عبدالله السفر
(السعودية)

عبدالله سفر1 ـ غائبةً، يتلمّس ضفيرتَها

المفتونُ بحبلِ النعاس.
المأخوذُ بطيشِ القناديل،
تركَ النافذةَ لوساوسَ الليلِ.
ربما يلوذُ طيفُ العابر،
حفيفُ الستارةِ يهمسُ بغيرِ الهواء.

أجنحةُ الماثلِ في الزرقةِ
تضطربُ بمياه الحُلْم.
شفيفاً ورائقاً يطلّ،
مائعاً
في
هوى
التهلكة؛
يمدُّ يداً تلهثُ،
تدعك فراءَ المغبون.

الناحلُ في صُفْرَتِه.
الهائمُ في وَحدتِه،
يجدِلُ حبلَ النعاس.
غائبةً،يتلمّسُ ضفيرتَها.

تحزُّه العزلةُ.
يقبضُ جمرَها.

إلهي الجميل
ما صنعتَ بفقيرِكَ؟
إلهي ما صنعتَ بفتاك؟

2 ـ مَنْ طيّرَ فؤادَه؟

لكأنما اعتادَ هذا السهمَ،
فصار لا يُوسِدُ رأسَه حتى يسمعَ
خريرَ
الدمِ
صافياً
يبقّعُ ترابَ عزلتِه،
يفاقمُ ظلمةً ما فتئت تنكسرُ
على أخواتٍ لها
نهضتْ في الوحشةِ
تسرقُ نهاراتِه
وتدفعُ حصارَ العسس بألفِ مخلبٍ
تتخفّى في سؤالِ المودّة:
هل جفَّ دمُّ الذبيحة؟

قامَ، يرجفُ.
مَنْ ناداه في هذا الحالكِ؟
مَنْ طيّرَ فؤادَه؟
كان على يقينٍ من مصراعِ النافذة.
على يقينٍ من أُكرةِ الباب.
أوصدَ الجسدَ بمتراس الدواء،
نَخَّلَ الوجعَ إلى آخر ذرّةٍ.
فما بقي له من نأمةٍ تدبُّ
ولا صريرٍ
يخدشُ شبكةَ الذّاهل عن حُلْمٍ
غادرَه بالطعنةِ.
غَدَرَه في ظهيرةٍ يابسة.

قامَ، يرجفُ.
من ناداهُ؟
من شعّثَ يقينَه
وأضرمَ شمعةَ الجرحِ
ليسيل……

3 ـ يتمهّلُ بسكّينِه

هل كنتُ أعلمُ أنّها النافذةُ التي أسرّبُ منها..
ما يشقّ ويُدْخِلُ الروحَ في التلف.
هل كنتُ أعلمُ أنّي بفتحِها أتمادى في زخرفةِ أوجاعِه،
أعيدُهُ إلى خارطةِ الألم؛
يتحسّسُها إبرةً إبرة.

الألمُ النافذ.
الصرخةُ المكتومة.
الطيرُ المذبوحُ يُعادُ ذبحُه.
التلويعُ بذاتِ السكين
سكّينِ الرأفة..
بحنانِها الطاغي،
التباسِها برقةِ الوردِ وابتهالِ الحرير.

هل كنتُ أعلمُ أنَ الألم الذي ينزُّ،
يتجمّعُ في إنائي، ويرتفعُ بنا معاً.

شَدَهَتْنِي المرآةُ.
تحوّلاتُ عاصفِ الألمِ،
جعلتْني في الحيْرةِ والعِيِّ.
لا يخرجُ مني غيرُها،
وسحاباتُ دخانٍ يتكاثف،
ارتشافُ شايٍ مغربيٍّ استطعمتُ مرارتَه
واعتكارَ خُضرتِه.
يا للجفاف.
يا لصحراءَ..
أخبرتْنا بالمراراتِ
بازدحامِ خُطًى تتعقّبُ
سراباً
يتمهّلُ
بسكّينِه.

هل كنتُ أعلمُ أنّي أجلوها
وأبالغُ في صقْلِها
ليبدوَ الحدُّ لامعاً بالمصيرِ.

أإلى هذا الحدِّ كنتُ غافلاً.
عندما فاضتْ به المرآةُ.
نبَّهَنِي.
تنبّهْتُ.
ماذا أفعلُ بغيرِ " آهٍ "
أكشِطُ غارقَ العتمةِ،
أحفظُ الروحَ من أن تتداعَى،
وهذا الجسدَ من أن يتهدّم
في ليلٍ يكْفُرُ بنا
يزلقُنا في مهادِ الشوكِ؛
تتخطّفُنا ضغينةُ الغيابِ
وظِلٌّ يعبرُ..
يعبرُ وحيداً.
كأننا لسْنَا هنا.
ولم نكن..

*****