أدونيسلم يطل صمت الشاعر والمفكر العربي أدونيس حيال ماتعيشه المنطقة العربية من حراك، فبعد تساؤلات عديدة أطلقها الكثير من الأدباء والمثقفين العرب بحثا عن اجوبتها لدى كبار مثقفي العربية جاء صوت الشاعر والمفكر العربي أدونيس مفصحا عن موقفه تجاه مايحدث في المنطقة العربية ورؤيته للكثير من تفاصيل الشأن العربي شعوبا ومؤسسات عبر حديث أدلى به لقناة العربية خلال استضافته ضمن برنامج " روافد " برفقة الإعلامي أحمد علي الزين، وقد تابعت الوكالة مجريات ماجاء في هذه الاستضافة ..

حركة تمرد شبابية..

انطلق ادونيس في حديثه عن ماهية تسمية مايحدث في المنطقة العربية راهنا حيث قال" أميل الى تسميته بحركة تمرد شبابية في وضع تمردي وهذا التمرد ليس نظريا فقط وإنما هو جسدي أيضا، تمرد نظري وعملي في آن واهم شيء فيه كما يبدو لي انه لا نموذج له لا في الغرب ولا الشرق والظاهرة الأكثر بروزا هي حضور المرأة في تونس ومصر هذا شيء مهم جدا و جديد في الحياة العربية"
وحول رأيه فيما اذا كان مصطلح ( تمرد ) يفضي الى تأطير الحركة الشبابية للمتظاهرين قال أدونيس: هو تمرد بمعنى حركة تلقائية مفاجئة ليس لها إطار نظري مسبّق، لو سميتها ثورة فهي تستدعي نظرية مسبقة والتحولات تستدعي الظروف الموضوعية وأظن لانستطيع ان ندرج ماحدث لا في التحولات ولا في الثورات ، واذن هي حركة تلقائية مفاجئة وغير متوقعة، وأفضل تسميتها حركة تمرد.
وقريبا من طروحات الثابت والمتحول يرى ادونيس في حديثه ان مايحدث هو بداية الانتفاض على الثابت مضيفا أنه يعتقد بضرورة ان نتابع ماسيحدث لكي ننتقل لمرحلة التحول لان التحول يستند الى مؤسسات جديدة في المجتمع تحولت هي أيضا.

مفاجأة!!

ولم يُخف أدونيس أنه فوجيء بما يحدث على الساحة العربية معبرا عن سعادته بالقول " أنا سعيد لأنني فوجئت ، فقد كنت في السابق اكثر ميلا للتشاؤم لأنني لم اكن انتظر هذا اطلاقا وانا سعيد لأن التاريخ كذب الموقف حتى ولو كان يخصني أنا شخصيا "
وعرّج ادونيس في حديثه عما تشهده سورية من مظاهرات بقوله: مايجري في سورية هو جزء مما يجري في البلاد العربية، فالبلاد العربية مثل الأواني المستطرقة ، مايحدث في أي بلد عربي يتسرب الى بلدان عربية اخرى ، نعم هناك بعض الفروقات العائدة الى اختلاف التركيب الاجتماعي في العناصر التي تكون البلاد، في الايديلوجية التي تحكمها ، وفي سوريا التي هي في رأيي بنسيجها الاجتماعي اكثر تقدما من نسج اجتماعية في بلدان اخرى لاسباب تاريخية واجتماعية لكن أظن هي هي الأكثر خطرا لأنه ممكن ان تتحول الى حرب أهلية في سورية

الوضع في سورية سيكون أكثر صعوبة..

وحول اقتناعه بدعوى الحرب الأهلية تلوّح بها بعض النظم العربية قائلة ان البديل لوجودها هو التطرف او الحرب الأهلية رد ادونيس: الفساد وضرورة الإصلاح هذه مسالة عامة في البلدان العربية كلها وبعض الأنظمة تعترف بذلك هي نفسها لكن التركيب الاجتماعي في كل بلد يجب ان ندرسه بعمق ، وننتبه اليه ثم سورية هي واسطة عقد تركيا العراق الاردن السعودية لبنان اسرائيل الغرب .الوضع في سورية سيكون أكثر صعوبة من أي بلد بمعنى سيكون النظام اشد شراسة من أي نظام آخر في القمع وسيكون التمرد على هذا النظام اشد شراسة أيضا من التمردات التي شهدناها في البلدان الأخرى
وحول ما اذا كان يعتقد بقدرة النظام العربي على احداث اصلاحات وتغييرات قد تؤدي الى فقدانه السلطة قال ادونيس: هذا يمكن في البلدان التي لاتحكمها أحزاب عقائدية مثل اليمن ليبيا مصر لكن بلد كسورية يحكمه حزب عقائدي منذ 40 سنة يفترض به ان يكون لديه شجاعة لكي يراجع نفسه أولا ويراجع أخطاءه ثانيا ويراجع آراءه ثالثا يعني أن يجدد نفسه، إذا كانت لديه هذه الشجاعة في تجديد نفسه يمكن ان تكون لديه شجاعة في الإصلاحات الجذرية .
ولم يتفق أدونيس في حديثه بمقارنة ماحدث من تغييرات في الاتحاد السوفيتي ادت الى انهيار المنظومة كاملة بما يحدث في بلدان عربية مثل سوريا قائلا إن الأمر يختلف بين البلدين.

اختبار..

ورأى ان الايدلوجية ليست مانعا في اجراء التغيير حيث قال: لابد من شجاعة عظيمة حتى يتم هذا لكن يمكن ان يتم بمثل هذه الشجاعة وهذا مايجدر بجميع القادة اذا كانوا يعتقدون انهم قادة بلدان وانهم آتون لبناء مجتمع جديد لا شركة استثمارية، اذا كانوا يعتقدون ذلك فمن المفترض ان تكون لديهم الشجاعة على مراجعة أرائهم وعلى التخلص من أخطائهم وعلى ممارسة الإصلاح الجذري الشامل بالمعنى الذي تشير اليه، هذا اختبار..
وعودا على ما لأدونيس من رؤى وتصورات دأب على تسطيرها في مؤلفاته وتخصيصا مايتعلق بالتراجع العربي قال ادونيس في هذا الصدد: لا احد يختلف في أننا لم نستطع نحن العرب ان نبني دولة بالمعنى القانوني الحقوقي الإنساني المعترف عليه كونيا، دولة مدنية ومجتمع مدني منذ 15 قرن لكن لم يطرح احد من المختصين في علم السياسة والدولة والمجتمع لم يطرح أي سؤال حول السبب لماذا شعب كالعرب أنتج حضارة كبرى ومع ذلك لم يستطع ان يبني مجتمعا مدنيا أو دولة مدنية ؟

ادلجة الدين هي السبب!!

ونفى ادونيس أن يكون للدين بوصفه المجرد علاقة بذلك حيث قال : ليس الدين بحد ذاته ، لست ضد الدين بحد ذاته كعلاقة بين الفرد والغيب، الدين حاجة كيانية يجب ان تحترم لكن ادلجة الدين واستغلاله سياسيا وتحويله الى أداة في الصراع الاجتماعي السياسي اظن هو وراء ذلك ،
كل ايدبلوجية هي نفي للديمقراطية!!
ويرى أدونيس أن الحل يتمثل بالفصل الكامل بين الدين كرؤية أيدلوجية سياسية والمجتمع او الدولة، -مضيفا- يجب ان يكون الدين لتنظيم العلاقة بين الفرد والغيب بين الفرد والله لكن المجتمع كمجتمع فهو للمواطنة فهو للانسان ويسوده القانون، دينه القانون وليس الدين كموحى، اذا لم نتوصل الى هذا لا اعتقد اننا من الممكن ان نبني ديمقراطية ، كل ايدبلوجية هي نفي للديمقراطية كل ايديدلوجية ايا كانت فكيف بالايدلوجية الدينية يعني الايدلوجية الدينية تنفي الديمقراطية على مستويين مستوى نظري سياسي ومستوى ايماني ، على المستوى الإيماني الاخر ليس موجودا الا بوصفه كافرا فإذن لايمكن ، مادامت الرؤية الدينية هي المهيمنة على المجتمع كمؤسسات وكثقافة وكقانون وتشريع لايمكن ان نتوصل الى ديمقراطية ولا الى بناء مجتمع مدني هذا هو التحدي الذي نجابهه في هذا القرن.

اختبار!!

حول ما اذا كان يعتقد ان النظام في سوريا سيتمكن من مغادرة الفكرة البعثية كايدلوجية قد تضاعف الخوف قال ادونيس: هذا يفترض اذا كان فعلا يريد بناء مجتمع يحدث نهضة جديدة ويؤسس لعالم عربي أخر ، لكن هذه فرضية ، اذا لم يفعل ذلك ففي الأخير سيجرفه التيار .
وأضاف أدونيس:اعتبر مايحدث في سوريا هو اختبار للنظام القائم أكثر مما هو اختبار للناس والشعب والمثقفين، اختبار للدولة ولبنيتها ولرؤيتها الثقافية والسياسية والإنسانية هل هي في مستوى أن تتغير أم لا؟

وعلق أدونيس أن الأمر بحاجة لشجاعة على حد وصفه حيث قال: نحتاج الى شجاعة لان الحزب مركب من آراء مختلفة وتباينات وتناقضات هناك فئات مستفيدة ولاتريد تغييرا وهناك أشخاص عندهم رؤية تاريخية واجتماعية ويؤمنون بضرورة التغيير، والرئيس الأسد نفسه قال ذلك في خطابه وقال أكثر اذ قال اذا لم نصلح فنحن سائرون الى الخراب ؟

ورأى أدونيس ان هناك التأخر في ذلك دليل على وجود تناقضات في النظام وصراعات داخلية.

الخوف من الآخر..

وبخصوص المخاوف من وقوع حرب أهلية في سورية يكون العلويين فيها ضحية لردة فعل مبنية على إرث قديم يتمثل بحادثة حماة وغيرها قال أدونيس : يجب ان نصحح ماهو شائع قد يكون بعض القادة المتنفذين في سوريا من الطائفة العلوية لكن هذا لايعني اطلاقا ان النظام طائفي، والدليل ان الطائفة العلوية كطائفة هي طائفة مظلومة ومضطهدة، لاككل وانما كأفراد ، معظم الإفراد الذين ناهضوا الديكتاتوية وطالبوا بالحريات كانوا من الطائفة العلوية، الخوف من الآخر- الاخرين ، الذين يريدون ان يعقدوا الأمور ويوجهوها باتجاه حرب طائفية أهلية من ان يخترعوا مختلف الأساليب لإحداث مناخ يؤدي لمثل هذه الفتنة.
لا اقبل ان انضم الى تظاهرة سياسية تخرج من الجامع..
وحل مبرر خوفه من أن تنتج هذه الثورات بديلا يستثمره المؤدلج الديني عبر ادونيس عن رأيه قائلا:هذا خوف مبني على شيئين، الشيء الأول هو إدخال العنف في مسألة المعارضة وانا من القائلين حتى اذا كان النظام عنيفا لايجوز ان تكون المعارضة عنيفة لأنه في الأخير تتكلم بلغته وتصبح جزءا منه ، هذا أولا وثانيا في الخطاب فمثلا خطاب المعارضة حتى الآن لايشير ابدا الى مايعيق بناء المجتمع المدني وهو التدخل الديني في السياسي، لايشير ولامرة الى وجوب فصل الدين عن الدولة ، واذن مشكلة المثقف ومشكلة المعارضة لايجوز ان تكون محصورة في مجرد تغيير النظام يجب ان تذهب الى ابعد وان تغير بنية المجتمع ومؤسساته تغيرا كاملا، يعني لا استطيع مثلا ان اقبل اطلاقا ان انضم الى تظاهرة سياسية تخرج من الجامع، لكن لا استطيع بالمقابل ان اقبل أن تقابل هذه التظاهرة بالعنف والقتل، هذا مأزق.

مصر وتونس نموذجان رائعان.

وحول سؤاله عن مغزى انطلاق المظاهرات يوم الجمعة ومن المساجد تحديدا قال أدونيس : هذه من أخطاء المعارضة، لايجوز لمعارضة حقيقية تريد بناء مجتمع جديد بقيم جديدة الا ان تخرج من الساحات العامة، مضيفا إن الكثرة الساحقة تخرج من المسجد باسم مطالب سياسية .ومتسائلا لماذا نخرج من الجامع لماذا لانخرج من الكنيسة، لماذا لانأتي اللى الساحات العامة ونخرج من ساحة البلد، الساحة رمز مشترك للشعب، لكن الجامع رمز خاص.
وأضاف ادونيس: الخروج من الجامع لايمكن ان يفهم الا بالمعنى السياسي وهذا المعنى السياسي لايمكن ان يفهم الا بالمعنى الديني ، يجب ان نخرج بالمعنى المدني الكامل كشعب كامل ، مثل ميدان التحرير بمصر، يمكن ان يخرج من الصلاة وينضم الى هذه الساحات ، بمصر نموذج رائع وبتونس أيضا.

يجب إحداث القطيعة.

وفيما يتعلق بدور المثقف العربي في ظل الظروف الراهنة قال ادونيس: يجب دعم هذا التمرد لان هذه ظاهرة تاريخية – حتى لو خرج من المسجد- ويجب التعاون معه ولكن ضمن الحدود التي أشرت اليها وضمن السياق الجديد الذي يجب ان يؤسس له، يجب الخروج من السياق التقليدي القديم الذي ساد البلاد العربية منذ 15 قرنا، يجب الخروج منه ، والا لايمكن الا الدخول فيه من جديد كأننا ندور في حلقة مفرغة ، ومايؤكد ذلك هو ان العرب منذ 50 سنة على الأقل ينادون بالثورة وبالإصلاح وبالتقدم وبالتحرر من الاستعمار ونتيجة الـ 50 سنة الكوارث على جميع المستويات ، باسم الوحدة تمزقنا ، وباسم الحرية تحولت بلداننا الى سجون وباسم الاشتراكية والعروبة صرنا فقراء ومشردين لسبب ان مافعلناه على مدى الـ 5 سنة الماضية بقي في السياق التقليدي القديم والآن يجب إحداث القطيعة.

سوريا الغد
http://www.souriaalghad.net/index.php?inc=show_menu&id=28501&dir_id=45