قبل أن تبلغ القيروان، ستفيء إلى شجر لست تعرفه، وتميل إلى مدن أنت تجهلها، قبل أن تبلغ القيروان سوف تدلج في طرق لست تألفها وستدخل بادية لست تعلمها...
قبل أن تتعرّف بالشاعر "محمد الغزي" يكفيك أنه ابن مدينة الشعر والشعراء حتى تأنس إليه، وما إن تتعرّف إلى قصيدة له حتى تميل إلى عوالمه وتجد نفسك تلج روح شعره التواقة للانعتاق والاختلاف، لا تستطيع إلا أن تصاب بعدوى مفرداته الفردوسية وصوره المتدفقة كجداول منبعها السماء بجلالها وهيبتها... معجمه الكوني الصوفي يغسل روحك المتعبة ويهديها النشوة وتأخذك قصائده باتجاه الطهر والوجد.
الإنسان هو المناسبة التي ينطلق منها وإليها يعود كشاعر أولاً ثم كأستاذ جامعي للأدب العربي الحديث هو لا يكتب شعراً فقط بل يتابعه ويدرُسه ويدرّسه... فهو مبتغاه الأول والأخير.
* * *
مَنْ يمارس سلطته على الآخر، الأستاذ والناقد أم الشاعر، كيف يحاكم الأستاذ القصيدة، وكيف يحافظ الشاعر على عفوية القصيدة ونضارتها؟
ـ عند الكتابة أنشطر إلى اثنين أترك الأستاذ خارج مكتبي، غرفتي، وأكتب بما أحمله من أسئلة ومن أشجان، فيما بعد وفي مرحلة القراءة الثانية والتقويم والتنقيح والتثقيف، أدع الأستاذ يعود إلى الغرفة مستعيناً بالجانب النظري الذي أهمله... ولكن في البداية أكون في حالة لا تسمح بوجود رقيب على القصيدة، يقول الفرنسيون: حينما تفكر كيف تسير فإنك تسقط...
في مرحلة التثقيف والتنقيح كيف تعامل نصك الشعري، هل تعجب بما خرج بشكل عفوي وبالتالي يكون كاملاً أم أن التمزيق سيطال جسد القصيدة؟
ـ أمزق كثيراً ولدي عبارة أستخدمها دائماً في النقد وهي/ الكتاب ضرب من المحو/ أنت تكتب لأنك تمحو، عندما نكتب قصيدة، تأكدي أن هناك قصائد كثيرة قد محيت ومضت بعيداً، لهذا يساعدني المدرس الذي أحمله في داخلي فيأخذ بيدي عبر مسالك القصيدة ينتقي منها ما يريد ويستبعد الذي لا يرضيه، وأعتقد أن كل كاتب من الكتاب يعيش تجربة المحو كما يعيش تجربة الكتابة.
التكثيف والإيجاز، ومحاولة القبض على اللحظة الهاربة في أبيات وصور تكون مكثفة وقليلة، هي ملامح النص الشعري الأساسية عندك، صور لها طابع الديمومة الإنسانية وليست متكئة على مناسبة آنية... هل تقصد هذا؟
ـ دائماً أقصد هذا... صحيح أن الكتابة تنبثق من لحظة راهنة لكن ترتفع عنها كي تصبح خطاباً يخاطب الإنسان على وجه الحقيقة والإطلاق ولهذا كل قصيدة أو كل نص ناجح هو ذلك النص الذي استطاع فعلاً أن يتخلص من قيود زمنيته الضيّقة، بعد أن استوعبها وامتص جوهرها العميق.
الصوفيون
كيف تنظر إلى تجارب الشعراء، المنصف الوهابي، الطاهر رياض وعبد القادر الحصني... إلخ، وهم يصفون بعض المواقف الصوفية في قصائدهم وأنت منهم؟
ـ تأملت كثيراً في الدراسات التي قمت بها، التجربة الصوفية، التي لا نجدها عند الشعراء الجدد هؤلاء الذين ذكرتهم فقط بل نجدها عند الشعراء الرواد، يكفي أن تلتفت إلى القصائد التي كتبها "أدونيس" على سبيل المثال والتي كتبها "عبد الوهاب البياتي"، فهذا الأخير كتب الكثير من القصائد التي استعانت بالمعجم الصوفي وعولت على المناخات الصوفية.
التصوّف في جوهره العميق رؤية دينية للعالم والأشياء، بينما نجد الشعراء المعاصرين يتعاملون مع التصوّف من حيث هو تجربة لغوية وليست كتجربة دينية، الشعر المعاصر متشبث بالأرض منغمس في الحياة، الخطاب الصوفي القديم ميتافزيقي يبحث عن الحقيقة خارج مملكة الإنسان بينما التصوّف الحديث، خطابه يتجه إلى الإنسان من خلال تجربة الذات وارتجافاتها أمام أسئلة الكون الكبرى، الحياة، الحب، الموت، فالشعراء المعاصرون لا يستعيدون التجربة الصوفية القديمة أو يكررونها... لو فعلوا ذلك لما تقدم الشعر العربي أو تطوّر... إذاً ليست هناك محاكاة هناك توظيف لأقنعة ورموز واستعارات صوفية. يمنحنا الشعر الصوفي لغة أسميتها باللغة الفردوسية وهي لغة المتصوفة التي تتميّز بطابعها الأثيري الشفاف وتلك ميزة لا نجدها في الشعر العربي على الإطلاق، الشعر الصوفي أسس لنفسه طرائق في التعبير متفرّدة وأساليب في صياغة الصورة مبتكرة ومن الضروري أن نوظف هذه الميزة ونستغلها ونطوّرها... وتجارب الشعراء الذين ذكرتهم هي تجارب مختلفة على الرغم من أنها مرتبطة بهذا الخيط الصوفي الذي ينتظمها، إذ أنه لكل شاعر صوفيته الخاصة به، فصوفية "عبد القادر الحصني" تختلف عن صوفية "الطاهر رياض" وصوفية "الطاهر رياض" تختلف عن "المنصف الوهابي" وجميعهم يختلفون عن "أدونيس".
التصوّف قد يكون واحداً لكن طريقة التوظيف والتعامل تختلف عن ذلك التراث الصوفي القديم... وهذا ما يجعل لكل شاعر من هؤلاء الشعراء صوته ولغته وحساسيته الخاصة.
اللغة الفردوسية
هل اللغة الفردوسية أو المعجم الصوفي يبرر الابتعاد عن الواقع وبالتالي يكون هذا النتاج الشعري شبه معزول عما يحدث في الواقع الصارخ بوقاحته وعنفه وفساده، كيف لكم أن تحتفظوا بشفافية الشعر وروحانيته رغم ما يجري من ضجيج وفوضى وعبثية... بمعنى آخر هل هذا هو ردكم الشعري عليه؟
ـ عندما نتحدث عن التجربة الصوفية لا يعني بحال من الأحوال إلغاء الواقع أو الإشاحة عنه وكيف للواقع أن يمحى أو يستبعد والكتابة هي لحظة حوار عميق مع الواقع، لحظة انصهار فيه. لكن الواقع كما يتبدى في القصيدة هو واقع شعري واقع رمزي، لقد تحوّل الواقع لحظة الكتابة إلى مجموعة من الكلمات والصور ولهذا يختلف الواقع من قصيدة إلى أخرى، ومن شاعر إلى آخر، عودي على سبيل المثال إلى قصيدة "مهيار الدمشقي" لـ"أدونيس" تجدي أنها تعبير عن لحظة تاريخية معيّنة أراد "أدونيس" من خلالها أن يطرح على الواقع أسئلته الكثيرة، وهي أسئلة يتداخل فيها البعد الاجتماعي بالبعد الأنطولوجي.
التجربة الثانية هي تجربة "مأساة الحلاج" التي كتبها "صلاح عبد الصبور" إذاً عندما نقرأ تلك المسرحية نجد أن السؤال الاجتماعي كان سؤالاً حاضراً وحاراً تقريباً في كل فصول المسرحية وأستخلص من ذلك أن حضور التصوّف لم يلغ السؤال الاجتماعي أو السياسي أو الحضاري بل ربما كان حضور التصوّف مناسبة لإثارة تلك الأسئلة، إن الواقع موجود وإن بدا غائماً فإنه يتسرّب في كل الصور التي يصوغها الشاعر والرموز التي يركبها، ولكن ينبغي أن نوضح أن الواقع كما يتجلى في القصائد المعاصرة يختلف اختلافاً بيناً عن الواقع في القصائد الملتزمة في الخمسينات، الواقع هنا يكون رمزياً، استعارياً، بينما يكون في القصائد الملتزمة طافياً على السطح يعلن عن نفسه بطرائقه شتى، لهذا وجب علينا أن نقرأ القصيدة المعاصرة قراءة متأنية، قراءة من يريد أن يعمق الأسئلة لا قراءة من يبحث عن إجابات موهومة، الشعر المعاصر إقامة مستمرة في السؤال. الواقع في الشعر المعاصر معقد رمزي، يحمل البعد الاستعاري الذي يجعله إشكالياً.
قارئ استثنائي
إذاً أنت تطالب بقارئ استثنائي، مثقف، ألا تخاف على الشعر بهذه الحالة أن يغدو نخبوياً بعيداً عن الناس وبالتالي ما أهمية وجوده إن بقي في برجه العاجي؟
ـ أزعم دائماً أن الشعر خطاب يتجه للمثقفين بل أذهب إلى حد القول أنه يتجه إلى نخبة المثقفين وقد كان كذلك على امتداد تاريخه الطويل، هل تعتقدين أن قصائد المتنبي كان يتفاعل معها الناس في القرن الرابع الهجري، أنا لا أتصوّر ذلك.
ولكن كان هناك دائماً الكثير من الشعراء الذين يتوجهون لهذه الجماهير بشعر بسيط وعميق في آن معاً؟
ـ أريد أن أقول إن الشعر بحاجة دائماً لثقافة ما كي يتم استيعابه بشكل جيّد كما أن الرسم يحتاج إلى ثقافة كي نستطيع أن نتفاعل معه وكذلك بقية الفنون الأخرى، الشعر الحديث بحاجة إلى هذه الخلفية الثقافية المعرفية المتطوّرة حتى يستطيع القارئ أن يفك رموزه ويستوعب صوره ويذهب بعيداً في قراءته، ولهذا أنا دائماً أجد عذراً للناس عندما يقولون الشعر الحديث المعاصر شعر غامض مغرق في رمزيته، نعم القصيدة الحديثة قصيدة غامضة لأنها قصيدة مثقفة والشاعر يكتب من خلال عشرات الكتب التي قرأها في الفلسفة والانتربولوجيا والتاريخ وكلها يستدعيها لحظة الكتابة عن وعي منه أو عن غير وعي ويعتصرها اعتصاراً كي يصنع منها صوره ورموزه، خذي على سبيل المثال محمود درويش الذي يعتبر شاعراً جماهيرياً، تأملي شعره تجديه محتشداً بالرموز والأساطير قادمة من عصور وأزمنة بعيدة فكيف لنا أن نستوعب تجربة "درويش" من غير أن ننبش في أعماق القصيدة حتى نظفر بكل تلك العناصر وأعيد وأقول ان القصيدة المعاصرة قصيدة مثقفة وتحتاج إلى متلق مثقف.
ألا تضيق مساحة مهمته التأثيرية عندما ينحصر في المثقف؟
ـ لا عندما يكون الشعر فاعلاً في المثقف والمثقف فاعلاً بدوره في المجتمع ككل فإن التأثير ينتقل، لماذا نعتبر دائماً أن المثقف معزول عن المجتمع.
التأثير
هل هذا التأثير المنتقل من وإلى قادر على التغيير، أي هل ما زلت مؤمناً أن الشعر له تأثيره التغييري بشكل عام؟
ـ نعم يؤثر، والشعر لو لم يكن ذا مكانة ما في الحياة لا نقرض منذ زمن بعيد، الشعر باق ذو أثر عميق في الحياة وفي النفس وفي المجتمع.
بشعرك المترفع عن الموجود والاتجاه نحو الخلوة الشعرية ألا تؤسس بذلك لعزلة شعرية من نوع خاص... كأن تقول: عندما رفع العاشقون مصابيحهم/ وتوالوا على بيته الحاشد/ وتنادى الرجال بأسمائه وتواصلوا بمشعله الواقد/ أبت وسط الحشود إلى خلوتي/ وبقيت وحيداً مع الواحد...؟
ـ ينبغي للشاعر أن يكون وفياً للشعر ولعل القصيدة تكون بذلك وفية للشاعر، ولهذا أنا لا أخضع في كتابتي إلى معطى خارجي واضح ومباشر، المعطيات الخارجية لا شك أنها تتسلل إلى قصيدتي وتلون نظرتي إلى العالم والأشياء، ولكن في كل الأحوال لحظة الكتابة هي تلك اللحظة التي يكون فيها الشاعر قادراً على سماع الأصوات التي تجتمع داخله وتنحدر إليه من عصور ممعنة في القدم، الشاعر في تلك اللحظة يرتد إلى كائن بدائي يصغي إلى الوجود بغرائزه وحدوسه الأولى، الكتابة لحظة انعطاف نحو طفولة الكون والكائن في آن معاً، أما إذا أخضعنا التجربة إلى عوامل خارجة عن الشعر نكون قد انحرفنا عن حقيقة الشعر، أنا مع الذين يقولون لنترك القصيدة تكتب ذاتها فلا نتدخل فيها إلا لنستضيفها داخل ديوان أو كتاب.
لا شك أنه ليس مطلوباً من الشاعر أن يبحث عن قرائه فهو ليس إعلامياً مهمته إرسال تصاريح وخطابات فهل تعتقد أن انتهاء العصر الذي كان فيه الشاعر صوت القبيلة وديوان الأمة أكثر انصافاً للشعر والشاعر... وما هي ملامح رسالته الحالية العصرية؟
ـ نعم إن انتهاء الدور القديم للشعر... أكثر انصافاً وإن بدت رسالة الشعر في عصرنا الحديث أكثر تواضعاً، الشاعر الحديث باتت رسالته الأولى التعبير عن وجع الذات، الذات من حيث هي جزء من كل، الذات في تشظيها وانشطارها وخوفها وإقبالها وترددها، الشاعر المعاصر لم يعد معتداً بذاته يتغنى بها وينشد مآثرها إنه على العكس من ذلك ينوء بها وبأوجاعها الكثيرة.
دانتيل
يقال ان شعرك نسيج من الدانتيل... كيف تغزل القصيدة مع إيقاعها الموسيقي المتدفق وهل يمكن أن نقول ان شعرك يحمل خصوصية الشعر التونسي؟
ـ قال الشاعر جوزف حرب عن شعري: عندما أستمع إلى شعرك أستعيد بالذاكرة "الموشحات الأندلسية". فكأنه وجد آصرة ما بين القصائد التي أكتب والموشحات الأندلسية، وربما كانت هذه الآصرة تتمثل في النغم والإيقاع فأنا مفتون بالموسيقى وربما كانت هي التي أفضت بي إلى الكتابة، فأنا أغني القصيدة، فالكتابة عندي ضرب من الإنشاد وأحاول أن أتعامل مع الكلمات كما لو كانت مجموعة من أنغام أو نوطات، كثيرة هي القصائد التي انبثقت من إيقاع، تبدأ بهمهمة نغمية ثم تأخذ شكل كلمات وجمل، ربما لأنني أكتب دائماً وأنا أستمع إلى الموسيقى وأعتقد أن الموسيقى من روافد الشعر الهامة، ولهذا أتألم كثيراً عندما أجد هذه الموجة الجديدة التي تريد أن تفصل الشعر عن الموسيقى. الشعر كما أراه ينطوي في ذاته على الموسيقى والرسم والدراما والمسرح وتقريباً يحتضن كل الفنون الأخرى فإذا ابتعدنا واستبعدنا جانباً من هذه الجوانب صار فقر القصيدة واضحاً.
هل للمرأة علاقة بالشعر كما هي الموسيقى عندك؟
ـ إن المرأة نغم حاضر غامر في القصائد التي كتبت، بل ربما كانت في الكثير من المناسبات المصدر الأول للقصيدة كما هو الحال في قصيدة "النشيد"، لكن المرأة عندي ليست رمزاً لعناصر أخرى أو كائنات ثانية، المرأة في قصائدي تشير إلى ذاتها وربما استعارت القصيدة صوتها وحنجرتها وبات الخطاب الشعري فضاء مؤنثاً، الحب، الشعر، الموت، تلك هي المحاور الكبرى لمطلق الشعر ولا أستثني أحداً من الشعراء، لكن المرأة قد تأخذ صوراً عديدة في القصائد التي أكتبها، الحبيبة، الأخت، الأم، ولهذا أجدني دائماً أستعير كلام "سارتر" عندما سئل لماذا تكتب؟ أجاب لأفتن النساء.
نلاحظ أن مصادر الفلسفة، الشرقية، حاضرة بقوة في قصائدك؟
ـ لا أخفيك أنني قارئ نهم للفلسفة الشرقية، أطالع باستمرار مبادئها وقيمها ونصوصها هذه الفلسفة التي تجعل من التأمل شكل حياة وطريقة وجود وربما بدا ذلك واضحاً في العديد من القصائد لتي كتبت، هذه الفلسفة هي التي جعلتني أقيم مملكتي داخل الذات ومنها أستمد فرحي وقصائدي وبهجة الأيام المقبلة.
هناك دائماً مرسل ومرسل إليه في شعرك في مرات عدة تكون أنت الاثنين معاً... من تخاطب؟ هناك إشارات لطفل فيك ترسلها باستمرار... طفل نضج دون أن يفقد براءته ودهشته تجاه الحياة والأشياء... هل أنا محقة أم هي طريقي في القراءة فقط؟
ـ نعم... ثمة مخاطب ما حاضر في القصائد التي أكتب أتوجه إليه بالقصيدة، أحاوره، وربما أسمع صوته، هذا المخاطب ليس له اسم واحد إن له كل الأسماء، ربما كان الآخر وربما كنت الآن وربما كان القارئ، الشعر ضرب من الحوار الحميم الذي يعقده الشاعر مع هذا الكائن الغامض الذي لا يمكن بأية حال أن نحدد سماته وملامحه، لكنه حاضر في القصيدة وربما أملى علي بضعة من سطورها، أما الطفولة فهي الدرع الباقية التي نحملها في وجه الموت بها نحتمي من الرتابة والكراهية والزيف فلا غرابة أن تكون محور من محاور القصيدة أستعيدها كل مرة إلى جانب محاور أخرى تنتظم القصيدة.
لماذا الشعر التونسي يكاد يكون بلا قرّاء في البلاد العربية؟
ـ هذه مسألة مرتبطة بالتوزيع أولاً وربما كانت اللقاءات الأدبية فرصة نادرة للتعريف والتعارف، وعلى هذا الأساس يمكن القول ان الشاعر التونسي أصبح ينهض بوظيفتين، وظيفة الكتابة ووظيفة التعريف بالكتابة ومع ذلك يبقى للكتاب التونسي حضور في المكتبة العربية قياساً ببلاد المغرب الأخرى.
لكن هذا الحضور تشكله الغالبية من الشعراء الذين تشكو نتاجاتهم من العيوب والسطحية، ولماذا هم المتواجدون على الساحة أكثر من غيرهم أصحاب الموهبة والتميّز؟
ـ ليس في مجال الشعر فقط، بل في مجالات عديدة كالرواية والرسم هناك أدباء يجيدون تسويق أنفسهم أكثر من غيرهم وربما أسهم الإعلام في ترسيخ أسماء دون موهبة فلفت إليها الانتباه.
***
من شعره
كم قلت
كم قلت: سأغمض يا أبت القلب فلا يصبو
وأصدّ النفس فلا تُغوى
لكني حين أرى الأرض وزخرفها
تخذلني ريحي
وأقر بأني لا أقوى
علمني الشيخ
حين علمني الشيخ يا أبتي
أن أرى الله في اللوح والورقة
أصبح القلب في صحوه غائباً
وغدت في سلاسلها الروح منعتقة.
العاشق
يا حادي الأشواق
لا وجد من بعدي أنا لواجد
فقل لمن تولهوا: إني أنا العشاق
قد جُمّعوا في واحد.
المستقبل - الخميس 13 كانون الثاني 2005