هاتف جنابي
(العراق/وارسو)

1. ذاكرة اليد

هاتف جنابيحفرتُ طويلا تحت قبة ربّ العالمين
في النهار أطوف وحيدا
وفي الليل يلفعني
فحيحُ الحالمين

قلتُ: ليكنْ ما يكون
المرايا ترانا كما تشتهي
والحفرُ بمقدار حصّةِ عُمْر مُقَدّر
ضمن رحمته المفترضة
صمته بلا حدود واستجابته غامضة
رحمته من عالم آخر
المستكينُ إليها حالمٌ
والباحثُ عن ذاته حالمٌ
بينهما ألفُ عثرةٍ ورحمةٌ واحدة

ألمْ يكن الربُّ وحده؟
ألم تكن الآخرة
وحدها؟
ألم تكن الجحيمُ مفردة،
والفردوسُ منفردة؟
ألم تكن الأنا مصلوبة وحدها على لوحهِ الأعزل؟

حفرتُ طويلا تحت قبة ربّ العالمين
حتى رأيتُ الجذرَ والبطانةَ البيضاء
تناثرتْ أصابعي
فاختلطتْ أظافري بالمخالب
وجِلْدي بالّلحاء.

حفرتُ حتى حدود الردى:

أيادٍ تُثيرُ الغبارَ ورائي
أُصَافحها لدى النهر
حتى ينجمد

أيادٍ تُواسي
أداعبُ حلمي الضريرَ بها
فيصحو الكلامُ
على أطراف الأنامل وهو يسري
باتجاه نور قادم من بعيد
علقتْ أذياله المترجرجة
بدخان الأعالي

أيادٍ تكتب ميراثَ السماء
أسبّح باسْمها
فتصعد روحي سُلّماً
يتدحرج أعلى من غبار الخليقة
أدنى من حذاء القدر

أيادٍ أغطّي بها جبهتي
بعدَ رحيل النهار
أكشفها ضارعة نحو السماء
تسّاقط ملأى بالنجوم
وأخرى بالحجر

أيادي الحقول
أيادي التبتل والانبهار
أيادي الغبار.

تلويحةُ العتمة في نهارها
أيادي السوادِ البياض
أيادي اللطم على الصدور الحائرة
أيادي المحوِ والذاكرة
أمسِ، صافحتني لؤلؤة.

كلماتي يدٌ
كتابي يدٌ
يدُ الغابة
يدُ القبلة

لمسةُ اليد
يدُ النهد
حُلْمةُ اليد النافرة
يدُ الدمار


لغةُ اليدِ
في حفرها المستديم
أبجدية مارقة
رُمُوزُها مستعصية
والكلماتُ أعواد ثقاب
في مَرمدة السنين.

أردتُ أنْ أحرّكَ المفتاح
في قفل الحياة
فلم تكنْ يدي بيدي
والختمُ صديء
فصرتُ كالشاهد المبصر الأخرس
في محكمةٍ قُضاتها
عُمْيان.

أنا الضرير
تسندني يدٌ مبصرة.

سأحدثكم عن خطوط اليدِ
والفضاءاتِ بين الأصابع والمخالب
المخالبُ أعتى، لكنها أشقى،
مراوغةٌ حقا مخادعة
حفرتُ تحتها فانغرزتْ خطوطُ اليدين بها
الذاكرةُ اتسعتْ والروحُ تناثرتْ
بينَ قُطْبَيْ رَحاها.

أشربُ خمرتي من يديها
وبها ألوّحُ للقادمين
في مملكتي المحاصَرة.

2. شجرُ اليد

كنتُ أسير واضعا
يدَ الشِّعر في جيب الضجر
أسيرُ بين الواقع والخيال.
ألوّح للورد بفأسي
وللشمس بالزوال.

ذاتَ يوم صحوتُ فقلت:
استعنْ بيديك
أيهذا الشجر
استعيني بطقسك أيتها المتأمّلةُ الآنَ خلف رتاج الحياةِ،
بهذا السُّعارِ المُسَمّى محبة البشرْ،
بالفضيلةِ ماكرةً
وهْي تهوي على الورد
بفأسها اللامعِ ليلا
المُجللِ بالسّواد نهارا
واستبشري يا خُطواتُ بالصحارى:
لا
عناوينَ،
لا
شوارعَ
فيها،
لا
فناراتٍ
ولا سُفنا مبحرة
صوتُها بانسفاحٍ يجيء
والكلامُ تُغربله الرّيحُ والرّملُ ينثره
لا حصادَ ولا زرعَ يقتفيانِ الأثرْ
غير آلهة الوقع الخفيّ
لخُطْواتها الزاحفة،
في الأعالي.

أرى من سقف حيرتي
كيف تفركينَ الحجرَ الأصمّ
كيف تعجنينه خبزا وتنثرينه في الحقول
موشومة بالبياض - السواد
يا يدي الوفية

كلماتي تَسّاقط
من يدي

أمدّ يدي ليدي
تَصْفحانِ
وتَصّافحانِ
فتنبثقانِ

يابلونّا، 16-20.11. 2007

3. اليد وختمها

كتبتُ على قبري،
ملحمةَ اليد الراعفة،
تلك التي فتحتْ شبابيكَ الخليقة
وأغلقتْ بنفسها كوّةَ القبر الوحيدة،
صوتها أسمعه حتى الرّمق الأخير من التراب:
حجارةُ مَنْ هذا الذي رَماني؟
رسمُ مَنْ هذا المبصرُ في الظلام؟
مَذبحُ مَنْ هذا المعبدُ المهجور؟
قبرُ مَنْ هذا الذي ضيّعني؟
ظُلمةُ مَنْ هذا الذي دلّهم على فجري؟

يابلونّا، 25. 11. 2007

أقرأ أيضاً: