حسين حبش
(سوريا)

حسين حبش[ملاكٌ طائر
الطفلة التي رَبطوا يَديهَا المكسُورَتَين
بالشَّاشِ الأبيَض
ألَحَّت على أمِّها أنْ تعرفَ
لماذا يَداهَا مَربوطتانِ هكذَا؟
عندما حارت الأمُّ ولم تَجد جَوَابَاً
هَمَسَت لها: لقد أصبحتِ مَلاكاً يا صَغيرتي،
أليسَ للمَلائكة أجنحَة بيضَاء...؟
صَدَّقت الصغيرَة كلام أمها!
إنَّها تَتَعَافَى روَيداً روَيداً
تُحَرِّك يديها كجَنَاحَينِ
وتُحاولُ الطَّيرانَ.

[نَجمة!
ربَّما كانت الطفلة شانتال عوَّاد تَحلمُ كثيراً،
تَحلمُ بأنْ تُصبحَ روَائيةً أو شَاعرةً كبيرةً
أو نَجمة سينمائية مشهورة يُشَارُ لها بالبنَان
نعم، يُليقُ بها أنْ تُصبحَ نَجمة سينمائية
عينانِ واسعتان، وجهٌ مَلائكي، عنقٌ طويل، ابتسامةٌ دافئة، شعرٌ منسدلٌ على الكتفين، حسٌّ مُرهَف، ذكاءٌ حَاد، بَدَاهةٌ مُطلقة واسمٌ رائع...
لكنْ وَاحَسْرَتَاُه
سيَّارة مُفَخَّخَة
سيَّارة مُحَمَّلةً بكلِّ أدواتِ المَوتِ والقتلِ والدَّمار
فجَّرتْ بَيتها وأمُّها
فجَّرتْ جَسَدها وحُلمها الصغير...
لا كَاميرا
لا تَصوير
ولا مَشَاهد دافئة تُنهي الفيلمَ نِهايةً سَعيدة.
لكنْ مَهلاً.. مَهلاً
انظروا إلى السَّماء،
انظروا بإمعَان
ألا تَرونَ أنَّها قد أصبحتْ نجمةً حقيقية هناك في الأعَالي؟
نَجمةً تتلألأ حُبَّاً وحَنَاناً وجَمَالاً وضِياء...

[ الطفلة شانتال عوَّاد استشهدت مع أمها في التفجير الأعمى الذي استهدف حي جرمانا في دمشق.

[رضيعة!
كانَ الأبُّ الحَلبي الحَزين
يَجلسُ على الأنقاضِ
التي خلَّفتها الطَّائرات الحَربية
ويضعُ زجَاجَة الحَليب
في فمِ طفلته الرَّضيعة
(ربما تكونُ الوحيدةُ المُتَبَقِّية له)
كانت الطفلة تشربُ الحليبَ ببراءةٍ مُتَنَاهيةٍ
وترفعُ إحدى قَدميها إلى السَّماء
وكأنَّها تقولُ لهم: كل طائراتكم المُخيفة
لا تُسَاوي قَدَمي الصَّغيرة هذه.

[حِداد
(إلى الطفلة ذات البكلة الحمراء وجوارب الكيوي التي غرقت في بحر إيجة).
يا ابنتي
يا طفلتي الحَبيبة
سنتخلَّصُ من جَحيمِ الوطن قريباً!
هيَّا اصْعَدي المَركبَ،
اصْعَدي بهدوء
سنجتازُ هذا البحر الأزرق الجميل
سنصلُ إلى الأرضِ المَوعُودة
أرضُ الأحْلام والسَّلام
أرضُ الحبِّ والجمَال
أرضُ البراءة والطفولة والسَّعادة...!
هناكَ ستذهبينَ إلى المدرسَة
دونَ خوفٍ من القتلِ والخَطفِ
وسَماعِ دويُّ الانفجَارات...
سيكونُ لديكِ مُربِّيات حَنونَات
وصَديقاتٍ بشَعرٍ ذهَبي.
ستلعبينَ كثيراً
وستنامينَ عميقاً
وتَحلمينَ بالفراشَات المُلوَّنة
والزُهور البيضَاء.
لا نَجَاة.. لا نَجَاة...
تَهاوَى المَركبُ إلى قاعِ البَحر
تَهاوَت معه الأحلامُ والآمالُ والأمنيات
لا نَجَاة لأحَد، لا نَجَاة لأيِّ شَيء، لا نَجَاة...
حِدادٌ
حِدادٌ
حِداد...

[الطفلة التي يُتمَت
غارات تلوَ غارات تلوَ غارات
تَحوَّلَ البيتُ إلى رُكامٍ وغبارٍ وأطلال
جَلستِ الطفلة التي يُتمَت
على الرَّصيف المُحاذي لغُرفتها تَماماً
فَتَحَتْ دفترَها
رَسَمتْ بيتاً كبيراً
بغُرفٍ واسعةٍ ونَوَافذَ كثيرةٍ وأبوابٍ عَالية
رَسَمتْ الحَديقة واسِعةً وخَضراء
ليَلعبَ فيها أخوتها الأطفال!
سَوَّرت الحَديقة بالزهُور والأشجَار
ثمَّ رَسَمت السَّماء بلَونٍ أزرَق
جَعَلت الطُّيور تَمرحُ فيها بدلاً منَ الطَّائرات.
البيت الذي رَسَمَته الطفلة اليَتيمة
أصبحَ يتيماً..!

[اسقاط طائرة!
يَحملُ الطفل الحَلبيُّ مُسَدَّسَه البلاستيكي
ويقفُ طوالَ النَّهار على النَّافذة!
تلحُّ أمه أنْ يُغلقَ النَّافذة ويَجلس
خَوفاً عليه من القَنَّاصة
يقولُ لها: لا يا ماما،
لا لا لنْ أرتاحَ حتَّى أُسقطَ طائرة!

المستقبل - الاحد 7 تشرين الأول 2012