فاطمة البريكي
(الإمارات)

فاطمة البريكي

انتشرت المكتبات الإلكترونية في الآونة الأخيرة، لكن انتشارها وتعددها لا يعنيان تماثلها أو تشابه الخدمات التي تقدمها، بل على العكس من ذلك، يعدّ هذا الميدان فضاء رحبا للتمايز والإبداع، وابتكار الأفضل والأكثر اختلافا وتميزا، على نحو يكون المستفيد الأول منه هو القارئ.
ومن أمثلة المكتبات العربية الإلكترونية الرائدة مكتبة (الورّاق) التي أنشأها فريق عمل تابع للمجمع الثقافي في أبوظبي، في العالم الافتراضي عام ،2000 بهدف نشر التراث العربي والإسلامي باستخدام تكنولوجيا المعلومات وما يتضمن ذلك من إعادة تحقيق وتوثيق لبعض مصادره وإعادة صياغة بعضها الآخر، بحسب ما جاء في الموقع.

بدأت هذه المكتبة بتقديم عدد محدود من الكتب التراثية أولا، ثم تطورت بعد ذلك كما وكيفا؛ فتضاعف عدد الكتب فيها أضعافا كثيرة، وتنوعت محتوياتها، ولم تقتصر على تقديم الكتب التراثية فقط، بل حتى الكتب العالمية المترجمة. كما تنوعت طبيعة المواد النصية المقدمة من خلال هذه المكتبة ما بين مواد مكتوبة، ومسموعة، ومرئية.

من طبيعة البشر أن يتبادلوا خبراتهم ومعارفهم وآراءهم، ومن طبيعة الباحثين خصوصا أن يتناقشوا في مختلف القضايا، وبمجرد أن يطرح أحدهم موضوعا أو قضية للنقاش يبدأ جميع الموجودين بالمشاركة، ولا يكبح جماح انفعالهم بالموضوع واندفاعهم للمشاركة فيه وجودهم في مكان يتطلب الهدوء، كالمكتبة مثلا. وقد تفهم القائمون على مكتبة (الوراق) هذه الطبيعة البشرية فأنشأوا ما يسمى “مجالس الوراق”، وهي مجالس يتم فيها تبادل الخبرات والمعارف والمعلومات بين روّاد المكتبة، مما يجعلها نموذجا مثاليا للمكتبة الحقيقية في الفضاء الافتراضي.

مميزاته
لمكتبة الوراق مميزات كثيرة، منها أنها توفر الوقت والجهد على الباحث؛ فبدلا من قضاء ساعات طوال في البحث عن فكرة أو معلومة لا يذكر في أي كتاب قرأها، فإنه يستطيع من خلال موقع مكتبة الوراق أن يدخل إلى الفهرس الخاص بكل كتاب ليطلع على عناوينه الأساسية والفرعية، كما يستطيع البحث باستخدام الكلمة المفتاحية، ولكن هذا سيجعل نتائج البحث أمامه كثيرة جدا مما سيستغرق جهدا كبيرا منه للوصول إلى النتيجة المطلوبة. ولتجاوز هذا الأمر يتيح موقع (الورّاق) لمتصفحه البحث باستخدام جملة كاملة، مما يقلص عدد نتائج البحث. ومن مميزات هذه المكتبة أيضا أنها تسمح للباحث بنسخ النص الذي يريده وإعادة لصقه في ملف Word توفيرا لوقت الطباعة.
كما ييسر هذا الموقع على الباحث عملية جمع المادة العلمية للأبحاث التي يعمل عليها، وللمشاريع التي ينوي العمل عليها مستقبلا ضمن ما يسميه ب”مشاريعي”، وهي خدمة تتيح للباحث إضافة أي صفحة يقرؤها إلى أحد المشاريع البحثية التي يعمل عليها، فيما يشبه فكرة البطاقات البحثية، ويمكنه العودة إليها في أي وقت.

عيوبه
رغم المميزات الكثيرة التي يتميز بها موقع مكتبة (الوراق) إلا أنه من الطبيعي ألا يخلو عمل بشري من العيوب، والمهم هو التعرف إليها، وتجاوزها، وتجنب ما يمكن أن يعرقل عملية الإفادة الحقيقية من محتويات هذه المكتبة.

ولعل العيب البارز في موقع مكتبة الوراق يقع في عملية التصفح، وهي عملية أساسية في الموقع، تميزه عن غيره من المواقع التي تُعرف بالكتب من دون أن توفر خاصية تصفحها نظرا للتكلفة الباهظة لعملية إعداد نسخة إلكترونية للكتاب المطبوع، وللجهود الجبارة التي تتطلبها عملية إنشاء مكتبة إلكترونية.

عملية التصفح في مكتبة الوراق فيها قدر من البدائية، وعلى الرغم من أن الموقع قد تجاوز مرحلة البداية والبدائية في مواضع كثيرة منه إلا أنه لم يتجاوزها حتى الآن في عملية التصفح التي تمثل ركيزة الموقع. إن الباحث في أي كتاب لا يستطيع أن يتصفح الكتاب تصفحا سريعا وأن ينتقل بين صفحاته بسهولة ويسر، فهو مضطر إلى الانتقال خطيا من الصفحة الأولى إلى الثانية، ومنها إلى الثالثة، مع إمكانية الرجوع خلفا إلى الصفحة السابقة.

كما يمكنه الانتقال إلى صفحة محددة بوضع رقم الصفحة في مربع مخصص لذلك يأخذ الباحث إلى الصفحة المطلوبة مباشرة، ولكن هذه الطريقة أيضا فيها قدر من البدائية التي يجدر بالموقع تجاوزها؛ إذ لا يحفظ الباحث غالبا أرقام الصفحات التي سيجد فيها المعلومة المطلوبة، مما يضطره إلى البحث بالطريقة الخطية والانتقال من صفحة إلى أخرى تباعا، وهذا فيه إهدار لوقت هو أولى به.

وتجاوز هذه الآلية التقليدية في التصفح ممكن بوضع صفحات الكتاب معا في شريط واحد، أو على الأقل صفحات كل فصل من الكتاب، بنفس آلية عمل ملفات (مايكروسوفت وورد)، بحيث ينتقل الباحث بيسر من صفحة إلى أخرى خلال ملف واحد. كما يتيح له هذا استخدام خاصية البحث (Ctrl+F ) للبحث داخل الملف الواحد، بدلا من أن يجد نفسه مضطرا للانتقال من صفحة إلى أخرى، وتتحكم بسرعة الانتقال عوامل كثيرة من بينها سرعة الجهاز، وسرعة الاتصال بالشبكة، كما أن عملية البحث ستكرر بحسب عدد الصفحات التي سينتقل إليها الباحث، بعكس ما لو كان عدد من الصفحات معروضا في وقت واحد من خلال ملف واحد.
ومن عيوبه أيضا محدودية التخصصات التي يوفر لها كتبا إلكترونية؛ فأغلب الكتب تندرج ضمن التخصصات الإنسانية والاجتماعية، ولا يتضمن حتى الآن مصادر ومراجع علمية تطبيقية، مما يجعل عدد زوار هذه المكتبة محدودا مقارنة بما لو كانت الكتب الموجودة فيها من جميع التخصصات بحيث تكون مكتبة عامة شاملة.
تميز
رغم هذه العيوب يظل موقع مكتبة الوراق الملاذ لكثير من الباحثين والأكاديميين المتخصصين في العلوم الإنسانية والاجتماعية حتى الآن، ويحظى بتقدير الكثيرين على مستوى العالمين العربي والغربي، نظرا للخدمات الكبيرة التي يقدمها للباحثين العرب والأجانب. ومن المتوقع أن يتم تجاوز هذه العيوب قريبا، إذ إن هذا الموقع من أكثر المواقع تحديثا على مستوى المضمون، وعلى مستوى الشكل بما في ذلك تصميم الموقع نفسه، وطريقة البحث فيه.
ولا يفوتني أن أنبه إلى أن الوراق ليس النموذج العربي الوحيد للمكتبة الإلكترونية، ولكنه قد يكون الأكبر حتى الآن من حيث عدد الكتب المتضمنة فيه، مع وجود مكتبات إلكترونية عربي

الخليج
يوليو 2006

sunono@yahoo.com