفكر الثقافي العربي من أجل تأكيد أهمية الفن وفض الخصومة المفتعلة التي أقامها البعض مع معظم أجناس الفنون.

سابعا: المنظومة الفرعية للفكر في ثقافي عصر معلومات

7 : 1 التوجهات الرئيسية للفكر في ثقافة عصر المعلومات

(أ) من البنيوية إلى ما بعد البنيوية: لقد قامت البنيوية على افتراض وجود علاقة عضوية ثابتة بين الرمز ومعناه ويقضي بنا هذا في نهاية المطاف إلى تطابق اللغة مع الواقع، اللغة بصفتها الأداة الرمزية للتعبير عن فيض المعاني التي يموج بها هذا الواقع.
وجاءت ما بعد البنيوية لتنسف هذا الافتراض الأساسي، فلا اللغة مطابقة للواقع ولا الرمز اللغوي يحيل إلى معنى بعينه، بل يحيل إلى رمز آخر. ليظل يدور في حلقة مفرغة يستحيل معها الوصول إلى معنى نهائي. بناء على هذه الاستحالة، أطلقت ما بعد البنيوية حرية قراءة النصوص، حيث تختلف وتتعدد القراءات لذات النص، مع اختلاف خلفية القارئ، وهدفه وقدرته على التحليل والتفسير.
يسود التوتر موقف الفكر العربي إزاء ما بعد البنوية، حيث ما زال الكثيرون متشبثين بشفافية اللغة القائمة على مطابقة اللغة للواقع. ربما يكون الدافع إلى ذلك هو تصور البعض أن النص القرآني لن تكون له القدرة على النفاذ والتأثير ووضوح البيان ودقته، إلا بافتراض الشفافية التامة للغة في نقل المعاني، بيد أن عظمة النص القرآني تكمن في كونه قادرا على النفاذ والتأثير ووضوح البيان ودقته، ومع اختلاف الأزمنة والأمكنة، دونما حاجة إلى افتراض هذه الشفافية المطلقة للغة.

(ب) من الحداثة إلى ما بعد الحداثة: الحداثة هي تلك الموجة الحضارية التي أثرت على فكر الغرب، ومن بعده فكر العالم بأسره. وفي أوج نجاحها أبان النهضة الصناعية، تمادت الحداثة في ثقتها الزائدة في العقل وقدرته على التصدي لتعقد العالم، فكان اليقين العلمي القاطع الذي جر وراءه سلسلة من الحتميات: الحتمية التاريخية،والحتمية البيولوجية والحتمية اللغوية، وجاءت العولمة لتضيف عليها الحتمية الاقتصادية وحتمية نظام القيم فيما يطلقون عليه "الخلق العالمي".
يرفض مفكرو ما بعد الحداثة، كل الأسس التي قامت عليها الحداثة. بل معظم الأسس التي قامت عليها الحضارة الإنسانية، دينية وفلسفية وعلمية. لهذا كان من الطبيعي أن يتسم موقف الفكر الثقافي العربي بأقصى درجة الحذر من فكر ما بعد الحداثة، بيد أن هذا الرافض التام لا يجب أن يغفل عن رؤية بعض الجوانب الإيجابية لهذا الفكر من قبيل مناهضته للتمركزية الأوروبية ونخبوبة الثقافة والتجنيس الثقافي البغيض الذي تفرضه العولمة الحالية.

7 : 2 المناحي المستقبلية المتوقعة لتطور الفكر الفكر الثقافي

لقد مر علم الاجتماع بما عرف بـ "الثنائية الثقافية" التي تفصل بين ثقافة علوم الطبيعيات وثقافة الأخلاق التي من المفترض أن تضطلع بها علوم الإنسانيات. ومن زاوية أخرى، فقد فرض على علم الاجتماع في تناوله لعلاقة الشمال بالجنوب أن يتعامل مع ثقافة العالم النامي أو الثالث والتي أطلق عليها "الثقافة الثالثة"، ويمر علم الاجتماع حاليا بثقافة جديدة أطلق عليها ثقافة علم الاجتماع الرابعة، وتركز هذه الثقافة البازغة على عدة أسس أهمها:

  • تحالف الحركات والمنظمات غير الحكومية المناهضة للعولمة.
  • استغلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تطبيق تضييق الفجوة المعرفية.
  • التعامل بشكل مغاير لما هو سائد مع ظاهرة الإحياء الديني.

إذا ما تمعنا في الأسس التي تقوم عليها الثقافة الرابعة لعلم الاجتماع، الواردة في الطرح العام، يتبين لنا على التو الفرص العديدة التي تتيحها أمام إسهام اجتماعي عربي فعال، وذي جدوى مباشرة، قطريا وإقليميا.

ثامنا: نحو علم دقيق للثقافة

يصبو فكر الثفافة أن يرقى بها إلى علم دقيق ، يتمحور حول قضية رئيسية هي دراسة ثلاثية العلاقات التي تربط بين القوى الرمزية والقوى المجتمعية الثلاثة الأخرى: السياسية والاقتصادية والعسكرية، وذلك بغية ترشيد استخدام السياسية لسلطتي التشريع والتنفيذ، وترسيخ مفهوم المسؤولية الاجتماعية لدى مؤسسات الأعمال الاقتصادية فالعمل الجيد هو أيضا العمل الخير. فيما يخص علاقة الثقافة والقوى العسكرية من جيش وشرطة فتهدف أساسا إلى إقامة التوازن بين أمن الأفراد والجماعات وبين أمن المجتمع، وتجنب الصدام ما بين الشعوب من خلال الحوار الثقافي الفعال.