سوزان عليوان شاعرة، من أب لبناني وأم عراقية، ولدت في 1974. قضت سنوات تكونها بين الأندلس وباريس والقاهرة. صدر لها عدة كتب شعرية في طبعات خاصة ومحدودة النسخ منها: "عصفور المقهى" (1994)، "كائن اسمه الحب"(2001) و"مصباح كفيف"(2002).
* هنالك مواضيع متداولة كثيرة في الشعر، كالغربة والحرب مثلاً. في اعتقادك، كيف استطاعت سوزان عليوان طرح قصيدة غربة مغايرة وبروح قصيدة النثر التي تتسم بالعفوية؟
- أعتقد أن غربتي هي التي كتبتني شعرًا، و ليس العكس. غربة روحي أولاً، و من ثم غربة المكان و الزمان. و الغربة هنا ليست مجرد موضوع متداول في الشعر، و إنما سؤال وجود. همّ حياة و كتابة.
الدم الغريب عن نفسه هو النبع في اعتقادي، ففي عروقي مزيج بحر و نهرين: بحر بيروت، مدينة الوالد و الأجداد، و دجلة و الفرات الذين حملتهما أمي دموعاً، من العراق إلى لبنان، في عينيها الحزينتين. ثمة غربة جوهرية فرضها تكويني منذ أن كنت جنينًا. أؤمن بذلك في العمق.
كما أن الحرب التي اندلعت في وطني سنة ميلادي (عام 74) و أبعدتني عنه رغمًا عني كرّست غربة أشد قسوة و عنفًا. غربة ملموسة مُعاشة في السفر المفاجئ، في انفصال متكرر عن بيتنا و نباتاته و عصافير شرفاته، عن غرفتي البيضاء الدافئة، عن أشيائي الصغيرة الأليفة كسريري و كتبي و لعبي، عن مدرستي و رفاقي... غربة عديمة القلب و الرحمة.
غادرَتْ أسرتي جحيم لبنان بشكل نهائي إثر الاجتياح الإسرائيلي عام 82. كنت في السابعة من عمري آنذاك أحتضنُ غربتي دميةً. تنقلنا بين مدن و منافٍ حتى استقر بنا الحال في الأندلس في جنوب أسبانيا لسنوات، ثم في باريس لسنوات أخرى، ثم في القاهرة، حتى عدنا إلى لبنان، كمكان إقامة، بعد أكثر من عشرين عام من الغياب والغربة.
ذكريات طفولتي حقائب و مطارات و حجرات فنادق، أراضٍ لستُ من ترابها، ملامح بشر لا يشبهونني، لغات لا أفهمها وأتعلمها رغمًا عني لأتواصل مع الآخر. لقد عشت في الغربة أكثر مما عشت في وطني حتى أصبحت غربتي هي وطني. غربتي هي اليد التي كتبت، و لست أنا سوى قصيدتها.
بالنسبة لقصيدة النثر، فبحكم مدرستي الفرنسية، جاء اطلاعي عليها مبكرًا و تجذّر إيماني بها منذ أن كنت في البرعم فتفتحت بها. لقد أحببت بودلير و رامبو منذ نعومة روحي و وعيي. أسرتني رؤيتهما للعالم و الحياة و الشعر واخترت أن أكتب، بلغتي الأم، قصيدة النثر التي تطرح سؤال الإنسان بلا خطابة أو زخرفة. قصيدة الكائنات المهمشة، البسيطة العميقة، الخافتة الساطعة.
* يلاحظ الكثيرون الاختلاف الشاسع بين دواوينك الأولى و الأخيرة و هنالك من يفضل تجاربك الأولى لأنهم يرون أن سوزان كانت تكتب بروحها البيضاء لا بتدخل الوعي كما يرى البعض في ديوانك الأخير؟
- و أنا أيضًا ألمس اختلافًا كبيرًا ما بين مجموعتي الشعرية الأولى "عصفور المقهى" الصادرة عام 94 و مجموعتي الأحدث "لنتخيّل المشهد" و التي ما زالت تحت الطبع. هذا الاختلاف طبيعي جدًّا، بل و حتمي. و هل يعقل أن تكتب الروح المتأرجحة بين الطفولة و المراهقة كروح ابنة الثلاثين؟ لولا هذا الاختلاف، لشعرتُ و لشعر القارئ بجمود الروح و الوعي و التجربة.
و عمومًا، الاختلاف بين مجموعة و أخرى ليس شاسعًا. أنظرُ إلى تجربتي على أنها سُلّم صعدته خطوة خطوة، بلا قفزات كبيرة. السلمة الوحيدة التي أعتبر اجتيازها نقلة جاءت مع مجموعتي الرابعة "شمس مؤقتة" الصادرة عام 98. ما عدا ذلك، أرى أن التراكم هو سمة تجربتي. أما عن تفضيل البعض لأعمالي الأولى، فهذا يسعدني ولا يعيب أعمالي اللاحقة. من حق الآخر، كمتلقٍّ، أن يقيّم النص بذائقته و معاييره و مفاهيمه. ومن حقي أنا أيضًا أن أكتب بالشكل الذي يلائم روحي و وعيي وتصوّري عن الشعر، ويعبر عني. هناك من يفضّل أعمالي الأخيرة، ويرى أنها أكثر نضجًا و اتساعًا.
وهناك نقطة جوهرية أود أن أشير إليها و هي تدخل الوعي في الكتابة، الذي ذكرته في سؤالك. قصيدة النثر ليست خاطرة تكتبها روح مراهقة للتعبير عن ذاتها. هي عمل فنيّ لا يكتمل إلاّ بثنائية الوجدان و المعرفة. ثم أن هناك فرق شاسع بين الوعي و الذهنية. الوعي ينبع من المعرفة. أما الذهنية فهي ادّعاء المعرفة و تصنّعها. الوعي يُكتسب فيما الذهنية تُفتعل. الوعي في النص لا يضعفه بل
يقويه، و هو لا يتعارض مع الروح البيضاء. و هل من روح تصفو و تشفّ، أصلاً، في غياب الوعي؟
مجموعاتي الشعرية تعكس مراحلها و تعكسني روحًا و وعيًا من خلال هذه المراحل. نحن نكبر في نصوصنا كما في أجسادنا و مرايانا. الشعر كائن حيّ يتطوّر و يتغير ليبقى حيًّا.
* أجد في قصائدك تكرارًا لمفردات معينة مثل فراشة، أطفال، عتمة إلى آخره. هل تعتقدين أن الشاعر يحتاج إلى تجديد لغته من وقت لآخر؟ أم أن بمقداره الاكتفاء بطرح مشاهد شعرية مكثفة و جديدة؟
- لماذا كان فان غوخ، التائه في عتمات وحدته و جنونه، يضيء معظم لوحاته باللون الأصفر؟ الأصفر حقلاً. الأصفر زهرةَ عبّاد شمس. الأصفر كرسيًّا يضع عليه غليونه. و لماذا كان بورخيس الكفيف مهووسًا بالكتابة عن المرايا و الدهاليز؟
و لماذا كنتُ، في طفولتي، أحب النخلة النحيلة المكابرة دونًا عن بقية الأشجار؟ مع أن "ملكة الليل" كانت أجمل بتيجانها البيضاء و عطرها الساحر و ظلالها التي تشبه ثوبًا شفيفًا يتطاير مع الريح! كنت أحب النخلة أكثر... النخلة التي تشبه أمي، الشجرة القاسية ذات الحنان المُسكّر.
لكل إنسان رؤية و ذائقة و ذاكرة يتميّز بهم عن الآخرين. تمامًا كبصمات الأصابع.
و لكل شاعر قاموسه الخاص المتكوّن من مفردات تلامس روحه و حواسه و أفكاره بوقعها و دلالاتها دون سواها. مفردات تلائم وجدانه، وعيه، تصوّره عن ذاته و عن العالم حوله. هذا الانتقاء للكلمات جزء لا يتجزأ عن عملية الإبداع، فاللغة أداة الشاعر الأساسية.
بين كلماتي و بيني علاقة قديمة و حميمة. منذ طفولتي و أنا مسحورة بالكلمات. أحب أن أجلس معها، أن أصفّها أمامي حبرًا على ورق، لأتأمّلها و أشرد في إيقاعها على مستوى السمع و في احتمالاتها على مستوى المعنى. تدهشني دائمًا قدرة الكلمة على إحالة الرمز الجامد إلى كائن حيّ. و كثيرًا ما أقارن بين كلمة و مرادفها لأضع يدي على الفارق الذي يجعلهما كلمتين مختلفتين. هناك "عتمة" و "ظلمة" مثلاً. العتمة تحيلني إلى الليل العميق، إلى السواد المجهول. أما "ظلمة"، المشتقة من "ظلم"، فلها دلالة أخرى و وقع آخر. كما أن لحرف "العين" وقع آخر غير حرف "الظاد". إلى هذا الحد، أنا مولعة بالحروف و الكلمات و اللغة. يحلو لي أيضًا أن أقارن بين الكلمات في اللهجات و اللغات المختلفة، لأتقرب أكثر من الكلمات، هذه الكائنات اللامحدودة في طاقاتها رغم أحجامها الضئيلة.
سألتني عن بعض مفرداتي: فراشة، أطفال، عتمة. هي كلمات تشبهني و تصنع في سياق نصي عالمي الشعري. كلمة "فراشة" لم ترد كثيرًا في مجموعاتي. كلمة "ملاك"، مثلاً، وردت أكثر، خاصة في أعمالي الأولى. للملاك دلالاته و للفراشة دلالاتها. الملاك يصل السماء بالأرض بجناحيه المضيئين. الفراشة تصل الأزهار ببعضها البعض بجناحيها الملوّنين. الطائر و العصفور، أيضًا، أوظفهما في النص بشكلين مختلفين، فالعصفور عصفور. أما الطائر فقد يكون عصفورًا و قد يكون صقرًا و قد يكون العنقاء!
الشاعر يحتاج أن يتعمق في اللغة بشكل عام و في لغته بشكل خاص. عليه أن يسخّر الكلمات، بحنان و حزم، في سبيل المعنى و أن يتعامل مع المفردات بمنطق الفارس و الخيول. اللغة، بطبيعتها، جامحة و أقوى من أي شاعر في العالم. الحيلة الوحيدة لإخضاع قدراتها الهائلة لرغباته المحددة هي ترويضها.
في مجموعتي الجديدة "لنتخيّل المشهد"، ملتُ إلى التجديد في لغتي من حيث المفردات و دلالاتها و سعيت إلى تحويل الشيء الجامد إلى كائن حيّ من خلال التشبيه المعكوس، حيث السرير ينام و يحلم و للخزانة أقدام تنتعل الجوارب المهملة و الكنبة تشاهد الرسوم المتحرّكة و تتثاءب كشخص في غرفة جلوس. اللغة بالنسبة لي وسيلة لإحياء الجماد و ليست انعكاسات جامدة للحياة. اللغة حياة أخرى. هكذا أراها و أتعامل و أتفاعل معها، و من هذا المنطلق تتجدد اللغة فيّ و في تجربتي باستمرار سواء بدخول بعض المفردات الجديدة إلى قاموسي أو باتخاذ المفردات ذاتها سياقات و دلالات مغايرة.
* كيف تقيمين تجربة جيل قصيدة النثر الذي عايشته عن قرب في لبنان و مصر؟
- لستُ مؤهلة لتقييم تجارب الآخرين. لا امتلك أدوات النقد، كما أنني إحدى هذه التجارب. بمعنى أنني لا أقف على الضفة لأصف النهر بل أنني واحدة من أسماكه و ليست قصائدي سوى بعض مراكبه الورقية. ولكن بشكل عام، أستطيع أن أقول أن قصيدة النثر في العالم العربي لم تقدّم حتى الآن المأمول منها و المفترض من طاقاتها الواسعة. ما زلت، مقارنةً بقصيدة النثر في أماكن أخرى من العالم، ضعيفة و مهزوزة. ثمة تجارب جميلة و مهمة، كتجربة الشاعر الراحل رياض الصالح الحسين من سوريا. هناك أيضًا تجربة الشاعر وديع سعادة من لبنان و تجربة الشاعر عماد أبو صالح من مصر.
* ماذا أخذت سوزان من إقامتها في إسبانيا و باريس و مصر؟
- خرجتُ من تجربة إقامتي في الخارج بهويّة متعددة، اكتسبتها من تفاعلي مع هذه الثقافات الأخرى. كما أنني تعلمت في الوقت ذاته كيف أحافظ على هويّتي و جذوري و على لغتي الأم. أقصد بالخارج جنوب إسبانيا و باريس حيث أمضيت معظم سنوات طفولتي و مراهقتي. كنت أشبه بالرئة التي تتفتح لتتنشق الهواء ثم تنغلق على ذاتها ليكتمل التنفس.
في الأندلس، اكتسبت اللغة الأسبانية و تعرّفت عن قرب على شِعر لوركا و رسوماته. من ذكرياتي في تلك الأرض، شجرة زيتون زرعتها غرسةً صغيرة و نمت مع الوقت في حديقة بيتنا حتى أصبحت أكبر مني! هناك، توطدت علاقتي بالشمس و البحر و الخيول. في ظل النخيل و تحت نور النجوم، كتبت أول أشعاري. و رغم سني الصغير آنذاك، أدركت أن اللغة هي الوطن.
غربتي في باريس كانت أكثر عمقًا و ألمًا، فالشوارع الرمادية ليست حقول برتقال و الباريسيون بمعاطفهم القاتمة يشبهون الخفافيش أكثر من النوارس و المطر المتواصل سماء تتساقط دموعًا على أرصفة شاحبة. في باريس، كنت أشعر بحنين دائم إلى الدفء فكنت بالتالي أقترب من الشعر أكثر فأكثر. كنت أقرأ بنهم كبير و أكتب بغزارة و أحلم باستمرار. و كنت أنشر أشعاري في "بريد القراء" في المجلات العربية الصادرة من الخارج.
القاهرة هي المدينة التي نقلتني، بمنتهى الحنان، من الطفولة و المراهقة إلى النضج كإنسانة و كشاعرة. معرفتي الأولى بالوسط الثقافي كانت هناك، و كذلك إصداري لمجموعاتي الشعرية من "عصفور المقهى" إلى "ما من يد". أخذتُ من القاهرة الكثير، الكثير جدًّا. فهي المدينة الوحيدة، طوال سنوات غربتي، التي أعطت بلا مقابل. و هي كذلك المدينة الوحيدة التي لم أشعر على أرضها و بين ناسها بغربة.
* كيف تجدين النشر في الصفحات الثقافية العربية؟ و هل تتفقين مع من يصف هذه الصفحات بالذكورية؟
- لا يستهويني نشر نصوصي في الصفحات الثقافية في الجرائد و المجلات أو في منتديات الإنترنت. بل أن أغلب ما نُشر لي أخذه الآخرون من مجموعاتي و من موقعي. النصوص التي نشرتها بنفسي قليلة جدًّا. أتحدث هنا عن المرحلة اللاحقة لمرحلة النشر في "بريد القراء" في بداياتي المبكرة. منذ منتصف التسعينات، أي بعد صدور مجموعتي الشعرية الأولى، و أنا أحب أن تخرج قصائدي من شرانقها إلى النور في مجموعة شعريّة ذات وحدة بناء و تسلسل و أبعاد و أعماق. الشعر يمثّل لي مشروعًا متكاملاً من حيث الشكل و المضمون.
ولا أتفّق مع من يصف هذه الصفحات بالذكورية، و إن كنت ألاحظ أنها تتسم بالشللية. فالمسؤول عن صفحة ثقافية ما ينشر عادةً أعمال أصدقائه ومعارفه ومن تربطه بهم مصالح معيّنة، كالنشر له في صفحاتهم أو دعوته إلى مهرجان ما أو عرض أعماله للترجمة... إلى آخره. هذا ما أسمعه باستمرار و ألمسه في بعض الحالات. أما الذكورية، هذه التهمة الشائعة في ثقافتنا، فأعتقد أنها غير دقيقة و مفتعلة هنا.
* سوزان من الأسماء التي ترفض النشر في دار معينة لمعارضتها لفكرة تدخل المؤسسة في انتشار الإبداع. كيف تحدثينا عن ذلك؟ ألا ترين أنه يجعل مسألة وصول الآخر لما تكتبينه صعبًا؟ فمثلاً لا يستخدم كل القراء الإنترنت للإطلاع على التجارب الشعرية.
- اعتدتُ، منذ مجموعتي الشعرية الأولى، على إعداد كتبي بنفسي. ترتيب القصائد في تسلسل معيّن، اختيار العنوان النهائي للكتاب من بين مجموعة عناوين مبدئية، انتقاء لوحة الغلاف، تصميم الغلاف والإخراج الداخلي... اعتدتُ، منذ البداية، على الاعتناء بجميع هذه التفاصيل الصغيرة بمفردي. في مجموعتيّ "مخبأ الملائكة" و"لا أشبه أحدًا"، أهداني صديقي الشاعر والفنان الجميل مجدي نجيب لوحتيّ الغلاف والرسومات الداخلية وقام بتصميم المجموعتين. في "مصباح كفيف"، استعنتُ بالصديق الفنان عمر حرقوص في تنفيذ الغلاف والإخراج الداخلي للكتاب. كما أنّني أستشير أحيانًا أصدقائي المقربين، سواء من الوسط الثقافي أو من خارجه، في بعض الأمور، و لكن الكتاب يخرج إلى النور والناس برؤيتي وذائقتي وقناعاتي لإيماني بأن النشر لا ينفصل عن عملية الإبداع وأن الإبداع مشروع فردي يعكس رؤية صاحبه في كل تفاصيله. أحب أن تكون كتبي من صنعي من الألف إلى الياء، أن تشبه روحي و وعيي و قصائدي و رسوماتي وأحلامي. كتبي فراشات صغيرة جدًّا لا تحتمل، فيما تتشكّل وتتحوّل داخل شرانقها، أي تدخل من العالم الخارجي في تكوينها و تطوّرها. أجنحتها أرهف وأضعف من أن تحمل شعار دار نشر!
بالإضافة إلى أنني أرى أن دور النشر الخاصة تتاجر بالثقافة والأدب، فهي تتقاضى مبلغًا كبيرًا (أكبر من نفقات الإعداد و التنفيذ و الطباعة) من المؤلف ثم تبيع الكتاب بسعر مرتفع للقارئ لتكسب ماديًّا من الجهتين تحت شعارات خادعة.
أما دور النشر الحكومية، فأنا أرفضها لكونها مؤسسات حكومية تعبر عن حكوماتها باسم الثقافة و الأدب أيضًا. كيف أطل على القارئ بقصيدة تسعى لطرح سؤال إنساني حر عبر منبر يسعى للربح المادي فقط كدار النشر الخاصة أو عبر منبر ينتمي إلى إحدى الحكومات العربية المعادية للإنسان و الشعر؟ لو فعلت ذلك، لما شعرت أنني أشبه نفسي.
أما بالنسبة لصعوبة وصول الآخر إلى نصي، فهذا مأزق لا تلغيه الاستعانة بدار نشر، سواء الخاصة أو الحكومية، و التي توزع دواوين الشعر - و خاصة قصيدة النثر - في أعداد محدودة و في أماكن محددة.
قارئ قصيدة النثر في العالم العربي يدرك صعوبة العثور عليها، وإن أراد الوصول إليها يجدها. على ذكر الإنترنت، أنا لا أصدر مجموعاتي في موقعي على الشبكة فحسب. بل أنني أصدرت معظم مجموعاتي قبل أن أنشئ موقعي، وأغلبية قرائي تعرف نصي قبل انتشار ثقافة الإنترنت و مواقع الشعراء في هذا الفضاء الافتراضي. www.suzanne-alaywan.com
منذ عام 94 و مجموعاتي تطبع حبرًا على ورق في كتب صغيرة أوزّعها بنفسي و عبر البريد كهدايا على الأصدقاء و الناس. كما أن بعض مكتبات القاهرة و بيروت تعرض مجموعاتي الأخيرة للبيع في أعداد قليلة و خجولة على رفوفها.
لا أعوّل على موقعي (الذي لم يتجاوز عمره الثلاث سنوات فيما مجموعتي الشعرية الأولى صدرت منذ عشر سنوات) بقدر ما أعوّل على نسخة واحدة من مجموعة شعرية أهديتها إلى صديق أو صديقة في مدينة بعيدة و تناقلتها فيما بعد الأكف و الأرواح.
أنا لا أطمح بوصول نصي إلى أكبر عدد من القراء بقدر ما أحلم بوصوله إلى قارئ واحد يتفاعل مع النص بصدق و جدية و يحييه بقراءة راقية عميقة. التوزيع لا يعنيني على الإطلاق. ما أسعى إلى تكريسه عبر كتابتي و طريقتي في نشر هذه الكتابة الخافتة هو المعنى، فهو كل ما يتبقى.
إيلاف
السبت 12 يونيو 2004 05:34
أقرأ أيضاً: