والمرأة بالنسبة لنا ليست سوى جسد

حاورتها: سمر الحلو

فاطمة ناعوتشاعرةٌ ومترجمةٌ وناقدة. ثلاثُ صفات نادرًا ما تتمايز بها الكاتبات في الجيل الحالي. خاصة إذا ما قُدّر لصاحبتها أن تعطي الثلاث إخلاصا مضاعفًا ذا ذائقة استثنائية. فتترجم الشعر وتنقده من منطلق شعريّ لتصل إلى حدود المشترك الإبداعي مهما اختلفت اللغات. هذا المشترك هو تحديدا ما تبحث عنه فاطمة ناعوت شعريًّا أو نقديا أو عبر الترجمة. فهي الموزعة بين تلك النواحي الإبداعية الثلاث تعمّق يوما بعد يوم تجربة خفائية خاصة ذات ذائقة استثنائية.
روزا اليوسف في حوار جرئ تتحدث معها عن الحب والحياة، عن الإبداع والنقد، وأخيرا عن الخلل في اصطلاح الرجل والمرأة المبدعة.

* حدثينا عن تجربتك الأدبية، كيف اكتشفت موهبتك الشعرية؟ وبمن تأثرت من الشعراء؟

وعيت مدلول الشعر، كفكرةٍ، حين حكى لي أبي قصة مريم العذراء وعيسى وحديثه في المهد. كنت في الخامسة ربما فبدأت أفكر كيف يتكون الجمال عن طريق هدم المنطق وخرق قانون الطبيعة. ربما وقتها استوعبت شيئا عن الميتافيزيقا التي تحيط بنا وكيف يحاول الشعراء القبض عليها في أشعارهم. كان لي جدٌّ استشف ولعي باللغة والشعر فكان أن منحني كتاب الأغاني وبدأ يعلمني كيف أقرأ، فالقراءة فنٌّ، وحين بلغت العاشرة أصيب هذا الجد بالعمى إثر سقوطه من مصعد بناية عمله، وبدأت آخذ دور عينيه. كنا نستهل حصة القراءة بقصيدة من الشعر الجاهلي (لا أحب هذه الكلمة وأفضل عليها عبارة "شعر ما قبل الإسلام" أو شعر الوثنيين، إذ أيُّ جهالة في هذا الكنز الثري؟!!!)، أو إحدى قصائد الشعر المهجري أو الشوقيات الخ. هذا عن دخولي عالم الشعر كمتلقية، أما كتاباتي الأولى فكانت محض "نزارية"، ولم أستطع أن أنفلت من عباءة نزار قباني إلا بعد ثلاث سنوات من الكتابة. بعدها ربما بدأ يتكون صوتي الخاص. أما من أثرّوا فيّ فكثيرون، أولهم جبران، الذي مازلت أقرأ له "النبي" بذات الدهشة التي اعتمرتني إثر قراءتي الأولى له، وناجي وعبد الصبور وشكسبير وملتون وغيرهم. كل واحد من هؤلاء "الآباء" رمى رميةً في جعبتي أغنت مكوني المعرفيّ.

* ماذا تعني الحرية الإبداعية لديكِ؟

أن أصنع من أوراق قصائدي أجنحةً لأطير.

* في رأيك، هل هناك تركيبة خاصة ينبغي أن يكون عليها المبدع؟

المبدع هو بالضرورة كائن متمرد. المتماهون مع الوجود لا يبدعون، إنهم يمعنون في الحياة ويعبون منها وحسب. برأيي تبدأ العملية الإبداعية من إدراك أن ثمة خطأ ما يجب إصلاحه. بعد هذا المنطلق الأوليّ تتباين طرائق الإبداع كلٌّ حسب أدواته. قد ترسم لوحةً تخلق فيها عالما مغايرًا، أو تكتب قصيدة تغير بها الكون، أو تقوم بثورة ما تصنع منعطفا في حركة التاريخ. ألا تعتبرين جيفارا وماركس وغاندي مبدعين؟

* كتابتكِ تتأمل الوجوديّ والإنساني، أكثر مما تعتمد على العاطفة نحو الرجل، وتنحو نحوًا ذهنيًّا، تعليقك.

تنطلق كتابات كلِّ شاعر من همّه الأكبر أو همومه التي تؤرقه وتشكّل شاغله الأساسي. وأنا تشغلني محنة الإنسان وشرط وجوده: فكرة خلقه، مدى استحقاقيته الحياة، جدلية الوجود مع الإنسان، معنى الحياة ذاتها، مفهوم الزمن، حدس اللحظة، إلى آخر هذه الموضوعات التي لم أزل أبحث عن إجابات لها مثل بشر كثيرين. ولأن الشعر سؤالٌ وليس جوابًا فقد ظهر كل ما سبق في كتاباتي بوجه عام، بل وفي حواراتي مع أصدقائي ومع نفسي. أما عن العاطفة بين المرأة والرجل فلم تأسر فكري كلَّ الوقت، وإن لم تخلُ قصائدي من تناولها خاصة في ديواني الأخير، غير إنها احتلّت منه مكانةً تناسب حجمها من همي. النحو الذهني الذي وسمتِ تجربتي به لا أعده مثلبةً، ولا ميزة، في الشعر، فكل نشاط بشريّ لا يتم إلا عبر ذهن وفكر ولو ضمنيّ غير مباشر مثلما في الغريزة وردود الفعل الانعكاسية. المحكُّ هو كيف نصوغ ما يعتمل في أذهاننا على نحو فنيًّ رفيع. أما سبب ذلك فلم يشغلني التفكّر به وإن كنت أظن أن طبيعة دراستي العلمية (الهندسة) بما تحويه من علوم كالفيزياء والرياضيات والمنطق الرياضي وعلم الذرة الخ، وتزكيتها بالعلوم الإنسانية من قراءاتي في الفلسفة والتاريخ والسوسيولوجيا والآنثروبولجيا الخ قد عقّد سؤالي نحو الحياة ومن ثم تجلى في قصيدتي.

* ما هي طقوس الكتابة عند فاطمة ناعوت؟ ومتى سوف تتوقفين عن كتابة الشعر؟

الكتابة بالنسبة إلىّ – وأظنها بالنسبة إلى جلِّ الشعراء – عنصر اتزان ومفردة حياة، ولذا فهي غاية ووسيلة في الوقت ذاته. فالرحلة عبر النص تشبه التواصل الصوفي مع الذات الأعلى. الطريق هو هدف في ذاته ليغدو الهدف طريقًا من جديد إلى غير منتهى سوى الحلول، حلول الشاعر في الحرف وحلول الحرف في الشاعر. أكتب عادةً في الليل حيث السكون والوحدة, ولا تعطيني القصيدة نفسها إلا عبر هذه الشروط الثلاثة، لو غاب أحدها تظل الجملة الأولى والحال الشعرية تحوّمان في رأسي محض تهاويم إلى أن تجد القصيدة أسباب تخلّقها.

* خلال خمس سنوات أصدرت في الشعر أربعة دواوين، وأربعة كتب في الترجمة، برأيك هل ثمة ما يميز الكتابة النسوية وهل هناك هجوم على المرأة الكاتبة بشكل خاص سيما إذا كانت غزيرة الإنتاج؟

تمنيت ألا أقع في الإجابات النمطية بشأن موقف العالم من المرأة المبدعة فأقول لك ألا نوع محددًا للعقل البشري إلى آخر هذا الكلام الجميل، لكن بكل أسف نعم، ثمة موقفٌ ضدٌّ يترصد المرأة بوجه عام في مجتمعاتنا العربية. لكنه من أسف ليس موقفًا ضد ما تكتب، وإلا لمسَّ الأمرَ مسٌّ من النقد. لكن الشاهدَ أن الموقفَ هو ضدُّ تحققها ونجاحها إن حدث. نوع المرأة سيكون ضد مشروعها الإبداعي على طول الخط. لو نجحت سيُفسَّر ذلك، من قِبل السطحيين، بأن أنوثتها كان جواز المرور، وبعض النقاد – من غير ذوي البأس – سيتحاشون الكتابة عنها خوفًا من رميهم بما لا يحبون. وإن فشلت فهذا طبيعيٌّ بوصفها كائنا ناقص العقل. المرأة خاسرة طوال الوقت ولذا فالحكم على تجربتها أظنه يجيء في زمن لاحق بعد موتها.

* يقول د. صلاح فضل: إن فاطمة ناعوت تمتلك معجما لغويًّا علميًّا جديدًا طوعته لصالح الشعر. ما تأثير دراستك الهندسة على شعرك؟

دراستي العلمية أثْرَت مساحاتِ التأمل الشعري لدي. دراستي لعمارات الحضارات القديمة التي أنشأها الإنسان القديم فوق الأرض علمتني أن للذهن البشري طاقاتٍ خياليةً وإبداعية مهولة. عمارة السومريين والفراعنة وبابل والصين وحضرموت وغيرها، أشياءٌ مثيرة للدهشة. عرفت وقتها أن الخيال أوسع من الوجود، وأن بداخل كل عقل بشري عوالمَ رباعية وخماسية ... الأبعاد. الإنسان يحمل في عقله، الذي لا يزيد عن قبضة يد، آفاقا لا حدود لأبعادها. دراستي للفيزياء علمتني أن تشريح النواة بمداراتها وإلكتروناتها وبروتوناتها يتطابق مع الكون المترامي بمجرّاته ومجموعاته الشمسية والنجمية. إذًا في حبة الرمل الصغيرة ملايين الأكوان والوجودات. نظريات الهندسة وطرائق تحليلها وإثباتها ذكرتني بعلم المنطق والفلسفة وذكرتني بمحاورات أفلاطون التوليدية وجدل سقراط مع تلاميذه. أما نظريتيْ النسبية لأينشتين فقد قلبت حساباتي كلها وحقنتني بجرثومة التأمل الدائم وعدم قبول أية مسلّمة مهما كانت لأن ما نراه لا يمت للحقيقية بأية صلة. كل الأمور والمعارف التي مرت بي أكدت حقيقة واحدة: أن الكون واحد ومتعدد، والمعرفة واحدة ومتعددة. ثم يأتي الشعر ليمثل تاج المعارف الإنسانية جميعها، المعرفة التي تعي المنطق كي تحطمه، وتسن القانون كي تخترقه. يأتي الشعر ليسمح لنا بمصالحة العالم على كل ما يحمل من جمال وقبح وعجائبية، ويسمح لنا أن نصالح ذواتنا بكل ما فيها من انقسامات.

* الذهنية التجريدية، والعاطفة، أين يقف الشعر بين هاتين المنطقتين. وهل يتفاعل المتلقي مع النص الذي تكتبين، أم أنك تكتبين لطائفة معينة من الناس؟

سؤالك جمعَ بين الذهني والتجريديّ ووضعهما في طرف نقيض مع العاطفة رغم أن الكثير من الكتابات التجريدية تخاطب الوجدان أكثر مما تحتكم للمنطق والعقل. والشعر يكمن حيث الشعر فلا منبع محددا له. وعلى أية حال فإن هناك قارئا لي يتجاوب مع كتاباتي ويعود إلى برجع طيب ألمسه عبر الخطابات والرسائل الإلكترونية، وليس يزعجني حجمه، كَبُر أم صَغُر. ليس من شاعر يراهن على كتلة القراء كاملة. كل شاعر له اختياراته لشرائح القراء الذين يتوجه إليهم على النحو ذاته الذي ينتخب قضاياه التي يطرحها في قصائده. جمهور تشايكوفسكي لا يُقارن بجمهور الموال الشعبي حجمًا، مع هذا لا يُغني أحدهما عن الآخر ويظل هذان اللونان من الموسيقى ضرورييْن.

* لماذا تراجع الإقبال على الشعر والاتجاه نحو الرواية كما لمسنا في معرض الكتاب الأخير؟ وما قولك في ظاهرة "شعراء الرصيف" التي رأيناها في المعرض؟

الإنسان بطبيعته، سيما العربي، يميل للقص والحكي، فاعلا ومتلقيا. أي يميل إلى أن يحكي وأن يُحكى له، وإلا ما نجت شهرزاد بعمرها بسبب حكاية. ولأن فن الرواية حديثٌ على ثقافتنا الشرقية، باستثناء الشطحات الرائدة الأولى القليلة مثل ألف ليلة وكليلة ودمنة وغيرها، فإن القارئ العربي مازال متعطشا للنهل من هذا اللون الجديد من الكتابة الواردة إليه من الغرب. فالرواية بشكلها الحديث الراهن لم يعرفها القارئ العربي قبل محفوظ وحسنين هيكل، لكن الشعر قديمٌ قدم الكلمة المنطوقة ولذا فللجدّة بريق. كما أن الشعر الذي بدأ شفاهيا غدا الآن حتمي القراءة نظرا لطبيعة الحياة الراهنة، وبزعمي الخاص أن قدرا كبيرا من طاقة القصيدة يكمن في حنجرة الشاعر، وهنا عنصر آخر فقدته القصيدة الجديدة. لكن طغيان ثقافة الصورة ساهم في خفوت بريق الكلمة المقروءة بوجه عام. لم تعد طاقة الكلمة تعمل بكامل قوتها كما كان حتى ستينيات القرن الماضي. ولو أضفنا إلى ذلك أن مجتمعاتنا العربية بشكل عام مجتمعات غير قارئه لعرفنا حجم المشكلة الإبداعية لدينا سيما الشعر. رغم هذا يظل الشعر تاج الكلمة إلى المنتهى حسب ظني، رغم النظريات النقدية التي تذهب إلى أننا نحيا زمن الرواية. "شعراء الرصيف" هي ظاهرة إيجابية وليست بدعة بل تتم في كل بلدان العالم المتحضر في فرنسا وغيرها. وأذكرك بشعراء التروبادور الأسبان.

 

* نلمس في نصوصك نأيًا عن كتابة الجسد ، كيف عبّرت فاطمة ناعوت عن الحب والحياة عبر اللغة الشعرية؟ ومع هذا نلمس حضور "السلطة النسائية"، تعليقك.

ليست ثمة علاقة وثيقة بين الجسد والحب. أي أن التعبير عن الحب شعريًّا لا يتأتي بالضرورة عبر كتابة الجسد، ومألوفية ذلك وشيوعه لا تجعلانه قانونا. لا أحب كتابة الجسد ليس عن تحفّظ ما أو نأي عن تابو بعينه، إنما هو محض توجّه شعري وأحد الخيارات. مع هذا لا تخلو كتاباتي من ذلك المنحى مطلقا، إنما تتماس معه تماسًا رهيفا مثلما تتماس نصوصي، أحيانا، مع المنحى الوجودي والأيديولوجي والفلسفي أيضًا على أنحاء خفيفة. لا أحب الإيغالَ في أرض بعينها حدَّ اختناق النص. فبزعمي الخاص تتخلق الشعرية من خلال ريشة طائر تحفُّ حدودَ الكون ومساحاته لا من خلال مِعولِ حفرٍ يعبُّ من النبع عبًّا. السلطة النسائية التراثية عبر التاريخ برأيي هي نبعُ شعر خصيب ومؤشر حقيقي على ثراء "المرأة" ككائن يمثل الشق الأعظم من جمال هذا العالم. والسلطة هنا ذات مفهوم أوسع وأشمل من المفهوم السياسي، ليست بلقيس وحدها نموذجًا يستحضره الذهن حال الكلام عن السلطة، لكن جان دارك سلطة وجودية وفلسفية وجمالية، مثلما ماري كوري ومريم العذراء وهلين كيللر وجميلة بوحريد وسيمون دي بفوار وغيرهن، كلّ منهن في أحد دروب الجمال المتعددة. نعم يغريني استحضار هؤلاء الجميلات مثلما يستهويني استحضار غاندي وجيفارا وماركس. وليس في ذلك حسٌّ ماضوي بقدر ما هو إنعاش للذاكرة بأن ثمة مقدرة بشرية على صنع الجمال في كل وقت، أذكّر نفسي وقارئي بصنّاع الجمال كيلا يأخذني القنوط بأن الحياة سائرة نحو هاوية محققة. أو لنقل إنها غواية للقارئ لإعادة قراءة الجمال البشريّ القديم، مثلما أغوى طه حسين محاورَه العنيد في "حديث الأربعاء" بأن أغراه بقراءة الشعر الجاهلي ومن ثم الوقوع في حبائله، أليس الشعرُ غوايةًً بامتياز؟

*حدثينا عن كتابك "جيوب مثقلة بالحجارة" وعن سبب اختيارك فرجينيا وولف التي عادة ما يفرّ المترجمون منها، ماذا وجدت ناعوت في وولف ليغريها بالاقتراب؟

بالفعل وجدت ما يغريني بشدة للولوج داخل عالم هذه المرأة. هذه امرأة عصامية بَنَت عبقريتها الخاصة دون الاتكاء على مدرسة أو جامعة أو مرجعية جمالية جاهزة. حفرتْ طريقًا جديدًا في نهج السرد الروائيّ ضاربة صفحا عن جماليات المنجز السابق محطمةً بذلك هيكلا قارًّا ومن ثم جازفت بالمؤتلف لصالح المختلف. هذا على المستوى الفني، أما على المستوى الإنساني فوجدت أيضًا ما يغريني باقتحام عالمها، فقد عانت كامرأة كاتبة مثلما تعاني الكاتبات العربيات في زماننا الراهن. انتماؤها إلى أسرة إنجليزية فيكتورية محافظة حرمها من الانتظام في سلك الدراسة العادي وجعل حولها علاماتٍ ودوائرَ طوال الوقت بوصفها مخترقةً عالم الكتابة الذي يخص الرجل بالضرورة. كانت المرأة مادة كتابة بامتياز طوال الوقت وحتى الآن، الرجل يكتب عن المرأة ويكتب لها أيضا بمعنى أنه يكتب عن عوالمها الخاصة باعتبارها، المرأة، أحد مفردات عالمه هو لا باعتبارها كائنا مختارا مستقلا له رؤيته الخاصة للوجود. طالبتْ وولف بالبدء في بناء منجز إبداعي نسائي بقلم المرأة وحدها. وطالبتْ بحقوقٍ وبداهاتٍ للمرأة الكاتبة هي حاضرة بالقوة وبالفعل للكاتب الرجل مثل حيّز مكانيّ خاص بها وتأمين اقتصاديّ يدعم مشروعها الأدبي. وبعيدا عما في مشروع وولف من نزعة نسوية، وهو مصطلح نشأ بعد موتها بسنوات طويلة ما يدل على توجهها الوجوديّ لا النوعيّ الاجتماعيّ، أجدني مفتونةً بطريقة تعاطيها لإشكالية المرأة والرجل والحياة على السواء دون التطرف إلى أحد الحديّن من النسوية الموغلة إلى حد إمحاء الرجل، أو التماهي والاندياح الكامل تحت لواء الذَكر. هذه امرأة شاعرة ولو لم تكتب قصيدة، حتى في موتها كانت شاعرةً حين أثقلتْ جيوب معطفها بالحجارة ونزلت في النهر لترحل هادئة وادعةً وحيدة عن عالمٍ أكثر صخبًا مما تحتمل.

* كيف تنظرين لقضية ارتداء الحجاب للمرأة؟

الحجابُ انعدام ثقة في النفس وفي الآخر. لو اعتبرت المرأة نفسها مادة فتنة للرجل وحسب فإنها تلغي عنصر الاختيار والإرادة والعقل لديها ولديه في خبطة واحدة، وتحجّم نفسها في خانة لا تليق بها بوصفها ظبيًا يهرب من القنّاص/الذئب بالاختفاء خلف الشجر. الفضيلة تكمن في العقل وليس في عدد السنتيمترات المخبأة من جسد المرأة. والواقع يقول ذلك، نحن العرب نتكلم عن الحجاب والفضيلة وتابو الجسد آناء الليل وأطراف النهار ونصف الغرب بالانحلال والتسيّب بعكسنا. بينما الرجل الشرقي حتى الآن لم يستطع أن يرى المرأة إلا محض جسد ومحض مربية ومحض ساهرة على راحته، حتى ولو نالت أرفع درجات العلم. فيما الغرب، المتحرر من حجاب الرأس والعقل ينظر للمرأة بقدر ما قدمت للحياة من منجز ولا شيء آخر. الفضيلة والشرف في الرأس لا في شَعر المرأة وساقيها.

* ما رأيك بالواقع الثقافي العربي في مصر وفي العالم العربي؟

أفردت حوارًا سابقا للكلام عن هذا الشأن، ومجمل قولي إن الواقع الثقافي العربي يعاني من مراهقة ثقافية غائرة وعميقة تنطوي على حسابات غير ثقافية لم أفهمها حتى الآن ولا أريد أن أفهمها. فبدلا من توجيه مجمل طاقته لتطوير المجتمع بوصفه النخبة الطليعية في البلاد ومقاومة فساد الأنظمة ومقاومة الإرهاب الفكري والديني نرى المثقف يهدر معظم طاقاته في النيل من زميله ومحاولة تعطيله. أي أن الخراب الثقافي معشش داخل البنية الثقافية العربية، وليس فقط من خارجها، نتيجة الفرقة والتشظي مما يصنع منه كيانا هشًّا مليئا بالأمراض.

روزا اليوسف
نُشر في 23 مارس 2006