اختيارات من ضربة شمس
الأعمى وكلبه
لكل امرىء كلبه ويوم عماه
وهدف حياته أن يجمع بينهما
وثَم أناس تربض كلابهم بسلاسلها بين أرجلهم
لكن عماهم لا يطل أبدا
وهناك من يأتي عماهم
بعد أن تهجرهم كلابهم
غير أن السعيد
من يكون كلبه ليوم عماه
ويوم عماه لكلبه
وهو بينهما لعبة للعتمة والنباح.
1999
فكرة
فكرة غامضة
تحت حافر حصان
كان الحصان يطبعها ويمضي
كان يتركها ويمضي
الفكرة غامضة
الحصان كميت
والدماغ يدور
لكن الريح تطحن وتذرو
الريح تقفو وتعفو
ولا بد من سنواتٍ
أتبع فيها، تحت شمس الصحراء، الحصان
كي أفكَّ رموزها
وأدرك مغزاها.
صفقة
في الحديقة شجرة مشمشٍ ميتةٌ
تركناها واقفة
ثم زرعنا أسفلها
نبتةً متسلقة
فغطتها الخضرة
من الجذع حتى الغصن
والآن
خضراء شجرة المشمش
حتى في كوانين
وهنا جوهر الصفقة:
الموت أخذ الجذر والثمرة
ونحن رضينا بالخضرةِ الكذّابة.
2001
الحاصدون
من أنتم أيها السائرونِ في الدروب الوعرةِ
ينزف العرق من أبدانِكم؟
نحن حصادو التلال المنحدرة
مضينا عند الفجر
وحصدنا الريحَ
والوقت
والهلوسات التي طلعت على وجه الأرض كأعشاب السافانا
ولو أن الليل لم يهبط سريعا
لكنّا حصدنا بمناجلنا:
الصمت
والموت
والحجر
ثم نزلنا إلى البحر:
كي نحصد موجته ورجفتَه
والدو: نخلته وصلته
آه ما أعجبه في غد حصيدنا
ما أعجبه حصيدنا.
2000
عقل
شجرة
بجذع معوجٍ عتيق
وظبيةُ مها بقرنين طويلين
ولا شيء غيرهما في الخلاء العريض
الشجرة تلتمّ على ظلها
والظبيةُ واقفةُ تحت قرنيها
غير أن العقل الذي لا معنى له
سوف يخلق هنا مشكلةً
فهو سيدفع بالظبيةِ
كي تحكّ بالجذع ظهرها:
وسوف تُكسر، حينئذ، قرونٌ
وتسقطُ أثمارٌ
ويختلط الوبر والدم والتراب.
2001
الأغنية المرحة
إذا بدأ صباحك بأغنية مرحة وساذجة
وحاولت أن تنساها
فعلقت بك وكررتها إلى ما لا نهاية
فخذ حذرك
لأن الأمر مقلق وخطير
فهنا بالضبط،
هنا،
تبدأ العثرات والنوبات القلبية والطلقات التي تصفر خلف الظهر
فما الأغنية الصباحية المرحة
سوى اللمسة الأخيرة في الكمين
آهِ، لا تستهن أبداً بأغنية الصباح
فالموت يكمن خلف هذه الأغنية.
1999
أثافي
مضى من أشعل النار
وتركنا
عواء الذئاب يدهمنا
ولا خوف
وحدتنا أعمق من الخوف والوحشة
أبعد حتى من فكرة الذئب ذاتها
نحن نعيش بالذاكرة
ذاكرتنا تهبط من طبقة إلى طبقة
حتى الصهير الموّار الأحمر:
حيث كنّا
وكان مبدؤنا
أما هنا فنحن الثلاثة نلتف في برد الليل حول الجمر
نتذكر
ونبكي
بكاؤنا يخصنا وحدنا
يخترقنا حارقاً الكتلة والذرّة والنُواة
ولا نطلب من أحد شفقةً
نحن من قُذفنا من الأعماق في لحظة غضبٍ
قبل ألف ألف سنةٍ
لكي ننتهي ههنا
أثافي قدرِ مهتوكة ثلاثٍ
لرعاة الإبل الجرباء.
2001
شاحنات
عبأنا مصائَرنا في أكياس
ورميناها فيِ الشاحنات
مضت الشاحنات نافثةً الديزلَ الأسودَ على وجوهنا
نحن الآن في انتظارِ عودتها
- إلى أين مضت الشاحنات ؟
- وبم تبدل أكياسنا ؟
لا أحد يدري... لا أحد يدري
الأمر منوط بالسائقين غاضبي الوجوه
إنهم يبصقون بلا رحمة من النوافذ على يسارهم
ويبولون في الظل عند العجلات.
2000
دخان
مارين ببيوتنا
ما صعدنا درجا
ولا فتحنا بابا
توقفنا لحظة فقط
كي نتلقي صرخة من النافذة:
- هل أحضرتم لنا الشموع ؟
. لا ، لم نحضر نورا ولا دفئا
لم يكن لدينا الوقت
وقتنا كوموه في الساحات مثل الهشيم
ثم جاء من بيده الثقاب...
وغطى الدخان- دخان أيامنا- الأرض والسماء.
2001
عبور
لا تعبر صامتاً من العتمة إلى النور
كما تعبر من بيتك إلى بيت جارك
ليكن عبورك
عبورَ فتيانِ قبيلة من الطفولة إلى الرجولة:
بدم الختان
وبتر الأصابع بالسكين.
2001
ألوان
على شجرةِ الكرز في الحديقة
طائر بحجم قبضة يد
واسمه لطخة غسلها المطر عن جناحه
حين فتحت النافذة
صفّقَ بجناحيه ومضى
لكن عيني الرهيبتين استولتا على لونه
لذا سوف يحرث السماء إلى الأبد
عارياً من اسمه ولونه
من دون أن يراه أحد
ومن غير أن يترك حتى خيطاً أبيض وراءه
كما تفعل الطائرات
لقد قتلناه
قتلناه بلا رحمة:
أنا
وزخة المطر.
2001
رسالة
آه أيها الذهب
آه أيتها الفضة
يا معدني الشمس والقمر الحبيبين
لا ترنّا في لجوم الخيل وسروجها
لا ترنّا بعد
كي لا تتشوش أسماعنا
فنحن في ليلة البدر المخيفة هذه
ننصب راجفين آذاننا
في انتظار همسة قادمة من نجم بعيد.
عميان
لنا طريقتنا في معرفة الأشياء:
نلمس باليدين الحديد البارد
لنضمنه إلى صفوفنا
نطفئ الشمعة
كي نبصر وجوه أحبتنا
آه، ما أصعب أن تكون أعمى
فأنت ترمي ذاتك في الأشياء لكي تفهمها.
2001
كلاب وأفكار
للبدوي أفكار غريبة
تخرج من دماغه وتقعي أمامه
وهو يُصفر لها
ويرمي العصا لتحضرها
فتقول في دواخلها:
يا له من رجل غريب يظن الأفكار كلابا!
غير أنها تركض، متواطئة، وتحضر العصا
كي لا ينكشف أمرها
هو لا يقدر أن يديّر أفكاره
إن لم تنبح وتبصبص بأذيالها
وهي تقبل باللعبة
مدركةً أن فكرة البدوي لا تتجسد إلا في كلب أو حصان
ولأن الخيل تعلك شكمها في الاصطبلات الملكية
فأن الفكرة مرغمة على أن تكون كلبا لا غير.
2000
امرأة
لا أريد أن أكون شجرةً في التلال:
الريح تجرحني
والرطوبة في الأعماق تضرب رئتي
ولا أريد أن أكون صخرةً في منحدر:
الشمس تتلف ذاكرتي
والماء يقطع إصبعي
أريد أن أكون امرأةً:
الألم ثمرتها من حبيبها
وبأسنانها تقطع ما يربطها بوليدها.
2001
مساء
الظلّ بركةُ
الضوء عَطَش
كلما تقدّم بجرحه الذّهبي
غِيضَ الماء
ولا شيء يرويه
لا أحد يشفق على جرحه
إلاّ المساء
حين يصير الكون كله بركةً
تُغرقُ الضوء في مياهها.
2001
صلوات
ذهبوا في أوائل نيسان
كي يشربوا حليب النوق:
الشهوة في أفواههم
والغبار وراء شاحناتهم
لم يدرِ من ذهبوا
أن الجِمال في صلواتها:
وجوهها نحو الشمس
والندى على أخفافها.
إخوة اللعنة
فوق الوردة أصولها الثلاثة:
الماءُ
الملحُ
والصرخة
فوق البيت :
الريحُ
والصمتُ
والأنتين
وفوق هذا كلّه ثمةَ الإخوة الملعونون:
الأجراس
والشمس
والجمال.
****
جياد سوفسطائية
1- جواد صيني
الجواد الأبيض ليس جواداً
الجواد الأبيض خدعة بصر
فحين تفتح الشمس مراياها
يصير الحجر حصاناً
الجواد الأبيض جواد أسود
لكن اللّون خرج عن إطاره
ولوَّث المرج والحظيرة
الجواد الأبيض
قبضة عدمٍ
تلمع تحت الشمس.
2- جواد إغريقي
ولا يستطيع الجواد أن يخِبَّ أيضا
لأن الحركةَ مستحيلة
لذا فهو في حظيرتهِ
صائم
وصامت أبداً
الحرب تدور في الميادين
وتُسمع قعقعة سلاحٍ
ونزيف دم
لكن الجواد لا يستطيع أن يفك قيوده
وأن يكسر القانون الأعمى
الذي كبّلهُ إلى الأبد.
حجاب
امرأة عملت لي حجاباً
ورمته عند عتبةِ بيتي
وعلى العتبةِ كنت أمر
على العتبة
مت بالكلمات والرموز المبهمة.
العين
العين
مفتوحة بلا جفنٍ للغبار
والمِنخر يُطبق الشفتين
ولا شيء سوى طنينِ الأذنين:
يأتي من الباطن ويغور فيه
كلّ يتبع طنين أذنيه.
الصمت
الصمت
حجر من رخامٍ
على حجر من رخامٍ
يمضيانِ الليل كله على عتبة.
اسم
من كان بلا اسمٍ
سيُبرى له اسم
ومن كان بلا فمٍ
سيفتح له فم بالسكين.
الزهرة السوداء
الليل
يفتح زهرتهُ
للهابطين من درج إلى درج
ومن فَتق إلى فتق
الليل
يفتح زهرتَه السوداء
والخوف
يتدحرج كالبطيخ.
الموت
الموت، أيضاً،لا نفع فيه
لأنه يقف بسكَّتِه على رأس الثلم
ويصرخ ببغاله ويمضي:
ثلمه لا يتوقّف أبداً
وبغاله لا ترتد.
الأبناء
الأبناء غبار
تتركهم خلفك مبتهجاً:
ها قد تركتُ أثراً
آه مثلما يترك الجدريُّ أثره في وجوه المجدورين
وكما يترك الحريق دخانه في وجه الشمس.
لعنات
بإمكانك أن تفتقَ الليل
بعود كبريت وحيد
فالليل ليس ثقيلاً إلى هذا الحد
لكن، آه
دع النور نائماً
فهو بلسانه البرتقالي الأرعن
يفتح الباب للّعناتِ كلها:
بلّلورة الملح
الوردة
الجناح
والدّخان.
2001
الشمس
الشمس دوّارة كرحى
وكعين مدهوشة
دوّارة على أيتامها السبعة
عارية
بثدييها وكلابها وحراسها الأربعة.
العصر
العصر وقت لا يرحم
يده يد فجر تضرب الصدور
وقدمه ثقيلة فوق كل قدم.
رهان
لا رهان أسوأ من رهان الحب
رميتُ بيد مرتجفة زهرتَه
فحدقت ثقوبها السود بالحقد في عيني.
أيدي
الأيدي حرة وآثمة:
فادفنوا بالواحدة آباءكم
واسطحوا بالأخرى الكمأة.
فضيحة
لو لم يسمّوا الزهور بأسمائها الفضَّاحة
كنا تذكرناها
بالكأس
والبتلة
وموجة العبير.
ألم
ألمي إبريق
على طاولة
وعصاي ليست معي
لأهشمه.
تشبيه
ما من زهرةٍ أكيدة
لذا بالكاف ربطنا الغامض بالغامض
كي نأتي بشَبهٍ
والكاف جرة
والشبَه ظمأ.
خطى
واسمعْ
كيف تخفق خطاك خلفك
مثل خطا غريب.
صداقة
لو كان لي شجرة توت أحمر
تنزفُ ثماراً كالدم
لخضّبتُ بالدم جناحي
وبالسكّر منقاري
لكنني لست طيراً
ولا لي شجرة توت
وكل ما عندي هو الصداقة
لكي اسمّم دمي بملحها وخبزها.
عقدة
معقودٌ
على الجبين المنديل
وكل ثنية نسيانٌ مضاعف
معقودٌ
على الإصبع المحبس
وكل حبس طلاق
ومعقودٌ لكل امرىء اسمه مثل رسن
لكي يقاد إلى الرّدى والمعاطش.
غور
شجر العُشَّيرِ
والطَّرفاء
والماء
وبَخْر الماءْ
والريحُ التي ترعى على سبخةٍ ملحٍ ما تشاءْ
شجر البخرِ
الذي يرجفُ خلف النهرِ
والريحُ
وملح الصخر
والعين التي يُفتق جفناها
على بخرٍ
وصخرٍ
وسماء.
ضربة شمس
وُلدنا من ضربة شمس
من ضربة منجل في الهواء
ومن ضربة قرن على حجر.
رمينا المشيمةَ للكلب
ورمينا أرواحنا في الوحشة.
نهضنا على رُكب مرضوضة
نهضنا نهوض من يخشى أن لا ينهض أبدا.
خيَّطنا مثل نساء فقيراتٍ
شفاهنا على الصمت.
جُنُباً إلى صلاة الفجر
جُنُباً إلى الوردة
جُنُباً إلى ذكريات طفولتنا.
الرّمل غَلّتنا
والرملُ عَليقُ خيولنا.
طَلَعنا عليه لُهَّثاً
ونزلنا عنه لُهَّثاً.
ولا دليل لنا على أسمائنا
سوى حرفٍ غير معجوم
لا دليل لنا على آبائنا
سوى صمت الكلاب على الباب.
عَلِقنا بخيوط أحذيتنا
بشَعرِ حواجبنا
وبأذيال مذَنَّباتنا.
أقعينا كالكلاب أمام الباب
أقعينا قانطينَ أمام الوردة.
الوردة ذبيحة ظهيرة.
بديداً كان طحيننا
وحديداً كان يأسنا في أصابعنا.
خلِّ عنا لكي تعرفنا ظلالنا
خلِّ عنَّا لكي تَنبُتَ لنا أظلافُنا.
جرس كبير فوقنا
جرس واسعٌ ملحاح يضيِّعنا.
نصلي كي نسكت الجرس العظيم في شفاه موتانا.
خذنا من أيدينا
من خواصرنا، ومن تحت أثدائنا
فنحن إخوة قترةٍ وحريق.
هذه إصبعنا مبلولة كي نتقرَّى ريحنا
هذه إصبعنا مجروحة من كثرة أسئلتنا.
لعبنا بأسمائنا
بِعُرى أزرارنا
وسُقْنا صلواتِنا كالخنازير أمامنا.
ربطنا حميرنا بأرجل أطفالنا
ربطنا الخريف بالصيف لكي تهدأ رعشتنا.
نادنا من وراء حُجُراتنا
نادنا بصوت فضَّاحٍ يكسفنا ويعرِّينا
نادنا بصوت يهتك بوصَنا وخشبنا.
أُم بنا كي نصلي صلاة نفَلٍ
أُم بنا كي تعتدل أرواحنا.
هبيد غداؤُنا
وصخر عشاؤُنا
وصمتنا يتدفّق كدمِ العادة بين أرجلنا.
نصلّى كي نفَتت حصى كلانا
نصلّى كي نَبُل فَتيتَنا لعشائنا.
ولا حصانة للحصاة
ولا للوردة
فالكل تحت الرّعدة.
ولدنا من انقلاب شفةٍ
من انقلاب جفنٍ
ومن ضربة قرن على حجر.
1997-1998
بيت النمل
أجراس غريبة تُقرع
مع أنه ليس يوم أحدٍ
وما من موتى
لكي تنوب الأجراس عن صرخاتهم المكبوتة
فمن أين هذا الرنين الغريب؟
وما معناه؟
أتساءل قلقاً وأنا أتأمل نمل الساحة:
إنه يعود إلى ثقوبه
يُلقي بالحبوب الصغيرة وفتات الخبز ويمضي!
أبصر بعينيَّ كل نملة تهمس بقرنيها لأختها
فترمي بحملها وتعود مسرعة!
لا بد أن النِّمال سمعت صوت الأجراس
وحزرت معناه
لا بد أن أحداً أخبرها بما سيحدث
"يا أيّها النملُ ادخلوا منازلكم
لا يحطمنَّكم سليمان وجنوده"
لكأنني الوحيد الذي لا يدري شيئاً هنا
الوحيد الذي ليس له ثقب ليسرع إليه
وسوف يسحقني الجند بمجنزراتهم
وأنا أرقب النملات المذعورات.
2001
المرآة
مفتوحةٌ وراء الفراش
كي يطأَها لهاثُنا
مفتوحةٌ كي نكون أعداءً
الخطيئةُ تجرحها كمقص من ماسٍ
الخطيئةُ تكبر فيها كالثمرة
المرآة مفتوحة كبابٍ
كفتحة سياجٍ
وكثغرة في العقل
ثغرة دامية.
عين أريحا السِّريّة
مثل عينٍ سرِّية
تقبع بين الأنقاض نجمة قصِر هشام
كي نرى عبر أشعتها الستة الحجرية
كيف يهلك العالم بالزلزال
العالم لا يولد
العالم يهلك
حين تنظر إليه
عبر العين السرية لأريحا.
1999
الطريق
طريق إلى الماءْ
ظلتُ أعبره إذ غابت الشمس
أو هتكتني النجومْ
ما كان قصدي السباحة
أو كان قصدي الصلاة
بل كنت أرغب أن أبصر الماءْ
معتماً مثل عين الضريرْ
طريق وَعيرْ
في غيره كان مرَّ الحصيف
ومرَّ الغريرْ
لكن روحي،
عرجاءَ
فكحاء
ظلَّتْ تدافعني
وتدفعني عنوةً
عبرَ وحشةِ هذا الطريق.
1992
خنافس
أعرف الكلمةُ ومرادفها
أعرف كيف أربط كلمةً بأُخرى
بواو العطف
أو بما هو ألعنُ منها
غير أنني حين أرمي الكلمات على الطاولة
تصيرُ خنافس سوداء مقلوبةٍ على ظهورها
إنها أمامي على الورقة
تلعب، هكذا، بأرجلها المضحكة في الهواء
بلا معنى.
2001
عواء
قبيلةُ كلابٍ تعوي في الليل
ولا أحد يدري
إن كان عواؤها هو العتمةُ ذاتها
أم أن العتمة عباءةٌ لعوائها!
سرّ الوردة
لا أنا
ولا أنتَ
ولا الريح
عرفنا سِر الوردة
تمددتْ بعيداً على الشطّ:
عاريةً
شريرةً
كي يلعق العجل الأزرق قدميها
تركنا، نحن الصيادين العراة، كل شيء وجئنا من أجلها
طوّفنا من بعيد حولها:
شِباكنا مقطَّعةٌ
وزوارقنا مخلَّعة
لكن لا أنا
ولا أنت
ولا الريح
عرفنا سرّها
الريح تحطَّمت مثل واجهة زجاجية
وأنا هويتُ على سبعة أَسْيُفٍ منصوبةٍ حولها في الرمال
أما أنت
يا أخي
يا ثالثنا
أيها الصياد الناجي
خذني في الزورق المخلَّع
واحفر لي قبري في المياه.
1991
صور
الشهداءُ في الألبوم
غريبونَ غريبون:
سوالفهم طويلةٌ
قمصانُهم مزمومةٌ
وبسماتُهم غريرةٌ
حتى كأنهم سقطوا بضربةِ شمس
الشهداءُ في الألبوم
بعيدونَ بعيدون:
حيارى
بلا حيلةٍ
حتى كأن عدسة "زومٍ"
هي التي قتلتهم
ورمتهم عند الأفق.
عبثا
يظنّ الضوء أنه بسهامه الخرقاء
سوف يكسر المرآة
لكن، عبثا
فقد جرّبتْ قبله ذباباتُ الربيع أن تكسرها برؤوسها الخضراء
ولم تقدر
المرآة لا تُكسر
ولا تُغلب
بل تأخذ الروح إلى بيتها المستطيل
تاركةً الجسد ميتا عند أقدامها.
2001
ضرير
الضرير أخو الماء
يأخذه لوضوء الظهيرة
ثُمّ يعرضان عتمتهما عند كل ميضَأة.
تلميذ أبي العلاء
الكلمات توائم ضأنٍ أبيضَ
تذهب واحدة عكس الأخرى
ولقد قضّى شيخي الأعمى دهراً
يجمع، بكلابٍ من قافيةٍ صارمةٍ، أشتاتَ الضأنِ
لكي تعكسَ واحدة شمس الأخرى
وأنا تلميذ الشيخ الأعمى
حاولت، بلا قافيةٍ، أن أدفع ضأن الكلماتِ
لكي تَهلك واحدةٌ فوق الأخرى
أو تكسِف واحدةٌ شمس الأخرى
حتى يكتملَ القولُ:
الأعمى جمّعَ
والمبصر بدّد بددا.
2001
بجعة
عندما يكون للبجعةِ اسمان
فهي تطير بواحدٍ
وتترك الآخر للمرآة
فإن نوديت باسمها دخلت المرآة
وإن عبروا في مياه الضوء وراءها
عادت إلى اسمها
لذا لا أحد يصيد بجعة المرآة
حتى ولو كسر الزجاج وأدمى قبضتيه.
2001
أعمى
أيها الأعمى
أيها الأعمى
النُّور يفرُّ أمامك فئراناً بيضاً خائفة
فاهدأ بعصاك
كي تسمع كيف يَصيئُ النور
على كل جدارٍ
وكل حجر.
2000
سفر
لكل واحد لعنته وبغلته
يَعْشِب لهما في سفره
وينام - حين يحل ليله – بينهما.
2000
فناء
خالدونَ
لأننا حوّطنا أنفسنا بالعتمة
فعلى بابِ كل واحدٍ منّا
"عبدان أسودان يحرسانه:
الليل وعنترة بن شداد"
لكن فناءنا يأتي من خرقٍ واحدٍ: الكلمة.
... ... ...
أًخرسوا أفواهكم
كي لا ينهدر وجودكم.
حجيج
فتحنا ثغرةً في أدمغتنا
كي يَسهل نفَسنا
فتجمَّع الصمتُ كالصمغِ على جماجمنا
وما أسعفنا حَجُّنا
ولا عمرتنا.
هباء
وملكنا كل ما لا ينفع:
الخيطَ بِكَرَّتِه
والوقتَ
والخوف الذي يربط بينهما.
غيمة
لو خلقنا خلقا آخرَ
لكنّا - ربّما - بلا شفتين تقطران السُّم
وبلا عينين كعيْني بومٍ
تُبصران في العتمة أكثر ممّا في النور
ولكنّا - أيضاً - بلا سبابةٍ
تشهد علينا في كل صلاةٍ
وتشير بالباطل في عينِ الأعور والأعمى
لو خُلقنا خلقا آخر
لكانت كل ثغرةٍ فينا قد أُغلقت:
الفمُ
والأذنُ
والعينُ
وثقبُ العضوِ
وكلُّ خرقٍ يمكن للضوءِ أن يعبرَه.
لكن، آه
سيكون الدّم حينها عثرتنا
الدّم الذي لا يتبدَّل
ولا يُلغى
سيظل أحمر سيّالاً
يدفع بخاره ليعقد غيم الخوف فوق رؤوسنا.
2000
خيمة
جرحان لا يكفيان كي نبني خيمة مشتركة:
أنت تجلس قبالتي وتضع بنّاً أسود في جرحك
وأنا أضع بنّاً أسود في جرحي
وكل يدخن غليونه
ويفكر بدمه على الشاش الأبيض
أبدا لن نفهم بعضنا
فما نحن سوى جحرين أسودين
يقعدان في حرة
ويفكر كل واحد في شمسه التي تلفحه.
1998
اختيارات من مجموعة " الجواد يجتاز أسكدار"
الوردة
أريد هذه الوردة
أريد أن أكسرها بين يدي مثل مزهرية
أريد أن أذبحها مثل ديك حبشي
أريد أن أختنها بالحجر
أريد هذه الوردة
أريد أن أمرّ بها كالحصبة على الجسد والروح
أريد أن أضعها عينا مكان عيني العوراء
أريد أن أمحو بها لوح السماء
وطباشير النجوم
أريد أن أرمي بها في الغيمة كي تنفجر.
1991
اللجام
حدّق فتى في حصان أسود
وفي شمس بيضاء على جبهته
غير أن الحصان الذي كان يعلكُ
لم يحدق في شيء
وقف مثل تمثال على قوائم ثلاث
وبالكاد
لمس بالرابعة الأرض
كان العشب أخضر
والشمس بيضاء تحت غرة الحصان
ولم يكن اللجام في فمه
غير أنه كان يعلك ويعلك
ويسيل الدم على مشفريه
قال الفتى خائفا:
ما الذي يعلكه الحصان الأسود؟
ما الذي يعلكه الحصان؟
الحصان
كان يعلك لجام الذكرى
لجام الذكرى فولاذ لا يصدأ
يعلك ويعلك حتى الموت.
1991
الكوز
اكسر بعصاك
يا حبيبي
هذا الكوز الفخاري الهش: قلبي
أرق ماءه فوق التراب
أو اجعله بيدك
يد الفلاح الخشنة
وارفعه عاليا فوق رأسك
كي يتقطر ماؤه من بعيد في فمك
لكن حذار
أن تلمس بشفتيك
فخاره الأحمر
فالموت
يا حبيبي
على فم الكوز
وفي ترابه المحروق.
1991
نوم
النائم يحلم
والحلم مرج
في المرج قطيع أغنام
في أعناقها الأجراس
الأجراس تصدح
والنوم يزداد عمقا
لا أحد يمر على النائم كي يوقظه
لا كبش يلكزه بقرنيه
المساء يحل
الأغنام تسرع
النائم يتبع أجراسها
والأكباش
تقود النائم والقطيع
وتسحب بقرونها ظلام الليل
على المرج الذي لا ينتهي.
1991
شجرة الورد
للوردة ثور أسود
يطلع في الليل
عند الأسيجة
ويضرب بقرنين من فضة معتمة
للوردة ثور أسود
الدم المهدور على قرنيه
دم العابرين
الذين بلا درع أو زرد
للوردة ثور أسود
يطلع في الليل
ويكمن ظلا عند ساقها في النهار
فكن حذراً إن قطفت الوردة
كن حذراً
وخذ بيدك الخنجر
كي تنحر ثور الرعب
الذي يرقد مجترا تحتها.
1991
الجزيرة المقلوبة
الرحالة الذين مروا بها
رسموا نقطة على خرائطهم
ومضوا
فقد كانت جزيرة طحالب وحجار براكين
ولم تكن أكثر من حجر بين خطوط العرض والطول
وكان في وسع أي غيمة أن تسحبها بظلها
غير أن الطيور التي مرت بها صدفة
رأت ما لم تره العيون
فعلى سواحلها كانت تحت المياه الأسماك:
حمراء كالشقائق
خضراء كالزمرد
زرقاء مثل الوهم
وكانت الأشجار والأحياد والأصداف
والشمس التي من وراء الجبال
هكذا كان الرحالة لا يبصرون الجنة
ولا يدرونْ
أن الجزيرة مقلوبة
وأن أهلها تحت الماء.
1989
قافلة
القافلة تهوي شمالا
وتقسم الأرض كخط استواء
أنا من لا جمل لي فيها
ولا مال
مكتوب عليّ أن أعد جمالها كلها
وأن أغفو طويلا بين سنام وسنام.
أسماء
اسمي يابس وثقيل
لذا أفتته
كخبز يابس في طريقي.
وليت لي كالأسد مائة اسم
وعلى كل اسم فروة
ولكل اسم قبيلة تسمي به أبناءها
ولا تدري قبيلة باسم الأخرى.
الحصان
الحصان
يركض بلا فارس
الشمس
تلمع على عنقه وكفله
الحصان
يركض على أرض العشب والحجر
الطيور التي شاهدته أغمضت عيونها
الرجال الذين رأوه جمدهم البرق
كلهم أبصر الهاوية
إلا الحصان الذي كان يجري إليها
هوى الحصان في الهاوية
قبل أن يصرخ طائر
قبل أن يفك البرق قيوده
هوى الحصان
صار ظله غيمة سوداء
فوق الوديان.
1- مختصر أول للقصيدة
الشمس تلمع على عنقه وكفله
الطيور التي شاهدته
أغمضت عيونها
الرجال الذين رأوه
جمدهم البرق
كلهم أبصر الهاوية
إلا الحصان الذي كان يجري إليها.
2- مختصر ثان للقصيدة
كلهم أبصر الهاوية
إلا الحصان الذي كان يجري إليها.
1991
الشجرة
الشجرة تصد في الفراغ
وتقضمه مثل جمل يقضم الشوك
الفراغ يتقصف
ويكسح كالجليد
وهي تصعد ببطء
مثل أعمى يصعد درجا:
يضرب بعصاه
ويخطو بقدمه
إلى أين يا عمياء؟!
إلى أين أيها الجمل الذي يقضم فروع الهواء؟!
الشجرة تصعد
الفراغ يفتح لها معبرا
ويصرّ كباب صدىء لم يفتح منذ قرون.
1992
مسرح الدمى
الوردة
وأنا والموت على الخشبة
لكننا نبدل أقنعتنا باستمرار:
أحيانا، أصير أنا الموت
فأضرب بقبضتي المدمرة كل شيء
أحيانا، يتفتح الموت
وردة على السياج
وتصير الوردة
شظية قاتلة من زجاج
نحن الثلاثة على الخشبة:
يد واحدة تحركنا
مرنة وقوية
يد من هذه التي حومت فوقنا كالنسور؟
"يد الله"، قالت الوردة
"يد الشيطان"، قال الموت
أما أنا
فلم اقل شيئا
الموت وضع يده على شفتي قبل أن أقول كلمتي.
1992
الأرواح
أرواحهم
عصافير حذرة
تلعب بأذيالها عند طرف عيوننا
أرواحهم
تركض من غرفة إلى غرفة:
تطفيء الشمعة
وتصفق الأبواب
معها لن ينفع الثوم
ولا النفتالين
عليك أن تحرق البيت بما فيه
كي تحترق الأرواح
المعلقة من أرجلها كالخفافيش
على علاقات الملابس في الدواليب.
1991
تمثال
الكلب الذي أقعى
منتظرا إشارة من سيده
تحول إلى حجر
سيده كان غارقا في فكرته
محدقا في الفراغ
أما هو فظن أنه يحدق فيه
ويفكر في لعبة قذف الكرة
غير أن السيد كان يسبح في مياه أخرى
وطلعت الشمس وغربت
جاء الليل وذهب
مرت الرياح المحملة بالرمال
الرمال فقات عينيه
وأغلقت مسام جسده
حتى تحجر
وتحول إلى تمثال
لكنه ظل يحدق، بعينيه الرمليتين،
في محجري سيده الدائرين في الفراغ
منتظرا إشارة صغيرة من يده.
1990
أرقام
أرقامك يا فيثاغوروس
قادر أن أضعها كلها تحت ضرسي
أو في قمع صغير من ورق:
الواحد: لله يغرف به رمل الشاطيء المهجور
الإثنان: العصا ودمها الأسود الأسود- ظلها
الذي يبتلعها في الليل
الثالث: واحد مزق نفسه عامدا إلى ثلاث: الآب والابن والروح القدس
الرابع: كلب الكهف
حارس الموتى، نبّاح الظلال
والذي هو لا شيء
الخامس: الإبهام- وحيد القرن
في غابة غزلان الرنة
السادس: الفراغ الذي لا يردم بين كفين
أما السابع: فكرسي الله على العرش
يتأمل فيه كيف أنه بلا ثان
على الشاطيء المهجور
هكذا يا فيثاغوروس
يا سيد الأرقام
ليس سوى رقم واحد
ابتلع كحية موسى كل الحيات.
1991
غرباء
فزعين من الضوء
يحتمون بالظلال
مروا وراء الأشجار
واختفوا بجذوعها
تلفتوا يمنة ويسرة
أعرفهم
وأكمن لهم عند المفارق
في يدي المصباح
لأفاجئهم بالضوء في أعينهم
فيسقطون على ركبهم:
الأيدي مضمومة كي يتلقفها القيد
والأرواح طيور في الأقفاص.
1992
قتلى
- ما هذه الأشجار الطويلة
ولم تقف هكذا صفا واحدا بلا نهاية؟
- هؤلاء هم القتلى يا بني
ذهبوا إلى الحرب ولم يعودوا
إنهم يقفون ههنا بانتظام
كي يدخلوا المدينة
كتلاميذ مدرسة
لكن أبواب المدينة مقفلة
والأحياء على الأبراج
ينتظرون بالسهام والنيران.
1992
الرحلة
يحدث أن تسير في البرية إلى هدف مجهول
تصعد تلالا وتهبط أوديه أودية
وتغوص قدماك في الحقول
وتمشي وتمشي حتى تكل قدماك
لكنك لا تصل
فتجلس كي تستريح
ولا تقدر أن تنهض
"سأنام هنا فوق الحجر.
سأنام هنا"، تقول.
فجأة
تبصر حمارا وحيدا يجمجم العشب
رماديا كأنما قد من الصخر
فتذهب إليه وتعلوه
لينطلق بك في طريق يألفها
كأنما هي طريق البيت
يجري الحمار خببا
وأنت مبتهج
وجسمك مسترخ
والشمس تغرق في بحر لا تراه
أنت راحل الآن
راحل... راحل
هدفك لا تدركه
ويدركه الحمار
والحمار هو الموت.
1991
ليل
الحصان الأسود وراء التلة
أكل العشب كله والورد
وهبط سريعا
ها هو يخب على البلاط:
كلما مر بمنزل أضاء مصابيحه
كل ضربة من سنابكه تضيء صفا من أعمدة النور
سوف يمضي الليل كله هنا
ترب تراب... ترب تراب
ضربات سنابكه
سوف نسمعها حتى الفجر.
1992
كأس
طافح بالضوء والريح:
فراغ كامل
إنه الناقوس
والخل الذي يقطر فوق الشفة الظمأى على المهد- الصليب
إنه الناموس
يصطاد المدى والوقت والخيط وتفاح الوجود
وهو الصمت الذي يرعد
والصهد الذي يحرق
والموت الذي يعبد حيا في بلاد الكهنوت
وهو الخيط الذي أوهى من الخيط الذي في كف أنثى العنكبوت.
1989
نملة
الصحيح
أن الحب نملة
على عود
في يد طفل
يقلّب طرفي عوده
والنملة لا تصل.
أعمى
أعمى كخاتم في إصبع
أعمى مثل يد مربوطة بيد
ولا فكاك لهما
ولأن العمى بخار الليل
فأنا أملأ به الجرة
ولأن العمى بهيمة
فأنا أركبه كالحمار
أنا الأعمى الذي ضاعت عينه في البركة
أنا الأعمى الذي زاغت عيناه
ودارتا حول المشتري
ولأنني أعمى
فإن فمي مطفيء النيران
أعمى بلا حلف
وأعمى كخاتم في خاتم
ولا فكاك لهما.
1991
عودة
ذهبت وعدت
وما كان طفلا غدا يافعا
نافعا كي تمزق أغصانه اليرقات
ويعلك يخضوره مثلما يعلك القات.
1992
شمس
الشمس مربوطة في الحديقة
أسمع، وأنا مستلق، ضربات لسانها تلعق العجل
أنا كمن فقد أفقده الضوء عينيه
كمن لم تكن له عينان، أصلا
او كمن لا دماغ له ليهضم ما تقذف به بالوعة العين
أسمع فقط،
أسمعُ
والشمس تجترّ في الحديقة
وضرعها يقطر من أجل عجل الوهم.
1991
الأخ الثاني
كان ظلك علي
وكنت وراءك
وحين سقطت في حفرة الموت
صرت أنا الأول
أنا أول الصدفة
لكنني ثانيا سأكون إلى أبد الآبدين:
أضع الحافر فوق الحافر
أتبع خطى لا ترى
في هذا الليل البهيم.
1992
حرب
أبعد الجدي عن المعزاة
أبعده بعيدا
واربط الضرع لكي لا يرتوي
خله يثغو
لكي تسمعه الأحجار
كي يسمعه الله
وخلّ ضرعها يقطر للذؤبان والهر
لكي تشتعل الحرب
وتعلو النار:
بين الضرع والفم
بين الطفل والأم
وبين الله والإنسان.
1991
عتمة
بصلات النرجس تحت الطين
وعلى سطح الأرض الريح
أقول لأختي المجنونة:
هل أقلقت بصيلات النرجس؟
هل فتت بإظفرك الطين؟
عار برد كوانين
عارية أغصان التين
أشعلنا مسرجة
وأكلنا درنات بطاطا يابسة
ومربى يقطين
في السدة منذ سنين
لكن
في منتصف الليل
قرب بصيلات العتمة
كانت أختي المجنونة
تحفر، سرا، بأظافرها في أعماق الطين
عارية أغصان التين
عار برد كوانين.
1991
عرس
هو ذا
ليس تدري العروس
أن إخوتها
غيلة يذبحون
قرب حوض النوافير
هو ذا
ليس تدري، إذن،
وهي مصمودة
أن طبل الجنون
كان يقرع، يقرع
كيما يضيع صرخاتهم في الهدير.
1991
اختيارات من مجموعة "أشغال يدوية"
حرذون
مكسوا بجلد خرش مثل اللحاء
يصعد الحرذون ظهرا
ليصلي لاهثا فوق الصخور
لإله غاضب
يجعل من قبلته سرا
ومن رحمته ظفرا وناب
يصعد الحرذون
كي يعرف أين الكعبة الغراء
أين النسمة الرطبة
في صيف ضرى واشتد واستقوى
وأقعى كالذئاب.
1987
ملك
هنا
أربي كلابي
وأطعمها مشمشا وحليبا
وآخذها في المساء إلى البحر
هنا كالملوك المقالين:
شمس تناور فوقي
وندامى لصوص
وأضغاث حلم
ههنا
فكرتي تتعفن تحت الرطوبة والشمس
ويسيل نبيذي على لحيتي
وكلابي تجرجرني في المساء إلى البحر:
أطواقها في يدي
ويدي تستجيب لها
وتغرقني في المياه.
1987
عليق
كلماتي أصبحت وحشية
يترك الحوشي من لفظ القواميسِ القواميسَ
ويجري في لساني
لكأني الشنفرى
يلعب في أرجوزتي الضب
وتقتات اليرابيع
ويعوي الببر والذيب
وعرفاء المساء
لم أعد آنس زهر البيت والبستان
لم أعد أعرف أشجاري:
علّيق
وأرطى
وأراك
وأثل
كلماتي أغربت
وتضاريسي نبت
وأنا أدخل، بعد اليوم، أرضا لم تطأها قدم
منذ أن ضاعت طريق المسك والبخور
في الرمل وكثبان الأزل.
1987
هجرة
ذهبوا كلهم
نحو أرض الشمال
إلى حيث يرتفع العشب
حتى يلامس أثداءهم
تركوا خلفهم
مزقا من ملابس أطفالهم
وأوتاد خيماتهم
ذهبوا كلهم:
أطفالهم في ظهور الدواب
فتيانهم يحملون السلال
وأجراس أغنامهم
غيمة تتصاعد نحو السماء
كلما أوغلوا
ظلهم كان يمتد
كان يرجع نحو المضارب
والكلاب بلا نأمة تسبق الراحلين وتقعي
وترقب أعينها ظلهم
وهو يعدو إلى الخلف
نهرا من ظلام.
1986
واحد فقط
طلقة واحدة في المسدس
حتى يربض الموت عند الباب
رئة واحدة في الضلوع
كيما يكون النفس ثقيلا
نسخة واحدة من المفتاح
كي لا يدخل إلا الأشباح.
1986
ترويكا
وضعت عقرب الساعات
فوق عقرب الدقائق
فوق عقرب الثواني
وصحت مهددا بالسوط:
اركضي معا
يا خيول العربة الثلاثة
يا خيول الجنون.
1986
مشهد
براعم
ورؤوس أغصان للحصان
فضة لحافره
ذهب لسرجه
وخيط دم لنحره اللماع.
1986
صقر من ورق
الكلام حنيني إلى الصمت
*
على ساحلي صخرة وزرها كل هذا الحطام
*
قلبي صقر من ورق فوق مشتل ريح
*
الخيل لا تموت
تذهب في المساء
لترتوي من نهر الصهيل
*
ليس لي غير جلدي
أبيت به
ولا غير خيش الكلام
أغطي به عورتي
*
وما كان إلا النوم
يأتي إلى شفتي
ويجر الكلام.
نخيل
أربع نخلات على الشط
تسامت وعلت
أربع نخلات يكاد الرطب الكافر أن يبهظها
أي كف-أثمت- قد غرستها؟
أي ريح قذفت بذرتها نحو بلاد لم تكن مهدا لها؟
أربع نخلات تسامت وعلت واستكبرت
كان في ودي أن أقطعها.
1987
اختيارات من مجموعة " قصائد أخيرة"
خوف
حين فكرت أن أختفي
خفت ظلي الذي في العيون
حين فكرتك أن أغلق الباب خلفي
خفت أن ألتقي باحة من ظنون
حين فكرت أن أنحني
خفت أن ينحني صاحبي ويخون.
1979
غياب
يدخلونْ
فجأة في الحجر
صديقي
وصاحبه
والذي معهم ثالث
فجأة
يدخلون
هم لا يقيلون في ظله
إنهم يوغلون
هل سمعت حفيف ملابسهم؟
هل سمعت الخطى؟
إنها تختفي
إنهم يختفون.
1979
خسارة
مكاني الذي بت أرتاده
وحصاني الذي كنت أقتاده
وصديقي الذي كدت أعتاده
كيف ضيعتهم كلهم؟!
1980
حانة
موتى يديرون الكؤوس
موتى يهزون الرؤوس
موسيقى بأجراس من الكتان!
1980
عربة
هل يمكن للسهم أن يستدير
عائدا للذراع الذي أطلقته
اندفع، أندفع كي لا أموت
للسهم ذراع تطلقه من جديد
الذراع التي أطلقتني
ستطلق فتيانا آخرين
لذا أندفع، أندفع
أريد أن أصل إلى نهايتي مهشما
"أيد وأرجل وأفكار كثار سأخترقها"
في قدمي زلاجتا غضب وشهوة
أنحدر بهما نحو السماء
ليس من أجل المجد
ليس من أجل السعادة
إنما من اجل أن أعصر عنب حياتي كله
ليس ثمة وقت لكي أكتب كلمه
ليس ثمة وقت لكي أشرب القهوة
آخرون سيكتبون ما يجب ان يكتب
ويشربون ما يجب أن يشرب
أما أنا فأندفع، أندفع
لا أريد أن أكون حكيما بشعر أشيب
الحكماء سهام توقفت لتنظر خلفها
أما أنا فسيتوقف نبضي قبل أن أتوقف
سأقطع ألف ميل بعد أن يتوقف نبضي
والذين سيصلون إلى أبعد مما وصلت
سيجدونني مبعثرا على الطريق:
جمجمة مهشمة
وبراغ
ومسننات ما زالت ترتعش وتدور.
1980
أغنية
ولسوف تخجل زهرة النسرين مني
سوف تخجلَ
سوف تخجل
أنا المصنوع من خشب غريب:
إما رآني زورق في الماء يكسر نفسه
إما رآني الصيف في عسل الفواكه
سوف يرحلُ
سوف يرحلْ
أنا المشغول من ذهب عجيب:
إن رأتني طفلة غرقت بألواني
ستدخلُ
ثم تدخلُ
ثم تدخلْ
أنا المصنوع من غزْل التأني:
كل خيط من ثيابي
كان في كفين حانيتين يغزلُ
كان يغزلُ
كان يغزلْ
ولسوف تتبعني النساء ويغتسلنْ
من صندلي الجلد الذي شسعاه بالأزهار يلتفانِ
يلتفانِ
يلتفانْ
ولسوف تذهل قاعة الإصغاء من صمتي
ستذهلُ
ثم تذهلُ
ثم تذهلْ
أنا من أقفلتني للزمان الحلو أمي
ثم ماتت
دون أن يأتي...
اعتذارية
إلى أختي
لم أكن فارسا أبدا
ولا شجرا مثمرا
لم أخلف ظلالا لكي يستظل الذين يحبونني
أنا كنت حزنا على القلب
ملحا على ظمأ الشفتين
ويداً للأذى
لا تشتهيني نبيذا ولا قبعة
لا تأمليني أميراً على صهوة الزوبعة
أنا سلم الاعتذار الطويل الطويلِ. أنا
نخلة الميلان الثقيلِ. أنا
عنفتني جميع العيونِ جميع العيونْ
فاجعلي نبذةً من دمي شارة
واجعلي راحتي شاهدا لجفاف الغصون
لست أكتب مرثية النفس
إني أرد اعتباري
وأرتق ثوبا على جسد ثقبته العيون
لم أكن واعدا
فلماذا إذن حملتني العيون
سرائرها واشتياقاتها؟
ولماذا إذن لا أكون
كلمة لم تقل
وانفلات الجنون؟
فاجعلي ما أقول نشيد الذنوب
وضعي فيه أوراق عبادة الشمس
ثم انظريه: دما أحمرا وذنوب
أي الزهور التي حملت سلتي؟
أي الطيور على كتفي؟
وأي الغبار على طلعتي؟
إنها زهرة اللوم في سلتي
وفي كتفي طائر سمج
وغبار المخافة في رئتي وحذائي
ترددت حين اخترعت يدي
ترددت حين طرحت السؤال
ترددت حتى حسبت التردد مأثرتي
ومآل المدار
سرّبتني أصابع كفي
فسلتُ على الأرض مستسلما
سهلة قبضتي سهلةً
وجبيني يقطّرني عرقاً
قطرة قطرة فأذوب
أنا عرق تحت إبط القميص
أنا ما اتكأت على مسند
وسوف أموت على الريح في أي أرض
لائما ميتتي
ومعتذرا لحياتي
موصيا أن تكون الجنازة في الليل
أن لا يسير بها أحد
أنا سوف أمشي بها
وأبكي عليها
أنا جرس الانتظار الطويل الطويلْ
يدي لم توقع على أي شيء
وفمي لم يقل كلمة
غير غمغمة الأسف المر والاعتذار الخجول
أنا جرس لا يدقُ
أنا كالمياهْ
آخذ شكل الأواني
ولا أدعي حيزا حين تضغطني الريح
ليّنٌ
ومرتعش مثل كلب يموت
أنا سوف أخجل وحدي
وأخجل أخجل حتى أموت
أو أستحيل إلى راية تأكل الريح خيطانها فتتوب
أنا سوف أصنع من خجلي نخلة
تستظلين فيها
وتمرين عنها
وحين تغيبينَ
ألبسها وأغيب.
1978
الاختيارات من المجموعات:
* قصائد أخيرة، بيروت، 1981
* أشغال يدوية، لندن، 1990
* الجواد يجتاز أسكدار، لندن، 1994
* ضربة شمس، بيروت، 2002
قصائد جديدة
موت في رام الله
الليلة
عاريا أقف قدام المرآة
في ضوء البدر الذي يحبو على عتبة بيتي
الليلة تطلق عليّ النار
من المرآة
أو من بندقية في مستوطنة (بسغوت)
التي تطل على سريري
وسوف أموت
سوف أموت
ويظل الضوء يحبو ويحبو
لكي يرضع من ثديي.
2004
تخييم
بتنا على الهضبة
ولم يكن من داع لأي سراج
لو أضأنا عودا
لانفجر الدم
الضوء دم نازف
والليل رقّاء كل دم مهدور
على الهضبة
لا تفتح فمك لتقول: يا أخي
لست أخاك
أنا أذن مفتوحة لجندب الليل
أنا موجة من حرير تطفئ بيد ناعمة:
الضوء والعين والنجمة.
2004
مخاط
ارحموا الموتى
دعوهم لحالهم
هم لو تدرون لا يرغبون في قرابين لأرواحهم
فليست لهم أرواح
ولا يريدون كلمات على شواهد قبورهم
فهم لا يقرأون
ما يعذبهم أنهم غارقون
في عار يدعى الموت
إنه يسيل منهم
كما يسيل المخاط من أنوف الصغار
إن كنتم تريدون عونهم حقا
اتركوا لهم لفة من ورق المراحيض وراء الباب
سوف يأتون لأخذها
كي يمسحوا العار الذي يقطر من جباههم ومناخرهم.
2004
صقر
بعدسته الذهبية
يصيد الصقر
الطريدة وظلها معا
اليوم
بشفقة مفاجئة ليست من طبعه
ترك للظل بأقدامه العاريات
أن يعبر خائفا
على الرمل الساخن
حتى عتمة الجحر.
2003
شهوة
- لم تتسع حدقتا السنّور في الليل؟!
- كي يلعق بلسان خشن
كل حليب النجم المهدور.
2003
موتى
عندما ذهبوا إلى الموت لم يجدوه!
كانت معهم صررهم
وبللورات من سكر فضيّ
ذهبوا
فلم يجدوا شيئا
دهشوا!
أهذا هو الموت حقا؟!
وضعوا صررهم على الأرض
وانتظروا
لكن لا أحد أشار إليهم كي يتبعوه
لا أحد مرّ لكي يأخذ أسماءهم
رأوا أن في الأمر خدعة ما
كان هذا أكيدا
لكنهم حين قرروا أن يعودوا
كان الليل قد محا الطريق
هم الآن يمضغون بللورات السكر الفضيّ
ويدربون حناجرهم على الصرخات
التي لن يسمعها أحد
بانتظار أن يرفع الليل ستوره
التي لن ترفع أبدا.
2000
قتلى
النوم
مدينة الغرباء
يسكرون في حاناتها
ويعربدون في أزقتها
ثم يقتلون بالرصاص قبيل الفجر.
2004
أهلّة
نقص بالقرّاضة أظافرنا كالأهلة
والبدر فوقنا
يتأكّله غضبه
نحن لا نراه
غير أننا نلمحه في عيون القطط
التي تغفو مخادعة عند أقدامنا
كي تخفي عنا عين البدر الحانقة الحمراء.
2004
ألوان
الأشجار لا ترانا
فهي مصابة بعمى الألوان
الخضرة لونها الوحيد
بَكَمُ أخضر كلامها
أما نحن فالألوان كلها ملكنا
طيفنا واسع يبدأ بـ:
بالعتمة الثقيلة
ثم الدم
ثم النار الإغريقية الحرّاقة.
2004
أعناب
على الرصيف أمام البيت جلسنا:
كؤوسنا فارغة
والصمت يلفنا
الحياة هياكل عناقيد عنب مأكولة
تحت أقدامنا
العصافير على الأسلاك
تأمل أن نكون قتلى
فهي تنتظر موتنا
كي تبحث عن حبة عنب هاربة تخت أقدامنا
ثم فجأة
يضرب البرق
وتسقط قطرات
ويعصف المطر
فجأة
تتأتئ الكلمات
وتطفو خيالات عناقيد جديدة
فتمتلئ الكأس
والحياة
تطرد بيدها العصافير عن الأسلاك.
2004
الطيور المحبوسة
أرواحنا طيور محبوسة في دواخلنا
حين يمر طائر شريد فوقنا
وتسمع صوته ورفة جناحه
تخفق بأجنحتها
وترف رفات خطرة
فتكاد قلوبنا تفلت من معاليقها
لا بد من قتلها هذه الطيور الشريدة
إنها أسوا من الكلاب الضالة
إنها كالجراد تهدد بأن تقضم الورقات الخضر الأخيرة على شجرة حياتنا.
20004
صقر
على الغصن
كاهن بجبة ترابية
عينه ثقب أسود يبتلع الكون كله
كل حركة تغرق في دوامته
على الغصن
كاهن يدير عينه الذهبية
ثم ينفض جبته الترابية
ويلقي على الأرض بظله
ثم تسمع الصرخات القصار
على الغصن
كاهن يتنبأ بالموت.
2004
كلماتنا
كلماتنا حبل نجاتنا
كلما أذعرنا الموت
بصقنا بها
وألصقناها في السقف
ونزلنا معلقين بها
تماما كما تفعل العناكب الصغار:
تدلّي حبلا رفيعا
وتنزل معلقة من أفواهها...
2004
شجرة
في الوعر
شجرة تفكر بالمطر
أنا أيضا وقفت في الوعر مثلها مرة
وفكرت ببرق تشرين ورعده
كان هذا
قبل
أن
يمحى المعنى
وتضيع الحروف
الآن،
قبعتي على رأسي
مطرتي على جنبي
أمر عنها وأقول لنفسي:
شجرة حمقاء أخرى تفكر بالمطر.
2004
الحقيقة
الحقيقة عربة خضار
يدفعها بائع جوال
في طريق صاعد صعب
كلما صعد مترا
وضع تحت العجلة حجرا
كي لا تتدهور في المنحدر
الحقيقة
غرسة تسقى كل يوم
أما الكذب فنبتة شوك
تشرب
من كل ماء حولها.
2004
القصائد وبول الكلاب
تحت المطر الخفيف
أخرج بكلبي "كيوي"
أرقبه وهو يشتمّ ويرسم بالبول حدودا لا أدركها
يقطع بوله
ويسكبه أنى شاء
أفكاري تتبع شخبات بوله
حين يتوقف ليبول تسيل فكرتي
وحين يركض تتكثف وتجمد
كل فكرة من أفكاري تنبثق مع شخبة بول
أنا مدين بأفكاري كلها لبول "كيوي"
حتى قصائدي على علاقة بكيوي:
حدودها هي حدود بوله على الحجارة والأعشاب
وهي تطلع في جولتي الصباحية معه
كما لو أنها بخار البول الساخن...
ذكريات:
السرو يصطف على جانبي الطريق -
صفوفا صفوفا
* لا،
ليس هذا هو السرو يا بني
هذه هي الذكريات
تمضي من هنا إلى بيت جدك
لقد زرعتها بيدي
إذهب أنت في طريقك
ودعني أعدها واحدة واحدة
حتى البيت
إمض أنت يا حبيبي.
1992