يحيى جابر
(لبنان)

ـ 1 ـ

يحى جابر

أتمارى
بوجهك في البرواز
رذاذ خفيف على صورتك
هي دموعك أم دموعي
مَنْ يبكي مَنْ؟؟

ـ 2 ـ

ضمّاني يا ابنتاي
اتكئا على كتفي
اغمراني
اغمركن
يغمرنا...
حديقة تبكي جنيناتي
الجنيناتي المطعون بالمقصات
رشوه بالماء المبلل بالكهرباء
الجنيناتي شجرة فحم
لنرويه الليلة بماء العين.
العين وحدها لا تكفي.
يا الله أقرضنا شتاءً،
يا بناتي لنتعانق غيمة
... غيمة!
غطيطة مناديل.

ـ 3 ـ

لا تبنجوني،
لا تسكّنوا الوجع
تكفيني ابتسامته أقراص نوم
يا طبيب العائلة
ناولني سماعتك
لأجس نبضاته بين القمصان

ـ 4 ـ

يا مضيفات،
لا تغسلوا بصمات شفتيه
عن كوب الماء
اتركوني
ألملم دعساته من الكوريدورات
افرغ الحيطان من رنات وبحات
ألمّ دمعتك عن وجه المخدة
هل بكيت آخر ليلة؟
أقطف وجهك من المرايا
والنعاس عن العباءة
أتحسس خدك من المنشفة
...
أفتش عن أكتافك بين البدلات
أقدامك بين الجوارب.
إلى أين يا رفيق؟

ـ 5 ـ

أرفع إبهامك عن الريموت كونترول
وأبصم قبلة
شعرة بيضاء في المشط،
أملسها، أضعها في كتاب
صغيرتك.
محبوبتك، أنا.
أفتقدك، أتلمسك بين حبات المسبحة
أكوّرها
كأنني أقبض على يديك.

ـ 6 ـ

من يواسي من؟
حتى السرير ارتمى على ظهره من البكاء
الشراشف انكمشت من الوجع
الكنبايات قرفصت بأرضها
كندابات.
السجادات تنطوي على بعضها
للأشياء عيون
للأشياء أرواح...

ـ 7 ـ

وأسهو... كأن أهاتفك
فأطلب رقمك... أجربه
عسى. ربما. لعل.
ولو... خابرني بلمسة
طمِّني
أسهو، كأن الفظ اسمك
أناديك.
يا رفيق
هل أخذت الدواء!!
لا تتأخر، لموعد أصدقاء!!
أناديك
لم يبق لي سوى يداي شرفة
والقمر ساعي بريد
لنتبادل الرسائل كالعشاق

ـ 8 ـ

أقرأك بما تيسر
أبسمل
أن أعيدك بسورة الفاتحة
أرقيك من نقزة الانفجار
أبخِّرك
أسكب الرصاص في المقلاة
أرى عين الحاسد. عين القاتل.
عين الغطاس.

ـ 9 ـ

ولو...
زرتك البارحة
رد الزيارة في المنام.

ـ 10 ـ

أكرمني
أخرج من الصورة
الست محبوبتك
...وغازلني.
ها أنذا أرتدي العتمة.
أتمكيج بدمعي.
كحّلني بحاجبيك
مشط شعري
... ...
... ...
عيني في عينيك
حين أراك هل تراني؟
أومئ لي
إرمش لي
... ...
... ...
سأغادر الآن إلى دار الأيتام
...وأهمس
"يا صغار.
تيتمنا مرتين!!

ـ 11 ـ

هل أفتح لك زجاج البرواز
لترفرف حولي،
وتمازحني، بطرفة
جالسني، لنتسامر
نفرط الروزنامة كالرمان
وتفوز وحدك بحبة الجنة

ـ 12 ـ

أخرجْ... حان موعد العشاء
سأفرش لك المائدة
أعدك لن أخفف الملح
في الطعام،
وأغض الطرف عن الزيت
لو أفرم لك الموج سلطة بحر
...ولك أن تغافلني بقطعة حلو
يا حلو افتح البراد
واشتهي ما تريد
يا حلو افتح البراد
وأخرج من ثلاجة المستشفى.

ـ 13 ـ

لا تزعل. لا تخرج.
ها أنذا أدق على زجاج البرواز
افتح لي
لأجاورك.
لأجالسك،
أتسلل إلى صور الانفجار
ألمك ،
توسد ذراعي
لأنزع بملاقطي الزجاج
عن وجهك
نثرات الخشب
مسمار من باطن الكف
أغسل قدميك.
مسمروا حبيبي...
نم في حضني، لأقلم الحديد
لأمشط شعرك من الدخان
واللهب من رموشك
كيف زلت قدمك
وكسروا خاطرك.
رد عليّ.
جاوبني...
يا غسالات السماء دوري
يا شتاء الكواكب انهمري.
لنغسل قميص البنّاء
يا غيوم، ادعكي،
وفوفحي
ليفرفح بدن المحروق بالحبق
يا شمس.. سخني الماء،
لنليفه من عرق الجبين.
وبقعة الدم عن بنطلون الشغيل.
يا كيلة الدمع
لأقرص رأسك.
أفتر عياني، يا مكيفات الهواء، يا أنفاسي
لأبوردك...
يا نيل السماء كحليني معه
يا ممرضات المتوسط،
اسكبن يود البحر، لأغسل قطرة دم
عن صورة عائلتنا.
رجع زوجي من الشغل
شلحَ جسده، تعرى و"تفرّغ" من روحه،
ارتدى الموج بيجاما زرقاء
تمدد...
هل الموت قيلولة؟
...
ردوا الباب
لاتزعجوه
هدّه التعب.
نعسان، أرجحوه
رقصوا التابوت،
لأغفو على النعش
وأحدي له...
...

ـ 14 ـ

ضربة شمس، حرارة عبوة
صدّعت رأسه
لو أقشر الأرض
حامضة،
أبرشها، وأبرش الثلج من صنين.
أمعدن يداي ملعقة،
أحرك الكريستال
وأرش ماء الزهر...
ليموناضة ليبوْرِد حبيبي...
ويتعافى البدن.
...
حسناً،
الموت قيلولة
يا غطيطة الجبال،
غطيه...
يا ابنتيّ ضمّاني
أفردا جناحيكما.
لنهدل فوق رأسه
لينام.

ـ 15 ـ

يحدث أن أدق
باب مكتبك
أخرمش كحفيدنا
نام الجميع،
أتسلل،
أستعير نظارتك
لأقرأ الغروب
الذكريات كرسي هزاز...
أدعك عيني.
السماء شاشة...
أراك في الظلام.
تصلح جرافة غيم معطلة
بين الأرض والسماء
... أبتسم... حبيبي لا ينام

ـ 16 ـ

أذكر فجراً
سمعت صراخاً
إنه الليل يؤنبك...
"يا رفيق أتعبتني. دعني أنام.
سهّرتني، أرقتني،
أتركني أرقد، قم وغادر المكتب. أطفئ المصباح".
يا ليل، قتلوا حبيبي في وضح النهار.
يا ليل شرشفه
ليرقد بين جفونك
وقل لي، ما الذي يبصره،
ما الذي يحلمه.
يا ليل دير بالك
عليه، بنجه
خدِّر أوجاع ظهره
ينقصه نوم طويل.
رجل عاش مستيقظاً للحياة

ـ 17 ـ

يا أرامل العالم
أنا أختكم في ثياب الحداد
أعتمر الظلام قبعة
أتسلل، أغادر الكوخ
ضريحك قصري.
...لو أغافل الحراس
لو ينصرف الزوار
وناس الساحة
أن يطفئوا الكاميرات
أستأذنكم...
ها نحن وحيدان تحت سماء.
وأدعوك إلى مائدة شمع. ورد.
حمام.
عشاء رومانسي لعاشقين
لم نحتفل بعيد الحب...
لم أعد سندريللا الحكاية. ضريحك قصري
النهايات السعيدة.
في كتب الأطفال.

ـ 18 ـ

في الحكايات تنام الأميرة
سأترك البرداية مفتوحة
..طبعاً،
ستوقظني بقبلة.. فاجئني
أو غرّد
"صباح الخير" من الشباك
رفرف نحوي، عد وطل من الباب
لأعانقك، أنفض ثيابك
من غبرة الملفات
وأوراق المصارف
أربت على كتفيك
لأغسل ظهرك من ابتسامة كطعنة
وحنجرتك من غصات
قلت لك قبل أسبوع
"يا أبو بهاء. رأيت في المنام:
خاتمي يسقط
يكرج على الطرقات
يكرج في المغسلة.
طاوعني،
لنغادر، لنترك كل شيء.
لم تصدقني، قلت لي "سمّي بالرحمن".
قال الأولاد: "رأيناك في المنام، يسكننا السرساب
غادر إلينا، أقم بيننا"،
قلت لنا "العنوا الشيطان"
يا رفيق، بحر بيروت مليء بأسماك القرش
تكفينا بحيرة لوزان نفتّ الخبز للبط
لم تصدق.
ان الشيطان
يسكن تحت عتبة فندق
سيرجمك.
والانفجار رنة خاتم
...
أرفعه من الحفرة
أعلقه حول رقبتي
كإكليل
كشال
.. ثروتي خاتم.
...

ـ 19 ـ

أخرج، لنعد فقراء
نكتفي بمقهى رصيف
نزور أهلاً...
فيلم سهرة آخر الليل.
أتجدول من ماء عينيك
كفك زنبقة. أتورد. نسمع "أنت عمري".
لنعد فقراء.
ما رأيك بمشوار إلى نهر الأولي
نزهة عائلية ذات أحد.
نبورد بطيخة
سلة أجبان..
منقل
طابة للأولاد
أُشكْشِك لك الدحنون الأصفر
أكركر باطن قدميك
نتوسد
تحت صفصافة.
وتخبرني عن الحياة
..هنا ولدت.
..هنا الأولي.
..هنا البستان الكبير.
..هنا صيدا المراكب.
...
...
ها أنذا أرملة بحار
أراك يختاً مضاءًا
بين موج سماوي.
إلى أين؟

ـ 20 ـ

يا قبطان الطائرة
خفف سرعتك قليلاً
حاذر
ربما روحه بين الغيوم
أترك المصابيح مشتعلة
قد يبصرنا
قد يلوح لنا
عند منعطف غروب
أو مستديرة شمس.
يا مضيفات انتبهن
ربما دق على الزجاج
كسنونوة
كأن الغيوم تتشكل
راسمة وجهك
بالماء،
بالزيت،
بالكحل.
لو أهبط
في كومة القطن السماوي
أفتش عن خاتمي
لو أراك
سأقفز... لا أخاف
.. روحك سترة نجاة.
...
...
للأشياء أرواح
الأشياء أوفى
كلما أقلعت الطائرة
تجنّح لوحدها.
تدور فوق بيروت.
فوق الحفرة.
نلوّح لك
وأقول: قلبي هناك...
.. هناك لؤلؤتي في الأعماق
في محارة ضريح.

ـ 21 ـ

يواسونني:
"14 شباط انتصر لبنان"
أهمس: "وخسرت عمري في الساعة
الواحدة إلا خمس دقائق"
يعزونني،
"حرر الأرض بدمه
لكن الدمع احتل كل ترابي،
يشدون على يدي.
"من رماده انبعثت البلاد
طائر فينيق.
وأنا مقصوصة الجناح...
..وما أعرفه وحدي...
وطني
خاتم حول الرقبة...
...
...
ما يفزعني أن يكون أحد المعزين
قاتلك
هل صافحني، يا ويلي...
فأغسل يدي بدمعي!

ـ 22 ـ

حين نعست أرملة البحّار
تماوجت الصورة.
خرج الرجل من البرواز
قائلاً: "سمائي مشعشعة
حولي آلاف النيازك...
نوّرت عمري...
ولا نازك سواكِ".

المستقبل - الأحد 29 أيار 2005


إقرأ أيضاً: