جريدة (الخليج) الشارقة :

كريم رضييعتبر الشاعر البحريني كريم رضي احد الشعراء الشباب العصاميين في البحرين، ومن الذين شقّوا لأنفسهم درباً في مشهد الثقافة البحرينية منذ عقدين من الزمن، فقد استطاع هذا الشاعر ان يصل إلى محطة شعرية متميزة تحاول وبكل صبر الخروج من التصنيفات أو على الأقل هذا ما يريده كريم رضي لنفسه، فهو شاعر حداثي، وما بعد حداثي، وهو في الآن نفسه تقليدي.

وعلى الرغم من كون تجربة الشاعر كريم رضي تعود إلى بدايات الثمانينات من القرن الماضي، فإنها لم تتبلور إلا في عقد التسعينات، لذلك فهو بمعنى من المعاني شاعر تسعيني أسوة بأقرانه من هذا الجيل، وهو يغرد خارج السرب سواء على صعيد فهمه لقضية الشعر على الصعيد الذاتي والموضوعي أو فهمه لتجارب الشعر على صعيد المجموعة /الجيل الذي ينتمي إليه، جيل التسعينات من الشعراء البحرينيين.

ولأنه صاحب تجربة إبداعية ربما لها خصوصيتها، وصاحب موقف من الحركة الشعرية، عموما والتسعينية خصوصا، كان لنا هذا اللقاء الذي أبدى فيه كثيرا من الملاحظات وطرح العديد من الأفكار حول تجربة الجيل التسعيني والأجيال التي سبقته:

* ما موقعك كشاعر في جيل الشعراء التسعينيين كما أسميته؟

صنّفت نفسي من خلال المداخلة التي عقدت مؤخرا في أسرة الأدباء والكتّاب، وضمن ندوة شعراء التسعينات. والملاحظ إنني سنة 1984 نشرت بعض القصائد ولكنني حسبت نفسي على الجيل التسعيني باعتبار أن تجربتي الشعرية لم تتكرس إلا مع عقد التسعينات. أما بالنسبة لما تمثله نصوصي الشعرية في هذا الجيل، فالأمر متروك للنقاد في هذه الحال.

* أجد ان تجربتك الشعرية يمكن أن تصنف على إنها ما بعد حداثية، في حين انك وصفت أبناء جيلك وأنت منهم إنهم ليسوا حداثيين؟

ما عاد يهمني ان يقال عني حداثي، أو ما بعد حداثي، وأعتقد ان ثمة مشكلة في مثل هذه التصنيفات.
وفي البيان الذي ألقيته حول شعراء التسعينات سخرت من هذه التصنيفات.
على سبيل المثال هناك من جيل السبعينات من هم نقاد، ومن هم شعراء. وهناك من يصنف هذا الجيل التسعيني بأنه جيل لا حداثي، بمعنى أنه ما قبل حداثي، ومشكلة هذا الجيل اتهامه دوماً بأنه ليس حداثياً من قبل الحداثيين أو التيار الطليعي، ومشكلة هذا الجيل أيضا انه لم يخرج من المرحلة الحداثية التي بدأت مع جيل السبعينات فهو غارق في هذه المرحلة التي تميزت بنبرة الصوت العالية.
ولكن ماذا تطرح ما بعد الحداثة؟ تطرح ان اللغة التي تتعامل معها ليست هي فقط أداة وإنما هي محل اشتغال، فالحداثة في بداياتها تميزت بالثقة الكبيرة بهذه اللغة، في حين أن ما بعد الحداثة تطرح التجاور بين الأشكال، ولم يعد هناك من يقول ان شكل التفعيلة حداثي والعمودي غير حداثي. اليوم البعض يصف المتنبي بأنه الحداثي الأول في الشعر العربي.

* فما الحداثة إذاً؟

بمعنى آخر ان ما بعد الحداثة هو إسقاط لكل هذه التصنيفات

* لماذا وضعت الشاعر حسين السماهيجي عندما صنفت جيل شعراء التسعينات في كفة وبقية شعراء المجموعة في كفة أخرى؟

أولاً أريد ان أشير هنا إلى أنني في تصنيفي هذا تعرضت للمزيد من اللوم، فأنا لم أتحدث عن السماهيجي من حيث تقييمي لنصوصه، ومن يقرأ بياني الشعري يلحظ أن هجومي على السماهيجي ربما يكون أشد.
وأنا قلت ان السماهيجي من حيث الكم هو الأغزر شعرياً في مجموعتنا، وهو كتب العمود والتفعيلة، وهو يكتب قصيدة النثر وتأثر بالمتصوفة ووظف الأسطورة في بعض تجاربه الشعرية، وأنا تحدثت في هذا السياق عن الآليات التي يصدر عنها نص السماهيجي ولم أتحدث عن النص نفسه، هذا المحيط وهذه البيئة الثقافية يمتازان بالغنى، وأؤكد هنا تمسكي بأن السماهيجي يأتي في مقدمة هذا الجيل.

ملامح جيل التسعينات

* ما الخصائص أو المميزات التي تحدد ملامح الجيل التسعيني مقارنة بالجيل السابق؟

لا توجد لهذا الجيل خصائص مشتركة لأنه لم يأت في إطار موجة، بل جاء في سياق تهدم الموجات وانهيار الإيديولوجيات وتفجر المعارف والنظريات. إلا إنني في الحقيقة كنت أبحث عن سؤال ما هو المشترك لهذا الجيل الشعري سؤال بالنسبة لي هو مغلق. وما هو مشترك في هذا الجيل من الشعراء هو محاولته التلبس بالثوب السبعيني، ولم يحاول ان يخرج منه على الرغم من التفاوت بين الجيلين السبعيني والتسعيني.

* أشرت من قبل إلى ضرورة خروج أي نص إبداعي من قلب الواقع، فكيف تتمثل بعض التجارب الشعرية هذا الواقع؟

نعم، أنا هنا أتحدث عن الواقع الثقافي وكيفية تمثلات هذا الواقع سواء كانت شعرية أو غير ذلك.
وعلى سبيل المثال مازال الوطن والكتابة عن الوطن يمثلان حالة نسمع بها في الأغاني المناسبية والوطنية. بينما مفهوم الوطن الآن مفتوح على إشكاليات جديدة وعديدة أو بالعكس ان الشعراء يطرحون اليوم ان وطن الإنسان هو العالم.
هذا الجيل من المفترض وكما وصفته أنت أنه جيل بلا قضية لكنه على صعيد النص يمسك بتيمات وقضايا معينة ويدور حولها. خذ مثلا علي الستراوي وقريته، فمفهوم القرية عند هذا الشاعر لا يزال هو معنى القرية الجميلة أو الفردوس المفقود، وهي في الحقيقة لم تعد كذلك، فقد كنا في القرية، وهي ليست كما يصورها الستراوي.

جيل بلا قضية

* ألا تعتقد ان تباين التجارب في الجيل التسعيني يعود إلى انه بلا قضية؟

تماماً، إن أجمل ما في التجربة الشعرية هي ان تكون تعبيرا عن الذات، وإلا فلن نصل إلى التعددية، فإذا افترضنا ان التجربة الشعرية هي تعبير عن ذات جمعية، كما كانت التجربة السبعينية في بعض صورها مع التقدير لبعض الإضاءات، نجد ان التجربة التسعينية أتيحت لها فرصة لأن هذا الانهيار في البُنى الثقافية من شأنه ان يخرج بهذه التجربة بتعددية وبتشظيات متنوعة تتعاطى مع الأبعاد الإنسانية والمعرفية، ولكن هذا لم يحصل. بالعكس كل تجربة تأتي من خصائص الذات، وتنفتح على البعد الإنساني سيضيف إليها تعددية جميلة.
وطرحت ذات مرة ان هذا الجيل هو خارج الإكراه الإيديولوجي.

* طالما هناك جيل سبعيني وثمانيني وتسعيني كما أسميت ما العلاقة بين هذه الأجيال؟

ليس التواصل هو المشكلة: هنا تحضرني جملة لماركس وهي قوله: "إننا لا نستطيع ان نفصل بين مراحل التطور الاقتصادي والاجتماعي إلا إذا استطعنا ان نفصل بين مراحل التطور الجيولوجي للأرض". ويقول: ان في كل طبقة من طبقات الأرض تجد مكونات الطبقة السابقة وأنا هنا أرغب في استخدام حب الأب بدلاً من قتله والمعروف ان الأب يرغب في أن يكون ابنه أحسن منه، وأنا أريد من ابني ان يحقق ما لم أحققه، والمطلوب هو المزيد من الإخلاص لهذا الأب عبر أن تكون شيئا آخر.

* ما توقعاتك لآفاق الجيل التسعيني؟

أشعر ان الندوة الأخيرة في أسرة الأدباء والكتاب قد أسست لقطيعة لما سبقها، وأنا أشعر الآن أن هناك حراكاً بعد هذه الندوة. ولا أريد ان أعطي هذه الندوة أكثر مما تستحق، وقد كنا في هذه الندوة صريحين أكثر من اللازم، وربما قسونا أو ظلمنا، وأتمنى انطلاقا من هذه الندوة ان يبدأ هذا الجيل في مساءلة نصه ونفسه والشيء المحزن في هذا السياق بالنسبة لي ان الأشخاص الذين عارضوا ورقتي أو بياني لم تكن بينهم روح جماعية، وبهذا يثبتون انه لا يوجد بينهم تضامن معنوي، ليس داخل القصيدة بل حتى خارجها، أما الشيء الثاني الذي أحزنني كان من المفترض ان هذه "الندوة/الورقة" تستغل من أجل ان يساعد الإنسان نصه ويقف الشاعر أمام نصه ويضعه تحت المساءلة لا أن يجعل نصه خلفه ويقوم بالدفاع عنه.

* ماذا عن تجربة شعراء السبعينات والثمانينات في البحرين؟

لم يبق من السبعينيين غير قاسم حداد الذي لم يعد سبعينياً ولم يعد ثمانينياً ولم يعد تسعينياً، فهو منفتح على كل الأزمنة.
وبالنسبة لشعراء جيل الثمانينات إشكاليته انه جاء في فترة استطاع في بعض تجاربه ان يتحرر من ربقة جيل السبعينات أكثر من تحرر جيل التسعينات، ولكن الجيل الثمانيني استطاع ان يتقدم أكثر. فلو تناولت تجربة الشاعر احمد مدن، وعلى الرغم من إنها تجربة "بخيلة" أقصد بخيلة نشراً وكريمة إبداعاً، نجد ان أحمد مدن في إبداعه كان متألقا، وإذا أخذنا تجربة الشاعر أحمد العجمي، خصوصا في دواوينه الأخيرة، نجد لديه نوعا من المفارقة في انتقالاته الشعرية، أما بالنسبة للشاعرة فوزية السندي، فأنت عندما تقرأ مجموعتها الشعرية تشعر وكأنك تقرأ قصيدة واحدة وأتوقع ماذا ستكتب هذه الشاعرة قبل أن أفتح ديوانها، وهناك عالم محدد لم تستطع تجاوزه.

* ما مشروعاتك الإبداعية والنشرية الآن؟

أنا الآن أقدم ديواني لإدارة الثقافة ضمن برنامج النشر المشترك، وهذا المشروع هو تقدمي على صعيد الثقافة في البحرين، وقد كان منتظرا منذ فترة طويلة.
وفي اللقاء الأخير الذي أقامته وزارة الإعلام لمجموع المؤلفين الذي أصدروا أو سيصدرون كتباً أخذت الوزارة ببعض آرائهم، وصدر لي كتاب قبل هذا مشترك مع عبدالله جناحي وفهد حسين وجعفر حسن، اسمه "نص في غابة التأويل".

جريدة الخليج -الشارقة
05-08-2003


إقرأ أيضاً: