سالم أبو شبانه
بادية سيناء

سالم أبو شبانهالطريقُ ينتهي لشفا هاويةٍ!
وأنتَ مجبرٌ على المُضيّ
طويلا،
أيُّها الولدُ الذي تأخذُهُ
خرافةُ الصحراءِ،
والسلالةُ البيضاءُ،
في الدمِ المراقِ
على عتباتِ المتوسطِ.
أقرأُ الصحراءَ؛
كخطوطِ يديّ المعروقةِ،
وأنا أحْدو النّوقَ
إلى الطريقِ السريعِ
عبرَ القاراتِ.
لا تَقلْ لي هذا حَتمُ التاريخِ،
وزاويةُ ضيقةُ تنفرجُ
عمّا قليلٍ؛
فأنا أمدُّ رِجليَّ
لا يسعنُي الرملُ،
ويلسعُ قدميَّ ملحٌ قديمٌ،
بهارٌ،
عوسجُ الطرقِ الضّيقةِ،
ضجيجُ القوافلِ،
وما ينفرطُ من جرابِ الآلههِ.
فالحجرُ كتابٌ مطويٌّ بعنايةٍ،
أكلتْ الريحُ حوافَهُ؛
ويستعصي على التأويلِ.
فأنفضْ عنه ما يسّاقطُ
من أطباقِ الستالايت،
ودبيبَ الهوامِ المقززَ،
وقلْ أنا نفسي عِرقُ الترابِ،
أتيَمّمُ بدمي وأصلّي.
وللجغرافيا أنْ تسيحَ
على جسدي،
وللزمانِ أنْ يشربَ أغنيتي
الطويلةَ؛
كي يدومَ الصباحُ طويلا؛
وكي لا أسقطَ من حِجْرِ أمّي؛
التي ترعي الغنمَ في الوهادِ
وحيدةً،
تلفُّ جثةَ أخي بشالِها الأسودِ،
وتبكي في صَمتٍ،
يعبرُها الجنودُ /ُ القوافلُ/
القبائلُ/ والجياعُ في صمتٍ
والمرتدون إليها يطمَعون
في المَنِّ والسلوى،
و تنتَفضُ من الصراخِ المكتومِ
بحلقِها الجافِ،
وتشيرُ عليَّ بطرفِ شالِها.
كُنْ يا ولدي كتفًا قويةً،
واحملْ عني جثةَ أخيكَ،
لا تتبعْ العابرين بناظريكَ،
لا تحفلْ بالقرابينَ فدمُها حرامٌ..
الضجيجُ والغبارُ أعماني
يا أمي.
وصِرتُ وحيدًا،
لكنّي صُلبًا صِرتُ وجَلَدًا؛
أنْحتُ قوسي وحَجَري
بأصابعَ خشنةٍ؛
فلا تَلْحَدِي أخي في الترابِ،
وسجّي جسدَه على الرملِ
فأنا أمضي؛
لا يطولُ الطريقُ بقدمي
ولا يقصرُ
أمضي من جنوبٍ لشَمَالٍ؛
ومن شرقٍ لغربٍ أتبعُ حواسَي
فلا تنتظريني طويلا،
وهشّي على أغنامِكِ بعصاكِ،
وارعَي حقدَكَِ،
لمِّعِي حدَّه كلّ صباحٍ؛
لعلّنا عمّا قريبٍ
أيَّتُها الشجرةٍ بين الصخورِ،
إذ تلْقَيني لا تنعتيني
بالولدِ الشقيِّ،
فقد أشقيتُ عمري،
أطاردُ لغةً عصيّةً
وتطاردُني عيناكِ الوحشيّتان
في الحزنِ.
هذا الطريقُ،
لا يفضي لشيءٍ سواي؛
وسواي لا شيءَ،
وهاويةٌ تترصدُني أنا العابرُ؛
المقيمُ في ترحالي وتوجّسي،
فكيفَ يقرُّ جناحٌ في الريحِ؟
وأين تحطُّ الخُطوةُ
القدمَ المجهدةَ؟
....................
...................
كنتُ أنفضُ عن وجهي النعاسَ
وأصحِّحُ وضعَ جسدي
أمامَ الخلاءِ،
أطوي الكتابَ بين يدي
وأمضي سريعًا ولا أقفُ
قبالةَ مرآتي المضببةِ.

11-4-2010