هاتف جنابي
(العراق/وارسو)

برولوج

هاتف جنابيالحياة
هي الأمل الوحيد المتبقي
للموت.

يا لها من قصيدة عظيمة
هذه الفكرة المحتضرة!

العفّة
في المبغى
زجاجة فارغة
في حانة.

بين الضحك والبكاء

إذا أردتَ أنْ تضحك فاضحكْ
وإذا أردتَ البكاءَ فابْكِ
لكنْ لا تتكلمْ بهاتين اللغتين.

* * *

يُعْرَفُ الهواءُ بالتنفس،
والريحُ بالحركة،
والخُضرةُ بالشجرة،
والمرأةُ بالرجل،
والحياةُ بالموت.

* * *

الجبانُ الذكي،
أخطرُ من شجاع متهور.

* * *

الجمالُ الكئيب
مثل دقيقٍ في كيسٍ مثقوب.

* * *

الحاكمُ الذليل
عربة بلا حصان.

* * *

الديكتاتور الأحمقُ
ضيفٌ ثقيلٌ وغبيّ،
حانةٌ بلا خمر،
وقوادٌ في كنيسة.

* * *

ينثقبُ الحذاءُ
من أجل أن يتنفس.

* * *

الثرثرةُ عواءٌ،
الحكمةُ نداء من الأعماق،
والصمتُ إشارة.

* * *

إذا أراد الجميعُ التكلّمَ
بلغة السماء،
سيصمتُ الإلهُ للأبد.

* * *

لأهل النار أكثر من أملٍ،
بينما لا أمل لأهل الجنة.

* * *

الحانةُ الممتلئة خيرٌ من كنيسةٍ مهجورة،
والكنيسةُ المهجورةُ خيرٌ من بلد ظالم.

* * *

تقول الحياةُ للموت:
لا أمل لك بعدي
أيها الموتُ بالحياة.

* * *

الموتُ للحياةِ:
اضحكي، اضحكي،
سأقضمك.

* * *

الشقاءُ أحد الأوجه السادية للحياة،
والغِنى أحدُ شِرَاكِها.

* * *

الجلاّدُ:
- ما الذي يجعلكِ تتأوهين؟
الضحيةُ:
- هذه العتمةُ وهذا الجنونُ اللامتناهي.
الجلادُ:
في العتمةِ يضيءُ الجنون.

* * *

التأوهاتُ أحدُ أناشيد الألم الخالدة،
والحياةُ هي العازفُ الوحيد.

* * *

بين الحاكم والعامةِ
علاقةٌ ديالكتيكية
الأولُ يسخر من الثاني،
والثاني يصفّقُ له
ليثبتَ انتماءه الإجتماعي.

* * *

المحبةُ سِفْرٌ لا محدود
فيه كلمتان فقط:
- حياتي لك
التوقيع: المحبة.

* * *

أكثرُ قمم الطبيعة تناسقا
هما نهدا المرأة،
وأكثرُ الأشياء لوعةً
هما عينا الرجل.

* * *

العراءُ خيرٌ من رداءٍ مثقوب،
والرداءُ المثقوبُ خيرٌ من عقلٍ مريض،
والعقلُ المريض خيرٌ من كرامةٍ منتهكة.

* * *

تُسْكرُ الخمرةُ لسعةِ خيالها.

* * *

صارت للفم شفتان،
كي لا يندلق الكلامُ.

* * *

يقول العربُ:
الأرضُ تجلس على قرن ثور
لأنها مؤنثة.

* * *

ويقول العربُ:
إن اللهَ خلق الأرضَ كرويةً
ليلعب بها مع الأنبياء.

* * *

استعان الأنبياءُ بمخيلة الإلهِ،
والشاعرُ بمخيلتهِ،
والكاذبُ بمخيلة الجميع.

* * *

المرأةُ تنظر للرجل بجسد المشاعر،
والرجل يحاول أنْ يتلمسها.

بلومنغتن- إنديانا، تموز- آب 1994

أجنحة فضية

للقوة أذرعٌ متعددة،
أكثرها مضاءً هي ذراعُ المحبة.

* * *

النصرُ يزرعه الفاشلون،
ويحصده المنتصرون.

* * *

للطبيعةِ شكلٌ
للمشاعر أنغامٌ
للحكمةِ عقلٌ
وللخيالِ سعةُ النظر.

* * *

كلّ المرايا انعكاسٌ لأشكالٍ خارجية،
إلا مرآةَ المحبةِ،
فهي فيضٌ وانبثاق.

* * *

للحلمِ أجنحةٌ فضيةٌ
تُرفرفُ في الظلام.

* * *

مَنْ لا يُصغي لخصمه،
تطحنه سنابكُ الغرور.

* * *

الأوهامُ نجومٌ تائهةٌ
في مملكة الخيال.

* * *

للماء انسيابٌ،
للصحراءِ رملٌ،
للشجر أغصانٌ،
للجبلِ قمةٌ،
وللوديانِ أعماق.

* * *

كلّ العملاتِ يُمكن تزييفها
إلا عملةَ اللهِ،
لأن صورته ما فوق سماوية.

* * *

إبليسُ شخصيةٌ خرافيةٌ
يُمثّلها أحدُ الملائكة
في مسرح الخليقة.

* * *

هناك أربعةُ أزمنة:
الماضي والحاضرُ والمستقبل،
وزمنُ اللازمن وهو سرمديّ.

* * *

الحياةُ حضور
يتشبّثُ بالذاكرة،
والموتُ مستقبلٌ
يبحث عن ذاكرة.

* * *

المعابدُ حاناتُ المؤمنين.

* * *

للموتِ بيتٌ هو الظلمة،
وللظلامِ أفقٌ هو الحياة.

* * *

مَنْ يتدثّر بالريح،
فالعراءُ لحافه.

* * *

الأخرسُ الذكي خيرٌ من حكيم ثرثار.

* * *

حراثةٌ البحر خير من العطالة.

* * *

الجمالُ غِنى،
الغنى امتحانٌ،
الفقرُ عِلّةٌ،
والزوجةُ الثرثارةُ فقرٌ دائم.

* * *

البغيُ الطيبة،
خيرٌ من سيدةٍ خبيثة.

* * *

العفّةُ الفارغة
مثل صلاةٍ في مبغى.

* * *

البراءة
خمرةٌ لا تُسكر،
والأبهة
حصانٌ أعرجُ في سباق.

* * *

مَنْ لا يشحدْ مشاعرَه،
يعتريه الصدأ.

* * *

مَنْ يرمِ شِباكَهُ في العراء،
يحصد الريحَ.

* * *

الأنبياءُ والرسل،
قناديلُ بشريةٌ معلقةٌ
برجْلِ إله.

* * *

مَنْ لا يُحَلّقْ بأجنحة الحب،
ستحلق به الوحشة.

* * *

سكّينُ الكلمات لا تُضاهيها سكّين.

* * *

الإساءةُ: حركةٌ بين اللؤم والتفاهة.

* * *

القصّابُ: جلادٌ حيّ بين الموتى.

* * *

الموتُ: حلّ ديبلوماسي لنزاعٍ أبدي،
بين شبابٍ مُسْرعٍ وشيخوخةٍ متثاقلة.

* * *

أنا حصانٌ،
وأنا عربي
باللغةِ البولندية.

* * *

الإنسانُ العاقلُ حيوانٌ منقرض،
وثمة ملامح جديدة لحيواناتٍ بشرية.

* * *

أخاف من زمنٍ
يصير كلّ حمار فيه
أميرا.

* * *

أحلامنا صورةٌ لحياتنا،
وما حياتنا سوى حلمٍ عابر،
في ظلام سرمديّ اسمه الموت.

* * *

الجاهلُ حذاء مثقوب
في يوم مطير.

* * *

الأمةُ الكسولةُ مثل بضاعة فاسدة،
والكسادُ حالةٌ من الفساد.

* * *

السياسةُ صنفان: سياسةٌ من أجل السياسة؛
يعني استباحة ما حولها،
وسياسةٌ من أجل ما حولها.
ما يثير الرعبَ حقا هو أن الأمور سائرة
في خدمة الصنف الأول.

* * *

من الشائع أن الناس ينقسمون
إلى نساء ورجال،
لكن ثمة صنف ثالث
رجالنسائي!

* * *

مَنْ يحاربْ على كل الجبهات،
يكنْ أول الخاسرين.

* * *

لغةُ الحب واحدة في كل العالم
وأوّل حروفها الإشارة.

* * *

الفرحُ
تعبيرٌ في غاية الوضوح
عن حزنٍ دفين.

* * *

ثمة تفاصيل وتفاصيل ضائعة في خضم الحياة،
لها أهميةٌ أعظمُ مما نعرفه من عموميات.

* * *

للريح لغةٌ واحدة هي الكشف والتعرية.

* * *

ما لا تُبصره العينُ تراه المخيلة،
وما لا تراه المخيلةُ تحرسه الروح.

* * *

ليس للطفولة
سوى شراع ٍ واحد،
هو البراءة.

* * *

مَنْ لا بيتَ له
العراءُ بيته،
والعراءُ من أكثر لهجات الطبيعة انتشارا.

* * *

كنتُ أغني مبتهجا بالطفولةِ،
فجأةً أوقف الغناءَ طبلُ الشيخوخة.

* * *

أعظمُ كنزٍ في الحياة
أنْ تعرفَ مَنْ أنتَ
ولنْ تعرفَ ذلك إلا بالموتِ.

* * *

كلّ عطورا لعالم
لا تساوي
عطر امرأة حقيقية.

* * *

للطبيعةِ أعماقٌ وأعماق،
أكثرها عُمْقا سعةً العقل.

* * *

تُقْرَعُ أجراسُ الكنائس
بحثا عن الأرواح الحائرة.

* * *

للحريةِ
آمالٌ ضائعة
في غياهب العقل.

* * *

للنهارِ هدفٌ هو النور،
وللظلام أفقٌ هو المجهول.

* * *

ليس لي سوى أن أنثر أحلامي نجوما
لتحصد السماءُ منها ما تشاء.

* * *

أمس ِ احتسيتُ من رضاب الليل،
حتى فاضت المحبةُ من جسدي.

* * *

تَقطّري تَقطّري أيتها المشاعرُ حتى تتجسدي،
وأنتِ يا أجساد تكلّمي بلغةِ الفتوة.

* * *

آخر الكلمات في قاموس الحياة
هو الهمسُ:
همسةُ الحياةِ،
همسةُ المحبةِ، همسة الجسد،
وهمسةُ الموت.

* * *

لحظةُ المكاشفة بين الروح والجسد
ذات طابع سرمدي،
الجدل ما بين العقل والحياة،
هو أحد فصولها العابرة.

* * *

أينما حللتَ فثمة حاجة للرحيل،
لأن المسافة ما بين الموت والحياة رحلة،
ولأن البداية والنهاية
ليستا أكثرَ من نقطتين وهميتين
في أسطورةِ الكون المتواصلة.

* * *

ما يجعل التاريخَ حاضرا دائما،
هو هذا الغثيان الذي نشعر به كلّ لحظة
معتقدين أن ما مضى أرحم،
متناسين بشاعة أفعالنا،
وأن الذي سيأتي أشدّ فظاعة منه،
ومن هذه اللحظات العابرة.

* * *

اُكْتُبْ بمدادِ الحكمة،
واعملْ بعزيمة الخيال،
وفَكّرْ بسعة الكون،
لكنْ عشْ بقلبِ المحبة.

* * *

لا تنفع الحيلة في أمرين:
في الحب،
وفي مواجهة الإله.

* * *

الحكمةُ تحليقُ الفكر،
بأجنحة سعةِ النظر.

بلومنغتن- وارسو، آب- شباط 1995 /1994

للأمل العيونُ كلها

تراني بعينك،
أراك بروحي،
وكلّ ما نراه هباء.

* * *

تجرح السكّينُ الحادة،
خوفا من الصدأ.

* * *

أكثرُ الأجرام حزنا وعذابا الأرض،
لأنّ الله قد خلق الإنسانَ عليها.

* * *

اختار الفحمُ السوادَ،
ليذكرنا بأنه أكثرُ الأشياء
حزنا على الإطلاق.

* * *

كلّ واحد يتظاهر بطريقته الخاصة،
الكاذبُ على أنه صادق،
والصادقُ ببعده عن الكذب.

* * *

كل شيء مخلوقٌ،
إما تكوير أو تجويف
من أجل أنْ يمتلئا.

* * *

إذا امتلأتْ كفكَ بشيء،
فابسطْها لكي لا تنتفخ.

* * *

أطولُ رحلة رحلةُ الكلمة
بين العقل واللسان،
وأقصرها ما بين القلب والشفة.

* * *

تحترق الأشياءُ
لأنها حطبٌ لا غير،
وأحترق
من فرط وجدي إليكِ.

* * *

أتراءى إليكَ
مضرجا بقصائدي،
وتبدو لي مستغرقا
في حماقاتي.

* * *

ما يُميز الطفولةَ عن الشيخوخة،
أمرٌ واحدٌ لا غير،
في الأولى نبدأ،
وفي الثانية ننتهي.

* * *

سألتُ فتاةً:
لماذا لاتتزوجين؟
قالت: خوفا من صدمة المجهول.
وأنتَ لماذا لا تتزوج؟
قلتُ: خوفا من نفسي.

* * *

عددتُ رياش الطاووس ذاتَ يوم،
فوجدتها ناقصةً، وحينما سألته عن السبب،
قال: خوفا من غياهب الخيلاء!

* * *

ما بعدَ المنفى سديم.

* * *

كل شيء ضائع،
والضياعُ منزلةٌ بين التيه والمنفى،
والمنفى أبعدُ ما تصل إليه الكلمة.

* * *

المنفى واستلابُ الذاكرة،
شريكان مخلصان،
عليك أن تجعلهما يتخاصمان.

* * *

الأفكارُ الضيقة،
مثل حذاء ضيق،
إذا لم يتسعْ فعليكَ أن تهجره.

* * *

لا سفحَ لمن لا مرتفع له.

* * *

للهزيمةِ عينان،
للخيبةِ ثلاثُ عيون،
وللأمل العيونُ كلها.

* * *

أدقّ على صدري وأدقّ،
لعله يتسع.

* * *

ثلاثةٌ أشياء
يمكن المرءُ أن يموتَ من أجلها:
الحريةُ والحرية والحرية.

* * *

شرفُ العزلةِ في تفردها،
والتفردُ سمة من سماتِ البسالة.

* * *

الأفكارُ عُرْيٌ بدائي،
وعلى الكلمات أنْ تكسوها.

* * *

نظّفتُ ملابسي،
وقلّمتُ أظافري وخرجتُ،
غير أنني عدتُ مسرعا،
لأني نسيتُ أنْ أُمَشّطَ أفكاري.

نيويورك- بيتسبورغ- بلومنغتن، آب-اكتوبر 1993

عن الشعر والشعراء

* أتمرأى على حافة الماء بانتظار الذي يمشي عليه.

* القصيدةُ التي لا تأتي إليكَ بفستان الكرة الأرضية،
عليك أنْ تحييها من بُعد بأجنحة السماء.
* اِبْكِ، اِبْكِ ايها الشاعرُ،
لعل دموعكَ تصير لآليء.

* الناثرُ للشاعر: كنتُ شاعرا من قبلُ،
الشاعرُ: لو كنتَ حقا لما تركتَ الشعرَ.
الناثر: كل شيء جميلٌ عابر، وكل ما هو عابر
مضيء لخفته.
الشاعر: كل ما أطمح إليه هو أنْ أحترق في بهائي.

* رأيتُ شاعرا محلّقا،
وبقدميه جبلٌ من نور.

* الخيالُ انبثاقٌ وانبثاق،
والعقلُ سياجهُ.

* سمعتُ شاعرا يقول:
يا إلهي، يا إلهي
لماذا لا تسمعني،
هل أنتَ من حجر؟
* سمعتُ آخرا يقول:
( يا ليتني حجر،
كي لا يدخلني أحدٌ).
* سمعتُ ثامنا يهتف:
كلّ ما خلّفَه الطغاةُ
لا يُساوي قلامةَ اظفر ٍ
وأنا ما تبقّى.

* رأيتُ شاعرا يعصر غابةً،
بحثا عن صورة شعرية.
* سمعتُ عاشرا يقول:
انفتحي يا أبوابُ،
لِمَ أنتِ منغلقة؟
رأيتُ شاعرا يبكي،
سألتُه ما ذا بكَ؟
قال: أضعتُ حبيبتي في الزحام.

وارسو، كانون الثاني 1993


إقرأ أيضاً:

أقرأ أيضاً: