عماد فؤاد
(مصر/ بلجيكا)

عماد فؤادكنتُ هناكَ ...
في المسافةِ التي لا تُحدُّ
بين نظرةِ العجوزِ
وألبومِ الصِّور
بين جناحِ العصفورِ
وبابِ القفصْ
في الفراغِ الرَّهيفِ
بين شفتي العازفِ
وفوَّهةِ النَّاي

في الخط الفاصل بين انحناءةِ رأسِ رجلِ الجيشِ
ونياشينه المرتَّبةِ خلفَ لوحِ الزُّجاجِ
بين بريق نظرةِ الدَّميمِ
ومشيةِ الجميلةِ حين تمرُّ
بين دمعة الوحيد
وضوءِ الشِّموع
بين بحَّةِ صوتِ المغنِّيةِ وهْيَ تندهُ في الغيابِ
وحديدِ مكبِّر الصَّوتِ المعطَّل
بين قلب الأم
وخطو ابنها في ساحةِ الحرب.

كنتُ حاضراً بكامل مُلْكِي
بين عصا الأعمى
وحجارةِ الطَّريقِ
بين صوتِ المتكلم
وأذن الأصم
كنتُ الفارق بين ملح عرق الأجير
والملح في لقمته.

كنتُ هناك
في نظرة الحبيبة للعشيقة من تحتٍ لتحتْ
بين رفَّةِ عين اليتيمِ
وعناق الأم
بين شَفَةِ القاضي
وقلب البريء
بين قميصِ الغائب
وصدرِ الأرملة
بين نهدِ المراهقة
ووردة تذبلُ في كتاب
وكنتُ المسافةَ
بين إصبعِ الوحيدةِ
وبظرِها المنتصبْ.

أنا ..
أنا ارتباكةُ اليدِ
في تلويحةِ الوداع
ارتعاشةُ الشَّفتينِ حين تهمُّ العينُ بالبكاء
أنا السِّيجارةُ الثلاثونَ
وأنتَ وحدكَ
أنا العمى ذاتَ يومٍ خريفيّ
حينَ لم ترَ انتفاضةَ الوردةِ التي أزهرتْ تحت قدميكَ
أنا شجنُ النَّايِ الذي يحفُّ بكَ كلما تذكَّرتَها
عجوزٌ تصعدَ السُّلم وهْيَ تتشبَّثُ كطفلةٍ بدرابزين البيتْ
أنا الطيورُ حين تفرُّ من غابةٍ تحترقُ أشجارُها
قبل أن تكتفي من الظِّل
أنا الظِّلُ حين تزيحُهُ من مكانهِ الشَّمسُ
أنا المرآةُ في يدِ مليحةٍ صارَ عمرُها ضيِّقاً خلفها
كدرب
أنا السِّكين التي تئنُّ تحتَ يدي وهْيَ تذبحُ الذِّكرى
أنا الذِّكرى
وأنتَ تجاهدُ كي تستعيدَها أو تمحوها.

وأنا الفضَّاحُ
تدلًّ عليَّ العيونُ
والدَّمعُ
اسم فضيحتي.

اسمي القابضُ
والقاتمُ
والشفافُ
ومغشي البصر
اسمي السَّاكنُ
والحارقُ
والمرُّ
ومربِّي القلوب
اسمي الراكبُ
والقاعدُ
والمقيمُ
وذو الجلال

اسمي الشَّاردُ
والظَّالمُ
واللاسعُ
وحجر الصدور
اسمي اللامعُ
والبارقُ
والرَّاجلُ
ورابطُ الألسنِ في وتدِ السُّكوتْ.

ملكُ الملوكِ أنا
صولجاني مشهْرٌ في يدي
ونصل خنجري لا يستثني أحداً
عرشي لا يزول
ويسمونني:
الألمْ!

ديسمبر 2004
Heusden-Zolder

emadfouad74@hotmail.comhttp://efouad.jeeran.com