إبراهيم حسو
(سوريا)

آخين ولاتإلى وقت قريب كنت اجهل مسألة جد هامة تتعلق بكتابة قصيدة النثر, وربما متابعتي الدقيقة والمتواصلة لما ينشر هنا وهنا من نصوص نثرية سواء في الصحافة الورقية أو الالكترونية دلتني على جذع المسألة إلا وهي وجود ما يمكن تسميته (فوضى النمطية أو النسقية) ولعل الشاعر النثري اليوم مهتم و بقدر عال بالنمطية و الشكل الواحد للنسق الشعري, غافل أو متغافل بتعدد الأنساق والانماط وبتشكيل الشكل الواحد للبناء عليه والاشتغال على موارده (النصية) فمعظم الذين يسترسلون في قصيدة النثر تعلموا من نمطية (رياض صالح الحسين) مع أن رياض لم يكن نمطيا إلا في ديوانه الأول ثم تحول (بذكاء) إلى التشكيل الشعري في مجموعتيه الأخيرتين, ولو أعاد القارئ الذكي قراءة رياض من جديد سيلحظ كم كان رياض يتعذب في إضافة تنوعات جديدة إلى نصه وكم كان يعاني أزمة الكلمة و المعنى و كيفية السيطرة على روح النص طيلة ارتباطه بقيمة (الموضوع) لكن كأن هذا الأمر سيان عند شاعر قصيدة النثر الحديث فهو شاعر سريع في كل شئ ابتداء من (الكتابة الشعرية) نفسها وانتهاء بالنشر الغزير.

آخين ولات امرأة شاعرية إلى درجة ليست معقولة وهي تستغل هذه الشاعرية في كتابة الشعر وتلك هي مصيبة الشعر أن تتحول المشاعر(العظيمة) إلى نمط كتابي فيتحول المعنى إلى اللامعنى ويتغير الدال و المدلول في ادوار متناقضة و متنافرة و تتفكك الأفكار لتصبح هذيانا مهدورا, أهم ما يهدم النص الحديث هو الشاعرية التي تقوّض البناء الشعري نفسه وتنفيه في بعض الاحيان, و لو كتب معظم الشعر الحديث بتلك المشاعر فلن يبقى للشعر سوى اسمه, وهذا ما يقودنا إلى الاسترخاء قدام نصوص عالية المشاعر و منخفضة الشعر.
آخين ولات تكتب الشعر بسرعة ولا تلتفت وراءها, تبني جملها الشعرية من كلمة و تخرب كذلك جملتها بكلمة, هي غير منصاعة لما تجري في داخلها من (انكسارات) بقدر ما هي منصاعة إلى (مشاعرها) و لا تكف عن مناداة روحها و اشتعالاتها, سريعة في لملمة الأفكار هنا و هناك دون ترتيب و دون ملاحظة, كأنها تهم في بناء مخالف لكل شئ, تريد أن يكون لنصها أكثر من نافذة و اكثر من باب, ولو تمهلت قليلا في صياغة أو بالاصح ترويض مشاعرها, لكتبت نصا مغايرا و ملفتا بكل معنى الكلمة, واشتغلت على (المخيلة) المبدعة كأحدى منجزات (العقل) الشعري لقصيدة النثر.
آخين ولات في نصها ( تفاحةٌ فقط، سقطت من الشجرة، فأحدثت فيّ، كل هذا الضجيج.) تقصدت (النمط) الواحد والشكل الواحد والنسق الواحد والمعنى الواحد و الكلمة الواحدة, تقصدت أن نبقى نقرأ شعرا (عاقلا) طالما أن الشعر لا يحتمل الأفكار الكبيرة والمواضيع (العظيمة) ولا ادري أن كانت آخين تدرك معنى أن يكون الشعر معقلنا وتهطل منه هذه المشاعر الجرارة

ما جدوى كل هذا الحبر،
أن يسيل طرياً،
من ثقبٍ في الجدار؟.

شعرية آخين ولات تنبع من كونها تكتب الشعر لتتمتع به و ترفه عن نفسها في اوقات تشعر انها تهرب منها, تمل بسرعة من تكوين جملة فيها صورة شعرية فتلتجأ الى المفردة لتنقذها من ركاكة محتملة بين الكلمة و الكلمة, و هذا ينطبق على معظم الشاعرات الكرديات اللواتي يعشن في الخارج, و اظن ان متعة الشعرالتي تكتبها اخين تأتي من تنوعاتها وجمالية ( صورها ) وربما ولات في أكثر من نص قرأت لها حريصة على (البناء الصوري) وهي غير الشاعرات الاخريات, تحرص على بناء الجملة التي تتألف أكثر من صورة, مثابرة في التحكم بها و جعل نص مفتوحا على الجمال:
أزِح عني كل هذا الليل..
في كل قراءاتي للشعر الكردي المكتوب بالعربية (النسائي) بالتحديد, احتفظ بالبريق الذي يغلف بهذه القصائد, وآخين من الشاعرات اللواتي احتفظ بنصوصهن ضمن حملة تطهير الشعر وتنقيته من كارثة النمطية (المهيمنة), شعرية آخين ستقابل بقراءة (لغوية) أخرى فاحصة أن توفر الوقت.

www.tirej.net