سلام صادق

سلام صادقالجوعُ يجرجر ُفرائسهُ من شُعورها
فالخوّذ أفكارٌ تصالبت
ورؤوس البصل تقبعُ  بلا تيجانٍ
في بيوت الطين
لم تحدّق بجنون المجابهات فتدمع
اكتملت الدورة الأخيرة لدمي في التنور 
فانحنى الرماد على التراب
وانشغل الخزافون المهرة ينفخون
ليؤبدوا الصلابة بنيران الشياطين
  حتى كأن الكون جرّة خاوية.

* * * *

 يلتمع الصهيل الممسوح بالخرق
الفرسان يعلسون العاقول في الغيوم
والعربات ترفو بالوحول أهداب الخيول
الغبار يرمم مخيلة التاريخ
ويطمئن القوائم عن غاراته الفائتة
مخبولة تحرث في الوجوه
يفيض منها خوف المرايا والجهات
فتتطاير واجهات الخشب شظايا
وتكبو أجراس المكان.

* * * *

في الدهاليز تسهر السناجب
تسكر من فضاء يظللهٌ مستنقع
   فيه الأحراش سخية
        والزواحف هي الأنبل
تتجشأ اشتهاءاتها
وتمتص شفاه الاشنات
    دافعة نحو العتمة بالبلوط
وأرغفة الخبز اليابس
أقماراً باردة ًتثير عواء الذئاب
  ولاشيءَ يعلق بالصنّارة
     عدا الجوع وأنيابٍ مخلوعة.

* * * *

أصابعنا من حجر
تدلنا على حرية الطريق
مشرعة نوافذ النيران
غاصة بدخان الجنود
وهياكل الجنود
متروكة من ألف عام
تترنح في ريح الاندثار
منتصبة تشير إلى جهات غامضة
   كي تقود غرائزنا الرخوة
بعيدا عن انشوطة الموت في السرير.

* * * *

الطلقة دمعة المقتول
تصالب برقها
قبل أن تنفذ من جلده
جغرافيا الجسد ما كانت المعيار
فسرعة الضوء كسرعة السوط
 واليد الرؤوم لا تطلق النار
دون أن تتخشب بجبروت البرد
وتستمتع برومانس الجمر في الموقد
قبل أن يراق الدم
وترمي بنا السنة اللهيب
                    خارج الجنة.

* * * *

كالصَدفة الأكثر طراوة
           غصت ذاهلا
                 في لؤلؤة الضوء
طاردا الهواء عن صدري الشاسع
حتى حدود الإغماء والتسمم بالعافية
أو أن تلتقطني كف الباحث عني
       النافق بجلده وعظامه
وخيط الهواء المشدود  إلى رئتيه
من اجل بوصلة تشاكس المحاق
                   وقمر صغير.

* * * *

تتفتح الأزهار
فيعلو طيش الأسوار
الأرض حفائر
والشوك مناجل
تحت آباطها تختبئ الفصول
وليس غير الفراشات المكفنة برمادها
من يكحل عيون الإله بالنعاس
وهو يقرأ أخبارنا.

* * * *

تحملني على ذراعيها كطفل
تلك المرأة
المستحمة بحيض الحكمة
ألقيت على صدرها دفاتر الجاذبية
وثياب الغموض
وحين عادت مجبولة من طين الأمومة
حملتها على كتفي
إلى أعلى من سقف مملكتي
المأهولة بالخسارة والتوقعات
كعاهل ضرير يبكي

* * * *

سجية البحر
أن تندمل جراح سواحله بالرمال
فتشغر أعماقه منه
يفترس الملح قلبه
أحضانه شباك الصيادين
أنفاسه رغوة صابون
لكن الصنوبرات البعيدة غير واهمةٍ
 إذ تراه أخضرَ أخضرَ
                من شدّة الخريف.

* * * *

محتشم يبحث عن موقعه
الحرير ردائه يدل عليه
التاريخ رماد في عينيه
وثمة لا فرق بين حذائه
والقار السائر عليه
أصابعه ناعمة
   صلعته براقة
      نظراته تهمّ بالذوبان
ابتساماته تلامس جلود العابرين برفق
   وفي أعماقه أكثر من لسان ينكح
            وغدة للبصاق.

* * * *

عاهته ليست مرضه
أظافره العشرة شفرات حلاقة
شحذ لها شبابه القاسي
خبأ حقده بينها وبين الجلد
علمها الطاعة
ووشحها بأوسمة الدم
تركها تلصف في ظلمات قلبه لسنين
 كبلها بشرايينه آخر الأمر
       خشية أن تسقط
فتأرجحت حياته بين موتين.

* * * *

هيجان الخطى لا يرتوي
المخلوقات طبيعة الهباء
وطينة الميتافيزياء
بين دار ودار حفرة
وبين درب ودرب حنجرة تصيء بالرمل
مربوطة بالتوجس تتناسخ الأقدام
فلا أجنحة تدق شرنقة المسافة
وعيون العسس لا تقبض على نجوم هاربة
ولا تأبه لانبلاج البياض
رأس الشاعر ثمرتها اليانعة
رغم أن فيها
 الكثير من سليقة الفحم
حين تبرق الفؤوس
على هامات الشجر
السائر في طريق المقبرة.

* * * *

كطفل يروض الأبعاد
ما أصغر العالم لديه
حين يدخل قدمه في فمه
فالطرقات الوعرة
والمساحات البور
القارات المجهولة
والمحيطات والوهاد
جميعها ترتقي الجبال حتى القمة
حين يدخل قدمه في فمه
وهو ينظر للأعلى.. ويناغي الله.

* * * *

يوما بعد يوم
يغرق المطر تضاريس الوجه
يرتفع الجبين يلامس البرق
والسقف سفح العيون
يهرق في سماء وحشتها
همس مصباح مهزوم
يجيش الأفق ولا يجيش
لان الأرض خيمة
تكره النهوض مبكرا.

* * * *

أسوق أشلائي أمامي
فقبضتي مازالت قوية
أصابعها كتلك الأساطير الطويلة
مربوطة للسان يقودها إذ يهمهم لها
بكلمات تفهم بعضا منها
عنقي قلادة المجد تحفّه بالعويل
وتغفر له نتوءاته الشائخة
فقد شاغب الدمع وغالب السكين
وتدثر بالكوارث وفاز عليها
حصّن استدارته بالحصى وآيات الكتاب
وما انحنى لهيكل تدب تحته الأفاعي
ولا لعاصفة شخير البحارة
يطاردها بالحبال.

* * * *

نكشف عن عورة الظلمة
بقدر ما تصيبنا بالنعاس
وعن الضوء بشقاوة الريح
ترقصّه بالخديعة
فيتباهى بنعومته
حتى تنزلق منه خميرة الفجر
كشبح يخبط على الباب
لا افهم ما يقوله
فينسل دون إذن
من تحت العتبة
يبحث عن قنديل يلهث
في نداء الذبالة الأخير
ويغادر
حين لم يجده في حنجرتي.

* * * *

النخلة نهار مؤقت
ظل يؤجل أطياره على الدوام
الفراغ وطنها
والتيه مقصلتها
حيث تتواطأ دوما مع الغيوم
وثمة عداوة بينها
والنهر الذي استدار ونسي زفيرها
دون أن ينظر للأعالي
خافت أن يحضنها العالم
وتشغر منها القرية
فتوارت عن الأنظار
روحها الهشة كالدخان
بقذيفة على خارطة العصافير.

* * * *

الأصوات تفصلُ البوابات
لكنها لا تغادر ضراوة النسيان
تبات الليل معنا
مبعثرة في هدير السيارات
وصرخات الأطفال
أزيز النيران المنفلت
دوما من ثقوب ضيقة أو واسعة
تبحث عن هاويات لبارودها الرقيق
على جلودنا الخشنة
في زمن لا يتيح لنا
أن نغمض أعيننا بحرية
أو أن نسحب نفسنا الأخير
معنا إلى القبور
حيث الصمت هناك
يهبط كالرصاص الثقيل
يطمئننا عن صحة الإشاعة
التي تقول بموتنا.