نشمي مهنا
(الكويت)

مصب

نشمي مهنا".." : النهر..
ابني الضال, الأرعن
فوّار الدم
عَذْب السريرة
ما ان يتشرّد في قَسَمات وجوهكم المقفرةِ
حتى يعود يحتضن موجي
يعود..
يشكوكم لي
يُريني بقايا غسيل حكايات
تساقطت منكم على ضفتيه
يعرف جيدا أسرار قراكم
- وهو العابر المسترق السمع -
كم غطى دمامل أرضكم بأطياف الخضرة
غرس فيكم بذور البهجة
فسرقتم وجه طفولته
هدمتم أبراج حمائمه
زرعتم نخيل خطاياكم على كتفيه
مزقتم شرايينه.. روافد

***

في الرمق الأخير من الصبر
يعود..
متعثرا على عتبات الروح
لأمده بملح الحكمة

غواية

"البحر يستدرجنا للخطيئة"
ذات مساء صيفيٍ لزجٍ
أسبل موجتين.. وتغافى
فاطمأنَّتْ
خلعت عباءتها على متن رماله الذهبية
تظاهر بالسكينة
تقدَّمت نحوه
لامست بقدميها الناعمتين أطرافه
أحس بقشعريرة
فأزبد
وابتدأ المد..

حنين
الجزُرُ..
بنات اليابسة المسبيّات
في ملكوت البحر
تشتاق وقع أقدامنا
لتبث في مساماتها
أسرارَ عشقها الأزلي
تُرينا نزق الحارس المائي
جبروتَه..
آثار الملح على خدودها الصخرية
***
في المساء
عندما تتلألأ أضواء المدينة
تمارس عادتها الليلية
تراودها رغبةٌ محمومةٌ في الزحف
تخضرُّ مسامعُها
عندما يدنو صخب القادمين..

لغة

الموجةُ.. حكايةٌ ذات مغزى
لم تكد تصل الساحل
حتى تتبعها موجة أخرى
تُلعثِم معناها..
عبور..
مراكبُهم الشراعية
عصافيرُ شوارعنا الخلفية
تذرع أعين صباحاتنا
وتظل..
ملبدة حناجرها بالخوف
تنتفض بصدورنا
ترقب الأفق
لن تصل الضفة الأخرى
إلا.. بفصاحة كف الريح..

اختيار..
هنا..
انتصف الطريقْ
خارت قواي
اعلم ان أكملت إليك.. غريقْ.
ان عدت حيث بدأت.. غريقْ.
لكني سأموت
في الموجة التي لا تأتيك بجثتي..

الرمل الأول

لاشيء..
النهر لم يصل هنا بعد
والزمان علّق جغرافتيه
على مشجب مكانٍ بارد
لا قبل
لا بعد
اللحظة المسترخية - وحدها -
تشبّثت بقميص النوم
يئست من حدث
لاشيء
سوى موسيقى أزلية
حيث أصابع ناعمة,
عابرة
نَقَرتْ حرير البيانو
وغادرتْ
فظل
يعزف..
يعزف..
يعزف..

إلى: علي حسين الفيلكاوي

القديس.. بمعطفه الأسود

يسمّرها في كبد السماء

القديس الذي يرتدي معطفه الأسود كل مساء
يدخل في جنبات العتمة
ويعود طاهرا ونقيا كما ولدته أمه
القديس عاشق السهر
في مينائه البارد القصي
لا يدع أهل الميناء يهجعون
كلما أوشكت شمسهم إلى مغيب
أعادها " بلمسات ضوئية "!
يحسن العوم
في ظهيرة يوم ممطر
ينزل البحر - بكامل عدّته -
وبمعطفه الأسود
يبتعد
يبتعد
تكسر أمواج على صدره
" يغرق"
يتهامس المارة في الشاطىء المهجور
أقول: لا تخشوا.. فهذا الحوت
يعرف كيف يلتهم البحر.
سهر
صاحبي أطفأ أضواءه مبكراً
المدينة الشتوية استأذنتْ
لم يبق لي غير صرير أبواب البرد
ومزق من عباءة بقايا الليل
لكني
سأعود وبمرفقي آخر نجمةْ..
غجري
بشعر منفوش
وحلقات فضية
خواتم خلاسية
أصداف تملأ صدره
وتمائم.. لن تُفك طلاسمها
يجتاز الطرقات
عله يصطاد الشمس- بمرقدها
ويعود بها مطفأةً بشبكة أحلامه..

شيزوفرينيا

في مدينة جنوبية
ترسو- منذ قرون - على بحر لا يزبد
معتادة النوم على أول هسهسات الريح
( تشربها حليبها في الثامنة مساء لتهرول لدفء أريكتها )
تخلو الطرقات... وتخفت الأضواء...
تتجاذب طرفي الطريق الإسفلتي: العتمةُ..
وفي الجانب الآخر الضبابُ
وحدك تسحبه خلفك
كحقيبة مملوءة بالفراغ
تنْهد على أول رصيف مغبر
تُسنده خلف ظهرك
تشخص في اللاشيء
تحصي بلاطا عتيقا..
( يملأ الخريف رئتيه.. ينفخ أوداجه.. ليعصف بأوراقك الصفراء,
تغمض عينيك كي لا ترى السقوط )
تعود إليه..
ينتابك جنون عبثي
تجره من أذنيه.. لتقعده منتصف الطريق
وتعود الى رصيفك
تتأمله..
يُطرق.. كجندي مهزوم
تحدثه.. يصمت
تشاكسه.. لا يرد
ترشقه بحبات بزر ( ملأت كفك اليسرى )
.. يتجاهل عبثك الصبياني
( وحْدة موحشة, جوع ليلي.. لا راجل.. لا سيارات )
وحده يؤنسك بصمته...
فلم انسللتَ - بخبث -
عندما رأيت أضواء حافلة قادمة تكاد تشق غبار العتمة؟
........................
بعدتَ خطوات..
نظرت خلفك وبنصف ابتسامة
لم تر على الطريق الإسفلتي
سوى.. بقايا أضواء حمراء
لمؤخرة حافلة تصغر.. تصغر.. تصغر.. تصغر..

فوانيس

يستعصي.. كمعنى منتفخ الأوداج,
تراكم في أعلى بياض صفحة.
يتقرفص بزوايا الغرفة
يرتطم بالسقف
يقفز فوق وسائدي
يجتاز ممرات الأضلع
.................
.................
يقف - للحظة - مشدوها
أمام لوحة
عُلِّقت على جدار القلب منذ مساءات
يقرؤها:

كيف يجئ النوم؟!
كيف يجئ؟!
وهناك فتاة شرقية تلم بخدرها نجوم الليل
وتعدّ على أصابعها العشرة

مضمرون له الخيانة
بينما الليلُ يسبقنا خطوتين
ليُلقي بعباءته
على خياناتٍ تلألأتْ تحت أقدامنا في المنحدرات·
يفرش تحت نوايانا سجاجيده الخضر·
يقودنا الى الممر الأخير
المؤدي الى ولائم الضوء
العامرة على السفح المقابل
كنّا
نتظاهر بالحكمة والانشغال
ونقبض في صرامة ملامحنا على عصافيرنا النزقة·
من دواخلنا
كادت
تَنْفلتُ جلجلاتٌ
لضحكاتٍ مكتومة
كنّا:
أنا
وأنا
وأنا
مدعوين هناك لاحتفالٍ باذخٍ
لا نعرفُ من أهلِهِ
سوى
نادله الوثنيّ·
الذي
سنشربُ - بعد قليلٍ -
من دمه
حتى الصباح.

يحشو فراغها بالجمرات

كلماتهُ الخشبيةُ
تستلقي أمام بحرٍ ساكن
تمدُّ قدميها تدغدغ إبط الماء
تتأرجح أخيلتُها بين خيوط اللا معنى
تحدّق لساعات في عين الشمس
تشعر بالخفّة...

***

تراقبُ حلزوناتٍ عاريةً
خرجتْ من ثكنات الزبد
متكئةً على أطراف الخوف
وعادت
مهرولة بفرح الغنيمة
هذه العارية تماماً إلا من مرايا الشهوة
تخاتل انتباهات النوارس
فتنهش غلالات الفكرة

***

كلماته..
ترصد المشهد بعيونٍ ذئبيةٍ
تراقب هذه الآمنةَ وصيدَها الثمين
وصدى ضحكات يعلو.. في بهو القواقع

***

في هذه الظهيرة
حيث الملل الكوني
- المسجّى على أفقٍ بحري منسي -
تستبد به الرعشةُ الأولى
مثل صرخةٍ الضوءُ من رحمٍ مثقل

يلسعها الماءُ
بغموضه
ويحشو فراغاتها بجمرٍ كثيف.

غوايات

من أوحى إليهنّ
بتراتيل الفضةِ
من سكب بحيرات الضوء
في قمصانهن
من كوّر غيوم البهجة
على راحاتهن
يجففْنها - متى أردن - على الشرفات
من أوقف - لعبورهن-
الهواء المهادن
من خبّأ تحت آباطهن
ممالك التفاح
وعلّق على صدر التل
لافتات تقود الى متاهة النعمى
من ؟
من حرّك آسن مائي؟!

في الشهر التاسع للغربة

أفق
أن تسّاقط بعض أطرافي في طريق لا منتهٍ
أو تكشط أقدامي أمواس الإسفلت
سوف أمضي
عيناي مسمّرتان في أفق شهي
ومزودتي..
عيناكِ آخر الليل.
إضاءة وجه
"روس" ذلك الجنتلمان الإنجليزي
الذي أنار لي قناديل الغربة
كيف لي أن ألتقيه مرة أخرى
بين كل هذه الوجوه المحمرّة
متشابهة القسمات!
عقْدة
كنت ومازلت أكره النهايات
وساعات الغروب
مالي وقد اختلفت الأيام هنا
وبدّلت مواقعها
مازالت تنقبض روحي
في مساءات أيام الجُمَع!
حساب ختامي
في العاشرة مساء
تغيب الشمس هنا
إذن سأستعير من صباحهم الآتي
ثلاث ساعات
ليكتمل نصفي الآخر..
أفق
في السهرات
تنير حوائط العتمة
ويشاغلني كرسيٌّ شاغر..
اختراق
تقرص لحاء القلب
هذه الذكرى/ السنجاب
حادة الأظفار
وهذا الوجه الناري..
قناع
بقبضتي اليمنى
أتحدى العالم
ببسط اليسرى.. أستجديه
كم أنا ضعيف ومراوغ..
لها طعم آخر
يليق بها اللباس الموحّد أيضا
جرسونة المطعم البحري- في الحي القديم-
التهمتّ عيناي ملامحها
وما زالت صحوني ممتلئة..
أصابع
يشدني وجهها الوضّاء
قوامها الممشوق
لكني أتأمل أكثر.. أصابعها..
اعتياد
بعد شهور ثلاثة
اعتاد أهل القرية الصغيرة
على قراءة قسمات وجهه
الآن..
يحس أنه شجرة صامتة
في ليل صيفي هادئ
يمرون تحت أغصانها الوارفة
ولا يلتفتون..
رباط
في آخر ساعات الليل
أحس أن هذه المدينة زوجتي
عليها أن تنتظرني إلى آخر
إشراقات الفجر..

بريطانيا/ يونيو99

من لا يحب تاليا!

في ضحى يوم ربيعي هادئ
في مقعد صالتها أتأملها
أربع فراشات ترفرف على ضفائر تالا
وهي تلهو بقطارها الصامت
تحمّل ركاباً وهميين
تُنزل ركاباً في محطتها الرابعة
وتكش الفراشات بكفها الصغيرة الممتلئة
تفترش الأرض وتعود..
تدندن..
تشاكسها الفراشات
تضجر..
تنادي باسمي محرفاً بلكنتها الطفولية
وأقول:
امسحي بقع الشوكولاته عن شفتيك
يا تالا..
فقلبي سرب نحل
يحلم في قبلةْ

بريطانيا - 99