إيمان مرسال
(مصر)

إيمان مرساللماذا جاءت إلي البلادُ الجديدة؟ هذه المومياء: موضوع الفرجة
ترقد بزينتها في كتٌاني رماديٌ: حياة متخيلة في فترينة متحف.
أظن أن التحنيط مسألة ضد الخلود
لأن الجسد لن يكون أبدأ جزءا من وردة
المومياء لم تختر هجرتها بينما هؤلاء الذين انتظروا طويلا في طوابير السفارات
وبنوا بيوتا في بلادي أخري يحلمون بالعودة عندما يصبحون جثثا
يجب أن تحملونا إلي هناك هكذا يتركون الوصايا في أعناق أولادهم
كأن الموت هوية ناقصة
لا تكتمل إلا في مقبرة الأسرة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
هنا أيضا أشجار خضراء تقف تحت ضغط الثلج وأنهار لا يتعانق بجانبها عشاق خلسة،
بل يجري بموازاتها رياضيون مع كلابهم في صباح الأحد، دون أن ينتبهوا للمياه التي
تجمدت من الوحدة. ومهاجرون لم يتدربوا علي محبة الطبيعة ولكنهم يصدقون أن نسبة
التلوث أقل وأن بإمكانهم إطالة أعمارهم بمضغ الأوكسجين قبل النوم عبر كبسولاتي هوائية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لماذا لم ينسوا أنهم من هناك؟
الغرباء الفشلة
يدربون عضلات أفواههم علي التخلص من اللكنة، اللكنة هي المرض الوراثي الشفاف
الذي يفضحهم، يقفز عندما يغضبون فينسون كيف يضعون أحزانهم في لغة أجنبية
اللكنة لا تموت ولكن الغرباء حفارو قبور بجدارة
يعلقون علي باب الثلاجة أسماء من ماتوا من الأهل حتى لا يخطئوا ويطلبونهم في التليفون
ويدفعون ربع أجورهم لشركات الاتصال
ليتأكدوا أنهم موجودون في مكان يمكن تحديده ببعده عن الطفولة
لماذا لم ينسوا؟.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يجب شراء organic food ولكني منذ ساعة أتأمل صورة أمي جالسة علي
عتبة دار أبيها التي لم تعد هناك: أقصد العتبة رغم أن أمي نفسها لم تعد هناك.
لا أحد يمر في الشارع لأن العربات تدخل وتخرج بالريموت كنترول، كنت قد اشتريت
هذا البيت الذي لا يمكنني الجلوس علي عتبته من أرملة نحات أسباني كان قد بناه علي
أرضِي تؤول إلي مهاجري أوكرانيٌ أعطتها له الحكومة الكندية بعد نزعها من الهنود الحمر
لكي تقيم مدينة فيها عدة جامعات وعشرات من الشوبنج مول وآلاف مثلي يعرفون الفوائد
الصحية للأورجانيك فوود ويمتلكون عربات تدخل وتخرج بالريموت كنترول.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ما تعلمته هنا لا يختلف عن ما تعلمته هناك:

- القراءة كتذكرة مرور إلي تغييب الواقع.
- تخبئة الخجل تحت ألفاظ بذيئة.
- إخفاء الضعف عبر إطالة الأظافر.
- تسريب الأرق في التدخين دائما وفي ترتيب الأدراج أحيانا.
- توفير ثلاثة أنواع من قطرة العيون من أجل توضيح الرؤية ثم الاستمتاع بالعمى والأهم، تلك اللحظة الرائعة من إغماض الجفون علي حريق.

هنا وهناك
تبدو الحياة وكأنها موجودة فقط لتجراقب من بعيد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
دقائق وتدخلك السكينة التي لا يبحث عنها أحد
فقط اترك رأسك تحت الماء
كيف؟ الفكرة التي تبرق مثل لؤلؤة في سلة مهملات؟ كيف تهدرها هكذا؟
انها فكرتك أنت: مختلفة عنك وأصيلة
هذه الثواني ليست معدودات: إنها النصل الفاصل بين زمنين
تذكٌر الأطباق القذرة في المطبخ... البريد الذي يحمل إعلانات، المصابيح التي تسلط
نفسها في حدقتيك، البروزاك... الرحمة التي لم تعرف أنك تبحث عنها، معك، ستدخل إلي
رئتيك إذا تركت جسدك يهبط، يهبط للقاع... تحت الماء ثواني أخري، لا حاجة للخوف
الزمن لن يفعل شيئا علي الإطلاق
لن يجعل لشجاعتك ثقل يأخذك لأسفل
الزمن ليس مهما، انه مجرد زمن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
في قارة أخري، تركت أعداء مساكين، يجب أن تخجل من نفسك عندما تتذكرهم
لا شيء يغضبك الآن، من الصعب أن تقابل شيوعيا كلاسيكيا هنا،
انهم حتى يضعون ساعة في المكاتب العمومية بدلا من صورة الرئيس،
ربما يكون كابوسأ أن تقضي يوما كهذا تحت تأثير المهدئات،
لا شيء جدير بأن تتمرد عليه. أنت مرضيٌ وميت
والحياة من حولك تبدو مثل يدي رحيمة
أضاءت الغرفة لعجوزي أعمي
ليتمكن من قراءة الماضي.

أخبار الأدب
7 أغسطس 2005

أقرأ أيضاً: