أيام قليلة ويغادر الدكتور جابر عصفور منصبه كأمين عام للمجلس الأعلى للثقافة بعد أن قضى أكثر من أربعة عشر عاما يخوض معارك المنصب، تفرض عليه حينا، ويفرضها هو على الآخرين أحيانا أخرى.
وربما من سوء حظ الثقافة العربية أن صاحب كتب "مفهوم الشعر" لن يتفرغ لمشروعه النقدي الذاتي بعد تقاعده، وإنما فرض عليه القتال في جبهة أخرى، حيث سيذهب مديرا للمركز القومي للترجمة الذي صدر مؤخرا قرار بتأسيسه، وبعد أن خاض عصفور سنوات من القتال من أجل أن ينشأ هذا المركز (باعتبار أن الترجمة هي أولى خطوات أي مشروع للنهضة) كما يقول في هذا الحوار...
* عشرات الأفكار تتبادر إلى الذهن عند الحوار معه.. ولكن اخترنا أن تكون البداية من موقعه الأول والأساسي كناقد... من الثقافة العربية حيث تبدو وكأنها تسير في دائرة مغلقة، لا تتحرك للأمام، وتخوض المعارك نفسها التي خاضتها منذ أكثر من 80 عاما. كانت البداية مع معركة علي عبد الرازق وكتابه "الإسلام وأصول الحكم" الذي مضى على صدوره أكثر من 80 عاما...
سألته وأجاب:
في تلك الفترة كان هناك حزب الاتحاد الذي يرأسه زيور باشا رجل السرايا، والطابع الاستبدادي هو الغالب على الحكومة في ذلك الوقت، فكانت النتيجة أن علي عبد الرازق عندما كتب كتابه، وكان أيامها قاضيا في مدينة المنصورة (في دلتا مصر) قامت الدنيا ولم تقعد، وفصل علي عبد الرازق من الأزهر وسحبت منه شهادة العالمية حدث هذا في أواخر 1925، وفي أواخر هذا العام حدث ما يسمى بالائتلاف الوطني ودخل حزب الوفد مع الأحرار الدستوريين، وحدث نوع من التوليفة السياسية فكان سعد زغلول باشا رئيسا للبرلمان المصري، وعدلي يكن رئيسا للحكومة، وقتها صدر كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي قامت الدنيا عليه أيضا، ولكن لم يحدث له ما حدث لعلي عبد الرازق، ولم تسحب منه شهادة الدكتوراه ولم يفصل من عمله في الجامعة، وإنما انتهي الأمر بطرح أسئلة في البرلمان وطلب إلى النائب العام أن يقوم بالتحقيق، ولكن القضية حفظت تأكيدا لمبدأ حرية الرأي. ما الفرق إذن بين الحادثين اللذين يفصلهما فقط عدة شهور؟ في حالة علي عبد الرازق كان الحكم استبداديا، وفي حالة طه حسين كان هناك بعض الهوامش الديمقراطية التي كانت تحاول الاتساع، وأنا أعتقد أن هذا هو الموضوع. كلما ازدادت درجة الاستبداد سواء في السياسة أو المجتمع تقلصت إلى أبعد حد حرية التفكير والإبداع، والعكس صحيح. وبالمناسبة الاستبداد ليس دائما استبداد حكومة لأن من الممكن أن يكون هناك استبداد اجتماعي كما يحدث لدينا الآن، الحكومات في كل الوطن العربي ضعيفة ولكن الأقوى تأثيرا هي المجموعات المتطرفة التي تسعى إلى الانقلاب على الدولة المدنية ولإقامة دولة دينية.
ليست القضية في حكم "العسكر" أو حكم المدنيين وإنما في نظام الحكم نفسه
* ولكن نحن بالأساس لسنا دولاً مدنية وإنما عسكرية؟
ـ فيما تعلن دولنا، نحن دول مدنية، ولكن هناك أنظمة عربية كثيرة لا تستطيع أن تقول أن الحكم فيها حكم عسكري، القضية ليست في حكم "العسكر" أو حكم المدنيين، وإنما في نظام الحكم نفسه، هل هو نظام حكم لدولة تسلطية تصادر الحرية وتحترم مؤسسات المجتمع المدني وتؤمم أنشطتها لصالحه أم لا، هذا هو المعيار. لأن "العسكري" قد يكون شيخا ويكون تأثيره أفظع، وقد يكون رجلاً مدنياً وتأثيره أفظع وأفظع. الفيصل الحاكم هو هل الحكم تسلطي أم لا بغض النظر عن الحاكم.. هل هو (شيخ) أم (عسكري) أم (مدني). والدولة التسلطية لابد أن يتقلص فيها الإبداع والحريات.
الإبداع مراوغ
* ولكن الإبداع لديه وسائله للمراوغة، بل كثيرا ما يزدهر في الدول التسلطية ولكن معظم أزمات التعبير كانت مرتبطة بكتب فكرية مثل "في الشعر الجاهلي" و"الإسلام وأصول الحكم" وغيرها؟
ـ بالتأكيد، الإبداع مراوغ، يستطيع أن يتخفي وراء الرموز والكنايات والاستعارات، وهذه ميزة لا تتوافر في كتب الفكر أو الدراسات غير الإبداعية. ولكن مع هذا تخفي الإبداع وراء الرموز له سقف لا يستطيع أن يتجاوزها، والدليل على ذلك ما حدث (أولاد حارتنا) لنجيب محفوظ، رغم كل ما فيها من رموز وكنايات تم البطش بالرواية، وأن تمنع من النشر في مصر سنوات طويلة.
* ولكن بماذا تفسر تراجع المثقفين الدائم أو إنكارهم لأفكارهم... طه حسين رفض إعادة طبع (في الشعر الجاهلي)، نجيب محفوظ اشترط قبل رحيله موافقة الأزهر لكي يطبع (أولاد حارتنا)...وتردد أن علي عبد الرازق قال إنه لم يكتب "الإسلام وأصول الحكم". وهكذا العديد من الحالات التي تكشف أن المثقف العربي يصل دائما إلى الأسلاك الشائكة ولكنه لا يستطيع أن يتخطاها..ما تعليقك؟
ـ الضغط الذي يقع على المثقف العربي رهيب، كيف يمكن أن أشعر أن حياتي وحياة أولادي مهددة ولا يختل جهاز الحكم عندي. إذا كان "جاليليو" نفسه أعلن براءته من أفكاره حتى تستمر حياته، وسلم في النهاية بما كانت الكنيسة تريد أن تقوله في أن الأرض لا تدور. ولا التمست العذر كثيرا لنجيب محفوظ عندما قال لناشره ضرورة موافقة الأزهر على نشر أولاد حارتنا قبل أن ينشرها، في ذلك الوقت كان لا يزال أثر السكينة التي غرسها شاب جاهل في عنقه، وأثرها في حركته العصبية. صحيح أن موقفه من عدم نشر الرواية كان خطأ بل وكارثة ويمكن أن يؤدي إلى تراجع حرية الفكر والإبداع، ولكن في الوقت الذي أدين فيه هذا الموقف، لابد أن أقدر الظرف النفسي لمحفوظ.
* هذا عن محفوظ... ولكن كثيرين ممن بدأوا يسارا انتهى بهم الحال في أكثر تيارات اليمين أصولية وتشددا؟
ـ هذا ما اسميه (التمرد المبتور) ولكن لابد أن تضع في اعتبارك أنه يمكن أن تكون ماركسياً أصوليا، ومن السهل أن تنقلب وتصبح من الجماعات الإسلامية. لأنك تنتقل من آليات إلى آليات مشابهة. لأن الأصولية معناها الإيمان المطلق بمجموعة من المبادئ الثابتة، والاحتكام الكامل لنص ليصبح نصا مقدسا، وعدم الرغبة في الاجتهاد ومعاداة الاختلاف إلى أبعد حد. وهذا يمكن أن يكون في الماركسية وفي الفكر الديني أيضا. ولذا من السهل أن تجد أصوليا ماركسيا يتحول إلى أصولي ديني لأنه ينتقل من آليات إلى آليات مماثلة، وليس من النقيض إلى النقيض كما حدث مع عباس العقاد الذي كان مناضلا شعبيا مدافعا عن حرية الشعب، وهو نفسه الذي انقلب على هذه الحرية.
التاريخ
* ولكن يبدو أن التاريخ يعيد نفسه دائما.. عندما نتحدث عن العقاد نتذكر موقفه من قصيدة التفعيلة وهجومه على أحمد عبد المعطي حجازي، الآن حجازي نفسه هو الذي يهاجم قصيدة النثر وبنفس آليات هجوم العقاد عليه..وكأن لا شيء يتغير؟
هذا يرجع إلى أن المجتمع في تغيره الثقافي لا يسير في خط صاعد وإنما في خط متذبذب، لهذا السبب يتكرر نفس الموقف وكأن الزمن ثابت لم يتحرك.
* ولكن بماذا تفسر هذه التحولات أليست نكوصا أو تراجعا؟
ـ أفضل أن اسميه (التمرد المبتور) لأنها تبرر لي أن الثورة لا تستمر إلى النهاية، لأن كل الشروط تبقى ضدها، فتكون النتيجة أن يتوقف المثقف، و أحيانا ينكص. ولكن في أغلب الأحوال يحدث نوع من التوقف وليس النكوص. مثلا لا أستطيع أن اصف لويس عوض (بالنكوص)، لقد بدأ ماركسيا، وعندما تقرأ مقدمته لـ(بلوتولاند) ستجده يتحدث عن انتماءاته الماركسية حتى إنه يرى كل شيء (احمر) من حوله. لويس عوض انتقل فيما بعد من الماركسية إلى ما يسميه هو بالنزعة الإنسانية الجديدة، وهذا ما لا أستطيع أن أسميه نكوصا أو تراجعا، وإنما تحولا، أو على الأقل الوقوف عند منطقة معينة وعدم تجاوزها إلى ما بعدها.
* ولكن كيف أستطيع أن أميز بين هذه التحولات، أيهما في صالح الثقافة وأيهما ضدها...؟
ـ التحولات الأصولية أن تنتقل من مجال إلى آخر دون تغيير في آليات التفكير أو المبادئ الحاكمة للعقل. أنا شخصيا في تحليلي النهائي لا أجد فارقا جذريا بين الأصولي الماركسي أو الأصولي القومي الناصري، أو الأصولي الإخوان مسلمين.. هناك مجموعة من الآليات الحاكمة لكل هؤلاء، وتسهل الحركة ـ فيما بعد ـ من مجال إلى آخر، المتحول هنا شخص لا يخلع عقله، وإنما يستبدل المنطقة التي كان يعمل بها بأخرى ليس إلا.
* وأنت الآن أين تضع نفسك؟
ـ أصدقائي يحسبونني على يسار الليبرالية وليس لدى مشكلة في هذا التصنيف.
* يعني أنت تستفيد من كل الموجود: الماركسية والناصرية..؟
ـ من المؤكد أنني استفيد من الماركسية في أبحاثي وكتاباتي، ولا أزال أرى أن الماركسية نظرية فلسفية تستطيع أن تمدنا بأدوات التحليل الاجتماعي، والثقافي بالغة الأهمية والتأثير. ولكن الناصرية أمر آخر.
تحولات
* لو تحدثنا عن تحولات جابر عصفور نفسه... ما الذي جرى له من تحولات؟
ـ حدث ولكن لا تستطيع أن تسميها تحولات وإنما تغيرات نتيجة للنضج والوعي وغيرها.
* يعنى هل بدأت ماركسيا على سبيل المثال..؟
ـ لا، لم أكن يوما ماركسيا، ورسالتي للماجستير والدكتوراه متوافرتان، يمكن لأي شخص أن يقرأهما ليعرف هويتي الفكرية. مشكلتي أنني منذ البداية كنت أنطوي على رفض غريزي لأي نظرية مغلقة، حتى لو كانت الماركسية (موضة) في ذلك الزمان، وكان لي أصدقاء داخل أحزاب سرية شيوعية لم يرحبوا ولم يعملوا ـ للأمانة ـ على أن يكتسبوني إلى هذه الأحزاب السرية، فظللت مستقلا حتى عندما ذهبت إلى منظمة الشباب بعد تخرجي مباشرة كان تقريري (سلبي) لأنني دائم السؤال والتشكك. ومازالت أكثر كلمة أكررها في مقالاتي هي (وضع الأشياء موضع المساءلة).
* وما الذي استفدته من الماركسية في مجال النقد الأدبي؟
ـ البعد الاجتماعي هو بعد هام جدا، وكذلك الخلط بين الماركسية والهيجلية يجعلك تنتبه إلى قواعد الجدل وأهميته في التحليل، ويجعلك تنتبه أيضا إلى مجموعة من الأشياء في إطار ما يسمى بالمادية الجدلية، وهناك أيضا مجموعة من القوانين التي لا يزال لها وزنها وأهميتها مثل (التغيرات الكمية تؤدي إلى تغيرات كيفية)، وقانون الصراع وهي أشياء لا أزال أحترمها. ولكن مع ذلك لا أضع فكري في دائرة وانغلق عليها، وإنما أفتحها، ولهذا السبب أصدقائي الخُلص من الماركسيين يصفونني بأنني على يسار الليبرالية وليس في داخل اليسار.
* أمام المشهد الثقافي الذي وصفته.. سواء التحولات الفكرية أو المجتمع الذي يسير في خط متذبذب.. كيف ترى مستقبل الثقافة العربية؟
ـ شخصيا أنا متشائم، لأن كل الظواهر التي أراها يغلب عليها السلب أكثر من الإيجاب، مثلا هناك مد ديني يقترب من التطرف يحاصر الفكر ويقمع الإرهاب، والنتيجة أنها المرة الأولى في تاريخنا الحديث يحكم على أدباء ومفكرين بالسجن، ويحكم بالتفريق بين زوج وزوجته كما حدث لنصر ابو زيد. والغريب ان ما حدث مع أبو زيد حدث في الخمسينيات لشيخ يدعى الشيخ (بخيت)، كتب بحثا يقول فيه إن من حق الإنسان أن يفطر في نهار رمضان، وأن يعوض صيامه بالزكاة، فقامت الدنيا عليه، وطالبوا بالتفريق بينه وبين زوجته بتهمة الإلحاد. وفي ذلك الوقت كتب الدكتور طه حسين مقالا في جريدة الجمهورية بعنوان (حق الخطأ)، قال فيه إن ما يحدث ضد الإسلام، لأن الدين يقول إن من يجتهد ويصيب له أجران، ومن يجتهد ويخطئ فله أجر واحد وأن هناك ما يسمى حق الخطأ. في الخمسينيات لم يحدث شيء للشيخ بخيت ولم يجرؤ أحد على أن يفرق بينه وبين زوجته، ولم يوجد قاض واحد يمكن أن يفكر في إصدار مثل هذا الحكم. ما الفرق بين الخمسينيات وبين ما حدث لنصر أبو زيد؟ أظن ان الفرق هو "درجة تخلف المجتمع" و.... "إنحدار الوعي الثقافي" وغلبة العناصر المتطرفة في الوعي الثقافي العام والخاص، وهو ما ترتب عليه النتائج التي نراها الآن: عدم قبول الاختلاف والمغايرة. ولو استمرت هذه المؤشرات في المجتمع ستنتهي الثقافة العربية إلى (كارثة)، ويمكن أن يكون هذا ما يجعلنا نحن كمثقفين نفكر في مسؤوليتنا بشكل آخر، أكثر جذرية وأكثر شمولا، لأننا لو لم نمارس مسؤوليتنا بشكل قوي جدا، فالكارثة قادمة لا محالة.
* وما هي هذه المسؤولية؟
ـ إنها مسؤولية ذات أوجه متعددة، الوجه الملح الآن هو أن يؤمن المثقف بحق الاختلاف، ويسهم في تأسيس ثقافة الحوار، وفي الوقت نفسه يؤسس ويؤكد ما يسمى بالحق المدني أو الوعي الذي يرتبط بدولة مدنية وليس بدولة دينية ومجتمع منغلق على نفسه طائفيا أو مذهبيا.
* المشكلة أن ما تقوله يقوله الكثيرون ويكتب دائما..ولكن ما يحدث على أرض الواقع مخالف دائما... كيف يمكن تفعيل ما تقول؟
ـ أذكر بالقانون الجدلي بأن التغيرات الكمية تؤدي إلى تغيرات كيفية، يمكن أن ترى كيف كانت مصر قبل تأسيس الجامعة المصرية عام 1903، كانت حالها صعبة ومع ذلك تكاتفت مجموعة من المثقفين وأسسوا جمعية أهلية وخاضوا حروباً لتأسيس الجامعة التي انتصرت في معارك كثيرة ضد جبهات التخلف الموجودة في ذلك الوقت.
* ولكن عندما تقرأ كتابا مثل (مستقبل الثقافة) لطه حسين الذي صدر منذ ما يقرب من سبعين عاما.. ستجد أن الأفكار الموجودة فيه أكثر تقدمية من كثير مما يطرح الآن... وكأن شيئاً لم يحدث في المجتمع.
ـ هذا يؤكد ما أقوله، أن مؤشرات التخلف تتزايد لأسباب متعددة منها قيام ما يسمى بالدولة التسلطية في البلاد العربية، والدولة التسلطية بحكم طبيعتها تخلق وعي التسلط، لأن العقلية التي تدار بها الدولة التسلطية هي نفسها التي تدار بها القبيلة أو الطائفة الدينية المتطرفة، سنجد نفس الآليات ونفس العناصر.
* إذن المد الديني هو نتاج الدولة التسلطية؟
ـ بالتأكيد، هو رد فعل مخالف للفعل الذي سببه الاتجاه، ولكن موافق له في الآليات.
ولكن المثقف كثيرا ما ينتقد التسلط الديني ولا يقترب من التسلط السياسي؟
ـ في هذه الحالة لا يمكن أن ندعوه مثقفا، أو يصبح مثقفا ناقص التكوين. المثقف الحقيقي هو الذي يجب أن يقف ضد التسلط في كافة صوره وأشكاله، ومجالاته.
* لو طبقنا مفهوم المسألة الذي تنادي بها دائما على السنوات التي قضيتها في المجلس الأعلى للثقافة..فماذا تقول؟
ـ سأخرج مرتاح الضمير، لأن هناك مجموعة من الايجابيات التي أفخر وأعتز بها، واشعر أنني استطعت أن أفتح ثغرة في جدار المستحيل، وأن رهاني كان صحيحا ورهان الذين رفضوا أن أعمل في المجلس الأعلى للثقافة كان خاطئا. والدليل على ذلك النتائج الايجابية التي تحققت ابتداء من جوائز الدولة التي توجهت إلى شخصيات كثيرة لكن من غير الممكن أن تحصل على الجائزة من قبل، ونهاية بالمشروع القومي للترجمة وما بينهما الشيء الكثير. وبالمناسبة لو أنني شعرت أثناء عملي في المجلس أن يدي أصبحت مكبلة ولا أستطيع أن أفعل شيئا إيجابيا ذا فائدة كنت سأترك منصبي، لأنني لست في حاجة إليه. ولكن عندما أنظر إلى ما صدر من ترجمات في المشروع القومي للترجمة أشعر بفخر واعتزاز شديدين.
* هل تراهن على الترجمة لإنقاذ الثقافة العربية؟
ـ المتخلف ليس أمامه، في هذا العالم سوى ان يبدأ بالترجمة لأنها بداية لأي نهضة حقيقية. لأنك لكي ترفع درجة التخلف التي وصلنا إليها تحتاج إلى آلة رفع حتى تحملك لمستوى العالم، وهذه الآلة هي الترجمة، وهي شديدة الأهمية. وتجارب التاريخ تقول ذلك، بداية من محمد علي باشا الذي لم يستطع القيام بالتحديث إلا بعد أن أسس مدرسة الألسن، وأصدر وقتها 191 كتابا مترجما، ورغم قلة الكتب المترجمة إلا أنها فتحت الطريق للنهضة. وهناك أيضا المأمون ومشروعه للترجمة في العصر العباسي ... هكذا. وتاريخنا يقول إن بداية أي تقدم وأي نهضة يبدأ من الترجمة لأنها المقدمة المنطقية الطبيعية لأي تقدم، فهي تتيح للعقل أن يرى ما يحدث في العالم، فيبدأ يحاكي أو يقلد أو يدخل في منافسة فيتحرك هذا العقل من سباته، وينتقل من منطقة التقليد إلى منطقة الانجاز.
المستقبل
15 آذار 2007
إقرأ أيضاً: