زينب عسّاف
(لبنان)

أوردة
أمومة
أقفال
طلقة
بعد الظهر
نوم
لا رغبة لي في تدمير العالم
فلّين
أدراج
مسام
شرفة
سباحة
رفّ
أفواه
نخبك!
بحّارة
انتقام
زينب عسّاف   شمسيّة
قنطرة
زمن خلف شفرتَي طائرة
مرض
أرصفة
عنوان
ورق
بوّاب الذاكرة الفظّ
أجنحة من شاش
كجرح ينفتح ببطء
صور عائليّة
بيت
كرويّة
قابلة للاشتعال كفراشة
القمر أوّل النفق
قصائد سريعة

إلى ماهر... دائماً

أوردة

أنا الفراغ الذي احتلّه جسدٌ يوماً
لو رأيتُ نسختي الأولى لما احتجت إلى الموت
مذ قطعت أوردة النوم صرت غيمة
لا تمطر
إلا على غسيلٍ يجفّ
مذ قطعتُ حبال النوم
لم يعد يربطني بالفراش
سوى حبل أحلامي الطويل
ظننت للمرّة الألف أني سأستيقظ فجأة من حياتي
لكني أدركت في الثالثة عشرة
أني إلى الأبد سأحزن
أردت أمّاً لا يؤلم بكاؤها
وأبناء لا يبكون أبداً
فقط قالوا لي: لستِ رجلاً
ولم يخبروني أكثر
كيف تركت طفولتي ومضيت؟
كان يمكن لفستاني الأحمر أن يكبر معي
السنوات المتدافعة أبعدتني كثيراً
يجب أن أعود الآن يا طفولتي:
ثمة فرض مدرسيّ لم أدوّن اسمي عليه.

أمومة

الرغبة في تليين أرصفة هذا العالم
في جعلها أسرّة
في إقفال كفٍّ مستجدية
بترها، ملئها
الرغبة في تدوير هذه الكرة أكثر
أمومة أمومة أمومة
كيف تتحمّلين أيتها الأرض أقدام الأمّهات؟
كيف لا تجهضين يا بطناً منتفخة؟
يوماً ما ستهوين من خلف ظهورنا
يا نجمتنا البائسة
ستصابين بالغثيان لدورانك المستمرّ
مسقطةً من جيوبك ناطحات سحابنا.

أقفال

إنزعوا الأقفال
ذاكرتي عمياء وغير لطيفة
ها إني أنزف أمّي
وأبي
وإخوتي الصغار أبداً
لم ينقضِ الوقت
فقط هربت من طفولتي
واستعجلت كسوفها
لم ينقضِ الوقت
لكني بيديّ هاتين هززت أضرحة الأولياء
حتى خرجوا ناقمين
بيديّ هاتين مزّقت وجهي
في مرايا الحانات
سمعتُ عن مفاتيح
مدفونةٍ تحت اللسان،
عن قلوب عالقة في شرايينها،
وصلت متأخّرة
- دائماً أصل متأخّرة -
عن مساءات
يمكن للضحكة أن تكون تامّة فيها،
عن نظرات
تقفل على الغرباء باب البيت،
لشدّة غبائي
لم أصدّق أن موجة تطرد خطوتي
وأن الزهرة التي نبتت في كفّي
تفتح لك عينيها
وأن الله، حتى الله،
نسي حفرتي.

طلقة

كانت طلقة هائلة تلك التي دفعتني إلى الخروج
لم يجدِني التشبّث بجدار الرحم
هراء ما أكتب يا عالم
كفردة حذائك التي حُشرت فيها
كآخر شهقة للقتيل
كحنق الموتى من مرورنا المستمرّ فوق عظامهم
كثورة خرافٍ على باب مسلخ
أنا نظرة النساء المنتحرات
اللواتي أضرمن النار في جلابيبهن
اللواتي ابتلعن السمّ
ومتنَ ببطء حياةٍ طويلةٍ.

بعد الظهر

في الليل
حين تعجز عن النوم
يصبح الوقت جداراً
آه كم أكره نفاد الوقت
انتهاء بعد الظهر
والدخول في العتمة وأنا غير مستعدّة
متروكة خارج الزمن
لا أستطيع أن أُحدث فيه أي حفرة
كل شيء يحدث على شاشة تلفزيون
يبثّ في سهرة يوم عطلة مضجرة
يا قلبي العجوز
أما زال هناك عشاق يرتدون ربطة عنق
ويحضرون باقة ورد في اللقاء الأخير
بيتنا واسعٌ ولا تدخله الريح
مدننا كثيرة وأحلامنا بلا عجلات
ووجهك غائر كخنجرٍ في بئر
فتحت باب سيّارة أجرة ودلفنا إلى عالمٍ آخر
لا تتركني أسير وحدي
نظرات الغرباء نزقة
ولستُ من الصنف الذي يعود.

نوم

تستيقظ صباحاً
وتناضل كي تنتزع رأسك
من حفرة النوم العميقة
ربما تخلّف وراءك حياتك الحقيقية
ربما تستيقظ إلى نومك
آه كم كلمة أوقعت في الفراغ الفاصل بين نوم ويقظة
كانت لتنقذ حياتي بالتأكيد
آه كم سعدت بجرّ القدر من رسنه
قبل أن أسمع صوت المنبّه
أجرع ليترات من الماء
وحين أقنع نفسي قبل الفجر بأن النوم باب يُفتح
يرنّ على بلاط الغرفة صوت مفتاح.

لا رغبة لي في تدمير العالم

1

غاضباً كان
وكنتُ أهذي بأسماء علم
لقرى لا تصلها الشمس
هذا البكاء أحدب
لا يصلني بحزني
صرير عالٍ
لأبواب ذاكرتي المخلّعة
خفافيش معمّرة
تخبط رؤوسها بالزجاج
وتسقط
مغشيّاً عليها كآثار أقدام
هذه اللهجة،
هذا التجويف البربريّ للحروف
علامات ظهور لحزني المنتظَر
لم ينم أحد ليلتها
الكلّ كَمَن للكلّ
آه يا شمسي العالية،
أيتها السيّدة،
مدّي إلينا بصركِ
نذهبْ إلى أشغالنا
أو نحمل دمعة في حقيبة ظهر
لقد أتلفت عينيّ بالرؤية
ورأسي بالحكاية:
الحكاية التي ماتت حين
جفّ فم جدّتي في قبرها.

2

للتوّ مرّ أمامي رامبو
بوجهه المقيت
وعينيه الزائغتين
لم أفهم شيئاً مما قرأتُ
فريدا كاهلو تدقّ عظامي
بأرجل من حديد
وأمّي تسأل
عن موعد عودتي.

3

بفارغ الصبر أنتظر تلك العطلة:
مطار يفضي إلى داخلي
قبر يفتح ذراعيه بلهفة
ما أكبرك أيها النهر
اجرفْ كريّاتي الحمراء
أودّ أن تشطف دمي السام
كالعلّيق على ضفتيك.

4

الآن تصفّقون؟
يا لتلك الولادة الغريبة
لم أشعر يوماً
بأمومة أيديكم
لقد سقطتُ وحدي
من إحدى الأرحام
لم تمتدّ يد لتقطفني
عيناي فارغتان
ولا رغبة لي
في تدمير العالم.

5

ما ذنبهما إن كانا والديّ
ولم أكن ابنة أحد؟
أحلم بسكين
أقطع به الصلات كلّها
لكن حبال السرّة
نباتاتي المتوحشة.

6

يجب أن يصمت العالم الآن
ليتيح لي الشعور بالغربة
هلاّ تتوقّفون عن الصلاة
عن المواليد الجدد
عن تربيت هذا العالم بنعالكم
أنا مصابة بالدوار
وهذا الرجل ينظر إليَّ بنزق
يا للهول
الكلمة التي
فتحت باب الجحيم
لا تعرف عنها شيئاً.

7

لم أجرؤ على إخبار الجدّة
أني وحشة الفراغ بين سرير وحائط
وأني في كلّ حكاياتها
لم أخف إلا من نفسي.

8

غير مهمّ
سأقول الآن
وأعلّق دمعتي في الخزانة
لن أستعمل المجفّف الكهربائي
مع الوقت
يصنع جرحي زواياه
مع الوقت أزداد هشاشة
اللعنة عليك أيتها البلاد:
الآن تطالبينني بالوفاء!

9

هذا ما حدث:
أعمدة بعلبك قفص صدريّ
والمجرّات تُجفَّف فوق سطوح الجوعى
ما ذنبي إن انهمر الماء في الدم
إن الأرض أنبتت شهداء وأعمدة كهرباء
هل تجدن قبراً هنا؟
لديكنّ أقلّ من دقيقة
في نشرة الأخبار
توقفن عن الندب في رأسي
نجمة المجوس
تدلّني إلى قبري
وجدّتي الميتة
تسأل عن موعد الصلاة
وتطالب بوردة للرخام
العمياء تطحن الحصى للعيون
هناك،
حيث تراب - بين دمَّين -
يرقد أئمّة لا أعرفهم.

10

حين غفوتُ أفكارُها آلمتني
قالت شيئاً عن
توقيتي الخاصّ
عن طائرات ورقيّة
لم أفهم لكنّي حزنتُ
يدها لن تنفع
حتى لو غسلت الصحون ألف مرّة
ثمّة نهدان يكبران كلّ يوم
أمام أعينهم:
لن يغفروا لها أبداً.

11

النعاس صار غضباً
لن يسعني إنكارهم
والهواء ينقص أكثر
فأكثر
أسرعي أيتها الشمس
هلاّ تتربعين في ظهيرتك
هلاّ تجفّفين آثار خطواتهم
على طبلة أذني
العصفور الذي أضاع التوقيت
زقزق فجراً.

12

سأترك للأسود
أن يهجر شعري إلى ثيابي
صحراء من الوقت تمتدّ أمامي
ورحمي غير دافئة
كم أرغب بحرق البنطلونات الرجّالية
المعلّقة في ذاكرتي.

13

أريد رؤية أسنانك بقوّة
رغبة في رفع حاجبيك
كيف أنقل هذا الإحساس الزيتيّ؟
شمس كازابلانكا قويّة جداً
حتى في السابعة والنصف
بكيتُ الليلة أيضاً
وفي هذه الغرفة الفخمة
أفكاري تنهمر كالرصاص
تقتل مَن حولي
يبدو أنني الشيء الوحيد المتواضع هنا
ستصحبني إلى المغرب يوماً
وسنحمل حقائب كبيرة
كالعائلات السعيدة في المطارات
يا طفلي
الذي ظلمه الحمض النووي اللعين.

14

سوف يأتي ذلك اليوم
يا إلهي المتعَب
لن أدمع صباحاً
وبوخزة الضمير لن أشعر
يوم أملس كجلد مراهقة
كفكرة حلقتُ رجليها للتوّ
قُدْ قليلاً يا إلهي
خذ المقود عنّي
أحتاج تصديق ألوهتك.

15

لم أكن سوى بكماء
وقالوا أحجب الكلام
وأبتلع صوتي
خافوا مني
فحفروا في جلدهم
يا كلماتي
يا قِرَدتي المعلّقة بحبالي الصوتية
لو تعرفين يوماً طريق الخروج.

16

لن أخبر أحداً أن الذي
يسقط في المرايا وجهي
وأن اليد الممدودة
المستقبلة مسمارها يدي
وأن رؤوس المارّة مضحكة
والمطر أشواك صغيرة:
أعدكَ أن أضحك في الصور المقبلة.

17

على هذا السرير
فرشتُ من الأحلام
ما يكفي لردم مدينة
ووأد طفلة
لكن التذاكر ووجوه المسافرين
قادتني إلى الاتجاه الخطأ
اقتربي أيتها القارّات العجائز
ألا تشعرين بالبرد؟

18

حياتي الممتدّة على هذه الأرصفة
زرعتها خطوة خطوة
تبعتها إلى المتاحف
والقبور
وإلى غرف خطفناها
من أرجل المارّة
يخطر لي
ألا أقوم بشيء
فقط
أسدّ أذنيّ
فقط
أقطع رأس هذه الفكرة.

19

كلمة ابتلعتها خطأ
والعقاب حياة كاملة
ما نفع قصيدة
لا نموت بعدها؟

فلّين

كن يجب أن أقفل
ثقوب رأسي بفلّين النبيذ
أن أقتل أفكاري قبل أن تحفر أعشاشها فيه
أنا هنا منذ ما يكفي لأصير مجنونة
جعبة أحزاني دافئة
وليس لديّ أي خطّة
ما أقبح أن أغمض عينيّ الآن
ولا أحلم بألف عام.

أدراج

جمعتْ القلادات والأقراط في درج
ودموعها في درج آخر
كانت تفرغ الدرجين كلما زرتها
المرأة المستديرة الأطراف
بعدما هجرها
انتسبت إلى نادٍ رياضي
وفي الغرفة نفسها
حيث ترتاح كيلوغرامتها الإضافيّة
ترتفع صورة رجل يبتسم.

مسام

لم يعجبني إلا المجانين يا هنري ميللر
أكره الناس الذين يبدون دائماً بخير:
مسام نظيفة
ابتسامات بلهاء
في مصحّ عقليّ شاسع
يمتدّ
من نيويورك إلى البقاع.

شرفة

ها هو الصيف ينقر زجاج النافذة
وذنب الشتاء الطويل
يلتفّ كسجّادة
ها هم سكّان الطبقة العليا
يغطّون في نومهم الهانئ تحت سدرة المنتهى
وسكّان الطبقات السفلية
يلاكمون البرغش
ثمة شتول عليّ شراؤها
لتصبح شرفتي (المناسبة لانتحار) أنيقة
وأفكار عليّ تقليمها
كي لا يبدو رأسي كشجرة
أيتها الحياة تناثري، تناثري
كوني قطعاً لطيفة من حزن وفرح
ولا تتكتّلي دفعة واحدة
في وجهي
يا مسحوق الزمن الهشّ
أيتها النار التي لا تشتعل أبداً
ثمة رياح كثيرة في الأعالي
كانت يوماً صلواتي
يا قلبي الفارغ
أيها الثور الهائج
الذي لا ينفكّ ينطح ضلوعي
لا أمل في الخروج أبداً
عجينة بين يديّ فلاحة
هو الوقت
واللقاءات المستعجلة
خميرة غير كافية لنضوج
آه لو تعلم أيها القلب المسكين
لك طرفان طويلان يرتديان النعال
ويقودانك كل يومٍ
إلى حتفك.

سباحة

أنظر إلى أيقونة الخلق
في باطن يدي
وأضمّها
كأنني لن أذهب أبداً
كل ليلة تعود إليّ الميّتة
غاضبة... ولا تعرفني
الحياة نقطة في نهاية الأفق
لا تقترب منها سفينة
أما نحن، من نجهل السباحة،
فنخدع أنفسنا بتأمّلها عن الشطّ
ثم حين يأتي الغروب
نخدع أنفسنا مرة أخرى:
أتيت، عشت، ورأيت.

رفّ

تركت المعرّي ودانتي
يتبادلان الشتائم
على رفّ واحد من المكتبة
تركت الجبن يتعفّن في البرّاد
والخضار تذبل
حان وقت النوم...
اليهود يموجون عند حائط المبكى
البوذّيون يحرقون البخور
أمّي تصلّي الفجر
وشارون ستون تتعرّى
حان وقت النوم...
هذا الكرسيّ لا يعرفني
رغم أني أمضيت عمري جالسة عليه
التلفاز يتثاءب في فيلم مملّ
وسيمون دوبوفوار تغفو هانئة على كتف سارتر
حان وقت النوم
أريد عينين كبيرتين لأُغرق العالم
أريد لساناً أزنّر به خصر الأرض
أتخدعينني أيتها الحياة
تريدين أن أنجب
لك ابناً
نتعانق أنا وهو خوفاً منك؟
أيتها الصدفة المقدّسة
يا أمّنا غير المحبّة
قد أنجح في منعك من تكراري.

أفواه

لم ترأف بنا الحياة
هل ستفعل أيها الموت؟
لا أعرف فم الأرض الذي سيبتلعني
لا أعرف كيف ستنبت أطرافي
أشجاراً قرب سياج المقبرة
وتلوّح لعابرين لا يأبهون
ذاك الشعور بالفقد!
كانت المرأة في المطبخ تغنّي
وفي غرفة المعيشة سكين القَدَر
يا للجريمة النظيفة التي تؤدي إلى انتفاء جسد
خذ بيدي كطفلة بلا فم
انظر إلى الشاطئ كم هو جميل
ولا تفكّر في البحر يا عزيزي.

نخبك!

كأس من ضوء. كأسان.
نخبك!
إقرع عدمك بعدمي
سنرتفع
مساء الخير يا سكّان الأعالي
سيّداتي الغيمات المشوّهات
على الأرض دم لا ينام
ونساء يتبرّجن
ودعاية ضخمة للكوكا كولا
وحاملات صواريخ
وشاعر مريض أقفل رئته للتوّ
في التلفاز صور انفجار
واللحّام يكشط الدم عن بلاط دكّانه
سأبكي حين يصبح البكاء ممكناً
أما الآن... فسأمضي إلى الحلاّق
شعوب بلا لغة
تواصل اعتصامها في حنجرتي
أمدّ يدي للمزيّنة الشابة
في التلفاز صور انفجار
والمزيّنة تواصل صبغ أظافري بالأحمر القاني.

بحّارة

آه يا عزيزي أيها الحب!
اخدعني قليلاً عن حفرتي
اليوم عطلة
مضى زمن لم أكتب إليك
تعال أُغرقك في النوم مجدداً
هات يدك نجذّف بها
أيامنا ممتدّة
ولست بحّارة جيدة
الحب وسادة في منزل عجوز
كُتب عليها: "صباح الخير"
الحب شجرة لوز أزهرت
تحت فأس حطّاب
الحب بيت نربّيه داخل النافذة
مانعين الغرباء من التلصّص.

انتقام

شكراً للكره أيضاً
فهو جمرة تنزّ
طاقة صافية ومقدّسة
آه لو كان الانسحاب ممكناً
إذاً لغسلت يديّ منكِ يا أنا
كأمٍ يائسة
أرى عيونكم تتساقط عليّ ككرات بلياردو
أرى خلفها
أحلاماً شبقة تنضج على نار تجاهلي
فأرقص كطفلة شهيّة سقطت من قمر سكّر
كامرأة تهدهد العالم برجليها حتى يدوخ
إنها اللحظة التي أنتقم فيها بكم
منكم.

شمسيّة

ماذا إذاً؟
ستقف وسط الشارع وتصرخ: "أحبّكِ"
فتنفتح فيّ كشمسيّة وردةُ النشوة الضخمة
ثم تتصدّع الأبنية على الجانبين
لو كنتَ تحبّني إذاً لعرفتَ
كيف أمنع مدام بوفاري
كلّ ليلة من الانتحار
بإلقاء نفسها عن حافّة المكتبة.

قنطرة

أعرف امرأة تحشو بطنها كلّ عام بالأطفال
ولا تفكّر بما ستجيبهم حين يسألونها
عن الملفوفة التي وجدتهم في داخلها
أعرف امرأة ماتت قبل ظهور المهديّ
وأوصت ابنتها أن تواصل الانتظار
أعرف امرأة قالت إن الحجاب قنطرة
ثم أحنت رأسها وعبرت من تحته.

زمن خلف شفرتَي طائرة

في الحزن لا أبعاد للوقت
احتجاز
ابتسامة امرأة في لوحتها الخشبية
كلام لا يبلغ المعنى
في الحزن
تنظر إلى الوراء
بحنين سمكة إلى مائها
وإلى الأمام بخوف قرصان
هكذا، في تلك القارات التي لن أزورها
قد تحمل يدٌ زهرة
وتهوي بها على نعشي الخفيف من الانتظار
هكذا، في المطارات الكثيرة
تسقط شذرات لقاءات غير معقولة
تشبه حدّ السكين أو طعم الفراولة
مواليد يختنقون في خلاصهم
زمن خلف شفرتَيْ طائرة
هواء مقصوص بلا أي وجهة
انشطار نهائي ليدين ملوحتين
دمعة خلف ستارة
هكذا، ثمة مقاهٍ يُسكب فيها الشاي
على أرجل المرتادين فيضحكون
لأن في جيوبهم بقشيشاً للغرسون
وأوراق سُحبت تواً من مصرف الوقت،
لأن اليد ترتفع الآن للتحية
لا للتلويح.

مرض

ذاك ليس وجهي
إنها بعض جراح غامضة زيّحتها السنين
في المرض متعة الانغلاق
الانهماك بالعالم الداخلي
حيث تقع الحياة على الجهة الأخرى من إغفاءة
حيث الوقت شجرة مزهرة لا يحرّكها نسيم
حيث الهروب مجرّد فكرة
ترتاح في خفّين تحت السرير
لقد أفرطت في كلّ شيء
تعبت من إنشاء عالم لا يشوبه عيب
ومن بناء أسوار لجزر لن تعود
أحتاج معجزة وأشخاص يكلمونني في نومي
لن تفهمني ولن أعرفك
سأضخّ بعض دمي في كلمات مثل: "رجل حياتي"
علّها تشبه دمعاً سرّيّاً
سأدسّ اسم الله في كلّ شيء
وأرفع يديّ إلى السماء بلجاجة متظاهر.

أرصفة

آه كم مشّطت تلك الهنيهات
حتى فرّت من ملكيّتي
أسأل الوقت فينفي
من أين هذه الحروق إذاً؟
ثمة ما يتدلّى من عنقي
ويربطني بأرصفة الدنيا
فقط، لو كان للسماء أرصفة!

عنوان

بلغة غريبة أبكي
وأستيقظ داخل لغة أخرى
هل من أحد يترجم لي؟
لم أندم على ما اقترفت
كان كلّ شيء ردّ فعل على وجودي
كان كل شيء انتقاماً فاشلاً من إله
نسي أن يترك لي عنوانه!

ورق

علاقة مريبة بين عينيّ والورق
هما لم تصدّقاه يوماً، وهو لم يرحهما يوماً
الورق بخيل ورسميّ، وعيناي تحبّان الغشّ
هو محدّد ومعقّد، وهما زائغتان وبسيطتان
في النهاية، ستتلف المسكينتان
لكثرة احتكاك الدمع بالخشب
في النهاية، لن يبقى سوى حفيف النظرة
على سطح هذا العالم الشاحب.

بوّاب الذاكرة الفظّ

هذا الحنين إلى لاشيء
إلى فراغ يشبه سقطة بلا قعر
إلى أيام لم تمرّ وأخرى لن تأتي
أيها الألم مرحباً
دعك من هذه الحيل القديمة
أميّزك من بين ملايين الأحاسيس
لأنك أجنحتي المغروسة في التراب
لأنك فكرتي عن الموت
أرغب في تبادل الصمت مع ماضيّ
علّنا نتفاهم
أرغب في إيقاف المارّة جميعاً
ليخبروني قصصاً لا معنى لها
وداعاً يا مساء المروج السعيدة
أيها الممرّ المحروس من بوّاب الذاكرة الفظّ
أيتها الأيدي التي رسمت شيئاً ما عند نفاد الوقت
مذ أخبروني أن الحياة ليست فيلماً هندياً
صرت أنزع القماش كلّ ليلة عن لوحاتي الزيتيّة الداخليّة
عن مومياءاتي الجميلة
مذ أخبروني أن الحياة ليست كذلك
لويت أحلام رأسي الطويلة
ثم دسسته في ثلاجة.

أجنحة من شاش

أنتظر رسائل من مجهول
لا تخبرني شيئاً
تأتيني كأجنحة من شاش
كأصداف تحتجز لؤلؤة الوقت
وتنسيني قدمَيّ نصف المشلولتين
أنتظر عينين أخريين
وفستاناً يطول حتى المنام
سأحرق القصائد لتتبعنا
وأمتطي قارّة مجهولة تأتينا في قارب
لو أستطيع أن أقول لنفسي: وداعاً!
وأرمي الحقائب إلى الأبد
ستقف عندها وسط كوكبك السعيد تنفث الدخان
وتراقب انقراض السلالات الغريبة
هكذا هو العالم:
زجاج لا تلوّثه يد قتيل
وجدار لا يزعجه قرع رجائنا الأبله.

كجرح ينفتح ببطء

مواصلة العيش كنبتةٍ على الشرفة الخلفيّة
كما لو أن الأرض لم تلقِك عن ظهرها
كما لو أن التراب ليس حبلاً مشدوداً
ابتسامة، نعم ابتسامة
العالم يلاحقك بكاميراه
أره أسنانك قبل أن تفلش أشلائك على قارعته
ابتسامة نعم ابتسامة
كجرح ينفتح ببطء.

صور عائليّة

يدكَ التي ليست سوى سماء
أثبّت أفكاري عليها بالدبابيس
يدك الواسعة يا حبيبي
المشرقة كشراع
الملوّحة للماء على وجهي
جميل هذا الليل وقصير الرجلين
هنا حيث ينمو الحبّ كعشبة سامّة
يجب أن أروي لك عن قرىً لم تزرها بعد
عن صور عائليّة ترتاح على ذاك الحائط
دون أسلاك شائكة تفصل بينها
أنتَ معي
في تدفّق الدم القليل
في وجوه الغرباء واللكنات الغريبة
أنت معي دونما حاجة إلى أوراقهم
نظرتي مزدوجة
خطوتي مزدوجة
أراك هناك تتابع نمل الأحلام
كتاب في اليد
ظهر على السرير
والعالم يتابع صمته خلف رجلك المفرودة.

بيت

كان الكلّ يتنفّسون ويديرون ظهورهم
وأنا أنحني لتنظيف الأرضيّات
في بيت قيل إنه لي
وأصبح فجأة بلا سلالم
كم مؤلم أن تيبس الجذور قبل أن تنبت الأجنحة
واجهتُ الموت بالخوف
والحياة بالتعب
ثمة ما يسقط بين قطعة أثاث وحائط
أنا خائفة!
كنتَ نائماً حين قرّرت أنك تحبّني
كنت نائماً
حين فضّلت صورتي علّي.

كرويّة

أذكر،
كان ثمة أماكن لها أسماء محدّدة
على طرفَي الذهاب والإياب
وثمة وسادة تقود إلى غد مأمون
من اكتشف كروية الأرض
جمع البداية بالنهاية
وحرمنا متعة العبور.

قابلة للاشتعال كفراشة

أريد أن تموت قبلي يا ربّ
كي أكفّ عن التحديق إلى السماء
بنجمتَيْ وجهي المطفأتين
بالآرامية والسريانية والعبرانية
كان المصلوب ينادي نفسه
والتلّة ترتفع
رأيتها تمرّ بالقرب مني
صامتة وكئيبة:
حياتي التي لم تلقِ عليّ التحيّة
كانت قابلة للاشتعال
كفراشة
كانت شحيحة كمصباح أعمى.
بيعوني امرأة بجراح أقلّ وتنّورة بيضاء
بيروت بيروت بيروت
كنت سأحبّ بشاعتكِ
لو لم أستبدل القلب بوسادة
نداؤك يفتقر إلى الدفء:
نبات بجانب الرئتين أنتِ
وبنايات تسقط بالمناطيد.

القمر أوّل النفق

لقد خنتكم جميعاً
فدلّوني إلى تينةٍ
أتدلّى منها
لا تدعوني أحسد يهوذا
رأيت قرى
عمّرتها يد الجحيم على عجل
رأيتُ أطفالاً
لا يحلمون
لقد أتيتُ ولم أشارك
يا لقلّة حيلتي
من يمنحني وجهاً فأركض؟
وأبتهل
لإله بسيط آمنت به.
رقصنا طويلاً
أدرنا أكتافنا البضّة
وتغامزنا
عن روح الميت
رجال كثر
دبكوا في أحلام العذارى
رفعوا قبضاتهم عالياً
شبكوا صدورهم المُشعرة
بطَرْقهم السريع للأرض
علت أكفّ المولولات
فاض بحر من حيض
وبحر من مواليد
والصواني تدور
يغمسن أيديهن في دم القتيل
يبتسمن حتى تتفصّد الشفاه
الأرامل
وبنات الهوى
ومن زرن بيت الله الحرام
يا أسماك بحرنا
الملوّث
لا صيادين في الأزقّة
يشقّون النفايات بحثاً عنّا
لا تجوع الأفواه الآن
ثمة من جاء من السماء
سهم من ملاكٍ حقود
أضرم أقدام الصبية
كيف ألوّح؟
وقد فقدتُ يداً بالأمس
اليد التي كانت ستطلق الزناد
على صدغي
سامحي عبوري الخفيف
يا ضاحيتنا
يا شعور بنات أرضي
المحروقة
يا أثمار أرحامهن
الممزقة
سامحيني يا نظرة أمي
الأخيرة
يا دعاءها الذي
بدّدته الطائرات الحربيّة
ويا فستان العرس الذي لم أرتدِ
طعمٌ سميك كالقطن
راح يتجمّع في فمي
لم أطلب كوب ماء
ولا سيارة إسعاف
انهرتُ فقط
تظاهرت أني لا أسمع
قرعهم بالمطارق
صفيح سمائنا.
صدّقيني أيتها النجوم التي هجرت سطح أهلي
لقد انتابتني تلك الليلة
رغبة قي تقبيل
الجدران
وفي جمع الغبار المتبقّي
تحت بوّابة ذاكرتي
سقط الكثير
ممن حاولوا اجتياز الطريق
أو استيقظوا صباحاً
وقالوا: نحتاج خبزاً
لم تنهمر قطرة واحدة
ربما لا أنهار لدينا
وربما سنلتهم أطرافنا
قبل أن تفعلي
لم نطلب منك أن تبكينا
لكن لا تكوني سامّة
يا ضاحيتنا...

دم الأرض
لا يكفي
لكتابة كلمة أخيرة
أريد بلا خوف
أن أُصرع
بعيداً عن جنّة المعمّمين
وعن حروب
الكون التي لا يد لي فيها
كمعصم مفتوح
أكتب كلمتي
وأمضي
لأنكم لم تحتملوا
وجودي
كيوبيد لم ينجُ من سهامه
لأن الوعي مهزلة الآلهة
والقمر بداية النفق.

لقد حفرت عميقاً
في جسد هذه المدينة الجرباء
ربما بعد ذهابي
سيغدو الدم أكثر حمرة
ربما يملأون جرار النوم بالعسل
وما همّ
الكثير من الورد الضارّ
نبت في شراييني
التي طاشت عنها
نظراتك يا ألله
جاء الخريف قبل أوانه
هذه السنة
استدعته نذور أرملة
سنحتاج مصحّات كثيرة
لرفع هذا الركام كلّه
استخففنا بك أيتها المأساة
فغرّرت بنا
لا داعي للتبرّج الآن
لا داعي للاحتشام أيها الجنون
ماذا يفعل من كان الهاوية بعينها؟
بقليل من الصراخ
شلّوا يديّ
ليس للوقت منحدرات
كما قالوا
هي أرجلنا تزلّ
حين تملّ الاتكاء
أنحتاج توابيت حقاً؟
ألا تكفي هياكلنا العظمية؟
لقد وزّعنا الكثير
من بيانات الاحتجاج
ولم نمنع شتاءً من القدوم
شطّبنا بالحبر وجه الأرض
ولم نغيّر نهاية واحدة
لقصة واحدة.
كان جسر الفراغ طويلاً
حزمنا ما استطعنا من حزن
ونزحنا
مرّة أخرى يعلنون بمكبّرات الصوت
بالمناشير
أن الملحمة لم تنتهِ كما يجب
مرّة أخرى نهزّ رؤوسنا
ونهرع للحصول
على دورنا
في دورات المياه
يا ضاحيتنا...
لم يعد لنا عناوين
وهذا الحزن لا يكفي
الأشواك تسأل عن فستانها
وطفولتي المعلّقة على حبل
رائحة الصلوات الصاعدة
من جبينها
وكلّ الأولياء الذين انتظروا زيارتها هذا العام
لقد ماتت
وحين لفّوها بالخيش
لم تحتجّ على رائحة الدواء المُطهّر
أصغت إلى أسماء عتيقة
لأئمة لا يموتون أبداً.

الأدعية عيون الفجر
وهذا الذي ينبجس فجأة
سرّها الصغير
على شكل نقطة
تخرج من زاوية العين
لقد ماتت
وضعت إصبعها على القبر
كي لا ينبس بحرف
(أو وردة؟).

ما زلت أتنفّس
رغم كل ما كتبتُ
بعد اليوم
لن يصدّقني الموتى
حوّمتُ حول جرحي
وسط هذا الدمار
وكانت المدن تتداعى
في راحتيّ
يحكى أني كنت هناك
حين مات الجميع
ولم أجد سبيلاً
إلى موت أو جنون
أنا قاتلة
ما دام الكلّ يطوفون حولي
لقد أبّدتني في انتظاري
ولم تعد خلطتي
رغم أنك وعدت
أيها الرب!

شرّعنا قلوبنا للنهب
هتفنا باسم أخيل ومحمّد
كان لصرخاتنا قرع مختلف
هل تذكر؟
قالوا إنها جنين
تلك اللطخة
ولم نُعطَ الوقت
لشراء فستان للصغيرة
قصصتُ شعري
ورقصت فرحاً:
حصلت على سبب لانتحار
وذكرى قماش مدمّى.

خصل شَعري

عجز أصليّ فيّ
كلّ مرة يغلبني هذا الشعور
بالامّحاء
لا أراني إلا صدىً
لكائنات أخرى
يد بديلة ربما
أحبّك
كما أفتح نافذة الصباح بعد مأتمي
وتعشقني
كأني جواب عن أسئلتهم
هدّئي من روعك أيتها السنوات
لا بدّ أن يأتي فصل من كتاب
على قدميه
ويركض حتى يدمى
كمعصم مفتوح
هو هذا الفجر
الذي طرحه الليل عند بابي
لقد ترقّط جلدي
من الكلام المخبوء
هلاّ استعدت أمواتك أيتها الأرض؟
أين تذهبين بعيوننا
حين تنطفئ المرايا؟

أيتها المدفونة

في ركامي
اخرجي الآن
باسم هذا الدمار
الذي لا يسمّى
لا رأس
والعبيد يتناتشون إلهاً واحداً
لقد دفنتُ جمجمتي بينهم
فأساؤوا إليها
نقشوا عليها مأساتهم
صارت كرة أرضيّة
وصاروا كهوفاً
كنّا جميعاً عالقين
في شراك نُصبت لغيرنا
في حياة لم نردها.

لن أتوقف عن الكتابة هذه الليلة
سأكتب كما لو أن الموت
لن يأتي أبداً
سأزعم أني أرى
أثراً لإبريق مكسور
أيها البيت اخذلني الآن
سأموت كما يليق بخائفة
لا أعرف إذا كان للأطفال الإسرائيليين
أسنان مثلنا
تلمع في الصور العائليّة
لا أعرف كيف تبكي النساء هناك
يا أولاد قانا
يا أطفال الموت المكرور
كان ينبغي أن تموتوا كي نرى
ضوء الكاميرات ليس شحيحاً
فأسبلوا للرحيل
أعينكم
لم يستشركم أحد
إن كنتم تريدون دخول الكتب
لكنهم سيمنحونكم أسماء مختصرة
ثم يهيلون التاريخ عليكم
هل يحق لنا أن ننظر؟
لم نملك ثمن حياتكم
فلا تقبلوا حصصنا الغذائية
واحد هو هذا الموت
وأنا مجنونة بما يكفي لأرى
لأشتري جريدة
أو أفتح تلفازاً
ستون قبراً لموت؟
تنحّي يا أشجار الطريق
ثمة شيخ يعرج في ماضيّ
ثمة معادن يجذبها دمي الممغنط
لديّ جرح وسرير
على أي منهما أنام؟
لديّ دمع
والنازحون لا يحتاجون ملحاً
أجهل تلك الخريطة
أكرهها
لقد رحل السكّان
وتركوا عينيّ مضاءتين.

تموز - 2006

****

قصائد سريعة

1

رأيت رجلاً ذا لحية بيضاء
يرتدي ثياباً بيضاء
استوقفته: هل أنت الله؟
قال: لا. فأكملت المسير.

2

المجنون أكثر الكائنات حشمةً
إنه لا يلاكم أحداً من خارج نفسه.

3

بما أن المصارعة حرّة
والضرب تحت الحزام متاح
نصيحة للنساء:
سددن اللكمات على ضلع آدم الناقص
هناك، حيث مصنعكن.

4

الشاعر:
الله مع قليل من النقد الذاتي.

5

يعلّموننا في المدارس
كيف نطلي الصمت بكل سخافات اللغة الممكنة
يلوّثون صمتنا الأصلي
حقيقتنا الوحيدة.

6

دماغي يصنع خطوطاً في هواء الغرفة
ينسج شباكاً ثم يطويها كصيّاد خائب
يشغل نفسه في تخيّل نفسه
في ملاحقة كرات كيميائيّة وهي تعبر خلاياه الطويلة الأرجل.
إذا كنّا الصورة في المرآة، فأين الأصل يا ترى؟

7

قصيدة سريعة قبل أن نبلغ الأربعين
ونبدأ في نفخ أنفسنا بالسيليكون
مستحضرات العناية بالوجه والشعر والأظافر
مستحضرات العناية بجثثنا الفاتنة
التي تمشي كل يوم أمامنا
تسبقنا إلى أسواقٍ يبيعوننا فيها معلّقات أو متدليات
لكن دائماً من دون فكرة
تعكّر لون أحمر الشفاه.

8

استلقى رجل عند الظهيرة
فخرجت من ضلعه امرأة ترتدي الميني جوب
"شبّيك لبّيك" قالت، ثم قهقهت إلى الأبد
وهربت إلى اللوحات الإعلانية على الطرقات.

9

فلتنبت الآن نافذة
وفي النافذة فتاة متكئة
وخارجها مدينة
وفي المدينة عظام تتخّ داخل قبورها
ومطاعم لا تقدّم الطعام للمشرّدين
وماضٍ في أحد الجيوب الخلفية
ليكن الوقت بعد ظهر يوم أحد لم يذهب فيه مؤمن إلى الكنيسة،
فتختار الفتاة أن تقفل نافذتها وتنام.

10

تحيّتي إلى الشوارع الفارغة
إلى النادل يرطن بالإنكليزية قبل أن يطرد الزبون الأخير
إلى أسنان ترنّ كالأجراس في النايتات
تحيّتي إلى من خرج الآن من الزقاق
حيث الوقت محتجز
لا بدّ أننا يا رفاق جميعاً
حزانى حزانى
ثمة دببة تنقرض في الصين
ومركبات أميركية تنفجر على بلوتو
ونجمة سينمائية تكسر كعب حذائها
ثمة طفل فلسطيني يلهو بقنبلة عنقودية
فيما أنكر ونكير يلعبان الشطرنج.

11

أذكر يا جدّتي
أن القوّة كانت فلسفتك الوحيدة رغم أنك لم تقرأي نيتشه
كنت تعرفين الآر. بي. جي
وتسمّين هتلر أبو علي
جررتِ قلبك كعنزة حرون
في طرقات بيروت التي تجهلينها
لكنك لم تحسبي حساب شريانك الصغير
الذي قرر أن يوقف أعماله
هكذا فجأة دون سابق إنذار.

12

ما زلتُ مصرّة على كسر المرآة
لأجرّ الأشخاص الذين في الداخل من شعورهم
وأجبرهم على اللعب معي قليلاً
ما زلت عالقة هناك
خلف الكنبة الحمراء حيث قابلت شهرزاد وروبن هود
قبل أن تعود أمّي من العمل مساء.

13

فقط أن تغمض عينك كشرطي سير لامبالٍ
وتسمح للحياة بالمرور.

****

ولدت زينب عساف في بوداي بقضاء بعلبك العام 1981، وأصدرت مجموعة شعرية بعنوان صلاة الغائب العام 2005. تعمل حالياً رئيسة لتحرير مجلة نقد الفصليّة، إضافة إلى عملها كناقدة أدبيّة في صحيفة النهار.

*****
دار النهضة العربية
الطبعة الأولى
2007

أقرأ أيضاً: