المتوكل طه
(فلسطين)

ياسر عرفاتأبونا الذي لا نرى منه غيرَ النَّدي؛
جاءَ من بَحْرِنا اليافَويّ
له عينُ صَقْرٍ وجَفْنٌ عَليّ
يُحبُّ الطريقَ المُزَنّر بالزيتِ
والنَرجِسِ المَوسِميّ،
وَبَيتاً بناهُ على صَخرةٍ،
قد ينامُ به ساعةً،
أو يغيبُ مع الغَيمِ مثلَ النَّبيّ

أبونا يَخافُ علينا من اللوزِ والتينِ
والبلدِ المُطْمئنِ الأمينِ
إذا لم نكن في النّواةِ البعيدةِ
أو خَمرةِ الطَّيرِ في كأسِها المَرمَريّ،
ويَخشى على الحُلُم الحُرِّ ا
من دَفْقةِ الجُرحِ إنْ فاضَ،
أو أَغْرَقَ الدارَ بالهَلَعِ الوَاقِعيّ
لهذا، يُربّي حريرَ الكلامِ
علي شَجرِ السِّرِّ
حتى تظلَّ لنا حصةٌ من لباءِ الطَّريقِ
إلى القَمرِ الساحليّ

أبونا له قلبُ طفلٍ وكَفُّ السَّحابِ،

يُحبُّ من الشِّعر ما ضيّعَ الماسَ في النارِ،
أو أحضرَ الموجَ تَحتَ الصليبِ
إذا ما اعتَلى النّاصِريّ،
وَيُبْكيهِ دمعُ الصغيرِ
على حِجْرِ مقتولةٍ في البلادِ،
فقد عَهد القتلَ منذُ ثَمانينَ،
نَطْعاً حتى رأى الخُبزَ،
يزل فيه وَردُ الصَّبيّ ولمّا

أبونا يرى في الحُروفِ النَّبيِّينَ في دربِهم
نَحو معمورةٍ للبَغِيّ،
لهم كلُّ نَسفٍ وحذْفٍ
إلى أنْ تثُوبَ مدائنُها للرضيّ،
ومن حقّهِ، وهو بوابةُ القولِ،
أن يَنْعَفَ الجَمْرَ
فوقَ الذي يلحقُ التّيهَ
في خُطبةِ السامريّ.

أبونا لهُ ألفُ يوسفَ في الأرضِ،
قُمْصانُهم في رماحِ الأشقَّاءِ،
والذئبُ من خلفهم حارسٌ للدَّعيّ.
وما زال ينتظرُ الموسِمَ الباذخَ، الرَّحْلَ،
يا أيها القومُ :
هذا العزيزُ الذي غارَ في البئرِ،
عادَ مع الرؤيةِ الآنَ،
فلتَسْجُدوا للأميرِ البَهيّ.

أبونا يُربّي سنابلَه في الضُّلوعِ،
لكي يُمْرعَ الحُزنُ برقَاً،
ويأسي على حُزْنهِ الأوليّ.

أبونا يرى الأرضَ سجادةً تَحتَ عينيهِ،
مذ جَفَّفتْ أمُّنا وَضْعَها في الطريقِ
إلى أنْ غَزاها الذي ماتَ بالخَمرِ
حتى الذي أَعملَ الجانّ في البحرِ
حتى الذي قد أتاها من الشرقِ
أو مَنْ رماها إلى سَبيِها البابِليّ،
إلى أن تولّت عن الحقِ...
فانقلبَ الطينُ في مِلْحِها الجَاهِليّ،
إلي أنْ هداها المُكَبِّرُ في عدْله العبقريّ،
ومنذ توسّدها البربريُّ
المكبّلُ بالانكفاءِ القصيّ
المُسلّحُ بالخوذتين؛ من الصخر والفِكْر،
هذا الذي علّقَ السورَ تحت شبابيكهِ
فوق مَسْعَدةَ الانتحارِ،

الهجينُ الشقيّ..
وما زالت الأرضُ تَحتَ نوافذِهِ
يرقبُ رحلَتها من ظلامِ اللّزوجةِ
حتى فضاءِ الخَلاصِ النَديّ.
أبونا الذي جاءَ للبيت بالنيزَكِ الأرجوانيّ،
كانَ بِمحرَابهِ للصّلاةِ،
ولكنّه لم يتمّ السّلامَ!!
فقد باغَتَتْهُ البِطانةُ بالعَقربِ القُرْمُطيّ،
ولم يَكْسِر الآيةَ التي جمعت حولَها الناسَ،
لكنّها قِصّةُ الطفل والغولِ،
والحرفِ من ضعفه للرويّ.

أبونا مضى للأساطيرِ،
والسقفُ باقٍ،
والأرضُ
راسخةٌ تَحتَنا،
إنّما قد يعودُ الخوارجُ من بيننا
والبرامكةُ العنكبوتُ..
ويبدأ مخطوطُنا القرمزيّ.

أبونا الذي فَكَ أزرارَ هذي الغوايةِ
لم يلحظ السّهمَ موتاً أخيراً،
ولكنّه مرودُ العُرْسِ في ليْلهِ الإثمديّ.
تركناه حينا،
فإنّ أبانا له كالمياهِ مزاجٌ عَصيٌّ..
بنى قارباً من جُروحِ الشّهودِ،
وحطّ على تلّةٍ للفهودِ،
وحين تَمادي الرّغاءُ
وأُثْقِلت الريحُ بالمومياءِ
تَعالى على كلِّ هذا العُواءِ
وفوق وُحُولِ الرّدى العُنصريّ.

أبونا..
أبونا يُصَدّق رؤيا يبوس
وبشرى العصافيرِ
واللونَ في الدفترِ المدرسيّ.

أقرأ أيضاً: