أديب كمال الدين
(العراق/أستراليا)

الى: عيسى حسن الياسري

(1)

أديب كمال الدينحين وصل الشاعرُ الى بلاط الملك
قال: حرفي مقدس كسرّ الفرات
ونقطتي طيبة جميلة كدجلة.
فقال له الملك: اسجدْ !
رفض الشاعرُ أمرَ الملك
فـَطِردَ من البلاط شرّ طردة.
وحين وصل الشاعرُ الى أعداء الملك
قال: حرفي عظيم كسرّ الفرات
ونقطتي زاهدة غامضة كدجلة.
فقال أعداءُ الملك: اسجدْ !
رفض الشاعرُ الأمر
فَـطِردَ، كذلك، شرّ طردة.

(2)

هكذا انتقل الشاعرُ من ملكٍ الى ملك
ومن سجودٍ الى سجود
ومن رفضٍ الى رفض
انتقل، أولا، الى ملكِ الشقاقِ والنفاق
ثم انتقل، ثانيا، الى ملكِ القلاقلِ والفتن
ثم الى ملكِ الحرب
ثم الى ملكِ الجنس
ثم الى ملكِ الأكاذيب والترّهات
ثم الى ملكِ الصدِ مارد
ثم الى ملكِ الواقِ واق
ثم الى ملكِ المنافي السعيدة
ثم الى ملكِ المنافي التعيسة
ثم الى ملكِ الرايات السود
ثم الى ملكِ الرايات الصفر
ثم الى ملكِ الذهب
ثم الى ملكِ الرماد
ثم الى ملكِ اللصوص
ثم الى ملكِ التيوس
ثم الى ملكِ الإذاعة
ثم الى ملكِ الخلاعة
ثم الى ملكِ العذاب
وعند كلّ ملك
يُطْـلَبُ منه السجود
فيرفض
فيُطرَدُ من البلاط شرّ طردة.

(3)

لم يكتفِ بعضُ الملوك بالطرد
بل أمر جلاديه بسحلِ الشاعر
من البلاطِ حتى الشارع
وقام بعضهم بسحلِ الشاعرِ بنفسه
وقام الآخرُ بجلده بنفسه
ثم قام الأخير-
وكان أكثرهم غلوّاً وعتوّا -
بإطلاقِ كلابه السود
لتنهشَ حتى الموت
جسدَ الشاعرِ الهزيل.

(4)

حين مات الشاعر
التقى بملكِ الحروفِ الذي هشّ له وبشّ
وقال له : لن آمركَ بالسجود !
بل سأجلسكَ معي على العرش !
رغم أن عرشي شديد البساطة !
ثم نهض ملكُ الحروف
وشقّ قميصه من الفرح
فبانت الحروفُ مشرقةً كالشمس
وقال للشاعر: اخترْ حرفك !
فاختار الشاعرُ العينَ والياءَ والسينَ والألف
ضحك ملكُ الحروف وقال:
أيها الشاعر
لقد اخترتَ أن تُصلب
وأن تمشي الى الجلجلة !
ما أعظمك !
وأنتَ تُصلب هنا أو هناك
دونما أتباعٍ أو أحبّة
دونما تلامذةٍ أو مريدين
دونما وردة تُعلـّق على جبينك
أو تُرمى عليك
دونما أيّ شيء سوى اسمك
دونما أيّ شيء سوى حرفك ونقطتك.

www.adeb.netfirms.com