عزيز أزغاي
(المغرب)

اختر لعواطفك أحجاما تليق بها.
الجرح معيار.
أدونيس

ضحك في ممر

الذين لا تحبهم تأكد من أن الباب مغلق
والنوافذ
والغاز،
وأنك آخر من يمنع الليل من النوم
ثم لا تفكر في الغرباء.
لكل سريره في العتمة
وله أيضا ملائكة تتعب.

تأكد فقط من الهيكل
وابدأ كآدم،
إنها أرجوحتك الأخيرة
في نزل بارد:
بضع أمتار من الأصباغ
وكلمات لا يفهمها أحد،
مجرد تختر في شريان نادم
يلزمك مصاحبته
إلى نهاية التجربة.
وسيكون الأمر لذيذا
لو تفشل!

الحكمة دائما في التعب،
في حنكة المقصات
وهي تخلص الجسارة من النضج!

أنت وحدك من يسمع الضحك
في ممر آخر.

تأكد فقط من الأطراف
ثم لا تتقدم.

حين لا وصول

الليالي الحزينة
تحت سماء النيون،
هي نفسها منجم الفحم
على رفوف المتاحف،
دليل المقامرين في تمارين النسيان.

الليالي الكاسرة بأنصاف الثمالات،
يدخلها الراقصون بقمصان لامعة
ونذوب في المحافظ،
يدخلها الفارون من وضوح في الألم.
الجميع هنا تقودهم القسوة
إلى ارتباك العلامات.

ليس فرارا هذا الذي يستبق العظام،
إنما العسر في استظهار الحركات،
في اليد التي تلطم خدا
لاكتشاف المعجزة.

في آخر الليل،
هناك دائما من يتسلق شريط أفكار
ثم لا يصل!

شجر قديم

يدك التي تلوح خلف الزجاج،
هي الحكمة المنزوعة
من شجر قديم.
فاكهة بلا أشجار
تنضج وحيدة في الأدراج.
لمجرد أن تنزع ثوبها الشفيف
لا تشبع.

أنت الآن على بعد شهيتين،
مائدتك واضحة
لكنك لا تفهم.

يدك والصحراء

افرد يديك،
لأدلك على ساحة الحرب،
ثم لا تفش سر الطالع
لقتلتك الطيبين.

ابق كما أنت
مروض أفاع وكلاب،
ليس في نيتك أن تقتل أحدا،
لأنك ورثت الألم
الذي ينجب الأعياد.

أصابعك المرتجفة في الثلج
ليست سوى علامات
لاختبار الأموات،
ربما كانت صلبانا
تركها جنود سكارى
موضع التذكرات الطيبة،
وهم يغادرون جثث قتلاهم
بعيون مؤمنة.

الخطوط التي تتقاطع مثل مصائر العميان
هي آثار لمس
أخطأ حقول القطن.
لذلك، كلما لوحت لجسد
أصبته بالقذائف.

مجرد تذكر الأخطاء
تستيقظ الصور في آبار يديك،
حتى إنك تصبح حقل ألغام
في حرب بلا مقابل.

تلك كانت حياتك قبل الثلاثين،
حين سلمت بوصلتك
إلى الجبهة الخطأ.

الذين لا تحبهم

منذ متى وأنت تنتظرهم
على نواصي الغابات،
طيعا
ودودا
ككلب بلا أسنان؟

كنت تبدو مثل قرصان
تجاسر عليه الصدأ
وصار كل ما يفعله
ينساه على اليابسة..

الأوشام، العضلات
وناب الفضة..
كلها من الماضي،
مجرد تذكر تتعتعه الكاسات.

حيلتك في استدراج الجمال
كانت ارتماءة باهظة
في بضاعة لا تؤكل،
ارتجاجا يغطي الهدوء
الذي يكذب.

هل تذكرت الآن رغوتهم
في الأوداج،
والجمل المشفرة
تحت اللسان،
والغزل الذي يشبه
نشيد قاطع الأشجار؟

هل تذكرت الأصابع
وهي تنزل في الطيبوبة
مثلما يضحك سكين
بلا ندم؟

وهل تذكرت الأنفاس،
كلما رميت حجرا في الغيم
نسيت كم هي قليلة
كل هذه الرئات؟

أنا رأيت ذلك
ولم أنس،
حين كنت تنتظرهم على النواصي.

أصدقاؤك الرائعون
الذين لا تحبهم !

إزراباوند

معذرة إن لم أعرفك يا سيد " إزرا باوند
حين دفعت بامتلائك نحوي
كما لو كنت تتخفف
من تسوس الأسنان.

أنا هنا منذ ظهيرتين،
أراقب هيأتك الغميسة:
عيناك ميتتان،
لحيتك مهملة،
ويداك تذكار.
نظرتك الخائبة تشبه
حجرا بلا معادن..

الدوران على نقطة في فراغ
كان هو فعلك الأكيد
على حرب لم تقع..
مجرد تلاش يخيف الغيم.

أنا هنا يا سيد " إزرا "،
أرقبك عن كثب
ولا أفهم،
مثلما ينظر " بيكاسو " إلى السيدة " غرترود شتاين "
ولا يصدق اللوحة !

خليل النعيمي

أربح في تفسير الأعطاب،
و" أخسر كثيرا حين أكتب ".
رصاصة أطلقها خليل النعيمي
خارج غرف الجراحة،
وهو يلمع أقليته في المدن.

ليس على الروائي أن ينام،
الأقدام دليله على إحياء الموتى،
متعته التي بلا صناجات.

البدوي الذي يفكر في العالم
بالمقصات،
ويخسر كثرته عند الكتب !

أتعثر بلا مقابل

أملك ثلاث رصاصات
لأجعل العالم أقل سماجة
من بريد لا يصل،
وأكثر حرارة من هاتف
بلا أسماء.

لدي أيضا نفس طويل
بسبب رئة نبتت لي في الأقدام،
ويكفيني قليل من تجاعيد الأزرق
كلما أهانتني الألوان.

صرت أتكلم قليلا
وأنام وسط غابة من الأطفال
وغالبا ما أحلم بلذة الارتفاع.

لست بحاجة لموسيقى نائمة في العمق
أو إلى كلمات يبللها الحذر.
دربتي على بري الأفكار
هي آخر درس
أطلب يده للرقص،
حتى إنني كلما فكرت
خانني الهواء.

في الممرات
أو على النواصي،
ليس ثمة ما يعطي للحواس
دليلا على تألم الجثث.
بضع لمسات على قماش
كانت تكفي
لمحو العجلات.

لأجل ذلك كله
أرفع قبعتي،
وأنحني قليلا
حتى يتكاثر الرصاص.

دليل المقامرين

البرهة هي التماعة الكسور
في صحن مخادع.
دليل العين الكسيحة
على تشوه العلامات.
راحتها المبسوطة
في وجه التقدير.

إنها مقاس اليد اليتيمة
في غابة الأصابع،
وقميصُ الجسد الهش
على طرقات الثلج.
يقينها وحده يعيد التاريخ
إلى أول الصناعات.

ليس لها سوى هذا الافتراس
الذي يتمعن في الأثر،
وهذه الارتماءة المفتونة
بصرير العظام.

البرهة،
ما البرهة؟

إنها ماكينة النوم في الشك،
دليل المقامرين
على تصديق كل هذا الغلط !

بلا مظلات

كان في نيتي أن أسألك:
لماذا تذهب إلى الأخطاء،
وأنت تضع كل سلالك
في بيضة واحدة؟!

كنت معنيا باستباق العاصفة،
لولا أنك نمت
في تقدير بلا مظلات.

كان علي أن أجعلك تتلمس الأثقال،
التي لولاها
لما صار لك هذا الورم
في اللغة.

كان في نيتي أن أسألك،
لكنك كنت قد طرت.

حدث ذلك في الليل،
حين كان القراصنة يتقاسمون الغنائم
فوق جثتك.

لا تصدق كل ذلك

ليس على القتلى أن يوشوا
بالذين بعثوا لهم
بتعازي السنة،
عليهم فقط أن يشكروا الروح،
لأنها كانت سريعة ونشطة.

ليس على المجروحين أن يفتحوا مزارا
لمتحف الإصابات،
بمقدورهم أن يرمموا عظامهم الرطبة
حتى لا يصيبها الصدأ.

ليس على المذعورين
أن يناموا على طرقات الحذر،
هناك أكثر من سرير في الغيم
لمن يقف سريعا ويطير.

ليس على الفرحين بالهواء
أن يذهبوا بعيدا في تقدير الأجنحة،
الهواء نفسه بلا سقف ولا قرار.

ليس عليك أن تصدق كل ذلك.

راكم أخطاءك جيدا
وتقدم نحو العاصفة.

تجربة

لا تضع قدميك في إناء دافئ،
أتركهما تقيسان حرارة الثلج
في الممرات،
واحدس كم ستكون اللذة واقعية
في تهور التجربة.

لا تحاول فك أزرار الغموض
بأصابع معقوفة،
اليد التي تبتاعك نفسا عميقا،
هي من تغلق مكبس الهواء
في الحرج الواضح.

ليس مطلوبا منك أن تتخيل الألم
في الكتب،
أو في مشهد العنف الطازج تحت العجلات،
يمكنك أن تجرب حواسك
في قياس الموت،
وفي القبلة التي تقترب من الكهرباء
دون أن تبتل بالرعشة القاتلة.

يمكنك أن تجرب ذلك عن قرب
دون عبيد مياومين،
يلقون بأنفسهم في وضوح الشك
عوضا عنك.

نرد مغشوش

لا تغادر سريرك
إلى حظيرة تحرثها الريح،
هناك من سيربح مكانك
بنرد مغشوش،
فقط لأن يديك كانتا واضحتين.

أمكث حيث أنت،
وتمهل في قطف النصائح،
ليس أسهل من ذلك
ما يقوله درس الحيوان.

كدت تتألم في الحياة البعيدة،
حين عالجتك العتمة
في انحناءة الصيف،
وتركت خلفك عماء تتقاسمه الضباع
والقناصون.

القليلون في المشهد
كانوا كثرة في حياكة الألم،
حتى إنهم أغرقوا سمكا كثيرا
في لوحة قاحلة.

ثم كيف تجرعت كل هذا العلو
دون أن تجرح الأرض؟

شيء ما ليس منك.

بلا ظل تقريبا!

أخذت قليلا من الأرض،
حين انخلعت سواريك
عن الهيكل.

كنت منهكا وخفيفا
وبلا ظل تقريبا،
حتى إن المارة تحت القصف،
لم ينتبهوا إلى ارتفاع يديك.

كنت بلا أسباب
يتقاسمها الرثاءون والقتلة.
كنت الرخو واللين والودود.
كنت الورقة التي تربح،
واليد المتهورة في الأسواق.
كنت الذاهب إلى جحيم رامبو،
والعائد من تنذر الحديد.

كنت كثيرا وبلا معنى.

لا أحد غيرك انتبه
لانكسار الهواء في الرئتين،
لا أحد كان قادرا على لملمة الصعوبات.

وحدهم المارة تحت القصف
سمعوا الرجة التي اقتلعت الأرض
دونما أثر للكراهية!

هل تتذكر؟

في تقدير البهجة،
ليس هناك أجمل من أشلاء
تأتيك على نحو مخفف من العضلات،
حقيقتها الأخيرة
هي قول الأهم،
قبل استباق الطلقة
التي تسعد الجمجمة.

ليس أسهل من ذلك
حفر قبر في أعلى الخيال
تقتات من فضلاته الأفكار الكسلى
وبنات آوى.

في كل ذلك أنت من يربح الخشب
الذي يقي من الغيب.

هل تتذكر ما قالته المغنية لعازف الأرغن؟
لم يكن ضروريا أن تفهم الإشارة
بعد الكأس الثامنة،
كان عليك فقط أن تهيئ صدرك
لانتحار الطائرات.

هواء كثير وبلا هوادة..

في وجهي ديون كثيرة
تجعلني لا أصلح للموت،
حتى عندما أصير بأكثر من سبب
تحلق حولها ملائكة الحظ.

أنا هكذا أفهم الصعوبات،
عندما أتحدث عن يدين ماهرتين
لم تجدا أشجارا تقتلعها من الضيم،
أو لم تعثرا على قفازين
يستطيعان التلويح بنبل
لأنف يستهلك هواء كثيرا
وبلا هوادة.

الأسباب التي أدخلناها إلى حجرة الغاز
كانت متهورة وبلا طباع
تركت أقدامها ترفل في أعشاب القصد
وكانت نشطة في تكسير العلامات،
وفي منتهى اللطف
لا أحد كان بمقدوره أن يغضب.

في مثل هذا الطقس
لا شيء ينفع مع العطب،
مثلما المفردات التي ندخرها عادة للتأتأة
هي الأخرى لا تصلح لتهذيب الأعذار.

أفهم ذلك بجبن
كما أفهم لماذا تبدو الأرض نائمة
في الصباحات الماكرة
ولا أريد مع ذلك
أن أفهم السرعة في الأجوبة.

أتذكر فقط أني واقف بين قرنين،
خلفي أطفال متهورون
وأمامي موت نظيف
لا أصلح له.

لا أحد يحار.. لا أحد يفهم

لم يأت بعد من يحمل هذا الهلاك
إلى آخر الجسر،
أو إلى الأسماك التي لم تعد قادرة
على الثرثرة.
وحدهم الراجلون كانوا
على دراية بواجبات الخوف،
لذلك كانوا يلفون تبغهم
في أوراق التربية
ويفكرون في أحلامهم
بنوم مكتوم.

لم يأت المغامرون بالحدس.
بضع وشوشات فقط
كانت تعدل ياقة الضجيج،
ونساء يمدحن في الضائقة المرة
فحولة أكلها الصدأ.

البناءون وقد نامت ثيابهم باكرا
أسفل المعجزة
وبقيت عظامهم مؤمنة
تحرس قسوة المخمورين.
وكانوا،
كلما ابتسمت لهم رائحة الموت،
لفوا أعمارهم في أوراق اليانصيب
واستعجلوا قصصا طازجة
عن فداحة الأرواح.

كان مشهدا معطوبا من تاريخ التعب
وكان الليل يتهادى بأظافر
وتعاويذ.

ثم ماذا عن شهية الأبراج؟

جاء البدو بأكثر من فرار
وكانت الأنساب ضاحكة
على ناصية الغرق.

لماذا، إذن، لا تستشعر فرائصك
أمام هذه النزهة؟

ما حدث كان في الليل
حينما كنت تقف على قدم واحدة
مثل محكوم بالبهرجة.

تذكر شيئا واحدا فقط:
في الحياة الباقية
لا أحد يحار
لا أحد يفهم.

بسبب القرصان

لسوء حظ الدماثة،
اشتريتَ وردة بأكثر من رائحة.
ومن فرط أناقتك،
رحتَ ترتب للشك صدءا
يليق بالمتاحف،
ثم فتحت أزرار قميصك
لقطارات القناصين..

بعد أكثر من قرنين،
فهمت أن الحذر
ليس مسئولا عن إنضاج الأخطاء،
لكنها كانت حيلتك لتصديق الأسرى.

تعودت على ذلك،
رغم الفزع الذي
يتجاسر تحت الأقنعة،
رغم القهقهات.

تلك مهنة من لا يملك
غير عطر واحد
لبقية الهواء..

في كتاب أو في لمحة طازجة،
الأشياء - عادة - ما تكذب،
الأقلام والحواس
ليست دائما في جوار،
كأنما كل فرس ليست بحاجة
إلى حصان،
كأنما يد الحرير
هي آلة المصلوبين في النضج،
سارقة الدمى
من أكياس السنة.

عند كل منعطف حاد،
تحسس رأسك قبل اندلاع التردد
ولا تنس - كلما فرحت -
أن تتذكر القطارات
بنسيان كامل
هذه المرة !

لوحة

كل ما كنت تخشاه
لم يعد يملك نفس الذئاب
التي تخيف النوم.
لم تعد لثقله السماء نفسها
التي كانت تغري البحيرات بالعمق،
أو الفرص الميتة برؤوس الأيتام.

كان ذلك في حياة الطيبين،
حين كان القراصنة يلمعون أظافرهم
على زجاج الماضي،
قبل أن يناموا في تقدير الفرح بآلات
وسكاكين.

منذ أن صرت بلا عظام،
أصبحت لا تخاف عن القصص
من الرثائين،
كما لم يعد للهيكل علامات
تقود المغامرين
إلى مقالع النضج.

شخص ما رأى ذلك،
ثم نام في لوحتك.

أرض لا يحرسها أحد

لو كنت من بلاد بعيدة
لا تحرسها الذئاب من فطرة الحب،
لرأيت كيف تصبح الأبواب
بلا تكلفة،
والنوافذ بلا عشاق
يتبادلون الأَسرة عبر رسائل الهاتف،
وكيف يصير العبد الذي بداخلك
مجرد قناع لعرائس الثوب.

لو كنت أتيت قبل أن تتنازع القارات
مساحات الفراغ،
وقبل أن تنبت أسماك طارئة
في أماكن العتمة..

لو حدث ذلك قبل هذه البلاد،
لو...

لكنك الآن هنا ،
في هذه الأرض القارسة
التي لا يحرسها
أحد!

أبراج

إن كنت تحب الأبراج،
فهذا أفضل ما يغرق أرضا حقيقية
في دلو الشك.

ليس أصعب من ذلك
حشو مسدس بباقة ورد
قبل أن تصوب نحو أعدائك المحتملين
بكل حب.

هذا أضعف الإيمان ب " الأبراج "
في نهاية الطالع!

في مرتفعات الليل

سافرت كثيرا،
حتى نبتت لك أجنحة
في أروقة الفراغات،
وصرت تحدس
– من فرط التحليق –
الفرق
بين أرض الأخطاء
والسماء التي أنقذها العلو.

لم تكن خائفا من أحد
مثلما كنت تخشى
أن يصير لك ذنب
يجر نظافتك
إلى الاسطبلات،
أو أن تكون الحصان الخاسر
في المزاج الرابح.

حتى رأسك،
لم تكن تقوى على تدبير الأضرحة
بالمغفرة،
لأن جثث الطيبين
كانت لا تلتفت كثيرا
للذين غادروا أسرتهم
بلا ملابس،
والذين عالجوا الفشل
بأنصاف القهقهات.

ولأن البرد كان كثيفا
وبلا معنى،
لم تكن معنيا باجترار المظلات
عند الشدة،
كما أنك لم تجرب حظك
في دورة التكهنات .

الباحثون عن الندم
كنت تعرفهم من الرسائل،
كل واحد كان يبحث للنوافذ
عن رئات تتنفس الفراغ،
ثم يكلم نفسه
مثل سكران في مركب العزلة.

لذلك، ليس ضروريا أن تمد قصبتك للسلمون،
إنه يعرف بالعادة
تكلفة النسيان،
وينسى عند اشتداد المشقة
أثر القوافل.

بقي لك أن تربي الألوان
على قماشة الندرة،
كأنك خارج من فكرة طائشة.
كأنك صانع أجنحة
في مرتفعات الليل.

طانغو

عظامي الطرية هذا المساء
تحتاج إلى رجة من حريم،
وإلى ذوبان ناعم
في أسيد اللذة.
تعالي، إذن، لنرقص الطانغو.

في مقدور هشاشتك الهائلة
أن تصنع الزوابع
في ملكوت نائم،
إن نحن تبادلنا اللمس
والقبل
واللهاث الحارق.

ينبغي لنا أن نغرق قليلا
في بحيرة النسيان.

علينا، في أول النوم،
أن نتحلى بما يكفي
من الزلات الطيبة.

مطلوب منك، في قواعد هذا الارتجاج الهائل،
بعض الخيانات البيضاء
( اللون هنا قصد تمويه الرسامين فقط ).
وقليل قليل من الذكاء
الذي يهين الأعضاء.

من جانبي،
جربت ما يكفي الإقامة
في بنطلون داعر،
وقطعت طريقا سيارا
من الأخطاء العاشقة،
والليلة التي لا أضعها في صحن جوعي
أعتبرها تمرينا ثقافيا
على افتراس النتائج،
تاريخا جديدا
يغري أجندة الشهيدات.
كل ذلك،
كي لا أنام في حرائق الضيم،
أو أقضي وحيدا
قرب نوافذ الأزواج.

مطلوب منك، في عرف هذا الطانغو،
نزع الخوف عن جواربك النايلون
وكنس الملامات
من أقصى عفة
يبللها حذرك الكاذب.

نحن الآن على باب الحيوان،
لكل منا جوعه الذي لا يشبع،
وله أيضا نيات سيئة
لقتل التنين
وأنثاه..

عليك فقط بأفظع الخيانات،
حتى يصفق لنا المعتوهون بحب..
حتى تكون الرقصة أنيقة
وواقعية!

أشباح

لست مضيئا بما فيه الكفاية.

منذ سنوات وأنت ترسم نفس الموسيقى
في الأسرار،
وتعيد الأشباح، عند كل لازمة،
إلى أرصفة القصائد.

نفس المهزومين والمصفقين
والكراسي،
يملأون عنك الممرات.

نفس الآلات التي تحرث
حقول الآخرين.

نفس الموسيقى تتجاسر في الخلفيات.

منذ سنوات،
وأنت تلمع فكرتك الباهظة عن النقصان.
لم يخبرك الرجل الواقف في البرد
أن الشتاء عاد سريعا،
بلا معاطف ولا قبعات،
وأن أصدقاءك الذين كسروا زجاج طفولتهم
في الرهان
قد شاخوا وراء خيول
لا تركض لأحد.

في نهاية اللعبة،
بقيت وحدك صديقا للعتمة،
تحت هذه الشمس
التي لا تطلع لأحد.

أسماك الساحرة

لستَ هنا،
كما لستَ في الجهة التي
تمطرها الريح بمخلفات الأيتام.

كنت دائما تقول لبحيرة الحظ:
ماذا لو وضعنا أسرارنا في صَدفة
ورمينا بها إلى أسماك الساحرة،
أو تركناها ترتعد من البرد
خارج تطلعات الصيادين؟
ماذا لو تقاسمنا فرو الريح،
حتى إذا ما أتعبتنا النوايا السيئة
ذهب كل منا إلى حديقته المرة؟
في نهاية الأمر،
كلانا افترش يديه الماكرتين
ثم راح يحلم بسلالات الموعظة.

لم يعد للشكاوى بريق
يدل الغرقى على أضواء الموانئ،
كما لم يعد للأشلاء صدى
في حساب القراصنة.
كل ذلك مجرد احتراز
لا يبهج الطرائد والخائفين.

بعد كل هذا النبل،
صرت لا تخاف على الغنائم من التعفن،
وتنام على بعد حرارتين.

يدك ترعى أسرار جهنم
وفي رأسك يتقدم قطاع طرق
بلا ملامح،
بلا بريق للأسلحة.

نظرات بلا طرائد

بلا كثافة تذكر،
يطلع الأموات من الرسائل
تسبقهم نواياهم الهشة
والروائح والتذكرات.
نظراتهم وقد صارت بلا طرائد
هي الدعابة الضيقة
في ثوب واسع.
ليس فيها كلام ولا صمت
ليس فيها غير سحاب
يحلق فوق حديد بارد
ومحايد.

الأموات العاطفيون في هزيع الندم،
ليسوا واقعيين مع ضياع المقاسات.
لذلك يصدقون،
عند كل زاوية،
أثر أقدام كانت لهم
في حدائق الحدس،
وعند كل رجة
يميلون إلى بري السكاكين
على حجر الشاهدة.

في مثل هذا الورم،
ينبغي للحفارين أن يعمقوا الأرض قليلا
كي يقنع الأصدقاء برطوبة الأعشاب
وطراوة المنزلة.

أصدقائي الأموات
الذين كانوا يحبون الستائر
في الغرف الواضحة.

رقصة فالس

كأنك شارع بساكنة وعجلات.
كأنك مدينة بكرنفال وراقصين.
كأنك الأرض وقد خرجت للنزهة
بلا مطارق،
بلا عسس يغرقون في الأرق.

إنه الفرح الذي ينعي أورامك
وأنت تنصت إلى كمنجات قلبك الواسع.
كأنما أجنحة نبتت لك في الخيال،
كأنما غادرت ساحة الكوريدا
وأنت مدرج بالنياشين..

الأمتار التي قطعتها على أطراف الأصابع
كانت كافية للطيران في القصائد،
تأكد فقط من موضع الأقدام
قبل أن تطلب الريح
لرقصة فالس..

ورق ناضج

كان عليك أن تتعلم من هذه الورقة،
الورقة اللامعة في الليل،
وهي تمنحك عصبها الطري
كلما ملأتك التشنجات.

إنها ورقة ولا شيء آخر.
بيضاء مثل ثلج بلا أعباء،
لسانها يشحذ نظارته
لإرباك جثث الزوايا،
كلما جُنت حرارة
في شنآن المعادن.

أنت مثلها في برد العلاقات
بحاجة إلى حطب وعاطفة،
وإلى جراح تضيء في النسيان،
لأن الأرض عادة ما تنضج
باشتباك المقصات.

عليك أن تتعلم من هذه الورقة،
وأنت تفتح كل صباح
رواق صدرك
لاستقبال عربات النازحين.

إمبراطور

خذ هذا الكرسي،
إنه لك الآن،
ولا تتركه لأصدقائك القناصين.

مد عليه خيالك الجائع
فهو مطيع وناعم،
مثلما تتمنى كل جثة
أن يكون خلاصها السهل.
بادر فقط ببسط مجاعاتك على طرائده
قبل أن يستريح في عظامك التردد.

بإمكانك أن تطلب منه ما شئت،
إنه بلا ذاكرة،
ولا أصدقاء.
مشيئته الوحيدة إرباك التلعثم
ساعة انتشار الحاجة.

مد عليه خيالك الجائع فقط
إنه بانتظار أحلامك القاتلة،
هذا الكرسي اليتيم.

نصيحة الذئب

باسم صداقة الحيتان،
سأعلمك كيف تبدو مقنعا
في عين الشك،
وكيف تنام في تجاويف المعدن
دون أن تصير قطعة رخام.
عليك فقط ببسط أساريرك
على مساحات اللغة.

أصدقاؤك الطيبون جدا
عليك بهم في أول منعطف،
ولا تكترث كثيرا
للتوسلات.

إنها خدعة اللقطة الحاسمة
في شريط بلا أنذال.

وقبل أن تفكر في ذلك،
ضع وجهك جانبا
مثلما تفعل بقميص بلله الحذر،
ثم لا تتذكره في احتمالات الغفران.

بضع خطوات تلزمك لتحقيق الأهم.

مرة واحدة فقط،
جرب أن تكون الكارثة.

مارش جنائزي

القيثارة..
آلات النفخ..
والصناجات..
إنها كل ما يحتاجه المعزون،
كي تتصالح الجثث
مع الحفارين.

بضع أصوات في خلفية المشهد
وباكيات تهجن الصدى،
هو ما جعل الموسيقي
يحفر عميقا في الآلات.

بعد قليل سيذهب المتفرجون
إلى المقاهي
تسبقهم طاولات النرد
وموسيقى الهواتف
والإشاعات.
لكل صوته في رسم اللقطة.

(...)
ثم كانت الجثث تزيح الأكفان عن المشهد،
لترى وجوه القتلة.

كسور في ممشى

ليس على ما يرام:
دقات قلبه صارت تسبقه
كل ليلة
إلى ضاحية القلق.
أصابعه لم تعد تملك الدربة الكافية
على ترطيب الهواء،
وفي كل خطوة
صارت له كسور في الممشى.

كل هذه الجثث
ولم يتعفن بعد!

طلقات في الغيم

أمنية:

هات يديك
لنتبادل الأسلحة.

مضى وقت طويل
لم أقتل أحدا.

موزار:

في صوتك موسيقى
رغم أن لسانك
مثقوب.

فوبيا:

هل قلت صباح الخير؟!
ياه
يبدو أنني نمت!

سر:

اللون الذي شاخ في اللوحة
لم يره أحد،
وحدها عيني تنضج.

عادة:

منذ مدة،
نسيت أن أنسى.

ضيم:

وحين أتذكر،
لا أكبر في عيني.

كثرة:

رغم أنك كثير
لم تصر حيوانا بعد!

استنكار:

لماذا لا تطير
وكل هذه الأجنحة
في رأسك؟!

مرة أخرى:

هات يديك
لنتبادل الجثث ثانية.