(«الغرنوق الدنف» ،و «سفر الرمل» ،و «ترجمان النوم» تنتظر الطباعة)

اعداد: ابراهيم حسو
(سوريا)

عبد اللطيف خطابعرفه جيل الثمانينيات و تعرف عليه جيل التسعينيات و بكى عليه جيل الألفية الثالثة .عبد اللطيف خطاب صاحب القلب المعطوب منذ الولادة كان يسخر من الموت.

لكنه رحل فجأة نتيجة إهمال طبي،قبل أن ينجز تجربته المفردة في الشعر , فبقيت نصوصه قيد الأدراج،تئن عزلة وقهرا، مات عبد اللطيف خطاب دون أن يودع احداً، دون أن يكتب لأحد كما كان يفعل قبل كل عملية جراحية (قلبية) فاشلة و كان ينجو بأعجوبة الشعر .هذه المرة لم ينجُ وقد باغته الموت . عبد اللطيف خطاب واحد من ابرز شعراء قصيدة الثمانينيات وتميز بفرادته عن أقرانه من خلال معجمه الخاص وتجربته الحياتية المدهشة التي انعكست أيضا في نصوصه الشعرية المفعمة بالدهشة والغرابة والحنين , و يتميز عبد اللطيف في شعره بأنه يلتقط أطراف و أقوال و أخبار المجالس القروية (البادية) بحرفها و حرفنتها و بلفظها و بتلفظها بمعنى حسب كلام عباس بيضون أخذ عينات من أحاديث هذه المجالس و تركيب حكايا شعرية عليها، و كما يتصف شعر الخطاب بالارتجالية و زحمة التداعيات الصورية و الحكايات المتناقلة من هنا و هناك , لكن للشاعر أعمال شعرية أخرى لم تطبع بعد و كلها كانت تنتظر الوقت: «الغرنوق الدنف» و«سفر الرمل» و«ترجمان النوم» و يذكر أن الشاعر درس في مدارس الرقة الثانوية و انتقل إلى حلب لدراسة الاقتصاد في جامعتها حيث أصبح جزءاً طوال سنوات الدراسة من المشهد الثقافي هناك سواء من خلال مشاركاته في ملتقى حلب الجامعي أو من خلال الندوات والحوارات بالإضافة إلى جلساته في مقهى القصر وكان حجة في المسائل اللغوية والتراثية لأقرانه من الشعراء الشباب وقارئا نهما. لعبد اللطيف ابنة وحيدة «لين» وقد دفن جثمانه في قريته تل السمن في اليوم نفسه الذي صادف ولادته . في هذا الملف بعض ما كتبه أصدقاؤه لحظة سماعهم خبر رحيله الفاجع . ‏

­ في ظني أن جميع الشعراء يدفعون موتهم إلى الوراء، فيغدو بالنسبة لهم جنازة ضوئية وقوس قزح كونياً. يستحيل الموت بداية لمن لم يعرف له بداية، وأصلا لمن ليس له أصل في الأرض، ومهداً لمن لا يُذكر له مهد. ‏

نعم، قرأت عبد اللطيف خطاب في ديوانه الوحيد وقلت فيه مقالة لا أذكر ما هي وان كنت احسب أنها لم تكن حفية. ولست أدري ما السبب فقد مضى في الزمن، ولست متأكدا من أن أسبابي لا تزال نفسها، وأني لو نظرت مجددا في الكتاب فسيكون له فيّ صداه الأول. أنها لحظة وتلك أخرى، وليس ضرورياً أن تلتقي اللحظتان. ‏

لكني يوم زرت حلب أول مرة في لقاء مع أصدقاء من شعرائها، كان عبد اللطيف بين الجمع الصغير الذي حضر. لم يبد في وجهه ما ذكرني بمقالتي الآنفة، رغم أنها أثارت في حينه بعض الجدل والمشاحنة وتلقت ردا من هنا وهناك. كان وجهه خالياً من المسألة كلها، كذلك كان صوته وكلامه. لقد نسيها، وليس كثيرين من ينسون مسائل كهذه، ويلقونها خلف ظهورهم ولا تترك في نفوسهم عضاضة أو حزازة. تكلم عبد اللطيف فيما اذكر عن همّ أظنه الجمع بين المتنبي والشعر الحديث. كان يتكلم، فيما اذكر، بحرص، فهو صاحب هموم والشعر هم حقيقي له، وقد أعجبني حرصه ولهجته، أما الهم نفسه فلم يكن واضحا لي (عباس بيضون). ‏

­ اخترت اللحظة الخطأ، كان سهلاً موتك، لا كما حياتك. اخترت اللحظة الخطأ، كان عليك أن تنتظر، لك مع هذه الحياة عشرون عاماً آخر، أخطأت بحق لين، بحق زوجتك، أخطأت بحقي، بحق من ينتظرونك كل عام في المقهى، كنت تطيل الغياب في السنوات الأخيرة وها أنت قررت أن تقطع الزيارة نهائياً، فعلتها يابن خطاب، الذي على الفرات، فعلتها يا صاحبي، وها أنت تعلن أن ملتقى شعراء جامعة حلب صار إلى زواله البيولوجي، كما زال شعرياً (محمد فؤاد) ‏

****

- كانت ‏
أرواحنا ‏
يا عبد اللطيف ‏
مثل سبائك ‏
تُثقلُ ‏
أقدام الغرقى.. ‏
كن بخير ‏
هناك ‏
في المكان الذي قد تجد وقتا فيه ‏
كي تزورنا ‏
أو تتصل بنا.. على الأقل.. ‏
كن بخير.. يا قلبي.. ‏
الحسكة، التي ما عادت على الخابور (عارف حمزة) ‏

­ لا أعرفه، ولكني ذهلت، في قصائده، من النبرة المريرة، من الحزن الذي يتقطر وئيداً، كأنه لن ينتهي.. سأستعير لموكبه، وهو يذهب، أبياتاً لسعدي يوسف، فالشعراء، وهم يمضون، يمضون من دون عربة مدفع.. من دون الطلقات الواحدة والعشرين من دون العلم يلف المرارة.. والحزن. ‏

يرحلُ الشعراء واحداً، بعد آخرَ، في آخر الليل ‏
لم يحملوا معهم غيرَ زادِ الفقير ‏
وتذكرةٍ لم تؤرخْ ... ‏
أقول لهم لا تحثوا الخُطا ‏
انتظروا ساعةً حسبُ، يا اخوتي ... ‏
نحن في آخر الليلِ، ‏
لكنهم يرحلون ... ‏
يرحلُ الشعراء ‏
واحداً، بعدَ آخر، في آخِر الغصن ... ‏
لا! ‏
كيف تمضون عني؟ ‏
ألم نجتمع، مَرةٍ، حول مائدة النُسغ ؟ ‏
كنا نقولُ: لنا رعشةُ الماء ‏
كنا نقولُ: العروقُ لنا، والخريفُ الذهبُ ‏
ونقولُ: لنا أولُ الغصن، ‏
لكنكم ترحلون (حازم العظمة) ‏
­ حقاً هل علي أن اكتب شيئاً عنك أنت الذي كتبت «موت الشاعر» باكراً باكراً. ‏
وكنت أحتفظ بها كل هذا الزمان ولم أجدها اليوم لتكون هديتنا لك.. ‏
أنت الذي: داهمتك الكتابة كحمل وديع، واصطفتك كربٍ شرس ‏
كنت كل هذا الزمان أيها الغرنوق الدنف تحارب الحياة بقلبك ‏
وكنا نتوقع أن تموت بداء القلب بين لحظة وأخرى أما أن يقتلك خطأ ‏
فوالله حزانى «خلف علي الخلف» ‏
يا له من خل وفي وصديق دبق يداهم الشعراء في عزلاتهم .عبد اللطيف مثال للشاعر الزاهد، والطهراني وغير اللاهث خلف شيء، ها هو الموت يأتيه لاهثاً وباكراً (محمد مظلوم) ‏
مقطع من قصيدته «تاريخ الجمجمة» ‏

‏ الذي قال لي: ‏

كيفَ هي الدولة المقبلة ؟ كيف حال الضحايا الأنيقين مثل الجلالةِ ؟ أما زالوا حزانى علينا كالميتين القدامى ؟ أفي الوجوهِ الحديثةِ آثارنا ؟ والرمالُ الأنيقة تسفونا كالرياحِ الخفيفةِ، وَقْعُ أيدينا عليها ؟ وَقْعُ أسماعنا المذأبَهْ، ‏

بغتةً: ‏

استقبلتنا الجماجمُ، احتفتنا الجحافل مثل السيول التي تذبح الأرض، وأنا الذي رافقتني الأميراتُ المسناتُ، وأنا الذي رافقتني أميراتُ الجماجمِ، وأنا الذي أصلحتُ وضع الأميرةِ على سدة العرشِ، وأنا الذي باغتّها ضاحكاً بالعبارات الرسولية: ‏

أنتِ التي لا تنحنين إلا للفحولةِ، أنت جمجمة نُحْتُ عليها مثل نوحي عليَّ، أنت التي سـاقوك قرباناً على مذبحي، أنت التي ناوشـتْني عذاباتي بيدين من لازورد، أنت التي باركتِ خصب العفونة، أنت التي باركتِ سيفي، أنت التي بللتِهِ بالدمعِ، وأنا الذي كنت حرباً على حرب البَسوسِ ‏

أغمدت سيفي ‏
أغمدت سيفي، ‏
وقلت: ‏
لا تنتشلني من يدي فأنا الغريق، خاطبت جمجمةً، ضحكتُ ‏
قالت كالذي مات: ‏
لم لا تنتشلني، أنا الذي أروي التراب، ويرتويني، أقتاتُ منه ويقتتيني، متعايشيْنِ كالطيورِ الأليفةِ، ‏
مرةً: عينيَّ واسعتين، قالَ، ‏
قلتُ : ألا تُحجّ ‏
قالَ: لا ـ دودٌ يزوركِ، تآكلي أرجوكِ وانقلبي تراباً. ‏
فبكيتْ، بكيتْ، بكيتُ أنهاراً من العفن الأكيدِ، فازدهر الدودُ القبريُّ والحشيشُ القديمُ والدولةُ الراقدةْ، حَشْدٌ يموجُ : ‏
ها هي الأرض تنهضُ من براثنها ها هي الجمال تصافح مستقبلها، ‏

ها هي الطائراتُ الجميلةُ تودعنا قبرنا الأصغرَ، ها هي الحياة تغلق أبوابها وتقول وداعاً، ها هي الجماجم العائليةُ تضحك ضحكتها المسرحيةَ، ها هي الكلمات توحي بالذي يُوحى ولا يُوحى، وها هم القدامى يستعمرون الرأس الذي صاح: ‏

افتح قبورك، شُقَّ صدرَ الأرضِ كالحبلى، انفسحْ : أرفسْ ضحيتك الأخيرةَ، ومثل منتقمٍ عظيمٍ، اشربْ دَمَهُ، أرجوك أنْ تنخر عظامك مثل دودِ القبرِ في العمل الرتيبْ، وارقص كمجنونٍ عتيدْ، وأولمْ ولائم مثلها ما كان أو ما لم يكن، وادعُ محّبيكَ الجماجم يجلسون على موائد من ضحايانا، وادْعُ المزامير القديمة والتراتيل الحديثة .. ودّعْ مطار الأرضِ وارحلْ عن جماجمنا التي استعرت من غيظها المكظومِ، تبغي الدم المسفوح دوماً في مطارحها، وصحنا (لا ندري نحن أم الجماجم): لم نرتو، ولم نشفِ الغليل ولم نقل: ‏

سلاماً على الذي ماتْ، والذي سيموتْ، ما عاد أحبابنا مثلما كانوا، ولا رجَّعَ الزمانُ صدى آهاتنا الحرّى على قومٍ قضوا نَحْبَهُمْ بين الجماجم، ولم نخن مواثيقنا مثل بني إسرائيل من أهلِ الكتاب، وما قدسنا الأصاغرَ وفتات الجماهيرَ، وما عرَّجنا وبصقنا على وجوههم جزاء دفننا المتخلفِ، وما استَنْبَتْنَا المدائح النبويةَ لشخصه المبجلِ، وما اعتلينا عروش الأنثى كالزناةِ الجُلافِ، غير أننا تباركنا بالذي: ‏

بالذي حام علينا كالرحى، بالذي يخطف كالنسر بما نقتات، بالذي وجّهَ قتلاه على ذبح الفرائس، والذي اقتات فُتَاتَ الخبزِ والقلب الرديء، بالذي نافحَ عن حكم العشائر يوم ما كنا فرادى وقبائل، كانت الأشياءُ تقعي بارتخاء، والقرى كانت تزدهرُ بدولِ البدو والبابونج، وتعانق الأفاعي المزدانة بالبرجوازيين والسم، وتحيي الرجال الصائحين كصيحتي: لا تبتئسْ، فأنا صديق القادمين من الخراب.‏
تقرير اللجنة الخاصة بتقييم الإنتاج الدرامي: العلامة ضعيف، ووسط، وندرة في الجيد!

الصندوق الأسود لأسرار مديرية الإنتاج التلفزيوني
بين قوسين .. إنها فضيحة كاملة الدسم!
الكارما.. هل نستطيع التحكم بمصيرنا؟!
المقدمة : هل هي فلسفة الكاتب ومنهج الكتاب؟
ثقافة نت
الأمريكيون العرب .. اللغة والارض و التاريخ
رسائل العجيلي لأديل برشيني: لقد ضاق عليّ فضائي الكوني!!
كتب في سطور

هوامش

«الغرنوق الدنف»،و«سفر الرمل»،و«ترجمان النوم» تنتظر الطباعة .. الشاعر عبد اللطيف خطاب:سنة على الغياب
ضيعة بستمئة نسمة ومهرجان شعر
وطن في ملحمة .. حوار الأديان وآفاقه التاريخية والسياسية
حفل توزيع جوائز مسابقة نعيم اليافي في الاتحاد

تشرين
السبت 8 أيلول 2007