هاشم شفيق
(العراق)
هاشم شفيق
هأنذا
خبرتُ البعيدَ
وجلتُ في كلّ نجمةٍ،
وطأ المجاهل، قلبي
حالماً بالقواصي،
ذاك القصيّ الذي لم يزل يتقزّح
جاثياً قرب الأزلْ.
هأنذا
أسرفتُ في التجوالِ،
ديدني المنتآى
وما يتغامضُ وراء الحدود،
لا زمانَ لي
ووقتي مفتوتٌ إلى حبّات رمالٍ،
لا مكانَ لي
ومقعدي قد يكون في أصغر نسمةٍ،
ربما الطيفُ أضحى غرفتي
ربما الضوءُ صار داري.
أنذا المتسكّعُ
انغمست في الرحيلِ
وعانقتُ الحجر،
تطرّفتُ في هجرتي
فطاوعتني شموسٌ
ونبذتني مدنْ.
وضعتُ مُدُناً
على مُدُنٍ
فأنقلب الرصيفُ
على الرصيفِ
وصارتْ بأحوالي سواحلُ
وضاقتْ بأشجاني سفنٌ
وقاومتني في الطريقِ رياحُ
آنئذٍ
شعرتُ بان المتاه أبي
والطرقاتِ أخواتي،
ولهذا انطلقت من الرحمِ
باتجاه الشوارعِ،
أجمعُ منها العلامات.
وألعبُ بالصواعق.
أنذا
أتسكّع بين الخطوبِ،
أجوسُ في النهارات البلايا
وأقنصُ ما ينصبه الضحى من فخاخٍ،
أمرُّ
مموّها وجهي بالحدوس
عُصابي فوق الجبينِ قوسُ قزح
ونظارتي مطليّةُ بجزء من سحابة.
هأنذا المتسكّعُ
جلدي مشرّدُ وسائحُ
عظامي تُحبُّ الملاحة في الحنانِ،
وفمي يُحبُّ العبورَ إلى فمٍ
يتسكّعُ بين القبل.
أنذا المتسكّعُ
متى أصلُ إلى داخلي،
مشيتُ سنينَ عدداً
ولم أصلْ إلى الذاتِ،
حرقتُ دهوراً
ولم ألتقِ بأعماقي
في أيّ منعطفٍ
في أيّ هاويةٍ
في أيّ زقاقٍ سألتقي بنفسي،
تسكّعتُ كثيراً في غيري
ولم أجده،
وجدتُ التحاسدَ موجاً
وعليّ أن أجتازه بعبّارات،
وجدتُ التباغضَ هو البحرُ
وعليّ أن أقطعَه بغوّاصةٍ،
وجدتُ التنابذَ عِلماً يسود الحياة،
لذلك خرجتُ للشوارعِ
أُنزّهُ شرياني
وأُنظّف الرموش من الأحجار.
هأنذا
أتسكّعُ وسط الهبوبِ،
وسط هبوبٍ عتيقٍ،
يضوعُ فيه فضاءٌ
وتدوخُ سطوحٌ وشناشيلُ،
تطاردني روائحُ أزيادٍ
وقيرُ كيزانٍ،
طفلُ غَبَشٍ أنا،
طفلُ شمعٍ وروازين،
طفلٌ من الشيرةِ والسمسمِ
واللوزينيج، طفلٌ محسوسٌ
بفيء السردابِ،
قربه
بستوقةُ خَلّ
متكئةٌ على الأمل
قربه
زيرُ جبنٍ مسنودٌ بالغسق،
عَطَنٌ يشبُّ في أذيالي
وأنا أدبُّ بين الروائح،
زاحفاً في الرحيقِ
قرب مرتَبَيات روثٍ عسليّ
قرب عقاربَ شهباءَ
زُعافها يسري تجاه لساني
قرب حيّاتٍ تلامسُ ربْلاتي
وتترك قشرتها فوق مهادي.
حكايات سُردتْ لي
هنالك قرب قمرٍ
ساقط في فراش السطوح،
وأقاصيص أُودعتْ ذاكرتي
أبطالها الغيلان والسعالي.
هنالكَ سقوني
السّحرَ بطاساتٍ
وأطعموني الطلاسم.