جودت فخر الدين
(لبنان)

- 1 -

جودت فخر الدينورقٌ ينتزع الشارعَ،
يحملُهُ،
ويطوفُ به ...

- 2 -

ورقٌ ينتزع الشارعَ،
يمحوهُ،
ثم يُعيدُ كتابتَهُ،
يرسمُهُ بالألوانْ.

- 3 -

أوراقُ الأشجار هنا تنضجُ كالأثمار،
وتذْروها الريحُ،
فتسبحُ في آفاقٍ تتلوّنُ مرّاتٍ مرّاتٍ ...
في اليوم الواحد أيامٌ شتّى،
وفصولُ خريفٍ شتّى.

- 4 -

ما بالُ خريفٍ تخرجُ فيه الأشجارُ،
وتُثمرُ ألواناً؟
ما بالُ خريفٍ هو أعراسٌ،
تتبرَّجُ فيها الأشجارُ ... لكي تتعرّى؟

- 5 -

ورقُ الأشجار هنا ثوبٌ يخلعُهُ الشارعُ،
يلبسُهُ،
ثوبٌ تنسجُهُ الريحُ،
تُمزّقُهُ،
ثوبٌ لفضاءٍ لا يتكوّنُ، لا يتلاشى.
ورقُ الأشجار هنا عصْفُ هباءٍ
يسترجعُ روحاً هائمةً،
منذ بدايات العالم.

- 6 -

الشمسُ تُراوغُ،
لكنَّ الأشجارَ تُراوغُها ...
لعبةُ ألوانٍ نشبتْ بين الشمس وبين الأشجارِ،
تؤدّيها الأوراقُ،
ولكنَّ الشمسَ هي المغلوبةُ دوْماً.
تتلاشى في بُقَعٍ،
تنفرُ كالغزْلان المذعورةِ،
تنثرُ لألاءَ الحيْرة بين الأغصانِ،
وبين جذوع الأشجارْ.

- 7 -

أمشي في هذا الشارعِ، أو ذاكَ،
هنا وهنالك عبر شوارعَ لا تُحصى.
أتبعُ ألواناً ... تتبعُني ألوانٌ ...
يعبثُ بي ورقٌ يجعلُني كالريشةِ،
هذا ورقٌ لشوارعَ لا تُحصى.
هذا ورقٌ لفصول خريفٍ لا تُحصى.

- 8 -

أمشي في هذا الشارعِ، أو ذاكَ،
هنا وهنالك عبر شوارعَ تمحوها الأوراقُ وتكتبُها.
قالوا: بعضُ الغاباتِ هنا بِكْرٌ ...
ما أكثرَ ما بذلتْهُ الأشجارُ هنا من أوراقٍ،
من ألوانٍ،
أمشي،
وأقولُ: تُرى، هل مرَّ هنا أحدٌ قبلي؟

- 9 -

في مدن تحضنُها الأشجارُ،
تشكِّلُها الأشجارُ وتحجبُها،
هل يصطحبُ المرءُ سوى الأشجارْ؟

- 10 -

أصطحبُ الأشجارَ وأمشي،
فإذا بالشارع يمشي،
يتبعُنا مرتبكاً ...

- 11 -

قالت لي إحدى الأشجار: تقدَّمْ منّي
فتقدَّمتُ،
وقالت إحداهنَّ: أتعرفُني؟
فتلعثمتُ،
ومدَّتْ لي إحداهنَّ ذراعيْها،
فتداعيْتُ قليلاً،
وأنا أنقلُ خطْوي بين الأشجارْ.

- 12 -

آه لو كان لنا تاريخٌ لا نكتبُهُ نحنُ،
ويكتبُهُ ورقُ الأشجارْ.

(بلومنغتن - إنديانا)

السفير
يناير 2008

أقرأ أيضاً: