زكريا محمد
(فلسطين)

نور

زكريا محمدأخذت كتلة نورٍ
كوّرتها
ورميتها في فمي

النور علكة تحت ضرسي؛
لساني يلهج بالنور
ويلعب به

كل كلمة من كلماتي عجينة نور.

7-7-2006

مقتل نخلة

نخلة سحوق سقطت على الضفة
النخلة الساقطة كون تهاوى

النهر ماء يتدفق في المجرى
النخلة مطروحة على الضفة

نواح حزين قرب النخلة
الغربان تبكيها بشحيجها الطيب الأخرق
لكن النخلة لا تنهض أبدا

فالنوم أكثر وعورة من الصحو
والموت أكثر ثقلا من الحياة

الموت يتدفق على الضفة
الموت يتدفق في النهر

النهر ظل النخلة الميتة.

10-7-2007

بيت

طيور كثيرة مرت مسرعة فوق رأسي
كي تبني أعشاشها
كل طائر عوده في منقاره

بيتي أنا لم أبنه بعد
ما زلت أسكن في قيعان الشمس والمطر

تمضي الطيور مسرعة بأعوادها
وأنا، بعد، أتهجى مثل تلميذ صغير:
ب
ي
ت
ي!

22-5-2006

أسد البحيرة

على ضفة بحيرة طبريا
أسد من نور

البحيرة محصورة بين فروته الشقراء
وبين الجبال

انحدرتُ نحو البحيرة
لا كي أسوط، مثل بدر بن عمار، الأسد الأرعن*
أو كي أضرب بكفي، غاضبا، صفحة الماء الزرقاء

عاريا عطشا نزلت
ففتح النور عيني
وأظلت الجبال هامتي
وبلّ الماء شفتي.

* بدر بن عمار ممدوح المتنبي الذي صرع أسد بحيرة طبرية بسوطه، على حسب المتنبي.

6-6-2006

بسمة

إذا رأيت نيوب الليث بارزة
فلا تظنن أن الليث يبتسم*
لا أستطيع أن أكون سيء الظن كالمتنبي
حربه الطويلة سممت روحه وفكرته
إن ابتسم لي ليث كاشفا عن أنيابه ابتسمت له
حتى لو خسرت ذراعي

هكذا أنا:
بسمة صغيرة واحدة
تهدم حصون حذري كلها.

*بيت المتنبي الشهير.

6-7-2006

كرة قدم

أنا الآن ميت
الموت ملعب كرة قدم أخضر وسيع
وأنا واقف:
قدم فوق الكرة والأخرى على العشب
غير أنني لا أدري أي شباك هدفي

مطر خفيف لا يتوقف
يثقل إرادتي ويشوشني
سأنتظر حتى تطلع شمس بين الغيوم.

من أرسلني إلى هنا؟

أستعيد اللحظات الأخيرة قبل الموت:
صوت رصاصة
أحد ما يصرخ: قتلوه
ثم لا شيء...
فقط حشيش أخضر
وشِباك عن يميني وأخرى عن شمالي

من قتلني؟
لا يمكنني أن أهدّف في شِباك غير شِباك قاتلي

تطلع شمس من شق بين الغيوم
النور يدور في المدرجات
وينزل فيأكل العشب كله

ثم، فجأة، تدخّن بندقية
ويدخّن ثقب في صدري
وأسمع صيحة: آه... قتلوه
وحين يتبدد الدخان أرى في ثقب السبطانة العين التي سددت نحوي
عين بيضاء تدور
مثل كرة قدم فوق سبابة ماهرة!

جسدي يتوثب
ويقطر دما
أضرب الكرة بقدمي
وأندفع نحو الشباك على يميني.

7-7-2006

مولد قصيدة

لا تقربني
أنا لا أُلمس
مثل طبقة القذرين الهندية
واسمي إبريق شاي محترق

لا أخاف الوحدة
الوحدة جذري
به أمتص غذائي من الطين

لا أغني
ولا أرقص بالغصن
ألعب بعلب الكولا فقط:
أسكبُ عصيرها قربانا للأرض
ثم ألعب بالعلب الفارغة

اشربْ إن أردتَ ماءها الأسود
واترك لي العلبة الفارغة

إن نقصت علبة
أطلقتُ عليك النار

هذه خطتي:
علبة فارغة فوق علبة فارغة فوق علبة فارغة
حتى تجيء القصيدة!

21-5-2006

قفص

آه يا إخوتي
لقد ألزموني طائري في عنقي
حشرونا معا في قفص
لا يتسع لجناحه ولا لخطوي
وتركونا للضّيق والخصام

طائري يائس، وأنا غاضبا أصرخ:
افتحوا الباب
افتحوا
كي يطير الطائر في السماء
وأمشي أنا بخطاي إلى بيت أهلي في التراب!

21-5-2006

كاهن

وما معنى حياتي؟
ما معنى ما عملت؟
لم تشقَّ نعلي طرقا في أرض مُضِلّة
لم تُزح مسحاتي الرمال عن كنوز مخبوءة
ولم تكن لي يد قابلة تتلقف الحياة وهي تسقط من أرحامها

كنت كاهنا عجوزا
أجلس منتظرا صرخة الوليد الأولى كي أسميها

لست إلا مانح أسماء
أعطي أسماء للصرخات
أطبعها على ظهورها كما تطبع علامة الشركات

كل صرخة في الكون تسميتي!

22-5-2006

شجرة

في الوعر
شجرة تفكر بالمطر

أنا أيضا وقفت في الوعر، مرةَ، مثلها
وفكرت ببرق تشرين ورعوده

كان هذا
قبل
أن
يمحى المعنى
وتضيع الحروف

الآن:
قبعتي على رأسي
مطرتي على جنبي
أمر عنها وأقول لنفسي:
شجرة حمقاء أخرى تفكر بالمطر.

2004

كلمات

كلماتنا حبل نجاة لنا
كلما أذعرنا الموت
بصقنا بها
وألصقناها في السقف
ثم نزلنا معلقين بها
تماما كما تفعل العناكب الصغار:
تدلّي حبلا رفيعا
وتنزل معلقة من أفواهها...

2004

طيور حبيسة

أرواحنا طيور حبيسة في أجسادنا
حين يمر طائر شريد فوقنا
وتسمع صوته ورفّة جناحه
تخفق بأجنحتها
وترفّ رفّاتٍ خطرة
فتكاد قلوبنا تنخلع من معاليقها

لا بد من قتل هذه العصافير الشريدة،
لا بد من قتلها كلاب السماء الضالة هذه
فهي جراد يهدد بقضم الورقات الخضر الأخيرة على شجرة حياتنا.

20004

ألوان

الأشجار لا ترانا
فهي مصابة بعمى الألوان
الخضرة لونها الوحيد
الأشجار لا تحدثنا
بَكَمُ أخضر كلامها

أما نحن فالألوان كلها ملك أيدينا
طيفنا واسع يبدأ ب:
العتمة الثقيلة
ثم الدم
ثم النار الإغريقية الحرّاقة.

2004

قتلى

النوم
مدينة الغرباء
يسكرون في حاناتها
يعربدون في أزقتها
ثم يقتلون بالرصاص قبيل الفجر.

2004

موت في رام الله

الليلة
عاريا أقف قدام المرآة
في ضوء البدر الذي يحبو على شرفة بيتي

الليلة تطلق عليّ النار
من المرآة
أو من بندقية في مستوطنة بسغوت*
التي تطل على سريري

وسوف أموت
سوف أموت
ويظل الضوء يحبو ويحبو
لكي يرضع من ثديي.

* بسغوت مستوطنة على تلة فوق رام الله، وهي تطل على شرفتي وغرفة نومي.

2004

قطط

أشعلنا النار
كي تنفصل عنا ظلالنا
فنقول لأنفسنا واثقين:
نحن هنا
بالتأكيد نحن هنا

غير أن النعاس يفجؤنا
فتطفئ قطة نارنا

يا ويلنا
يا ويلنا
القطة بالت على نارنا
فألغتنا
وخلطتنا بظلالنا.

2004

تخييم

بتنا على الهضبة
ولم يكن من داع لأي ثقاب
لو أضأنا عودا
لانفجر الدم
الضوء دم نازف
والعتمة رقّاءة كل دم مهدور

على الهضبة
لا تفتح فمك لتقول: يا أخي
لست أخاك
أنا أذن مفتوحة لجندب الليل
أنا موجة من حرير تغمض بيد ناعمة:
الضوء والعين والنجمة.

2004

صلبان

صليب غريب في خربشات طفل
صليب ذهبي على صدر الصبية
صليب كبير فوق برج الكنيسة

الدم ينزف منها كلها

أنا من يتبع الصلبان
الدم يقطر في نومي ويقظتي.

بَدّ

لا أحد سيطحن لك قمحك
وحدك ستدير مثل حمار حجر الطاحون
بيتك هو البدّ
حيث ستأكل شعيرك واقفا
وتنام واقفا.

1999

مخاط

ارحموا الموتى
دعوهم لحالهم

هم، لو تدرون، لا يرغبون في قرابين لأرواحهم
فليست لهم أرواح
ولا يريدون كلمات على شواهد قبورهم
فهم لا يقرأون

ما يعذبهم أنهم غارقون
في عار يدعى الموت
إنه يسيل منهم
كما يسيل المخاط من أنوف الصغار

إن كنتم تريدون عونهم حقا
اتركوا لهم لفة من ورق المراحيض وراء الباب
سوف يأتون بعد منتصف الليل لأخذها
كي يمسحوا العار الذي يقطر من جباههم ومناخرهم.

2004

صرخة

جمعنا الصوت من كل مكان:
من يأسنا
من قحف رؤوسنا
ومن حاويات القمامة
ثم أطلقنا صرختنا

تبعناها كأننا نتبع أثداء أمهاتنا
انحدرنا وراءها في الوديان
والأرض المجهولة

آه
ما كان ألعنها
بفم بكّاء ولدت
وقماط محلول

تلقفناها باسمين مرتجفين
ثم سميناها
لكي تحرقنا
ويصعد الدخان إلى السماء.

صقر

بعدسته الذهبية
يصيد الصقر
الطريدة وظلها معا

اليوم
بشفقة مفاجئة ليست من طبعه
ترك للظل بأقدامه العاريات
أن يعبر خائفا
على الرمل الساخن
حتى عتمة الجحر.

2003

شهوة

- لم تتسع حدقتا السنّور في الليل؟
* كي يلعق بلسان خشن
كل حليب النجم المهدور.

2003

موتى

عندما ذهبوا إلى الموت لم يجدوه!
كانت معهم صررهم
وبللورات من سكر فضيّ

ذهبوا
فلم يجدوا شيئا
دهشوا!
أهذا هو الموت حقا؟!

وضعوا صررهم على الأرض
وانتظروا
لا أحد أشار إليهم كي يتبعوه
لا أحد مرّ كي يأخذ أسماءهم

رأوا أن في الأمر خدعة ما
كان هذا أكيدا

لكنهم حين قرروا أن يعودوا
كان الليل قد محا الطريق

هم الآن يمضغون بللورات السكر الفضيّ
ويدربون حناجرهم على الصرخات
التي لن يسمعها أحد
بانتظار أن يرفع الليل ستوره
التي لن ترفع أبدا.

2000

أهلّة

نقصّ بالقرّاضة أظافرنا كالأهلّة
البدر فوقنا
يتأكّله غضبه
نحن لا نراه
غير أننا نلمحه في عين القطة
فهي، مخادعة، تغمض عينيها عند أقدامنا وتفتحهما
كي تخفي عنا عين البدر الحانقة الحمراء
التي تلمع في حدقتها.

2004

أعناب

على كراسينا أمام البيت جلسنا:
أكؤسنا فارغة
الصمت يلّفنا
والحياة هياكل عناقيد عنب مستهلكة
تحت أقدامنا

العصافير على الأسلاك تحدق في وجوهنا
آملة أننا قتلى
فهي تنتظر موتنا
كي تبحث عن حبة عنب هاربة تحت أقدامنا

ثم فجأة
يضرب البرق
ويعصف المطر
وتسقط قطرات

فجأة
تطفو خيالات عناقيد جديدة
فتمتلئ الكأس
وتتأتئ الكلمات
والحياة
تطرد بيدها العصافير عن الأسلاك.

2004

صقر

على الغصن
كاهن بجبة ترابية
عينه ثقب أسود يبتلع الكون كله
كل حركة تغرق في دوامته

على الغصن
كاهن يدير عينه الذهبية
ثم ينفض جبته الترابية
ويلقي على الأرض بظله

فتسمع عندئذ الصرخات المتقطعة القصار

على الغصن
كاهن يتنبأ بالموت.

2004

مودّة

أريد أحيانا أن أطلق النار عليه، هذا الكلب
عنده ما هو أشد خطرا من الكَلَب: عيناه
أبعدوه عني
أبعدوا عينيه اللتين تملأهما المودة كحشيش أخضر في الجبال.

2004

الحقيقة

الحقيقة عربة خضار
يدفعها بائع جوال
في طريق صاعد صعب
كلما صعد مترا
وضع تحت العجلة حجرا
كي لا تتدهور في المنحدر

الحقيقة
غرسة تنتظر من يسقيها كل يوم

أما الكذب فنبتة شوك
تشرب
من كل ماء حولها.

2004

أغاني الوارث المتلاف

1

أورثني أبي مالا وعقارا
غير أنني أتلفته كله

لم أقامر
لم أعش رفها
ولم أتبع ملذات جسدي

في الأشياء الصغيرة بددت ميراثي
في الأشياء الصغيرة

بيتي مملوء بها:
حمار بديع من زيتون القدس
غزال صيني منحوت من حبة أرز
حجر يضيء في الليل من خراسان
وصحن من فخار
عليه حية تبتلع ذيلها

2

أعمل اليوم عند إسكاف
أتكسّب من خرز الأحذية
وحين يمتلئ بطني
وأشرب كأس نبيذ
أعود إلى بيتي
وأتأمل
بين الضوء والعتمة
حماري الخشبي البديع
والحية التي تبتلع ذاتها

3

لا أحد يهتم بما أملك
أنا لا أعرضه على أحد
غير أنني جعلت على الجدران مرايا
لكي أكثّر أشيائي
وأضاعفها:
الحمار البديع يصير قطيعا من حمر الزيتون
وأنا أصير عشرين رجلا
همهم أن يبددوا ثرواتهم على الأشياء التي لا تسمن
ولا تغني من جوع

4

الصنعة تنحدر
من يقدّرون الأشياء الصغيرة باتوا في القبور
لا أحد
كي يضرب رأسه بالحائط من مهارة الصانع
لا أحد
كي يقطع إصبعه لأنها لا تقدر على نحت بديع من خشب اللوز

ساعتي تقترب
بعدي سيكون العالم خاويا
لن يكون أحد قادرا على فهم الحية التي تبلع ذيلها

اليوم الذي سأحرق فيه أشيائي
يقترب هو الآخر...

بول الكلاب

تحت المطر الخفيف أخرج بكلبي
أرقبه يرسم ببوله حدودا لا تدرك على الأحجار والأشواك
أفكاري تتبع شخبات بوله:
حين يقف ليبول تسيل فكرتي
وحين يركض تتكثف وتجمد
كل فكرة من أفكاري انبثقت مع شخبة بول
حتى قصائدي:
حدودها حدود بوله
وهي تأتي في جولتي الصباحية معه غائمة
كما لو أنها بخار بوله الساخن على الشوك والحجارة.

2006

مظلات

مظلاتكم مفتوحة
وبأيديكم زنابق لمن تحبون

أقفلوا المظلات
ما من مظلة تحمي من مطر
وارموا الزنابق في الوحل
ما من زنبقة تضيء سبيلكم

امضوا
بأيد فارغة
ورؤوس مبتلة

رؤوسكم القرعاء مظلتكم
وأعينكم العشواء وحدها دليلكم في العتمة.

6-2006

كلمة أولى

المصعد يصعد:
الأفواه مقفلة
والعين ترتد عن العين
لتستقر لحظة كذبابة منهكة على المرآة
ثم تسقط بين القدمين

المصعد يصعد
يصعد
يصعد
وكل واحد عينه مثل كرة بين قدميه

إنها رحلة وجودكم كلها:
النظرة الأولى للمرآة
الكلمة الأولى في الطابق الخامس والستين:
أنا أختنق...

2006

الطائر المحترق

في مزرعة البن في ميديلين* طار الطائر فجأة
فرأيت النار تشتعل تحت جناحه
قلت لأنجيلا مذعورا: ستحرقه النار، ستحرقه

أنا أعرف هذا. أعرفه جيدا:
لكل واحد حق نار تشتعل في الخفاء تحت جناحه
العقلاء من يسهرون عليها
كي لا يمتد لهيبها فيحرق وجودهم كله
أو تنطفئ فيعتم هذا الوجود

أما الحمقى فيلقون الحطب على النار في كل ساعة
فيحترقون
ولا أحد يملك لهم شيئا
حتى لو سكب الماء عليها
فلن يزيدها إلا ضراما
يقدر من أحبهم أن يرمي بعود طيب في النار
كي ينتشر الشذى، فيقول العابرون:
يا له من شذا!
ثمة قلب كبير يحترق!

هذا هو الحال يا أنجيلا
لكل واحد ناره
لكنها لا تلوح إلا حين يصفّق بجناحيه
مندفعا في السماء.

1999

شجرة الثلج

في الجبل العالي فوق ميديلين
ثَمّ شجرة غريبة:
الثلج ثمرتها الوحيدة

من مكان بعيد
جلبها هنود الحمر
وزرعوها في المنحدر بأيد مرتجفة

جذورها تذهب في الأعماق
كي تمتص كل رجفة برد
وترميها ثلجا أبيض على أغصانها

الناس الذين ترجف قلوبهم بردا
يمرون عليه ويستلقون تحتها
فتمتص البرد المخيف من قلوبهم

أنا أيضا مررت عليها يوما
رأيت ثمرتها الثلجية
وفي الأعماق، أعماق قلبي غارت جذورها
وأدفأتني.

1999

سرو

- السرو يصطف على جانبي الطريق
صفوفا صفوفا
* لا، ليس هذا هو السرو يا بني
هذه هي الذكريات
تمضي من هنا إلى بيت جدك
لقد زرعتها بيدي
اذهب أنت يا بني
ودعني أعدها واحدة واحدة
راجعا نحو البيت

1992

الطائر الأغبر

حشروا الموت والميلاد في قفص
فأخذتهما الشهوة
فتزاوجا،
وولدا طائرا بجناح أثقل من أخيه
صفّق الطائر راغبا في أن يحلّق
بين الأرض والسماء

لكن جناح الموت الثقيل يكبحه ويسقطه

الإنسان طائر بجناح ثقيل أغبر.

2006

مرضعة

لكل رسول مرضعة:
حليبها في شفته
وصوتها يكسر في الأعماق نبوته.

شجرة الماضي

الماضي شجرة
تحت الشجرة يقيل رجل
وقطيع أغنام
يصحو الرجل متأخراً عند الغروب
فلا يدري من هو
ولا لمن القطيع
ولا إلى أين سيقوده بعد القيلولة الطويلة!

سيوف

للسيف خمسون اسما
شفراتها قاتلة
بالحظ نجوت منها
عابرا بين نطق الواحد وما يليه
غير أن أحلامي جميعها
صارت في الليل صراخة مذعورة.

أشجار

الأشجار في الليل عذاب أقصى
تفقد مع العتمة حدودها
وتصير أي شيء:
تنينا
رجلا بمسدس
أو
رشقة دم سوداء على جدار الأفق

وحتى لو أغمضت عينيّ
حتى لو قلعتهما
فستظل في الدماغ غابة بأغصان كثة
تضرب على زجاج نافذتي.

قتلى

بصقنا قتلانا كما نبصق نوى التمر
صففناهم صفا طويلا: كل نواة قتيل
مشينا وراءهم فوصلنا إلى البحر
البحر موتنا
والبحر قِتلتنا

2006

خيل

الخيل لا ترحم فرسانها
تعدو بهم في السهب مسرعة
ولا تتوقف حتى كي تقضم عشبة
فهي تركض نحو هدف لا محيد عنه

وليشدّ الفرسان أعنّتها
لتجرح الفؤوس الفولاذية أطراف مشافرها
لكنها لن تتوقف

إنها تمضي نحو بحيرة الموت
هناك سترمي بهم
كي يسبحوا في مياهها الدافئة.

2001

نرد

لا نريد أنبياء
لا ترسلوهم إلينا
سنحصبهم بالحصى
سنصلبهم
ونضع رؤوسهم المقطوعة على صَوانٍ من فضة
نحن لا نؤمن إلا بحجر النرد:
نقذفه في الفراغ الأبدي
بين الأرض والسماء
وننتظر سقوطه
كي تقودنا عيونه الغائرة السوداء في طريق الجنون.

2000

حب

قالت له:
خذني من ضلعي
وازرعني شجرة في بستانك
قال لها:
في قبري سأزرعك
في رحمي
في بصري وفي عماي.

تمثال

عشرة جمال في الصحراء:
في أفواهها المُرار
ووجوهها نحو الشمس
الجمل الأسود يا حبيبي هودجك
الجمل الأسود موتك

عشرة أحجار صلّت تحت الشمس
عشرة أحجار صمّاء
الحجر الأسود يا حبيبي عرشك
الحجر الأسود قبرك

الموت يا حبيبي جملك
الموت شقيقك الأسود.

طفل

هبط الطفل إلى الوادي
شعره يخفق في الريح
التي تصعد للسفح

وعند الماء:
قثّاء
ومعزى
وثغاء

ولدي
يا ولدي
موته يركض في صندلهِ.
عند مجرى الماء:
قثاء
ونعل
وبكاء.

أغنية

لو كان لي شجرة توت
تنزف ثمارا كالدم
لخضّبت بالدم جناحي
وبالسُكّر منقاري

ولو كان لي بيت
تدخل من خروق بابه الشمس
لألقيت في الهَبَآت روحي
ولوّثت بالنور جبيني.

2001

رمال

الستائر من غلظة لا تضيء
والمزاليج
والغال
كل شيء هنا مقفل ومحال

وأنا؟
من أنا؟
شمس تضيّع طاقتها في الرمال!

1989

منجم

عروق الذهب العزيزة في الأعماق
هناك حيث الزلازل والخوف والنفَس الثقيل

سوف نمضي بالمعاول إليها
ونتقدم في العتمة صامتين
وحين، أخيرا، يلمع في أعيننا أول عِرقٍ
سنكسر بالصرخات العظيمة صمتنا

غير أن من ظلوا على السطح لن يسمعوا صرخات بهجتنا أبدا!

22-5-2006

فحم ونار

أيامي علبة كبريت بعيدان مطفأة
آخذ كل يوم عودا
لأكتب برأسه الفحمي حرفا أو حرفين
على الحجر
ثم أرمي به

أغبطهم من تمتلئ علبهم بالعيدان الحية:
أيديهم التي تقبض على النار
تهدد العالم بالحريق.

25-5-2006

كاميرا خفية

ضحكت من أشياء كثيرة
ضحكت ضحكات مكتومة
الضحك نقيصة
هل سمعتم بمسيح ضاحك؟
ضحكت على من سار بطيئا لتضربه الصاعقة
على من غرق في البحر عند الغروب
على من ربط بالمنديل جرحه
ضحكت كما ضحك سليمان من النملة حين صرخت:
يا أيها النمل ادخلوا منازلكم
لا يحطمنكم سليمان وجنوده
غير أني كتمت ضحكي

الآن جاء وقت الضحكة المكشوفة
سأطلقها كي تتساقط مثل أقدام تهبط الدرجات مسرعة:

الأمر كله كان خدعة
كان مشهدا مرتبا من مشاهد الكاميرا الخفية!

22-5-2006

مظلة

اسمي فوقي مظلتي. اسمي تحتي مهري. اسمي شهوتي، واسمي زوجتي.
واسمي لجامي
اسمي فشخة فاغرة
اسمي نزيف غير مكشوف
هكذا تقول كل شفة. يقول كل كهل وكل جذع.

لغة سواحلية

المرة القادمة
سأكتب باللغة السواحلية:
كلمتان عربيتان وخمس إفريقية
ستكون أشعاري رطانة ريح وأمطار

اللغة حديد سياج
ووراء السياج
قلبي ينضج مثل ثمرة تين في آب
تعالي يا طيور نهمة
يا طيورا تفهم السكّر المعقود بأي رطانة كانت

سوف تسقط الثمرة منهدرة على التراب
إن لم تأت في وقتها طيور اللغات الهجينة.

فرْج

في يوم الدينونة
يسأل المرء عن اسمه وفرجه
الاسم: كي يُعلم الأب
والفرج: كي يُعرف الابن

لا أحد يسأل المرء عن كلماته
الكلمة ظل الاسم
وظل الفرج.

2000

انفجار

العالم شحاذ على رصيف
القصيدة محفظة
خذ درهما وضعه في الكف الممدودة
لا تملأ كفه بالذهب
إن فعلت
لن يقف بعد أبدا على الرصيف منتظرا منحتك

درهم واحد يكفي
قصيدة من خمسة أسطر تكفي كذلك
كي يرجف العالم
أو كي يكون الأمر كما في ناغازاكي:
انفجار،
ثم مظلة فطر جبارة ترتفع فوق الكون.

14-6-2006

ظمأ

ألقِ في عتمة البئر غَربك
ثم اسحب مَرَسك على أملٍ

لا أحد يدري
أبالحصى والظمأ يعود الدلو أم بالماء!

الماء صدفة
والظمأ ضرورة.

14-6-2006

شمعة 1

لا تطفئ الشمعة بنفخة من فمك
أمسك بذبالتها المشتعلة بين السبابة والإبهام
وغيّب نارها
كي تدري الشمعة أنك بالألم تطفئها
وبالأمل تشعلها.

شمعة 2

ليل العالم
لا يكفي كي يولد نور شمعة
لا بد لنا أن نصرخ صرخات امرأة تحت الطلق
كي تتهيأ لنا خيمة صغيرة واحدة من نور.

شمعة 3

الليل المدلهم جميعه لا يقدر على شمعة صغيرة واحدة
لا بد من فم يزفر بالحقد كي يخنقها.

2006

إبل الواسطي

عارية إبل الواسطي:
لا قيد في أرجلها
ولا أجراس في أعناقها
سرّحها هكذا كي ترعى العشب
ومضى ليزيّن مخطوطة أخرى

غير أن الإبل ترعى مصطفة بانتظام عشب البيداء!

بأي قيد سري قيدها؟
بأي سحر كبّلها؟

لا بد أنه فعل ذلك بالإيقاع:
أنظروا إلى أعناق الإبل
تصعد وتهبط
مثل ضرباتٍ خبيرة على مفاتيح بيانو

الإيقاع سحر الواسطي
قيد من إيقاع قاس ولطيف يكبح إبله
فيما ينهي هو تزيين المخطوطة.

14-6-2006

هجران

يجلس الواحد منا قرب حبيبه
اليد في اليد، والعين في العين
كي تُنسى السوسة التي تخترق الجذر والجذع والغصن: الزمن
الحب دواء ضد السوسة
كما هو الماء دواء للعطش
لكن، أتدرون أن ثم أناسا لا ينفع الماء في إروائهم؟
أتدرون أن الماء يضاعف عطشهم؟
لقد جربوا الماء وضد الماء
وظلوا، مع ذلك، يلهثون كالكلاب
فمن يستطيع أن يلومهم إن هجروا الماء؟!
( لم نهجر الماء إلا بعد تجربةٍ
لقد شربنا فلم تذهب بنا الحُرر)*.

* البيت لأبي العلاء المعري في لزومياته.

2006

نملة درب التبانة

لا تضرب على كتفي بيدك الصديقة
دعني أرقب النملة بحملها الثقيل في الدرب الطويل
الذي يبدو لي، أنا من يرقبه من أعلى،
مثل نهر مجرة سُفلي

إن استدرت بوجهي
لأرى البسمة الطيبة على فمك
فقدتُ أثر النملة

أريد أن أعرف
كيف تمسك نملة بفكّيها مذنبا جبارا
وتعبر به الممرات المهلكة لدرب التبانة العظيم.

27-6-2006

خطا

الريح تتبعنا
لتعفو خطانا
تعرف أننا خُطّار عابرون
وأن أثر شفاهنا على الكأس يجب أن يمحى

الريح تزيل بمكنستها العظيمة آثارنا
العابرون بُكرة لن يروا خبطات أقدامنا على الرمل

ما سنخلّفه وراءنا هو جثث قتلانا
لكن لا أحد سيلحظ خطاها
فهي خطا تخبط في درب طويل معتم تحت الرمال.

27-6-2006

مُمباسا

ها أنا ذا في ممباسا من عشر سنين
حطّم سفني البحر
وألقاني الموج على الساحل

أنا تاجر جوز الهند
عَلقتُ هنا في الميناء

ما من سفن تحملني
ما من ربان يأخذني عبدا في مركبه

هو ذا من عشر سنين
وأنا أتمضمض بالريح الزنخة
ريح فسيخٍ وورود جرباء

ألعب عند الصبح النرد
وأصطاد الذبان

وبعد الظهر أطوّف في الطرقات
فيجرحني الشوك
وتنبحني الأزهار من الشرفات

أهلكني النوء
وأعماني الضوء

كان طريقي نحو الهند
وما من ربان يرميني عبدا في مركبه
ما من أشرعة بيضاء...
* ممباسا، أو ممباسه، مدينة على طريق التجارة العربية القديمة إلى الهند، وهي الآن في دولة كينيا.

1992

رجفات

رجفنا منك يا رعد
يا من يسفع بنواصينا
رجفنا من مائك. من برده. من وعده. من ضوئه. من وضوئه.
من غيبته ومن حضوره

عبرنا مخّاضات النوم. عبرنا مخّاضات الصوت
عبرنا الباب الضيق والباب المفغور
وغرقنا في سُدم البخور

ولدنا عند حقول القصب الخرساء
وُلّينا بالصرخة
فوق الَيَبس وفوق الماء

بالحيطة سيَجنا منازلنا
بشظايا القناني الجارحة

كل سنبلة سقطت من حمل لنا
أيدينا تلقط ما خلف الحاصدون

وقفنا في السوق لنبيع قمحنا
بصوت خجل نادينا
بكلمات مكسوفة

خذنا كتوائم شؤم
كتّفنا بالوشم وبالرقية

ستكون لكل رحى حنطتها. لكل يد قبضتها
لكل حرف نقطته. لكل حجر كتلته

سيكون لكل رسغ إسورة
لكل منزل مقبرة.

رحيل

دعوا فوق المنضدة الخاتم
وفي الباب المفتاح
دعوا الريح تصفر في كل إناء
واتركوا الماء يقطر في الصنابير
كي يغطي نشيجكم وخفق خطاكم

البيت لمن يركل بقدمه الباب
والسرير لمن بيده الخنجر

اتركوا البصمات على الكأس
سيّجوا، مثل جثة قتيل، كل شيء بالطباشير
أحد سيرفع بالمنديل زر القاتل
وعقب سيجاره

جدير بكل شيء أن يكون كاملا
جدير به أن يكون بلا نقص

وانظروا في المرايا:
الموت يعقد ذيله في كل واحدة منها

يا أقمارا تهبط بلا وزن وتغيب
يا أرواحا مبلبلة في أذان الفجر الراعش
يا ظلالا لم تولد بين الأقدام بعد

يا حجارة ملساء
من خبطات الذين مضوا
يا جوارير مفتوحة على رسائل وإبر وخيطان
يا دهورا مكسورة كالبندق

واذكروا مياه قادمة من الأعماق
سوداء مرتعشة بلا ذاكرة
أذكروا الوردة
بلهبها الذي لا يفهم
تحت الصخرة وفوقها

اتركوا كل شيء على حاله
ولتنهض الإبل وحدها
لتنهض هكذا قبيل الفجر
مترنحة مغرغرة
وليشق الأفق الأسود بالصرخة والعصا.

مقثأة الباطل

جناح الملاك الساقط يهوي به
مثل طائرة فقدت توازنها

الله يجلد ظهره بالبرق والمذنبات
وهو يهبط إلى الأرض،
سكنى القتلة والساقطين

يسقط مثل حجر
مثل كلمة أفلتت من فم ولن تعود إليه

يسقط ولا ينادي أحدا
النداء لا معنى له هنا
البكاء لا معنى له

يد الله تدعّه
كما تُدع حطبة في النار

أيتها الأرض
يا مقثأة الباطل
ارحمي الملاك الساقط
امنحيه اسما لا نفع له: الإنسان!

النور

حللت عقدة همياني
وبثثت ما فيه:
ماس، زمرد وعقيق

شعّ نور الباطل من همياني
شعّ في عيني
وفي عتمة بيتي

راضيا مرضيا
أعدت النور المبثوث إلى الهميان
وربطت عقدته
وشددته إلى خصري

ومشيت:
الحق تحت قدي
والباطل على خصري
لا أحد يقدر علي
لا الموت ولا الحب
نور الباطل يعمي عني أعدائي...

13-1-2007

zak-cyclamen@yahoo.com

أقرأ أيضاً: