حوار مع: عزيزة علي

أمين صالح*روايتك ''رهائن الغيب'' فيها الكثير من رصد لعذابات الإنسان المقهور والمهمش؟
تتبعت في هذه الرواية الأحلام الصغيرة والمهدورة لهؤلاء الفتيان، ماذا أردت أن تقول وتوضح من عملية التتبع هذه؟

- كنت أحاول أن أقتفي مواطئ صبْية أضحوا، مع مرور الزمن، رهائن غيب غامض ومربك، ولا يمكن تحريرهم من ذاك الأسر إلا عبر فعل التذكّر والتخيّل. هكذا تم استحضارهم في أشكال غير ملموسة واقعياً إنما هي مزيج من اليومي والتخييلي، الواقعي والغيبي أو الماورائي. من خلال هؤلاء، وعبر مرحلة تاريخية معينة تشكّل مفصلاً مميزاً في السيرة الذاتية، حاولت أن أسبر واستكشف أول كل شيء تقريباً: العنف، الجنس، الحب، انفتاح الوعي الاجتماعي، الحس الطبقي، المعرفة، جاذبية الفن.

* كيف تنظر إلى تجربتك وتجربة جيلك من المبدعين البحرينيين خصوصا في مجال الرواية؟

- عندما نستعرض أسماء من يكتبون الرواية في البحرين: محمد عبد الملك، عبد الله خليفة، فوزية رشيد، عبد القادر عقيل، فريد رمضان، جمال الخياط، حسين المحروس.. سوف نلاحظ تعدّد وتنوّع العوالم والأساليب والرؤى.. هذا التنوّع يعطي للتجربة الروائية زخماً وحضوراً بارزاً، وما على النقد الرصين إلا أن يتريث أمام هذه الكتابات، ويوفيها حقها من البحث والدراسة والتأمل، ليكتشف الكامن والعميق والجوهري.

* تكتب قصة ورواية وشعر وتترجم كتب حول السينما وأشياء أخرى. أين أنت من هذه الأنواع والأجناس الأدبية؟
إلا ترى أن التشعب في الأعمال الإبداعية يكون على حساب أو إغفال بعض الجوانب المهمة في أحد الأعمال على حساب الباقي؟

- لا أشعر بأي تعارض بين هذه الأنواع أو الأجناس، هي كلها أشكال من الكتابة، لكن تقتضي كل منها تقنية ولغة خاصة بها. هي أشكال أجربها وأخوض فيها بمتعة تضاهي متعة اكتشاف العوالم العجيبة التي تصادفك في رحلة الكتابة.
عندما يكون الشكل الروائي حاضرا بقوة ليستوعب تجربة تشعر بأنها لن تصل إلى الآخر إلا عبر هذا الشكل – الروائي – وحده، فإنك تعمل بتركيز شديد عبر هذا المنحى، الروائي، شاحذاً اللغة والتقنية وعناصر السرد، وغير ذلك من الأدوات والوسائل والأساليب، بحيث تنتج في الأخير عملاً روائياً يدهشك قبل أن يدهش قارئك.
كذلك الأمر مع السينما.. عندما أرغب في التعبير سينمائياً عن فكرة ما، رؤية ما، فإنني ألجأ إلى اللغة والتقنية والشروط السينمائية الأخرى التي من خلالها أنتج هذا العمل.
الجوهري هنا أن تعي الفروقات والشروط الفنية لكل مجال أو وسط أو شكل.. وعندئذ لا خوف على طاقاتك من هذا التعدّد والتنوّع، الذي أراه يغني تجربتك ويوسّع أفقك أكثر مما يشتّت طاقتك أو موهبتك.. كما يعتقد البعض.

* لك رأي في النقد بإحدى حواراتك قلت:"لا أثق في النقد الذي يأتي إلى النص من خارجه"، ألا ترى أن النقد هو الذي يردف العمل الإبداعي ويضيء جوانبه أمام المتلقي؟

النقد يكون ضرورياً عندما يسعى إلى خلق حوار مع المتلقي من خلال النتاج الذي يتناوله، بمعنى أن الناقد لا يأتي إلى النتاج متوهماً إمتلاك السلطة المطلقة في نفي العمل الأدبي/ الفني أو تمجيده وفق مزاج خاص أو أيديولوجية ما أو موقف شخصي، بل يأتي إليه بدافع إضاءته ومحاورته والكشف عن خفاياه وأسراره، وذلك انطلاقاً من الحب.. الحب وحده.
النقد الذي يأتي إلى العمل من خارجه، ليفرض عليه تصوراته وأفكاره ورغباته وما ينبغي أو لا ينبغي فعله، دون أن ينطلق من داخل العمل، من جوهره، من ثناياه وموجوداته، هو نقد يصعب الإطمئنان إليه والثقة فيه.. هذا ما كنت أقصده.

*هل ترى أن هناك دور للأدب في المجتمع وكيف تنظر لهذا الدور؟

لا أعتقد أن للأدب دوراً في التغيير الاجتماعي والسياسي، أو ربما يُكلّف بهذا الدور لكنه لن يستطيع تأديته، لأن هناك جهات ووسائط أخرى أقدر على إحداث فعل التغيير.
قلت ذات مرّة: الكتابة، وكل الأشكال الفنية، لا تقدر أن تغيّر الواقع. قد تقول للإنسان شيئا عن واقعه، عن معنى ذاته ووجوده، أن تعمّق وعيه، وأن تصقل حسه الجمالي. وإذا استطعت أن تحقق بالكتابة بعضا من هذا، فإنك تكون قد أنجزت شيئاً له قيمة وأهمية. عبر الكتابة، تحاول أن تتصل بالآخرين، لكنه اتصال على المستوى الإبداعي، بمعنى أن تتوجّه إلى قارئ واع وثريّ المخيلة.

* ما رأيك فيما يطلق عليه بالانفجار الروائي خصوصا الرواية التي تكتبها المرأة؟
هل تنظر للرواية التي تكتبها المرأة؟ وهل هي أكثر قراءة من الرواية التي يكتبها الرجل؟

شخصياً، عندما أقرأ الرواية، لا تعنيني كثيراً جنسية أو هوية كاتب الرواية. أن يكون منتج العمل رجلاً أو امرأة فذلك أمر هامشي، غير مؤثر، في طريقة قراءتي للعمل، أو تفاعلي معه، أو في تقييمي له. ولا أعتقد أن التحيّز العاطفي أو الاجتماعي وارد في هذا المجال. إن ما يعنيني، في المقام الأول، هو مدى عمق الرواية، جدّتها، حساسيتها الجمالية، أبعادها الرؤيوية، لغتها، وإلى أي حد هي تلامس الشغاف.
لا شك أن السنوات الأخيرة، في عدد من الأقطار العربية، شهدت طفرة في توجه المرأة إلى الرواية للتعبير عن دواخلها أو واقعها الاجتماعي والسياسي.. هذه الطفرة قد تثري المناخ الثقافي أو تسيء إليه بشكل من الأشكال. لكن هذا لا يهمني (فلست ناقدا ولا باحثاً)، إن ما يثير اهتمامي حقاً هو أن أقرأ رواية جميلة وعميقة وممتعة، بغض النظر عن هوية كاتبه.. أما الأشياء الأخرى فهي هامشية، عرَضية، زائلة.. وهذه الأمور لن تشغل بال ووقت الأجيال القادمة.

* أنت ناقد سينمائي برأيك هل يوجد في البحرين بنية تحتية سينمائية؟

لا، لا توجد تلك البنية التي تجعل من صنع الأفلام أمراً قابلاً للتحقق دون صعوبات جمة، ودون انتظار وقت طويل حتى تتوفر المادة والامكانيات وغيرها. لدينا، هنا في البحرين، محاولات سينمائية فردية، متعثرة انتاجياً، تشكو من غياب الدعم والتمويل.
لكن من يعلم ما الذي يدخره لنا المستقبل، قد يحدث أن تنشط التجارب السينمائية وتفرض حضورها، ومن ثم تشجع القطاعين، العام والخاص، على دعم وتمويل هذه التجارب.. من يدري؟ لكن لابد، الآن، من حث وتحريض وتشجيع أي محاولة شابة لكي تنهض وتتخلق، فليس من مصلحة أحد أن يحبط هذه المحاولة بدعوى انعدام الاهتمام العام، وغياب البنية التحتية، أو أي سبب آخر.

جريدة الغد الأردنية
9/10/2008