ظبية خميس
(الإمارات)

مفتتح

  • "أرني الأشياء كما هي " (من دعاء الرسول "ص")
  • الكلام بلا نهاية لكنه ينزل بقدر طلب الطالب.
  • اللون لون الدم والريح ريح المسك.
  • قيل لعيسى عليه السلام سنأتي إلى منزلك قال أين ومتى كان لنا بيت في هذا العالم.
  • اليد تكتب بأمر القلب.
  • الدنيا كحلم النائم. (من كتاب فيه ما فيه لجلال الدين الروحي)
  • أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء. (من سورة فصلت: الآية 21)

*****

تلك الليالي.
تاريخ تلك الشجرة.
أمنية.
هدية السماء.
المخالصة.
بضاعة النفس.
يا لها الأرواح.
حدائق ديلهي.
مطر السماء
نحو الأبد
لا حدود
شجرة التين.
دار غربة.
كائن مريب.
مساررة.
الكتابة.
طحالب طبية.
كائن خبيث.
في رائحة الجدران.
لبهو الماء والطين.
كما نزهة جبروته.
تباغتنا هذه الوجوه.

****

تلك الليالي

كل تلك الليالي
همزة الوصل بين مدائن التيه

كل تلك الموسيقى الشاحبة
تقطع قفار الممالك نحو قلب يتأمل
سطوة الوجد في أحزانه
في بوحه القليل
ومزامير وحدته المتوجه بأكليل عيسى.

رامني السير ، فرمته
لا الخيل، ولا البيداء، ولا السيف
في غمده أدرك الفريسة من نسرها
الجارح ومن طيور الجيف تحط بين
سماءها، والأرض.

خاتلتني الرؤى ، فصرتها.

قل للغريب في جوف أرضه
تموت بين غدين وبين زمنين
وتأكلك الأرض ، ولا تأكلها.

أودعت الخزائن أسراري
وأوسدت جثماني التابوت
وحين ختم الصمت على شفاهي المطبقة
ذهب السر الأكبر معي
تاركاً لهم أهداب خيوط تذوب
بين الدهور وبين كلماتهم.

أن في موتي، موتهم
وإن يدفنوني بالأمس
لا يدفنون في موتي ، موتهم.

15 فبراير 2005
نيودلهي

تاريخ تلك الشجرة

العنف مقصلة التاريخ
الدماء غذاء الكراسي
الجماجم عرش الزمان.

من ينحني في وجه من
الوجه المقبوض في وجه الريح
الدم المستباح على أعتاب بوابة المنتصر

امنحني ذرة حرية كي أقول
إن الغابة بقديسيها تطبق على رقبتي

لا شهوة لي في البوح
فالخوف من الآخر صار رفيقي
لا شهوة لي في النضال
ولا التحدث بإسم الشعب
ولا الارتماء في أحضان الرفاق
فالشبهة صارت تطول الجميع.

امنحني ورقة توت
أغطي بها عيني كي لا ترى عورة التاريخ.

امنحني حقنة مورفين، أو قطعة حشيش
كي أنسى كل الدروس التي تعلمتها.

خاوية الوفاض أصعد إلى أنفاسي
مكسورة الجناح مثل كل مواطن عربي.

أجهر باليوم الذي هو مقبرة الأمس
أرفس ثوابته
وأسقط من على ظهري حمل الشعارات
التي اجتاحتني منذ لحظتي الأولى
على هذه الأرض.

لا شيء يثبتني كي أتمسك به
والقانون، في كل الأحوال،
ليس بقانوني.

أصرخ في وجه الشمس
وعلى حواف تضاريسي
لا الجبال لها قمة
ولا الأغوار لها عمق ألوذ به.

عروبتي ثوب لا يستر عورتي.
وأشباهي ضحايا الطوفان
يتساقطون مثل دمى السحرة
المدججة بدبابيس الموت والعاهات.

سوف أخطب في فضاء التاريخ
لماذا خدعتني
مثل عصفور يذهب إلى فخه
ظاناً أن له جناحيه يرفرف بهما.

أسرق حياتي من موتي
أسرق حريتي من بركان جلادي

مهزومة، وخائفة
مثل ورق خريف سقطت ولحقتها
شجرة بكامل ثمارها التي ماتت
عليها.

ولا أحد .... لا أحد
يدرك تاريخ تلك الشجرة.

3 مارس 2005
نيودلهي

أمنية

ولربما جاء الربيع مبكراً
وخاتلني دون أن أراه
لأجتاز الشتاء مجدداً
في انتظار ذلك الذي تسرب
من بين أصابعي.

4 مارس 2005
نيودلهي

هدية السماء

الجمال ببواباته يدفع أمامه
الربيع بدونما جهد يذكر

تصفح الشمس عن الغيوم آنئذ
وتكتسي الأشجار ثيابها

تأخذنا الزهور إلى رقة منتظرة
وتنحني أمامنا العواصف
متحولة إلى نسيم يتحول
إلى هواء الروح.

الربيع هدية السماء القصيرة
للصاعدين على جبالها.

31 مارس 2005
بومبي

المخالصة

أن تملأ الفراغ بالثرثرة
أصوات تسمعها، تحدثها
أصوات في الرأس
أصوات في الأذن.

أن تفر من لحظة المخالصة
اللحظة تلك
بلا صوت يمتلكك أو تمتلكه.

الإدراك اللحظي للفراغ الكوني الكبير
للصورة ووهمها
للصور المتحركة للعارض، والمتحول،
وللزوال كما يحدث لك في كل يوم.

نتجنب أقوالنا المكررة ،
بالصمت
نتجنب حركاتنا التي تضرب في الهواء
بالثبات مثل صنم شرقي.

لا يصبح للماضي وجود
ولا للمستقبل
فقط اللحظة، اللحظة التي تعبر سريعاً
إلى مصيرها.

نراها أشباحنا، آنذاك
تلك التي كناها
وهذه التي تتلبسنا في موقف التبديل.

ومثل قمر يضيء لليلة واحدة
نكتشف أنه نحن
ومثل شهاب ولد للتو
نكتشف أنه نحن.

لا ضوء في القنديل
يخبرنا عن حيواتنا ، الآتية.

15 مايو 2005
نيودلهي

بضاعة النفس

أتراها الأمكنة
تلك التي تفضح شحوبنا
ورغبتنا في الإياب

أتراها الأمكنة
تلك التي نتوق للانعتاق منها
التي تتخذ طعماً ما في حلوقنا فيما بعد
عندما نتذكرها
الأمكنة تصنع أشواقنا ، تكشف خبايانا
تعرفنا على من نحن بقسريتنا
المفاجئة، وميولنا التي لم نعترف بها،
انتماءنا المحدد للأشياء، والأماكن،
والأصدقاء.
بضاعتنا القديمة التي ردت لنا عبر
الرحيل.

متأنية في ألمي
أسعى إلى كشف أغوار ذلك
العمق الذي لا أعرف له قاعاً
كي أواري بعيداً.. بعيداً ظل الكائن
في وحدته

تدرك أنك تصنع أصوات
كلمات
لهاث
تدرك أنك تصنع احتكاك ما
خفيف، وسطحي
سرعان ما تتوارى حرارته.

تدرك أن الأحلام تجلب لك
مخلوقات لا تعرفها
وأراضي تتوه فيها ، لن تعرفها.

16 يونيو 2005
نيودلهي

يا لها الأرواح

أفرد ما في جعبتي
كما يفرد المساء ظلاله
أتكئ على فئ المخيلة

يا لها الأرواح.. كم هي صاخبة
في حياتها ، وفي مماتها ، أيضاً.

أرتاح لغربتي ...
لضمير الأنا الضارب في تيهه.

أملاْ كفي بالينبوع
وأغمس نوري في عين الماء.

لا يدرك المتسول كم هي ثروته.

أعانق أشباح الكلام
تلك العالقة في البئر السحيق

نحن أشباهها التائهة
الحاملين لأبجدية ماضيها
المسرفين على أنفسنا في شتات
الشرايين والأوردة

لا نشبهكم حتى في تمثيلياتنا التاريخية
العمامة، والسيف، والفصاحة الملفقة.

لا نجرح الأفق بصهيل خيولنا
ولم نعد نعرف من هم العرب والعاربة.

نختبئ وراء أسماءنا
ونحفر في قبور الحياة مثل قناص أضاع
فريسته.

كيف يعلو النشيج كي يخرج الليث
من أدغاله.

من عواصف الليل أسحب مخطوطتي
الكهنوت فيها جاثماً
وأرشقه بشهب مكورة في حجم حبات الدواء

أزرع في الكهنوت فصاحة من أرثه
وأكسر جداريات من صنعه
كي أخرج تلك الذات الغائبة ،
تلك المتوارية فيه مثل جثة في التابوت.

من العزلة ومفرداتها
أنسج الطمأنينة شبه الكاذبة
لبوساً لأهازيج الحياة التي يفصلنا
عنها آلاف كهنوتية مؤلفة.

أحشر المرئي مع ذلك المقدس
الذي لم نره إلا حروباً، وحروفاً، وسيوفاً
مسلطة على طرف الألسنة.

عثت فساداً بنا أيها التاريخ
مهرجون يخرجون من دهاليزك
ممثلون، إلياذة، وحروب إلهية،
أحجار مقدسة وجماجم ترفسها أقدام
السادة المتكالبين على مصداقية التاريخ، والوثن.

من رعب إلى رعب نحيا
بالتاسوع ، والثالوث ، والإثنى عشر
وصولاً إلى المفرد المتفرد.

نكنس مشاعرنا مثل قمامة لا لزوم لها
ونطفئ بنار النخاسة جلود فطرتنا.

البعير يقودنا
وحيث ما برك، تباركنا.

لا حقيقة إلا نحن
فيما الآخر موضوع لذواتنا ،
ذواتنا هذه التي لم ندرك بعد
كم من الدهاليز قد عبرت
كي تقف أمامنا، في وسط ذلك
الظلام الدامس الذي قررنا أنه البرزخ
برزخ الحقيقة الواحدة.

20 أغسطس 2005
القاهرة

حدائق ديلهي

أجمع نثار النور
من حدائق ديلهي

على صخرة أثرية
أرسم مشاهد المدينة
مثل كائن من العصر الحجري
يؤرخ لذاكرته

ناعمة، وقصية اليوم
وقد غيرت جلود ثعابينها
بين فصولها الخمس التي يتدفق منها
الماء، والنار، والضياء.

أمسكت بي الأشباح فيها
بين القصور، القبور، والمحاريب

تسلل إلى أخضرها، وغموضها المجهول،
عبر حدائقها التي تغطي شيخوختها بإتقان
المحترفين.

البخور ، والموسيقى ، أغلفة الكتب وتماثيل
الآلهة كلها تجلس في حضني اليوم
لتقول أن هذه هي ديلهي ... ديلهي
تلك المختبئة في وجه الأخضر الذي
يرسم ملامح وجهها.

مطر السماء

سوف تمطر السماء ،
يا حياتي.

من جديد !

ما هذا: نيل الفراعنة في بدء خلقه.
والنسيم يرطب الروح التي يجري الماء
في نثارها.

أين المقدس، إذن ؟
يخرج من صندوقه في الذاكرة.

أنراه ؟
كما لم نرى أنفسنا، أبداً.

29 سبتمبر 2005
القاهرة

نحو الأبد

للأمسيات البعيدة تلك
بين الضباب، والدخان
ووجوه دارت بها أوبرا الحياة.

إلى الشباب النزق
يبدد حواشيه بين الطرق

إلى "لا" الجامحة مثل خيل أصيلة
تركض في صحراءها
وإلى الحلوق التي تصلبت فيها "نعم".

نورنا السابح في سماءه
ضوءنا وضياءنا
ضوضائنا التي أنهكت نفسها
قبل أن تصل إلى أسماع الآخرين.

الورود والمرايا
مغنية الأوبرا الذاهبة في أزمانها
بوذا الضاحك، وإيزيس المجنحة
في غابات الخيال الاستوائية
التي تنام أمامي بعض أشجارها.

معزوفتي نحو الأبد
واستبدادي الكسول بساعات الزمن
التي أدعوها ساعاتي.

على معطف فرو
يغفو العالم بين أوراقي ودخاني.

أمجد هزائمي وانكساراتي
مثل إله هندوسي في معابد الهملايا.

يسخر العالم من الكلمات والشعر
وأنا بدوري أسخر منه.

فوق سنام جمل، يمر هودج وقتي
سابحاً في كثبانه، ملاعباً تلاله الرملية
مصغياً لعزف ناي بعيد
وناثراً حبات الذهب بين قطعان
الغزلان المتراكضة نحو غديرها.

أنحر جذوري من أجللك
يا إله الكلمات والجمال العذب

غروب الشمس تحت سحب الخريف
حريقها الذهبي الذي يلاعب الغيوم
صحراءها ، وأهراماتها الشاهدة
على حكم الخلو

لك سنابل الكلمات التي ترسلها
ولنا رقصة الطيور المهاجرة تحت
سماء الفضة والذهب.

ماكرة مثل قسيس يواري عشقه
في زهده.

تنام المطايا بين دثار الكلمات
فواصل الحياة ، هي المطايا ، تلك.

راحلتي تبرك بين تماثيلي ولوحاتي
أرشها بماء الورد
وأغسل تعبها بابتسامات القديسين
اللذين يباركونها.

20 أكتوبر 2005
القاهرة

لا حدود

مفتونة بهجر هذا العالم... أنا
الذي يقودني إلى "لا حول ولا قوة".

لا علاقة لي بالحدود
ولا يحد من دنياي اللون ، والعرق ،
ونوع الكتاب المقدس ... ها هناك.

أعرف أنهم أخوتي في كل مكان
وأن النبتة الخضراء.. التي تنبت لديهم
ولا أعرف لها إسماً ..
هي نبتي أيضاً التي تسحرني بروعتها.

لن أسمح لكل تلك الأعلام أن تخدعني
فأنا وهم واحد كالماء والهواء والسماء.

إن كانوا في جبال الهملايا ، أو قرى المكسيك
إن كانوا في معابد الهند أو كنائس أوروبا
إن كانوا أهل كتاب أو عبده أشجار
وأرواح

كلهم ، كلهم أخوتي كالماء والهواء والسماء

22 أكتوبر 2005
القاهرة

بالعيون أود أن ألمسك
يا قمراً ... والبدر مكتمل
حيث لا أحد ينظر إلى السماء
حيث ما صنعه البشر يعميهم عن النظر
إليك.

يا فائق الجمال
يا من لا علاقة له اللحظة بالأنوثة
أو الذكورة
من حولك غيم النور
ولجيمات يلمعن بقربك

صوتك يناديني
فأهمس لنفسي
يا الله ... يا الله.

13 فبراير 2006
القاهرة

تواضع قليلاً لأرتفع في سماك
أخلع عنك زركشة الخيول
وخفف من زينة الإخفاق هذه.

ساررت خطوك كي أرى
كيف للريح أن تحاصر خطاك
فمن الخطى ولدت خطايا
وها أنا ملء فمي صرخة المسيح
فثمار الشوك قد ازدهرت في حلوق
الباعة والمشترين.
والمدينة خلت من الأكفان
في حين أن الموتى ما زالوا يدفنون
قتلاهم

تواضع قليلاً كي لا أراك.

28 أبريل 2006
القاهرة

شجرة التين

جاء السد إلى الباب
فكسرته.

بعد ذلك دخلت السيول
سيلاً ، سيلاً
خلفت الندوب وراءها
اجترحت الطوب والصخور
أخذت معها كائنات وبشر
وتركت وراءها الكثير من الوحل والطين.

جلست على شجرة التين
ولا أعرف كيف صمدت ،
وكيف تحملتني.

وصرت أداوي تلك الندوب بأوراقها.

خلسةً
غادرت أرواح أبدانها

وخلسةً
تلصصت، أنا على ذلك، أيضاً.

تبعتها وهي تخرج في الفضاء
تعربد بين الأحياء
الذين سقطوا في بحار من الدموع.

كانت الأمواج ترقص وتضحك
فيما الأبدان نائمة، نائمة
تلك النومة الأبدية.

صفقت للنادل كي يجيء
وبدلاً منه
جاء قطيع من الأسود
يبحث عن سرب من الظباء.

لا تحتمل المسألة كثيراً من
النقاش
بين أن تختار أن تكون
القاتل أو المقتول.
دعني أرفع تنورتي الغجرية
قليلاً
فالرأس لابد أن ينحني
والأقدام لابد أن ترتفع قليلاً
كي أقطع النهر ما بين الذي
كان والذي يكون

22 أغسطس 2006

دار غربة

الدنيا دار غربة
تجيئها الروح من مكان بعيد
تمر بها تحذو حذو أشباهها
من المجهول إلى المجهول.

فيها ينبت الألم
وفيها تندثر السعادة.

فيها يرتسم الألم على وجه المولود
وفي صرخته
ويرتسم الصمت المطبق على وجه
الراحل فيها ... وربما ابتسامة غامضة
على الوجه الأخير.

الدنيا دار الالتهام
الصخر يلتهم الحجر
والبحر يلتهم النهر
الريح تلتهم النسيم
والفيضان يلتهم الكواكب والنجوم.

لا شي على حاله
الحروب من الدغل إلى ناطحات السحاب
والجثث.... الجثث في كل مكان
تحت الأرض، وفوق الأرض
وفي النفوس، والأحلام، وفي
أرصدة البنوك.

دار غربة هي الدنيا
بعوضة تقتل فرعوناً
وبشر يقتل أمماً
وأمم تندثر إلى ما وراء المغيب.

قناص يطارد فريسته
وفريسة تلتهم قناص.

الدنيا دار غربة
وكائنات تبتكرها
تدور رؤوسها وكأنها الزمان
وتسقط رؤوسها وسط كل ذلك الهذيان.

تمسها اليد مس الماء
وتقبض عليها الكف قبض الريح.

وفي الخلاء بقايا أصوات وهمهمات
لأرواح قالت كلمتها
وذرتها الريح
وما قد وصل يقول :
الدنيا قبض ريح.

إلى أين يذهب النداء
ولمن الكتب الأولى
وهذه العمائم والقلانس
والأرواب والأجراس
وهذا الركوع
وهذا السجود
والتضرع، والمخافة ، والخشوع
والنفس الذي يردد أوراده
ويشهق شهقته
ويطلق ذراته في الكامل الكلي
يروح ويذوي
يطوف ويستنشق
وفي آخر الأمر
صمت مطبق كصمت الآخرين.

الدنيا دار غربة.

رأس القاتل، ورأس القتيل
على مخدة الموت معاً.

فهد ينقض على ظبية
وصقر يبتلع حمامة
وذئب ينهش جثة
وبشر ينسق مائدته
وينسقه حانوتي الدفن.

الدنيا دار غربة
الذئب فيها كمثل الرضيع
والصراخ فيها هو الصمت في وقت لاحق
الدموع تجف
القهقهات تصمت
الفرح الأخاذ والحزن المستبد
في خرابة الألم عملة واحدة.

الدنيا دار غربة.

8 سبتمبر 2006
القاهرة

هم، مثلنا

النملة تثابر
يسقط حملها الذي تنوء به
فتحمله من جديد.
لا شيء يوقفها عن ذلك الدأب
لا المطر ولا الرياح
ولا سحق الأحذية لها
ولا المبيدات الحشرية
ولا حتى انقضاض آكل النمل عليها.

إنها تسعى ، تسعى دائماً
وشعارها: " في الحركة بركة ".

هل يمكن للنباتات أن تشعر بالغرور
أن تباهي بعضها البعض بجمالها
أو اخضرارها
براعمها أو ثمارها.

كأن تشعر شجرة المانجا
بأنها أكثر أنوثة، مثلاً،
من شجر الخوخ.

أو أن تمنح زهرة اللوتس
نفسها امتيازاً سماوياً
لأنها مقدسة لدى الكثير من الأمم.

أو أن يشعر التوليب بتمايله
باتجاه الضوء
إنه أكثر رشاقة من شجر البلوط ،
مثلاً.

وهل يمكن للزهور أن تظن أن
النحل لن يستطيع العيش بدونها
وأنه لا يستطيع أن يخونها
وأن غضبها منه قد يتسبب له في
الموت بالسكتة القلبية ، مثلاً.

أظن أن النباتات تعلم ذلك
جيداً، وهي بدورها قادرة
على السخرية منا، أيضاً.

كائن مريب

توقف عن الطرق على بابي
أو التسلل من وراء الستائر
من نافذتي
أو الدخول بين أردان ثيابي

أنت لا تناسبني، وأنا لا أصدق
تماماً نواياك.

لا تتقرب مني بالعبث بخصلات شعري
ولن تهزني ابتسامتك الماكرة
التي ترتدي قناع البراءة.

لا تشعل لي تبغي
ولا تسرع لتفتح لي باب سيارتي

لا تغريني بباقات الزهور
ولا العطور
ولا تلك الهدايا الناعمة مثل
الدبدوب ، أو مجلة فكاهية.

أنا قد رأيتك من قبل
وما أكثر ما عطفت عليك
وما أكثر ما شملتك برحمتي

وفتحت لك كل الأبواب
وأدفأتك في الشتاء ببطانيات
مزخرفة ومذهبة.

وأخذتك إلى البحر في الصيف
والحدائق الربيعية
وسرت معك تحت المطر
في الخريف.

لقد تبعتك في كل القارات
واخترعت لك مدناً وأسماء
ولاطفتك حتى استنفذت مني
كل اللطف.

أنت كاذب ومراوغ
عربيد ومجرم
أنت تريد أن تثبت، دائماً،
أنك سيد القلوب وأن الحياة بدونك مستحيلة.

أنت تظن نفسك مادة للإدمان
وأن المصحات للعلاج منك غير موجودة.

حسناً أنا أقهقه في وجهك
اليوم
وأقول :
أيها العربيد الصغير
أمرك قد انكشف
ولا تطرق على بابي من جديد
يا من تدعى أن أسمك هو:
الحب

12 سبتمبر 2006
القاهرة

مساررة

ذبل الورد على شرفة الأمل
البهاء مصحوب بحسن أمل.
في مدرج التاريخ لا أحد يبقى
واقفاً.
الكلام زبد النسيان.
في فمي الماء غير أنه لا يصل.
الكل من الغيب إلى الغيب.

تفاحة النسر رأس تتدلى من
مشنقة.
فواتح الطيب مرفأ للطيور الشاردة.
قميص يوسف على ظهر المسيح.
رب ضارة ليست نافعة.
المجد للذي منحنا كل هذا الهباء.
لا تسقط النجمة في كف طفل.
الريح خشبة الصليب.

13 سبتمبر 2006
القاهرة

الكتابة

حروف الكتابة
ليست هي حروف الكلام

أن تخط بيديك
هو أن تكسر فولاذ العالم
الذي يتسلل لأصوات الكلام.

للكتابة نوافذها، أرواحها
صدها المؤلم
عزوفها عن الحديث إليك
أو إقبالها
في مزاج لا يتحكم فيه غيرها هي
هي
الطريق إلى خلاص ما
ربما للأنا
ربما للبشرية.

تأخذ ما يناسبها لزوادة الطريق
ذلك الذي ندعوه التاريخ
تتخلص من زوائد الكلمات
وترمي بأغلب عشاقها على قارعة ذلك الطريق
فلها مزاجها .. مزاجها
الذي يسمح بأن تجعل منك إلهاً متوجاًً
عبر زمن الأزمان .. لو أرادت.

تمنح للبعض كورة نور
وتمنح للقلة بوابات مذهبة بحجم
الكون
ثم لا تمنح إلا ابتسامة السخرية
من أولئك الذين يصدقون أنهم
حقاً .. حقاً جديرين بها.

وهي تملك ولا تمتلك

هيمنغوي مارس فحولته الكامل
معها
تحدث بروح الصياد
كان مشغولاً باقتناصها.

حشى الكتابة بالبنادق وصنارات الصيد
غير أنه وجه كل تلك البنادق إلى
فمه عندما تأكد أنها تملكه ولا يملكها.

أما رامبو الذي لم يعبأ بها كثيراً
ولاعبها لشهور وسنين قليلة
ثم ذهب إلى أسفاره، تجارته
البن والعبيد
ونسيها تماماً عندما جثم عليه الموت الثقيل

غير أن الكتابة أحبته رغم حبه العابر
لها وأبقته حياً لسنين تتجاوز عمره بأكمله.

ومحفوظ النجيب أمضى قرناً كاملاً
في عبادتها
كل يوم يدخل محرابها
ولا يسألها متى تأتي.

كل يوم يقدسها ككاهن يعرف أخلاق
الفرعون ويحفظ أدبه
تمنحه حصته وهو يقدم لها القرابين
دهراً تلو دهر
وكأنها قد عطفت عليه لشدة إخلاصه
في دينه هذا
فربتت على كتفيه بلطف
وكافأته كما يكافئ رب العمل موظفه
في نهاية خدمته.

تركت لنا الكتابة إشارات بكل
اللغات ولم تحتفظ بالذاكرة الكلية للكلمات

تركت لنا ألواحاً ، وجداريات وكتب
مقدسة
ثم أنها داعبتنا بأحجار أوغاريت
ورشيد
وبعض الومض: هوميروس والإلياذة،
المعلقات، هيرودوت
الجاحظ، والتوحيدي

وابتسمت ابتسامة الموناليزا لتقول
لنا أن ما خفي كان أعظم.

19 سبتمبر 2006
القاهرة

طحالب طيبة

ضمادات
عشبية أو روحية
أو مجرد تربيت على الكتف

تبحث عنها الوجوه
المكفهرة بغضبها
والتي تتساقط أعضاءها العاطفية
على الطريق
وفي البيوت
تبحث عن من يعطف على كل تلك
القسوة التي تنمو داخلها وخارجها.

ما زال هنالك طحالب طبية من
الرقة، والمحبة
تنمو في ذلك المستنقع الذي يكبر
يوماً تلو يوم
مستنقع الكراهية
الذي يجلس في قلبه العالم مرغماً.

28 سبتمبر 2006
القاهرة

كائن خبيث

هذا الفراغ معتم
وإنارته ليست كإنارة الروح

إنه يضج باللاشيء
وهذا اللاشيء خبيث بقدر
ما يمكن للخبث أن يكون
مصائد لفئران لا تراها
أوكار لعقارب سامة
وحيث يطيب للأفاعي أن تتكاثر

هذا الفراغ سام
يلوث الحواس كلها بما فيها الحاسة
السادسة

يضرب الرأس بالغثيان

وعر في قسوته
لا متناهي في مذلته
وقح مثل صداع نصفي
وحسود مثل عين الشيطان.

هذا فراغ للساقطين في هوة التاريخ
والنائين بأنفسهم عن قوة الحياة
والمربين للأذيال بكل الأطوال

ليس هناك من الكلمات ما يكفي
لازدرائهم كما ينبغي
خاشعين في جرائمهم لإبليسهم
قاضمين البراءة بسوس المتبحر
في جرائمه

لم أكن أعرف كم يثير ذلك الفراغ
من اللغط بداخلي

لكنه يجثم ويحاصر
مثل كابوس أخرس.

4 أكتوبر 2006
القاهرة

في رائحة الجدران

في رائحة الجدران
يبدو العالم أوسع

ومن السهل جداً الضغط على زر التحكم
لتغيير المشهد

كالذهاب إلى الأدغال الأفريقية، مثلاً
ومشاهدة الأسد يتثاءب بكسل المتخم
وبدلاً من كل تلك الوجوه التي
تعرفها أو لا تعرفها
تسقط مقتولة أو قاتلة
في حروب لا حدود لجغرافيتها.

تحت الغطاء الدافئ
يمكن لك أن تقرأ وترحل
في أزمنة تختارها ،
وبقربك فنجان الينسون، أو الشاي المعطر
تعيد صياغة الحياة في العالم
وليس عليه أن يكون هذا، بالتحديد
فهناك أفروديت ، والإلياذة
والمتنبي ، والفيدا ،
وتذكرة ابن داود ، ومحاريب ابن عربي

يمكن لك أن تتجول بين أرواح أخرى
تعقد صداقاتك معها
بطمأنينة لا تملكها إلا معها.

وبدلاً من العويل، والصرخات
وشجار الشوارع
وأصوات الزخام

يمكن لك أن تسمع مزامير داود
وموسيقى السيتار
والتراتيل، وأن ترقص على إيقاع
الطبول الأفريقية وأن تحلم بمعية المزمار
والناي والعود.

يمكنك أن تشعل شمعة
وأن تدعو السلام كي يأتي
إليك وإلى هذا العالم
هذا، ألهذا، الذي لم تعد قادراً عليه.

9 أكتوبر 2006
القاهرة

لبهو الماء والطين

لبهو الماء والطين
نذرت كائناً عجباً
موصول ومفصول
ويظن أنه الأبد

له ليل من الذكرى
فيما النهار يخلقه ويخلقه

له رسم كما جبل
والمطر ينثره ويجمعه

رسم الإله على الديار
وجوهاً تبدت وانمحت
فكان محوها كلماً
ونقشاً على الفخار
ومقابر تحمل النعش والذهب.

لون الله الوجوه
وأرسلها

كوني كما تكوني
فمن بيدائك تعودين لي

حرف نون مكنون في ما اختزنته
من سرمد أنت فيه نفس
يهبط ويصعد مثل قافية
أحول معناها دون أن تدرك.

في الزيارة سر أسلمه
لذوي وعي
جاءني جدث
فنفخت فيه من روحي

فإذا به حبة رمل تروح وتسعى
حتى تخلق الصحراء والهضب.

1 نوفمبر 2006
القاهرة

كما نزهة جبروته.

هذا الوجود في شساعته
كيف لقلب الإنسان أن يحتويه
وهل الإدراك حقاً مهمته.

أن يعي كن ، الكائن ، ويكون.
أن يفك طلسم وجوده
أن يتكئ على أرث الأولين والآخرين.

أليست الفطرة، أبداً، تكفي
أيتوجب أن يكون هناك الحرف، والكلمة.

وماذا عن الذي لم يدرك السر
ولا وعى مبرر وجوده ،
وما أكثرهم

أيهيم كما تهيم البهائم على وجهها
حتى يلقاه ملك الموت.

كبير هو الكون
ضئيل هو الإنسان.

حتى جبروته يبدو نزهةً أمام
صرخات الطبيعة وتحولاتها الصاخبة.

الخوف يجعله قاتلاً، ومقتولاً
الخوف يقوده من أذنيه
ومن ناصية روحه
ومن شرايين دمه.

والخوف بوابة الجشع والجريمة
بوابة التقوى والتضرع
بوابة التناسل والموت.

14 نوفمبر 2006
القاهرة

تباغتنا هذه الوجوه

يا الوجوه والمعافاة في روحها
أضيئي لنا هذا الضياء

نوافير نور كوني
ظل الظلام المنير
وهج القلوب
وتكابير الماء.

يا الوجوه التي سمها منها وفيها
من كل كون تكون
وفي كل كائن تتشكل دوائر نور
من نور.

خففي عنا أحمالنا
طهري خبائث القلوب
واكسري جلمود القسوة هذا
الذي نرزح غير خاشعين تحته.

أغرفي لي من الينبوع
واسقيني
ضوء في ماء
ينضو مني سقم الوجود.

في التماعات التاريخ العتيق
وفي صحائف النور
وعلى قارعة الطريق
وفي قلب المولود
ورفة العصفور
وحفيف الأوراق
وفي كل نسمة تأتي إلينا من البعيد

تباغتنا هذه الوجوه بمرورها
وكأنها ليست لنا.

20 نوفمبر 2006
القاهرة

********

إصدارات الكاتبة

مجموعات شعرية:

  1. خطوة فوق الأرض (بيروت : دار الكلمة ، 1980)
  2. أنا المرأة الأرض كل الضلوع (لندن : دار الكامل ، 1982)
  3. صبابات المهرة العمانية (عمان : المؤسسة العربية ، 1984)
  4. قصائد حب (عمان: المؤسسة العربية، 1985).
  5. السلطان يرجم امرأة حبلى بالبحر (لندن : رياض الريس ، 1988)
  6. انتحار هادئ جداً. (القاهرة : مطبوعات الظبية ، 1994)
  7. جنة الجنرالات. (القاهرة : دار سعاد الصباح ، 1993)
  8. موت العائلة (القاهرة : دار النديم ، 1993)
  9. القرمزي ( القاهرة: مطبوعات الظبية، 1994)
  10. المشي في أحلام الرومانتيكية (القاهرة : عيون جديدة ، 1995).
  11. تلف (القاهرة : مركز الحضارة العربية ، 1996).
  12. البحر، النجوم، العشب في كف واحدة (القاهرة: مركز الحضارة العربية، 1997)
  13. خمرة حب عادي (القاهرة : ميريت ، 2000).
  14. درجة حميمية (القاهرة : المجلس الأعلى للثقافة ، 2002)
  15. شغف (الشارقة: اتحاد الكتاب والأدباء، 2005)
  16. روح الشاعرة (القاهرة : مطبوعات الظبية ونفرو ، 2005)

مجموعات قصيصة :

  1. عروق الجير والحنة (عمان: المؤسسة العربية، 1985)
  2. خلخال السيدة العرجاء (القاهرة : دار النديم ، 1990)
  3. ابتسامات ماكرة (الكويت : دار الربيعان ، 1995)
  4. الحياة كما هي (قيد النشر) رواية

دراسات وأبحاث:

  1. الذات الأنثوية والإبداع (دمشق : المدى ، 1997)
  2. صنم المرأة الشعري (دمشق: المدى، 1998)
  3. قفطان الذاكرة (دمشق: المدى، 1998)
  4. صاحبة الزمان ج1 (قيد النشر)

ترجمات:

  1. الشعرية الأوروبية وديكتاتورية الروح. (اللاذقية : دار الحوار 1992)
  2. الشعر الجديد: أنا وأصدقائي شعراء البارات، والمقاهي والسجون (القاهرة: الكتابة الأخرى، 1993)
  3. طفل الفجر ، غوتاما شوبرا (القاهرة .. مطبوعات الظبية ونفرو، 2004)
  4. فيرونيكا تقرر أن تموت ، بالو كويلهو (القاهرة : دار الهلال ، 1999)
  5. تعويذة الحسي ، ديفيد إبرام . (القاهرة : المجلس الأعلى ، 2002)
  6. شانغهاي بيبي ، وي هيوي (كولون : الجمل ، 2005)
  7. أسباب للانتماء ، رانجيت هوسكوتي. (الدوحة : المجلس الوطني للآداب ، 2005)
  8. قرابين الغناء ، طاغور (قيد النشر)
  9. التعليم وقيمة الحياة ، كريشنا مورتي (قيد النشر)

أقرأ أيضاً: