أجراه: كيث أوهليش

ترجمة: أمين صالح

كيارستمي(بمناسبة الدعوة التي تلقاها كيارستمي لزيارة الولايات المتحدة لغرض عرض أعماله الفوتوغرافية في متحف الفن الحديث بنيويورك، إضافة إلى مشاركته في ورشة تدريب لمدة 9 أيام وبحضور 25 من دارسي السينما، في كلية هنتر بمانهاتن).

* المعرض أقيم تحت عنوان "عباس كيارستمي: صانع الصورة"، والذي بالنسبة لي يتضمن طرائق متنوعة من الإبداع. هل ترى الصورة كأساس، كأكثر المظاهر أهمية، لأعمالك؟

- العنوان ليس من اختياري، لكنني أحببته لأنه لا يحصر نفسه في السينما. يمكن أن يتضمن التصوير الفوتوغرافي أو النص الشعري. القصيدة تبني الصور بالكلمات.

* في تأمل المعرض، استوقفتني حقيقة أن صورك ليست بعيدة عن أفلامك، إذ حتى في الصور الساكنة نجد تلميحاً إلى الحركة. في سلسلة "مطر" ثمة إحساس بملامسة أجزاء من ممسحة السيارة لقطرات المطر. وفي سلسلة "الثلج الأبيض" هناك إحساس بأن ثمة حركةً عبر الفضاء المصوَر، كما لو أن شيئاً – قد يكون طبيعياً، وقد لا يكون – ختم نفسه على المنظر الطبيعي. وهناك الكثير القابل للحدوث أيضاً.. إنها دائرة لا تنتهي أبداً.

- ثمة صلة بين صوري الفوتوغرافية وأفلامي. إن لم تكن هناك أية حركة في ما أصوره فعندئذ سوف أشعر بعدم حاجتي لالتقاط تلك الصور. مع ذلك، حتى لو استطعتَ أن تسمع الصوت وترى مسار ممسحة السيارة فإن تصويري يأسر لحظة واحدة خاصة. الشيء نفسه يصح في أفلامي: حتى لو كانت صورة متحركة، فأنا أمسك بلحظة خاصة فحسب. الشيء نفسه ينطبق على قصائدي.. على سبيل المثال:

مُهْر أبيض
يظهر من خلال الضباب
ويختفي
في الضباب.

أنت تقرأ عن المهر الذي جاء وذهب. من خلال القصيدة يتكوّن لديك انطباع بالحركة. حتى لو لم تر ذلك فإن الانطباع بالحركة يتكوّن في نفسيتك. هذا المهر يشبه الممسحة على الحاجب الزجاجي في مقدمة السيارة. أنت لا ترى الحركة الفعلية لها لكنك ترى انطباعها. اللحظة مقترحة من خلال هذه الحركة المتضمنة.

* بتعبير آخر، إنه يمكن أن يكون هناك دون أن يكون هناك واقعياً..

- بالضبط.

* وهل هذا يمتد إلى عملك مع الفيديو الديجيتال؟ عندما شاهدت معرض الـ خمسة، استمتعت حقاً بقدرتي على التحرك قريباً من الصور وأن أراها خاضعة للحت. الموضوعات تصبح مضببة، غير واضحة، مختلطة، لكن هناك لا يزال شيء جميل يتصل بهذه الصورة "المتحولة". إنها تحمل نوعاً معيناً من الحقيقة.

- بالنسبة لي، ثمة تماثل بين هذه الصور والخلايا في جسمك. بتعبير آخر، لو نظرت إلى جسمك من خلال الميكروسكوب (المجهر) فسوف تراه مثلما ترى تلك الصور.

* ذلك يقترح ضرباً من الرصد العلمي. عندما أفكر في العلم، أميل إلى مساواته مع التجرد وعدم التحيّز، مع أنني لا أنسب ذلك الوصف إلى أعمالك. لكن هل ترى نفسك كعالِم ينظر من خلال ميكروسكوب؟

- أنا لا أرى نفسي كعالِم. ذلك النزوع العقلي مجرد جزء من عملي. على سبيل المثال، عندما تشعر بهبّة هواء فأنت تعلم بأنك واقف في مسارها، وأنها آتية من مكان وذاهبة إلى مكان آخر، وأنت تشعر بها حين ترتطم بك. لكن هبّة الهواء تلك ما كان لها أن تجري وتتدفق من غير رحلتها، لو أني أخطأت في إدراك مسارها فعندئذ سوف أفقد واقع تلك الرحلة.

* هل ترى الفيديو الديجيتال كلونٍ على لوحة الألوان، أم أنها وحدها ستفي بمرادك؟ هل مازلت ترغب في استخدام الفيلم؟

- الديجيتال إمكانية جديدة. أنا هنا أشبه بطفل فضولي لديه الكثير من الألعاب، وأنا في هذه اللحظة أحاول أن اكتشف هذه اللعبة وأرى ما يمكنني استخلاصه منها. لكن ذلك لا يعني أنني غير مطّلع على الألوان الأخرى على لوحة الألوان. إنها مجرد أداة واحدة استخدمها في هذه اللحظة.

* ما أهمية الجمهور بالنسبة لأعمالك؟

- عندما أعمل، لا أفكر حقاً في الجمهور. لا أستطيع أن أفعل ذلك لأن عليّ أن أحلّ المعضلات الإبداعية للعمل. أعرف أني غير قادر على اختيار جمهوري. حين لا يكون هناك شيء، لا يكون هناك جمهور. ما إن ينتهي العمل حتى يأتي الجمهور. أحياناً أتصوّر سلفاً جمهوراً معيناً لفيلم معين، لكن ذلك الجمهور يغيب ما إن ينتهي تصوير الفيلم. في أحيان أخرى، أجد جمهوراً لم أكن أفكر فيه أبداً عندما باشرت في العمل. هكذا صرت أدرك أن من العبث التفكير في الجمهور أثناء تنفيذ الفيلم. في الوقت نفسه، لا أستطيع إلا أن أتمنى الوصول إلى جمهور أكبر. لا أريد أن يُساء تفسير قولي بأن الجمهور ليس مهماً بالنسبة لي.

* هل لك أن تحدثنا قليلاً عن فيلمك "التقرير" (1977) الذي لم يُعرض ضمن التظاهرة؟

- هناك نسخة واحدة فقط من الفيلم، لأن النسخة السالبة احترقت. وتلك النسخة موجودة خارج إيران. اللون تغيّر إلى الأحمر. كان فيلمي الأول الذي يتحدث عن قضايا اجتماعية.

* إشارة جان-لوك جودار إلى أن "السينما تبدأ مع جريفيث وتنتهي مع كيارستمي"، إلى أين تأخذنا وتتركنا؟ هل هذه نهاية الأشياء؟ أم أن هذه "النهاية" تعني ولادة جديدة؟

- لا أعتقد أن جودار قال ذلك. لو فعلاً قال ذلك في موضع ما فأظن أنه سحب كلمته في موضع آخر. لقد قال عني: "أنا أحب فيلماً واحداً فقط من أفلام كيارستمي". وفي تعليق له مؤخراً قال: "كيارستمي يأخذ السينما في الاتجاه الخاطئ". في نقطة ما، كنت أبدو عظيماً في نظر جودار، الآن أنا في موقع الانحدار. لا ينبغي علينا أن نأخذ مثل هذه التعليقات بجديّة تامة. الأفلام التي تدوم يقررها الزمن. الأمر لا يتعلق بعدد المبيعات أو عدد الجوائز التي تحصل عليها أو ما تقدّره السوق من نجاح في هذه اللحظة. إنه الزمن. إذا ظل الفيلم في مكانة جيدة بعد ثلاثين سنة، فهو فيلم جيد. ضمن الأشهر القليلة الأولى من وجوده، يمكنك أن تعرف إذا الفيلم من النوعية الجيدة. بعد ثلاثين سنة يمكنك أن تقرر ما إذا كان لا يزال يمتلك المقدرة على الصمود والبقاء في حالة ممتازة. لقد شاهدت مؤخراً بعض أفلام مخرج كنت أحترمه في شبابي، ولم استطع احتمالها. لم أحبها على الإطلاق.

* من هو هذا المخرج؟ وأية أفلام؟

- لا أستطيع أن أقول. هو يحمل اسماً كبيراً أخشى أن أذكره. من الخطورة أن أعلن اسمه.

(مارس 2007)