سالم أبو شبانه
(مصر)

سالم أبو شبانه"كان الناسُ أمةً واحدة.."
قرآن كريم
"يجبُ ألا ترفعَ هراوةً بيديكَ،
فسوف ترفرفُ الأشباحُ حولكَ"
ملحمة جلجامش

الزمانُ البعيدُ

في البدءِ،
كان الإنسانُ إنسانًا
رؤومًا قلبُه،
وسلامًا تفيضُ يمينُه،
عينُه على أخيه محبةٌ وعطاء
لم تأثمْ جوارحُه،
ونفسُه حقلُ حنطةٍ وفيرٌ
هو ذا الإنسانُ العارفُ الخيرَ
لا يحسُّ نُغلَ الكراهيةِ بين ضلوعِهِ
وعاريُا من الشرِّ يحيا
لأنّ اليدَ طاهرةٌ،
تبذرُ الحبَّ وتلقي السلامَ
كانت الحياةُ غديرًا جبليًّا
لأنّ الإنسانَ إنسانٌ كان،
عينُه على أخيه محبةٌ وعطاءٌ

صوتٌ

قالتْ الأرضُ:
ظهري حمّالُ أوجُهٍ
والزمانُ بعيدٌ
بعيد...
فبأيٍّ ينخدعُ الإنسانُ،
في الصباحِ الذي حتمًا
سيأتي،
غيرَ الصباحِ
قالتْ الارضُ، قالتْ:
ظهري حمُّال أوجُهٍ

منازلةٌ

يا غريمي في العراكِ الأبديِّ
لأقرعنَّ الضحى بزنديّ
والحَجرِ
وأنتَ ترفعُ كفَّكَ عاليًا
أمامَ البهاءِ الذي يبهُتُ رويدا؛
فتجفلُ الوحوشُ من صرختِنا
المدوّيةِ،
وتشهقُ الأرضُ ماءَها
لأرمينّكَ،
وأنتَ تحدقُ في عينيَّ؛
لتبصرَ غورَ الخاطرةِ العميقةِ
التي تزلزلُ الجبلَ عمَّا قليلٍ
هكذا، بحنكةِ العليمِ، الصبورِ،
الواثقِِ من كفِّهِ الخشنةِ وساعدِهِ
لأغرسنَّ ساقيَّ في الحقدِ والطينِ
وأشدُّ عزيمتي بنشيدِ الغضبِ
أهوي على الصّباحِ بفأسي
فَهَبِ اللحظةَ ما تشعلُهُ يدُكَ
وأروِ غلِّي بدمِكَ، دمي
كلانا سيانٌ أمامَ القضاءِ
فمن تأتيه الطعنةُ غدرًا؟!
وأيّنا تحوّمُ اللعنةُ فوقَ رأسِهِ
كالعارِ،
كالغرابِ الأسودِ
ينعقُ صباحَ مساء
أيّنا يا غريمي، يسقطُ قريبا

جوقةٌ

يا أبناءَ الأرضِ،
نوّحوا على أبناءِ الأرضِ؛
لأنَّ الأخَ سيحملُ عارَهُ
تظلمُ عينُه،
ويغيضُ قلبُه
"فالإثمُ يُهرَعُ نحو تَتِمَّتِهِ"
يا أبناءَ الأرضِ،
نوّحوا..
نوّحوا

اليدُ

"إنني أمقتُ مهنتي، أمقتُ مهارةَ يديَّ"
ايسخولوس
إنَّها الخائنةُ،ُ
الفاجرةُ،
ترجمانُ القلبِ الآثمِ في كَبِدِ الليلِ
ليلِ المكائدِ، والأشباحِ، والسحرةِ
حليفةُ الشرِّ ،
غمستْ أصابعَها في الدمِ المباحِ
ونذرتْ قبضتَها للقتلِ
إنَّها لفي العُسرِ والضلالِ
ترفلُ في قيدٍ غرورِها؛
لمّا تلتفُّ كالحيّةِ على المقبضِ
التي كانت تمسحُ الدمعَ
وتزرعُ، وتحصدُ
صارتْ بلا ذاكرةٍ
سوى رائحةِ الدمِ المغدورِ
الخائنةُ،
الغادرةُ،
الخاويةُ، كجمجمةٍ في فَلاةٍ
ترجمانُ القلبِ الآثمِ

صوت

ثور بريّ
يدهمُ الجثثَب أظلافِهِ
يمزقُها،
يتركها في العراءِ
لا يقربها أحدٌ
لا كفنَ،
لا شاهدَ قبرٍ
ولمّا يملُّ
يقفُ برهةً ساكنا،ً
جامداً
في عينيه برودٌ وغدرٌ
تثيره رائحةُ الدماءِ؛
فيعملُ قرنَه الحادَ
في الظهورِ العارية

القتلُ

أكان حتمًا مقضيًا؟!
يهوي بالحجرِ على الرأسِ
الأعزلِ،
ويزيحُ في برودٍ
وشائجَ ما انْفَصمَتْ عُراها
إلا بضربته المخاتلةِ
خاويًا من فطرتِهِ،
وفارغًا إلا من الأصداءِ والهواجسِ
يحدُّ النصلَ، ويُصقلُ سلاحَه؛
ليثقبَ المُضغةَ التي عذبتْه
بحنانِها وبراءةٍ
الصانعُ الماهرُ، يمجّدُ العدمَ
في سُورةِ الحقدِ التي ابتدعَها،
ولهاثِ أصابعِه خلفَ دموعٍ
تصدعُ الصخرَ
يتلو على المبهوبتين مراثي الشهداءِ
ويذهبُ إلى النومِ المتقطعِ
بعينٍ واحدةٍ
ينامُ كذئبٍ يشمُّ الطريدةَ..
........
أكان حتمًا مقضيًا؟!

جوقةٌ

الندمُ ..
الندمُ
سينهشُ قلبَ الآثمِ؛
فالذّلُّ صِنو الخطيئةِ
والخطيئةُ لا يغفرُها الدمعُ
أيّها الآثمُ،
الآثمُ
سينهشُ الندمُ قلبَكَ
فالذّلّ صِنو الخطيئةِ

النشيدُ

لم نأتِ إلى الحربِ من أوقاتِنا
كنّا نجاهدُ جرحًا قديمًا
ونحنُ نرفلُ في الدروعِ السابغةِ
نرفعُ نشيدَ الحقدِ فوقَ رؤوسِنا
تعويذةً تقينا بأسَنا
بأظافرٍ طويلةٍ، وعرقِنا
وغبارٍ يتراكمُ على شِفاهِنا المجرّحةِ،
وعلى الأسنةِ المُشرعةِ
في مساءٍ باردٍ يهبطُ ثقيلاً
لم نأتِ من أسمائِنا القديمةِ،
وذكرى شاهقةٍ في النسيانِ
لمّا سَهونا عن فردوسٍ بعيدٍ
وأوغلنا في دروبٍ خلفَ الجَبلِ
جِئنا من أغانينا الصاخبةِ،
ومديحِ آلهة الحربِ،
ومزاميرَ غضبٍ
من طبولِ حربٍ تدقُّ:
بُمْ بُمْ.. بَبَابَمْ بَبَابَمَََََََََََََََْْ بَبَابَمْ.. بُمْ
لم نأتْ إلى الحربِ،
كنّا نجاهدُ جرحًا قديمًا
ونحنُ نرفلُ فى الدروعِ السابغةِ

الجنودُ

الحربُ، حربٌ
ليستْ أغاني النصرِ في الساحاتِ
ولا نزهةً قصيرةُ، يذهبُ الجنودُ
إليها، بسنواتٍ غضّةٍ، وعزمٍ أكيدٍ
الحربُ: هي الجنودُ البسطاءُ
السّعاةُ ليلاً في الخطو العسكريِّ
الصارمِ،
وخططِ القادةِ في الأكمنةِ
المدججون بالأسئلةِ والأفكارِ البسيطةِ
عن الحربِ
يذهبون إلى جحيمٍ خلفَ التّلالِ
بأغاني الحنينِ والخُطبِ الحماسيةِ
يمسحون الدّمَ عن صورِ أطفالِهم
ومواعيدِ الجميلاتِ
أيُّ أهوالٍ تخوضُ مستنقعَ الدمِ!
وصليلَ المعدنِ الفولاذيِّ
يصكُّ العظامَ ويقطفُ الورودَ اليانعةِ
هؤلاءِ البائسون،
يندفعون هشيمًا تذروه الرياحُ،
والأفكارُ المطلقةُ
ممتثلين لأوامرِ اللهِ وأولي القوّةِ
يساقون إلى الحربِ
ولا يعودون أبدًا إلى ما كانوا!

أصواتٌ

1

يأتي القادةُ من أعماقِ الكتبِ
من شوقٍ نَهمٍ للحربِ،
من سُهادِ الليالي الطويلةِ،
وأحلامٍ كاذبةٍ
كلُّ قائدٍ مأخوذٌ بفكرةٍ؛
وكلُّ فكرةٍ مطلقةٍ تنفي سواها
القادةُ الواثقون،
الصارمون كحدِّ المَوسَى
يشعلون الأرضَ؛
ليكللوا هاماتِهم بالغارِ
ثم يعبرون أقواسَ النصرِ
يحصون الأوسمةَ على
صدورِهم الجافةِ
ويبكون أمامَ الحشودِ،
وهم يتذكرون الحروبَ
التي خاضها الجنودُ المجهولون
يأتي القادةُ، يأتون
من كوابيسَ وأوهامٍ كاذبةٍ

2

يخطو فوقَ عظامِ الموتى،
البؤساءِ في الظلامِ،
وأرواحٍ لم تهدأْ بعدُ؛
كأسئلةٍ تذبلُ رويدا
كأنّما المُلكُ المتنازعُ
خلودٌ سرمديٌّ
لعناتٌ يحملُ وزرَها القادرُ
يَرِدُ البئرَ الأولى
التي غَاضَ ماؤها
وفاضتْ بدمٍ مسفوحٍ؛
ليشربَ الإلهُ الذي يشحذُ
سيفَه ضَجِرا ..
...............
قدْ تقتلُه عظمةُ جمجمةٍ
ناتئةٍ

3

شُدَّ قبضتَكَ!
وسأشدُّ ساعديَّ
حين تعصِفُ القبضتان؛
ينسابُ الدمُ
دمُ أمَّنا الأولى
يا عدوّي،
يا أخي في الجبهةِ المقابلةِ
من سينتصرُ ؟
القاتلُ أمِ المقتولُ؟!

جوقةٌ

في البدءِ،
كان الإنسانُ
صارَ الإنسانُ ابنَ كَدحِه
وطوعَ يدِهِ الآثمةِ
يمشي في ملكوتِ اللهِ،
بالنارِ والحديدِ
وعينُه على مُلكِ أخيهِ
ضغينةٌ ودهاء
في البدءِ..
كان إنسانٌ

بادية سيناء
S_abushabana@hotmail.com