عبدعلي الرماحي
(العراق)

(الى محمد المُغربي)

عبدعلي الرماحيطفلٌ غارقٌ في الغوايةِ ، يتقافزُ منّي فأردُّهُ إلَيَّ ، هكذا مراراً الى أنْ أحْرَجَتْني عصفورةٌ على نافذةِ الغرفةِ تَتَرَدَّدُ بين حَبّاتِ اللوزِ و حَبّاتِ السُّكَّرِ .
أخاصِمُهُ طويلاً فأحبسُهُ في حقيبةِ المدرسةِ يَتَلَهّى بألوانِ الباستيلِ فوق كرّاسة الرسمِ الى أنْ يستحيلَ حارسَ مدرسةٍ مرسوماً بألوانِ الباستيلِ فوق كرّاسةِ الرسمِ .
يخاصمُني طويلاً فيحبسُني الى مِحرابي أَتَلَهّى بمِسْبَحَتي حتى أتكوّرَ خِرْزَةً في خيطٍ .
طفلٌ يَتَرَدَّدُ في دهاليزِ الأمِّ ، كتابُهُ دَبِقٌ ، و أصابعُهُ ملطّخةٌ باللبنِ الخاثرِ،
يجلو يقينَهُ بخِرْقّةِ صمتِهِ / يقينُهُ ينبجسُ من بين أصابعِهِ عسلاً و ماءً / وأمُّهُ واقفةٌ فضحكتْ .
أتَحَسَّسُ جهاتيَ الستّ / أُدَوِّنُ تَقَلُّبَ وجهيَ في البلادِ / أٌُدِلُّ و جهيَ على قِبْلَتي
أمّا يقيني يقينُ طفلٍ يتردّدُ في دهاليزِ الأمِّ / كتابُهُ مَجْلُوٌّ بالنوايا ومخطوطٌ بالهمومِ / يتقاطرُ حبرُهُ هوامشاً كثيرةً لكتابٍ دَبِقٍ قيل أنَّ ظبيةً تتقافزُ بين سطورِهِ / ظبيةً ملونةً بالعيونِ و مزخرَفَةً بأصابعِ العابرين .
يتردّدُ في منعطفِ الأمِّ ، أتردّدُ في دهاليزِها
كتابي مَمْحُوٌّ ، و هذه أصابعي مُطَهَّرَةٌ بحبرِ الكَتَبَةِ / كأنَّهنَّ آياتٍ مُحَرّفاتٍ يخطُّهُنَّ صبيٌّ أَسْلَمَهُ قومُهُ للذهولِ / ريشتُهُ مُذهّبةٌ باليقينِ و دَواتُهُ صامتةٌ .
مندفعٌ و خلفي خطّاطونَ كُثُرٌ / قصباتُهم بين أصابعِهم و أصابعُهم تنزفُ حروفاً و نقطاً كثيرةً .
السماءُ ملبّدةٌ بالهمومِ
و جارُنا جدارٌ (( يريدُ أنْ ينقضَّ )) / يتدلّى منه مصباحٌ عارِيَّةٌ إلْتَفَفْنّ حولهُ أجنحةٌ كثيرةٌ مساءَ صيفٍ بعيدٍ .
مساءَ صيفٍ بعيدٍ ردَّدَ المغنّي أغنيةً تكسَّرَتْ و هي بعدُ في حنجرتِهِ / أغنيةً دمعةً / بينما ردَّدَ البلبلُ نغمةَ مساءِ صيفٍ / نغمةً كأنها الحلمُ بينما الطفلُ يتردَّدُ في المعاطفِ الطويلةِ الكثيرةِ .
طفلٌ يتردَّدُ في الأوبئةِ و أمُّهُ تلقي النذورَ في النهرِ بينما الأبُ القتيلُ يطبقُ جفنيهِ تاركاً عشرةَ أيتامٍ في العراءِ يتردَّدونَ بين حوافرِ الخيلِ كأنّهم السَّبايا ، كأنّهم العراءُ / كأنّهم عشرةُ أطفالٌ أيتامٌ يتردَّدونَ في دهاليزِ الأمِّ .
طفلٌ ممنوعٌ من الصَّرْفِ / يفضِّضُ المرايا بالحلمِ المستودَعِ في خاصرةِ النهارِ / يزخرفُ القناديلَ بما يشبِهُ التلاواتِ / يخطِّطُ اليقينَ بقِطَعِ الفحمِ على أرصفةِ الشارعِ
ممنوعٌ من الصَّرْفِ / ممنوعٌ من العزْفِ / يُأوِّلُ السفينةَ الى بحرٍ / يُاَوِّلُ البحرَ الى أسماكٍ ملوّنةٍ مرسومةٍ بألوان الباستيلِ الملوّنةِ فوق كرّاسةِ رسمٍ / ذلك الطفلُ المحبوسُ في حقيبةِ المدرسةِ .
أُطَمْئِنُ عينيكَ ، لم يكن ما ءً ذلك السَّرابُ الذي رأيتَ ممتدّاً مع الأفقِ .

أفتحُ كتابيَ / مخطوطٌ بالثُلثِ
بالوردِ أضمّخُهُ فهو مُضَمَّخٌ بالنشيجِ
بالعيونِ أُطرّزهُ
ثم أُتِمُّهُ يتقاطرُ من جوانبِهِ الحبرُ طريّاً كأنّما أُخْرِجَ الساعةَ من دجلةِ المغولِ
كتابٌ يتقاطرُ الحبرُ من جوانبِهِ / يتقافزُ منه طفلٌ و يحملُهُ طفلٌ ليتلوَهُ طفلٌ تتعثّرُ الحروف ُ بين شفتيهِ .
مساءَ صيفٍ بعيدٍ ، كان طفلاً عشيَّةَ عيدٍ يبكي
ذلك أنا
الذي أضاعَ فردةَ حذائِهِ وهو يعبرُ شارعَهُ الى المدرسةِ
ذلك أنا
المُمْسِكُ بحَبْلَيْ أرجوحةِ النخيلِ
المُمْسِكُ بحبلِ يقينِهِ المَجْلوِّ بالحنّاءِ
المُمْسِكُ بأخمصِ بندقيتِهِ
المُمْسِكُ بوتَدِ الخيمةِ في صحراءِ أبناءِ عمومتِهِ
المُمْسِكُ بسُلَّمِ الطائرةِ
المُمْسِكُ بطفلٍ يتقافزُ منه فيردُّهُ إليهِ
ذلك أنا
المتردِّدُ في دهاليز الأمِّ
وكتابيَ دَبِقٌ
وأصابعي ملطّخةٌ باليقين .

الكويت
27 ديسمبر 2004


إقرأ أيضاً:

أقرأ أيضاً: