نصار الصادق الحاج
nassarelhaj@hotmail.com
(السودان)

خـريف

نصار الصادق الحاجهذا البحر
يخرج من حفرة الينابيع
بذاكرةٍ ترخي ثياب السفر
تلوِّح للعابر
بالمناديل التي يحتاجها طير المسافات
كلما نفض جناحيه في مكان بعيد
يضئ روح العشب وسيقان الشجر
يفتح شريان الينابيع
بالمعاول التي قالها البحر
حينما سفح المياهَ بموازاة المطر.

أغسطس 2002

لهاث

ما زال يحفرُ الصحراء
برعونته الخجولة
يشاطرُ الحيوانَ موسمَ الخصوبة
والذهاب إلى السهل بمخالب العشيرة
مثل وعلٍ خانته الذاكرة
كان يمصُّ عصير المانجو
بمزمار الحنين
على عتبات الليلة الأولى.


مذهولة أكياس الصدفة

(1)

أحياناً تخرج الزغـاريد
إلى عاشق يصفف أحزانه بالنشيد
طالعا من لعنة الجسد.

(2)

الحلم
جنة الليل
وفاكهة الغربة على آنية الأصدقـاء
كلمـا أوغل الظل في عتمة المكان
يخرجون من شهوات مؤجلة في الرَّصيف
إلى كسرة في الليل
أشهى من دخـان المقاهي.

(3)

المصابيح صعدت وحدها لشجر في الذاكرة
تلعق التضاريس من وجـوه النساء
والنهار قابعا في الكواكب البعيدة المزاج
يلوك لعاب الشمس القديم
والأصدقاء الصعاليك
على بوابة البحر
يفتحون ذاكرة الليل نحو نجمة عارية
تقبل الرمال بشفاه باردة ورعشة بالغة الضياء.

(4)

على نجمة الروح
جليلة أوراق العاشقين
تمشي برائحة الوقت البهيج
كلما أشعل النور نافِذة الحب البعيدة
يخرج الحزن عابراً طحلب الفاجعة
إلي وردةٍ تغسل السواد من جدران المكان.

(5)

غريباً على صـهوة اللَّيل
يخرج من سرير الجسد مبللاً بالنساء
والرِّيح على قاربٍ كانت
تنفض الورد عن أكياس الصّدفة
شهـوةً
شهـوةً
على كراسي الحلم الوثيرة
ليحترق الصمت
ويخرج الناس من دهشة البارحـة
عابرين إلى الشمس برغبة واحدةٍ في الصباح.

(6)

كان اللَّيل وحيداً في الجَّبَل
يرمِّمُ وحشته بحليب يهطل من جنة المَاعز
تَرْعَى ماءه بعشب الصعاليك / العناكب.
وحيداً يُسكن طهارته في الحلم
ينتظر أعشاب البحر لتثمر حُـورِيَّة سَمْراء
بينما قطعة الخبز طافية على نشيج الموج
تسرف كلما خرج الطينُ من عباءة المـاء

(7)

يبيع أشواقه في الحانة
ليسرق النساء سـاقطاً في الجسد
والصَّقِيع يمسح وحشته بالماء لاهِثَاً في الجَّليد
مثل راعٍ بعيد يجفف شهوته في الحجر
يكنس الغيوم من سحابة الدخان.

(8)

الليل والصَّحراء توأمان في قيامة الفراغ
ينسجان تربة السهوب والزمن
والغريب في ضلالة السفر
يسرد الحنين فارهاً لنجمةٍ
تصارع المساء كي تخُط واحةً بآخر الطريق.

أغسطس 2001

يصنعُ شمعتهُ الأخيرة

(1)

في غفلة اللَّيل
كلما نزلت نجمة من أعالي السقوف
يكتب النور أوقاته من حرير السماء
يسـوى شمعة في الفناء الوسيع.

(2)

نهر من الضوء يمشي عالياً نحو الينابيع
بلهفة يطهو مواعيد الغروب
يتوكأُ على نجمة في الطريق إلى السماء
يلم أشجار الظلام التي كانت تخيط اليباس
لحظةً من بهاءِ الخروج .
والأفق يدخلُ في ثيابهِ الرَّماديَّة الأسى
حليقاً من ضـوءِ القَّمرْ
يرصدُ الغُبارَ في الشبابيك الموصدة .

(3)

خيوطٌ من الرِّيحِ
تسُـوقُ الضَّبابَ
حِزْمَةً من ضلال التراب
قطيعاً من العتمةِ
ينجـو من سرير الظلال كسولة الخُطَى .

(4)

شجر يرمي أوراقه اليابسة
خلف المواعين المُدلاة من صفق النهار
والجليد المتساقط كالرطوبة
يكسو حواف الزجاج بقعاً من الماء
تضئُ في الممرات الأخيرة من شهوة الرَّعـد.

(5)

يسكبُ النُّور أوقَاتهُ
في الليل الوحيد من ترنيمة الروح
يكنسُ الضباب
والغبار والكهوف من معابر النشيد
يوزع الصباح في معابد الصحراء.

ديسمبر 2000

فنجان العرافة
يقرعُ منقار الطَّـير

(1)

الجوع يمشي على الدرب
مشتبكاً بخيط التماسيح
الخَرَجَتْ من مخلب القط قبل عام الرمادة . !

(2)

سيِّدٌ يقرعُ منقارَ الطيرِ
قد ضاعت بهيمته وهي ترْعى في البريَّةِ
بعدما أكمل الرَّاعي
كساء ثَديـيْها بأحماض الحشائش المستعادةْ
مشْتهياً كأس الحليب الطازج عند السادسة مساءً
يقرأُ حلزون المتحف الطبيعي منقوشاً عليه موطن العصافير
وهي تراجع شُرْطة الجوازات قبل أن تُهاجر
في طريقها تـمزِّق عجز المسافة عن قهر ذاكرة المكان
من فضاء الفراغ تمنح يديها جرأة العبث
تفض رسائلها وتقرأ ما تبقَّى من إشارات
حجبتْـها أظافر الحراس في خط الحدود
لم تتـذمَّر من الدائرة المعدنية برجلها اليسرى
/ فلتكُن لديها إشارة لضبط المكان / !
وعالم الآثار يهتم بعناصر المعرفة
وتكوين التاريخ مفتوناً بغرابة الأشياء !

(3)

تعاطت هزيمتها بوجعٍ يخصّها:
قيدٌ واحدٌ يفْرك ساقيَّ بعنفِ حركة الرِّياح
سيشعل قلق الذاكرة ويحجب نافذة النسيان
عن تسريب أزمنة الفجيعة السوداءْ
/ سأذكر ساعة ازدحمت صفوف النعش
في عرض الشوارع وهي ترفض سجن هذا القبر.

(4)

الطيرُ تغادر دائرة العُش المنسوج بقصبِ المناخ البارد
لآخر الأوكار في عصب الخريف
حيث الكائنات أنيقة، تقبع في فضاءٍ واسعٍ
تتحسَّس فيه غناء مصطفى سيد أحمد:
( والله نِحْنَ مع الطيور الما بِتَعْرِفْ ليها خَرْطَةْ
ولا في إيدا جواز سفرْ )*
همس الرَّجل الباحث عن بهيمتهِ:
إذنْ
في ذات الاتجاه تـُهاجر الكائنات
تشقّ عباب مملكة الضِّياء
تكسر ما تآمر من قيود العاصفةْ
ما تواطأ من متاريسِ الهواءْ
وتنتمي رزم المفاتيح العصية للفضاء
تغرز ما تواالمشتهاة.يل المدينةِ
في البيوتِ المشتهاة .
إذنْ
هي الدرب التي صنعت بدالأسفْ.مل
هي الدرب التي غرزت نهايات الأسفْ .

(5)

تنمو الأجنحةْ
االمُستعادةْ. يداعب الهواءْ
وتسقط أحماض الحشائش المُستعادةْ .
الكائنات تسائل نفسها عنيفاً / تحديداً الكائنات الواعية:
لماذا يحلب ثدييـها الغرباء
وطفلها يقتات الجوع ظهيرة كل يومٍ فاقع ؟ !

(6)

البهيمة سدرت في نهار الريح
أقصى الهتاف الواسع
تهيئ حنجرتها لأناشيد البحار
المواويل التصارع موجة التيار المعاكس
والشوارع الرَّمادية الضحى
تقف رأسياً في اتجاه هجرتها،
المسافة اقرب من جدول السقيا
والترعة أيضاً
تؤدي تمارين اللياقة اليومية
بينما،
أقوال الماء
ُتعطِّن فُرْشاة الصبي في الدم الشاهق.
/ الطفل يا…. ناجي العلي أشبه بحنظلة القضية /
والنّار تصعد من يديه العاريتين
تقبض الصَّرْخة والريح
تعرك الفرْشاة في الطين الأخضر
واللَّوْحة اجترحت بدايات الوطن
الأشجارُ تسكَّعت في الماء حتَّى سدَّت الأفق بأوراق النَّبات
صاعداً جهة الفناء المحتمِل صالات عرضٍ شيِّقةْ
بطاقات الدخول مرقومة بكأس الهواء
المتوفِّر بإدمان في البوابات الخليعة من أقفال
ومفاتيح بحشرجات حادة
تحديداً - لم يكتب على الضِّفة:
الدَّعوة عامَّة
الأبواب تفْتَح عند السَّاعة الثَّامنة صباحاً
وتغلق عند السَّابعة مساءً
يُسْمح باصطحاب الأطفال
وتوجد وسائل نقل بعد العرض
/ لم تعد هذه العبارات استثناء / !
أزْهرَتْ في الأرض أشواق الفرح
وتجوَّل الأطفال في الطُّرقِ الجميلة …
الرَّوْعة غسلَت نفسها وجلست قريباً من الشَّمسِ
تترنَّم بإيقاعِ ( الهُـودَنَـا )**.

(7)

أيضاً نُطفة الماء
تبحث عن حريَّةٍ أشبه بقطْرةٍ أُخْرى
تكْره فنجان العرَّافة
أصْداف البحر المنثورة في الرَّمل
وصبايا يجلسن القُرْفصاء
في غباءٍ يبْحثنَ عن حظّ اليَجِـئْ.
/ سقطت عن فجوة القلب أشكال الخرافة /
وخطوط الكَّـف العرجاء ترتوي بغبش التراب
بينما العرَّافة كعادتها
تُسَرْطِن قُبَّة الغيب
تحرق إفادة الرَّاعي
وتحني عُنْقَ طفل يافِع:
ماذا ترى ؟
فقاقيعٌ تتفلَّت من قبضة الإناء الضَّيق
سماءٌ تقتلع المشانقَ
وحرَّاس يهربون من قاعة السجنْ.
قُلْ الأرض تفلت من يدي
الماء تخرج من حلوقي اليابسة
وثني يحطم رأسه الكاذبْ.
وتنقصف المقاعد والكراسي
الزبائن يدخلون البئر خوْفاً من جحيم العاصفة
الأرض صارت ضيِّقةْ. !

(8)

اللَّوْعة حزمت أمتعتها وانتظرت … ؟
هكذا……
عافية الشوارع تنمو في الهواء الطلق،
تنهض بأعلام جديدة، ترعرع شمس المناخ الدّافئ
وقبيلة النَّجم المضيء:
تقيم الكرنفال لأسراب الطيور المهاجرة
وتستمع جيِّداً للنَّشيدِ
( مـيرِي* كلِّمـِينَا‎
عَـشَّةْ ذكِّـرِينَا
كلُّ سُـونْكِي لازِمْ يَبْقَى مَسْـطَرِينَهْ )***
والنَّهار يتصفَّح وردة الأرض،
صفحة الماء،
موْعد النُّور الأتَـَى من جُبَّة الصَّمت
واللّحظة أغنيةٌ عاجيَّةْ:
شَـهْقة الميلاد جاءت من نوافير الوطنْ.

* من قصيدة عامية للشاعر حافظ عباس
** من الألعاب الشعبية للأطفال
*** من قصيدة عامية للشاعر محجوب شريف

انحراف

يفلت النجم
من ربكة الأرض
طِيلَة اللَّيل
يخبز الظِّلال والسَّـواد
يلعن السَّماء
محاذيـاً قوس قزح
بلونه الملتبس
ينجز خيانته في السكون الأخير
من لهفة العُشْب.

فاكهة المرعى

الحارس لقبَّة النيازك
بِعَصَـاةٍ
يَلْكِز الرُّعَـاة الخالدين في سلك المجرات
يضيئون عشيرة الضّـان
بالحشائش الخرجت من وعاء التربة.
خليط العلف
والجـزر الخضراء.

نسل الطمي

بينما الشِـبَاك
تقبض الثَّلج
خائراً مثل ضـوء يشيخ
كانت طحالب الماء
تدس الغذاء في خياشيم الأسماك.

حسرة مجاعة

اللَّيلُ
بنكهـة الزّنـوج
يضمحل في حوض الكسوف
ينزوي بالهزيمة مثل فارس هـرِم
يحـرس الجـياد
حزيناً لتاريخ الدم
والصرخة العالية.

الحجر
بطاحونة القرية القديمة،
مشتاق لسحن الذرة بذائقة الفقراء
والحاكم يلغو في المدينة عن مطر يجرف الوديان
غبار المخازن
أسرج خيل الهواء
يتسلل الأنفاق البرية والحقول اليابسة
غائباً عن مجـرَّة العاصفة.

آخر القمر

هذيان القمر
والغاً في الرحلة والصمت
ذات ليلةٍ فاجعةٍ
يلوِّن زرقـة السماء بالعتمة الحائرة.
والصغار يقرعون الطبول
بفرحة الذهاب ليلاً دون خوف
لعل القمر يكشف وجهه بابتسامة
تكنس الشياطين من شوارع المدينة.

شحَّـاذ يرمق الغيم

(1)

هنا
على قارعة الممشى
يشرع راحته للعابرين
يرمقونه
بحفنة بالية من بقايا سلام
وأرصدة بالية من ابتسامات قديمة.

(2)

آنية فارغة
يفضها كل أمسية
بحسرة حارقة
ليلعق طعم فتات البَّارحة.
ويصعد منهكا إلى سرير الخشب الحافي
بجسد بلَّلَه الغبار.
وقتها
كان يرمق الغيم
شريك السراب في الخديعة والهباء
ممزقاً بضلالةٍ
أوْرَدَتْهُ خواء البَّرق
بَيْنَما كان خائباً يمْشِي على رصيفِ قوس قُزحْ.


(3)

بدُعاءٍ مُرْتبكٍ
يفتح نافذةً جهة الله
مُتمْتِماً بتعْويذَةٍ
نَسِيَهَا حارس المقبَرة
بِلحاف موته الراهن
تعويذة دثَّرت خيانة المدينة
بقطعة من جلد بهيمة برية
استغرقت في موت عميق
يكفي لأحجبةٍ فارهةِ الخرافة .

(4)

فزعاً
يَتَوارى مجبولاً باللعنة والخوف
ودعاء خاسر
ظلَّ يُرَاوِح مصْلاةَ الرِّيح
وتربة كوخٍ متهالك
يترنَّح مخمُوراً بكُؤوسِ الجُوعِ اليومِيَّةْ.

(5)

كما عصفور
يقاوم غصناً
تهزّهُ عاصفة الشِّتاء بقسوة نادرة
يلُمُّ نَثَارَ غطائه
بلهفة
لا تكفي نهار غربته الفقيرة.

(6)

ينصت للخَارجِ
لينتقي
شهْوة الحُلم عنْ وجبة طازجة
تراود هتافاً ضالعاً في شوارع المدينة
عالقاً بحنجرة المشردين
بعدما أحرقوا الإطارات بشارع النيل.

(7)

عبر عالياً
بحقيبة للرحيل لاً
من بقايا قماش قديم
موعداً للرحيل
بتذكرةٍ استعارها من فالمرعبة.ت ترشُّ ديار صمتالمرعبة. .

(8)

من قوقعة الجوع
خرج شرساً
علَّق صحيفته البيضاء
على شارعٍ تعبره دوخَرْدَلْ.ة
رُبَّما يسْقُط هِتْلرْ
واقفاً على حبَّةِ خَرْدَلْ .

البَّـحر
إلى محمد الصادق الحاج

(1)

يتمشى البحر
في العراء الذي كان صلداً
يمسك ردفيهِ بمغناطيس الغرابة المترعرع
كعشب الخريف تحت جُلباب ذاكرتهِ الطَّريَّة
يحفر ممْشى واحداً - في القارَّةِ االساحلية.ء الوهْلة الزرقاء
يُحاصر هيكل الأرض بقطبٍ مالحٍ
يكسو الحواف أرصفةً
بقواربٍ / ذات ليلة / عبرْن المُدن الساحلية .
أو:
سمِّها مقاعد البحر التي هيّأها لرحلته المدبها.ي عراء الكون
يفتح قاعة الماء للتضاريس التي تكتب الموج
انحناءةً على صدر المدى المائي الطويل
تُلامس كفَّيْها قبلةً من شمس النَّهار
تكثِّف البخار أعلى
حيث مدْخنة السَّماء تخبز المطر
كتابة تمشي ناحية السَّحاب الكائن بحراً شفَّافاً
تجرحه الشمس فيبكي عذباً على شفاهِ الأرض اليابسة
الأرض التي خدعها البحر يوماً
فشطر أخاديدَ تؤدي قربان سيرتها وجبةً لعاهل الماء الفسيح /
كما تجلس حورية في الخفاء تحكي عن البحر الذي يخلع ثوبه
ليفرز ملحاً جديداً - خاصَّة الدفاع التي يحتفي بها .

(2)

البحر:يتقدَّم البحر لابساً بدلة الثلج
هارباً
من نحاس الشتاء الذي يعبر / قاسياً / جسد الماء
ماسحاً حذاءه بأُكسجين الهواء
الداخل عبر بوابة المستنقعات
حينها
أنشد البحر :
الريح أُنْثاي المقدَّسة،
على فراش المناخ الطليق
توزِّع رقاع دعوتها النزيهة غائبة،يبحث العابرون عن جسدٍ يحول الأنثى
قصيدةً يخبئها البحر أسطورة غائبة ،
أشبه بالثورة في رحم الشارع تقبع
في قلب الشارع تنمو الثورة. الطرق الجوْعى
تخرج ذاكرة البحر / الثورة .

(3)

غابة الحبر جاهيوماً:طئ البحر تكتب سيرة الماء
كما ابن بطوطة يوماً :
عبر البحر كي يكتب سيرته
أو:ً خطَّها على صدر طنجة
حتَّى لامست متاهة الرِّحلة
بقعةً من جغرافيا التضاريس السائلة
بينما الشواطئ تمدِّد رجليها حدَّ المظلات الملونة
بمسائل من فضَّةِ الرمل

(4)

هكذا البحر عاشق الحبيبة الغائبة
أو :
هي العذراء قربان اليمّ
حين يأوي إلى ذاكرة الموسم،خضراء
غائراً تحت بذرة الصلصال يصنع حوريةً
ريثما تأتي النساء بالفتاة الجميلة / عذراء الموسم ،
التي تخضِّب أطراف الجسد المرالأرض نَّاء الطمي الحزين
باكية ترتدي فستان الزفاف
وتخطو لبيت عرسها الأخير / الموت من أجل القبيلة/

(5)

الموج عاطفة البحر الأرِقةْ
أغنية ترتاد مياه الماء
لتحفر حوض الطِّين الأزرق
بمعاول من غضب
تخرجه ليصير الثقب بحيرة
والبحر لسان يعبر حاسَّة ذوق الأرض
معفي من شرط االبعيد -

الولد ساخناً
يكتب سيرته الوعرة


(1)

حزَمَ قِـمْصانـهُ
وأجْـهَشَ بالسَّفر
جهة العَرَاء البعيد - كائن الحريَّة المُحْـتَمَل .

(2)

كان الطِّين في النّعل نطفته الجريحة
والنجمة الحمراء في السقف البعيد سقطتهُ الوحيدة
شذَّبته الرِّيـح يوماً بالنَّديهة في ضـريح الأمكنه.

(3)

الجِّـهةُ الحاسرة الأطراف
تحتـضن الرغبة في النهاية السعيدة
غريزة الحبر التي زفتها أصوات الكتابة في عزيف الليل
الدَّم الخارج من ترنيمة الزَّحف المقدَّس
صوب كائنات الرِّيـح العاصية
هشَّمَ الظَّـمأ العنيد
خرائط الصَّحراء في السَّفر البعيد
طـاهياً مرَق السؤال من شبق الشَّظايا الضوئية
عـارياً كيعـاصية.كِرهُ الفجر
بيدهِ بطـاقة من بصيرةِ القمر
وفُـرْشاة عـاصية .

(4)

عنالتهريب يومياً أرخبيل سواده
ناقلات البضائع المحلِّـية منتصف الليل
تقـترف التهريب يومياً
بآخر الذين يشتهون السفر
خارجين من بركة الحنين البريـئة
مكدَّسين في ( تناكر ) الصَّفيح
يلعقون الروائح الكَّريهة
والأنين الصَّاعد من خياشيم المرْضَى
سعداء بالألم / قرين الحُلم والحريَّة المُـحْتَمَلة
بيْـنما صحراء بيُّـوضَهْ
تنـوءُ بالميِّـتين والرَّاغبـين في النِّضـال
كأعواد سمراء شققتها صدمة الرياح الجافة
والحصى اليابس، رفيق الرمال في الوحشة
والعزوف عن أجساد المصطافين والنِّسـاء
أشـواق المارقينَ من شـجَرٍ
يلفظ أنفاسهُ على قـارعة الرِّيـحِ الضَّـريرة.

(5)

كما يفضـي النشيد إلى برْزخ النَّـجاةِ العنيـد
كان يطلي شـهوة الروح بالماء
رشفـة يضئ بهـا سحـابةً راكِـدَة
جَاوَرتْهـا بُقْعة الدُّخـان العقيمة
كأنثى النجم البعيدة
تنشر في البريّةِ سيرتها.

(6)

الصُّـورة
في الأوراق الخاصة بإعلان المهرِّبين
تبدو أنيقة.
أنيقةً جِــدَاً.

(7)

يحتضر الوقت
مثلما تتدحرج الكائنات نحو الرَّمق الأخير
تنشطُ الذاكرة / في صمتٍ
ترى مستنقعَ الماضي في حيادٍ نـزيهٍ
نجمةٌ تكْوِي خيام الليل
قمصـانَ أُنوثتـها
نطفةً للنُّور في عرقِ الطَّريق
ربَّمـا
يبجِّـل الضوء سيرة الحُلم الجديـدة.

(8)

مسـافِراً حتى يسْـدِل الوقت شهْـوته
والريـح تسجد في عراء الرَّصـيف
مرْوحـةً لأنفاقِ الحالمين بالنَّهـار الشَّفيف.
لحظة الهروب المضيئة
اختار ناقلة
باعَها مُـحارِبٌ تركيٌ قديم
لتاجر المواشي الوحيد بالقرية.
قذَفَ حقيبتهُ الجلدية
وصعد النافذة برَغْـبةٍ ضئيلة في الوداع.

(9)

جالساً على أريكة الفراغ
يشاهد سباق الشجر قرب أرصفة العَرَبات
يدحرج بلور الفراغ عن ممرات الأسى
وأرصفة الرحيل
قارئاً سَرْدَ الذاكـرة
رحيقاً لسِـدْرة الغياب الجديدة
والنشيد الخالد عن مرايا العراة
فاكهة يُوازي بها ثرثرة المسافرين.

(10)

سيرتهُ الوعرة
كـثَّة الهـواجس
طويلة لأقصى بادية قـلَّدها المناخ
أثواب الخليقة والفراغ.

(11)

مدينة تخبُّ في حوافِ شُرْفةِ الغبار.
وآخر الصباح
تخلع التراب عن نوافذ البيوتْ.
تستقْبل القادمين بوجهٍ نافِـرٍ
وأحضان دافـئة.
ذاهلين من شجر يظهر في الشوارع فجأةً.
وأرصفة تلبس البياض.
غرباء يحتسون دهشة المدينة
برشفةٍ بطيــــــئة.

(12)

الولـد ساخـناً
يحلم بالنزيف على سرير الورقة البيضاء.
راقِداً على حافَّة الرصيف يكتب سيرته الوَعِـرَه
مخـفوراً بأصدقائه الجُّدُدْ.
وملائكةٌ في الطرف الآخر من سجدة الوقت
يسكبون أحبار النِّهاية
على ورقٍ صَقَلتهُ ألواح الغياب المديدة.

الحلم مدينةً للفجر

يخرج الماء من سجَّادة المطر
رفيف أوراقٍ
من نجمةٍ تجثُو على وطنٍ
كان يفتحُ نافذةً للفجر
كلما فرَّ الهواءُ
عبَّأتهُ المناديل في الشُّـرْفة الواسعة
خبزاً توزِّعه الرياح
عندما يقسو الغبار في الشتاء
نسمة ترجُّ في الفراغ شهوة النوافذ البعيدة.

لوحـةٌ للبحر

الشُّـرفةُ واسعة
تفْرشُ أوراقاً لاهثة الخطواتْ
والطفل جريحاً
يمزجُ ألواناً من دمهِ
يرسمُ خارطةً للبحر
بأمواجِ الرِّيـحِ الخضراء
نشيدًا ينجو من وحَـلِ الطِّين
وسربُ الطير يناوله رائحة الماء.

مُونـتاج

في الأدراجِ الخائنةْ
يقطعُ من ذيل التَّقريرِ شهادتهُ،
صُـورتهُ البيضاء
يظلِّلها بالحُزنِ
ليكتُب في الهامشِ
مُرْتَزَقٌ
كان يشيعُ الثورة في الأحراش !.

رؤيـا

وطـناً للرُّوحِ
يمدِّدُ رغبتهُ في الكونِ
أخيراً
شيَّد غُرفتهُ من قصبِ الغَابةِ
والأشواك النِّيلية ساهرةٌ كالحُمَّى
طازجةٌ
تأتي في الليل وترنُو للضـوء
شبابيك الريـح
وصفحة هـذا الورق الواعد
تنسج في الصخر
تواريخ الظـل.

يوليو 2000

بَوَّابَة الحَدِيقَة المُحَرَّمَةْ

(1)

في بقاعٍ فارعة الوحشة
تعزف على أوتارٍ صنَعهَا من خُصلات القَّش المتناثرة
كورالُ الصَّـدى القادم من حقول الصحراء
خفيفاً يهزُّ أطراف فستانها الحرير
الفدادين شاسعة تشذِّب تُربتها للمحاريث
تحصد الأعشاب المتخثرة من وجوهِ الأسئلة.

(2)

وجهٌ يسكنُ ضاحيةَ امرأةٍ
خرجت كالنَّجمة من رحم الكَّهفِ
بطاقة قربانٍ لنجاةٍ من فقر الصحراء.
في الليل تمـزِّق أشواق النوم الماجنة
الأصوات
الصرخات
الأثواب الحمـراء
خصلة نُـور تخــرج من جغـرافيا الضـوء
لتكشـط ماء البحرِ
كأنَّ الحــزنَ الأصـفرَ يطـفو خلف المَـوجِ
وفضَّـة هـذا المـاءْ.

(3)

الخليقة تتناسل
بريئةً من بكارة تمزقت على حافَّة اليابسة والشجر الحلال..
تطوي مليون تفاحة
تغادر ورق الصمت
تخدشُ حياء الخجل بورد صـرختها المجيدةْ..
في ذات الصُّبح البهيج
كانت تجلس على صخْـرةٍ..
تُضئ نفسها بجرعات يومية من لُعابِ الشمس الحار
في انتظار الحديقة التي أغوتها بتفاحة
ريثما تشرع الأرض مهرجان خصوبتها
وحدها في هذا العراء
تُشيِّد هيكل الخروج على بوابة الكون الفسيح
تصادق جبل الطين وكُـوَّة هـذا الشجر الطّيب
تفتح تاج الـوردة عن ألـوان العشب
مثل ساريةٍ تكتسي مراوغة الفجيعة وانحسار الهواء..
تخرج من غفران الرِّضا بلذة الحوار
حوار الشجر وبقية الكائنات
هي وردة الغواية
سليلة الزُّهـرة
كوكب العذرية القديم
ورجلٌ وهبته قوس الخروج المديد
ظلَّ تائهاً يبحث عنها
بانحناءة معوجةٍ وريق يابس
مُرهقاً كمدينة في الرَّبع الخالي
ملوَّثاً بغبار الجبال الداكن
وأشواك عالقة بأطرافه السُّفْلى
واحدةً،واحدةً، صَعَدَتْ
من خرقة الحذاءِ - شريكهُ في المتاهة والتشرّد
بدهشةٍ يحصي أوجاع أقدامه
بمقدار ثلاثة قرون يسرد فهرس الحكاية،
كأسطورة فرشتها الآلهة
أشبه بترحيب باهت
لطينة خرجت عن طاعة الرَّب،
ثعبانٌ يحرس مدخل الجبل
شمس تتجول في السماء
أرانب تلتقط أخبار الحارس الذي عاقبه الشتاء
النعاس ضجرَ من جسد لا يترنَّح في الليل..

(4)

أعواماً من التشرد في براري الخواء
كان يبحث عن أنثى وحـيدة
وأسئلة تفتح مغاليق الرؤيا / لهذه الهضاب العنيدة /
عن عقل يبدأ تفكيك العالم، هكذا..،
حتى امتصت الشمس دهون الظل المتخثرة في جسدهِ،
صخرةً،سـدرة هذا الفراغ صخرةً.. صخرةً ،
انحسرَ !
كأنما جمجمة تخرج من أغلالِ الموتِ
بجناية الركض بعيداً عن أسـوار الخبز الجاهز
يسأل النبات عن مذاق شهوته.
بينما كان الورق غائباً
والحبر يتكونُ في اللحظة الأخيرة من يرقةِ الكتابة
أوقدَ شهادة التدوين على الصخر
يحفرُ لحظة عناق حارّة،
وثيقة الوقوف بوجه العنف،
يعشقُ الحريَّـة ـ صـوت الإنسانية المجيد.

(5)

جسورة تفْرِدُ خيط ضفيرتها
بعدما أنهكتها صرخات النداء
وتعرَّقت عيونها من ملاحقة السَّراب
فجأة يبزق قريباً من ركامِ دموعها المُـتْعبَهْ،
قبَّلها.
سجَّادة الحزن لم تكن قوس نجاة نقتنص بها تفاحة اللعَّنة
هي نفسها زهرة الخروج
تبصق على تاريخ الفجيعة
وريث الصمت وفطرة القبول الماجنة.
الأشياء مذهولة من كائنات جديدة
بعنادٍ تزيحُ أبواب الحديقة المحرَّمة
خريطـةَ الخوف من أسئلةٍ تتعرِّى
باستدارة تسند رأسها على قائمة مستقيمة
بنقطة أسفل عمودها الفقري
كأنَّما تحكم قبضتها لتصدَّ فجيعة المُحْتَمَلْ.

(6)

حدَّثته عن سيرة الخروج
من قبو الحدائق المثقلة بفاكهةِ الفردوس
تنفض غبار الخطيئة عن أسلاك ذاكرتهِ المُنْهَكة
تحرِّضه على خرق المكان
بتفكيك تربته البريئة،
بانتهاك الشَّجر بذرةً.. بذرةً
تماماً كسرْجٍ يُهيئ حصـان الريـح لجوْلةٍ قـادمة
يطوي جسر الغيمة الحزين ـ مسـرح الغواية الرخيص.
حقول النشيد ملغومة بالشهوة العاصية
لأغنية تفتح شهية الشمس
لابتكار نسيجٍ تسمِّيهِ النهار الجديد
بشغف المارقين من علبة النسل
تمزق الورق الأصفر
تميمة العودة الخاسرة.
في الجهة ذاتها من ضفة الروح النضيرة
نزْوة الكتابة تتلصًّصُ جبل الطّمي
الحبر الذي يعبر قناة البياض الجاهل
والكائنات تبني هيكلاً للضوء
تكشط أدران مسَوَّدة القبول الصامتة
نسيجاً لأوراقِ فكرتها الباهرة
على سجَّادةِ الخروج تربطُ خيطَ هجرتها المتين
سيرة العُزلة
والخروج واللغة ـ دمٌ يسكنُ شريانَ غُرْبَتِهَا اللَّذيذةْ
إضاءة لمشهد الشارع
خارجاً من خمَّارة الهزيمة
من صدمة البنادق
التي تواطـأت في الليل خلف بزَّة العساكر
يُمجِّد البريقَ في الكواكبِ المُضِيئةْ
ويكنسَ النَّشيجَ من أزِقَّةِ النَّهارِ والحبيبةْ
شهقة بصفحةِ الترابِ تعجنُ الصلصالَ ناعماً
لتبني في السقوفِ قريةً
من عائلةِ الذينَ يكتبونَ في التاريخِ سيرة الحريةْ.

(7)

العُشْبَة الغَريبَة
نَبْتَة الخَليقَة المحرمة
قَصِيدَة الخُروجِ مِنْ شوارعِ الفجيعة
وأولُ النساء في الطَّريقِ نحو اليَابِسة
يَخْرجُونَ
يَخْرجُونَ
هـكذا
لآخر الحدائقِ المُريبَهْ.
وعاشق يجوسُ في الخـَلاءِ
شاهِقاً كالضوءِ في مآذنِ المدينةْ
يُقايضُ الظِّلال بالنِّساء والشَّجرْ.
وآخر الثِّمارِ في مَراقد الحديقةِ / الوطنْ
تفَّاحة أخيرة في سلّةِ الخُضَارِ نائمةْ.
وحِيدَة.. وحِيدَة
وحِــيدَةْ.
في غُرْفَـةِ الزُّوارِ
تُطعم الضيوفَ جُرْعة لذيذةً
وقطعةً عنيدةً من شهـوة الكتابةْ !.

(8)

مُنِعَتْ نُطْفَةُ التَّكوين عن عُشْبَةِ الفَاكِهة
فاستيقظَ وحشُ المتاهةِ يرْشقُ في الهواءِ حجارَتهُ
برِفقةِ أنْثَـاهُ / صديقتهُ في الكَّشفِ والرُّؤيـا
ليحرث النَّسلُ رغباتهِ ويملأ سلاله بالخطيئةِ والخير.
النَّسلُ يمشي في البريَّة
يعبرُ الكون شارعاً.. شارعاً
ينشر سيرةَ الخاتمة.
خاتمة البؤسِ في الغُبارْ
نهاية القبول في الدخان
شهوة النعيم في الحديقة المحرمة.

(9)

المصَابيحُ فاجرةٌ تُدخِّنُ لفافة العتْمَةِ
والنَّجمةُ شرطيٌ في السَّماءِ
يُرْخِي بوَّابة اللَّيل
كوكب الزُّهْـرة عارياً في الريـحِ
يجلو خواص الأساطير عن غرابة الأكواخِ في المجرَّات البعيدةْ
حزمة اللَّون في بركة الضوء
خريطة الحقل في جسد السؤال
ورقصة في الكونِ
تشتهي شواطئ الحقيقةْ.

(10)

بمقدار ما يحصد من مُغازلة الشَّمسِ.. ولذة الماء.
ينسج القمر شِبَاكَهُ على شُرفةِ الليلِ
يخطِّطُ الضوء نافذةً
ليدخل الصوتُ باحة الشوق
بصُحبةِ المزامير
والمرايا في الطريق
تُساررُ إمرأة تحرس الحديقة
عن حيثيات الخروجِ..
لوردةِ التشظِّي في مخالبِ السؤالْ.!

يونيو 2000

الجَبَـل

أشــياء

الجسر
والشجر
والفضـاءُ الخليع
يفتحون الأرض للجبل
يخرج واعـداً بالصخور الأمينة
والحصى الناعم الخـطى
يدحرج ذراته المضيئة
فـراشاً يستقبل الأحلام والشجن.

بـوصلة

البارحـةْ
في ناصـيةِ الخَلاء الفَسـيحِ
يتصـيَّدُ الذِّئـابَ الضَّالةْ
والأرانبَ السَّريعةَ الخُـطَى
يهـدرُ دمَهَـا في الواحةِ المجاورةْ
بمهارةٍ يكْـنسُ العَـوِيلَ من قارعـةِ الطَّـريقْ.
والشـجرُ يزحزحُ أغصـانهُ واحـداً.. واحـداً
مثلما يفعل المـوجُ شـتاءً
يفسـحُ الماء لفريسـةِ البَّحر.

حُــريَّة

يَشْوِي كائنات الوليمة في براكين النَّارِ
والرملُ يبلل أطرافهُ بالدهـونِ
وردةً تستنشقُ الرَّائحةَ
مغمىً عليها كطفل يخرج الآن من أمـهِ
يفتشُ عن بالـونةِ الأوكسجين
وشـطر الحليب.

شفافية

عندما كان العَراءُ
يفتح الطريقَ إلى الجبل
كانت الريحُ
تغسل فخذيها من " عليقة " المطر ـ للمـرَّةِ الأخـيرةْ.

يوليو 2000

تائهون في المدن الحجرية

دِيـبَاجَةْ

في هذا الجزء الضِّيق من قَبر العالم
وقَفَ الطَّابُور حزيـناً
كقُماشٍ مُهترِئ يتفحَّصُ وجهَ الشمس الحارقْ.
عَرَقٌ يتساقط متَّسِخاً بغُبـار الميدان
والغُرباء كعادتهم يحتاجونَ لِشُرْطيٍّ
يمْنحهم قطْعةَ أرضٍ مهجُورة في أقْصَى العالم
أوْ
دِيبَاجَةْ.

رَامْـبُو

وحيداً يتَعَاطَى وجْبتهُ المتَّسِخةْ
برمادِ الحٌزنِ
والبراميل المليئةَ بالطعامِ البالي
قراءة الكتب القديمة
واقفاً على شَجَرِ القُصاصاتِ اللَّعينة
حافياً يتسلَّق المدن العاريةْ
والنوافذ التي تنام في الحوائط البعيدةْ
يعلن الخروج عالياً
لشرفة المنازل التي تهالكت من حُرْقةِ البُكاء
لم يترك زاويةً خاليةً
من قطرات النَّبيذ العالق بالزجاجات الفارغة
وأغطية القوارير الملوَّنةَ الحواف
دٌخان السَّجائر المٌتهالِك
ومشاكسة الحيطان بكتابةٍ حارِقة
هو يعرف يعرِف أن اليابسة الغبراء
أضْيق من بئر في بحر الصَّحْراء
باريس أو عدن أو سلَّة القٌمامة ـ سيَّان في العدم .

أخيراً
أرْسل الأناشيدَ لأطفال القٌرى المجانين
وماتَ في مكانٍ من قعْر العالمْ.

هِـجْرَهْ

هاجرَ كي ينْسَى أن العالم مثقوبٌ
وخُطاه مسجونة
ورِفْقة هذا الشارع مضيَعة للوقت
غادر حيث الميناء الكبْرى مأْهولةَ بالرُّكاب
قبض الماءَ كعصفورٍ منْسِيٍ في الغابة
وتوكَّأ باخِرَةً من أسطول البحر
هاجرَ حيث الأرض مغارَته المنْشُودة.
ليْلته الأُولى
كانت مدْخنةً لحنين الدّاخلْ.

مـنْفَى

(1)

كي يخرج منفِيَّاً
باعَ زِجاجة " بيبسي " كان يُخبِّئها في الجَّيْب الخلْفي
ولُفافة تبغٍ
كانت منسيَّة في صندوق الزوجة.

(2)

تلقائياً
يمْشي يومياً، مُمْتطِياً درَّاجتهُ " الفينوكس "
لسؤال القبر الحاد
بمباني الحجر الأصفر
يلعقُ جرعات الركل اليومية
خلف ستائر من ورق كاذب.

(3)

زجاجة " بيبسي "
ولفافة تبغٍ
صارت قيمة مَنْفَى
ماذا لو كانت قارورة " كُولا "
ولُفافة زئْبَقْ ….. ؟

وجْـبة بطاولة المـقْهى

صادَفَ طاولةً بالمقهى الكائن بالحي المهجور
تناول شـاياً
وقصاصات من خُبز اليوم الماضي
في صحن متسخ
أوْ
آنيَّـة فخَّارٍ - لا أدري !
عرَكَ أصابعه في الرَّمل
وغادر حيث الغُرْفة دائرة وهميَّة
تلكَ وعجْرَفة أخرى
كانـت وجبـته الأولى
في هذا الجزء الواسع من قبر العالم.

بلزوجة الطمي

( 1 )

الدم
يفتح شريان سلالاتهِ
كارهاً لحظة النوم خارج الحنين
وعزلة الموت الكريهة
يلم أحضان الريح بشهوة الليل
يجوس في فتحة العالم بزاوية الضوء
والرواء يبلل عطش النهار
يبيح صورته في المرايا
لطفل قالته الملائكة في معراج الذاكرة.

( 2 )

بلزوجة الطمي
يسكب النهر وردة الماء
يخرج الحبر من لذة الشمس
يفتح الآن نافذة الصعود
لرؤية الريح تغسل عشب الخريف اليابس.

( 3 )

التضاريس
مثل نتوءات الجسد
تعبر الذاكرة بنشيج خائف
وأسف حزين
كلما سالت مياه الروح في شرك الفراغ.

ذابلة سيرة الكائنات

أمام الطاولة
ثمة شجر يمارس وحشته
لا يجد نافذة تفتحه نحو ألسنة الضوء
كل زاوية في المكان مغلقة
بشرائحَ
مثل صفيح المستنقعات
والظل
يشكو من جلوسه الطويل
تحت سقف مستعار
الشمس لا تدخل أبداً
كأنما تخاف السقوط في الهاوية
أو يداهمها الليل
تمارس رهبة الحزن مع شجر الأكاسيا.

ســياج

ترحل الفكرة
عن غيهب المتاهة
عن عتمة المكان المؤجل في أرصدة الرحيل
عن صراط يكتوي بحملات التفتيش
تترصد المهاجرين
بين أصابع المدن السماوية
وذاكرة الروح
تقاسم العودة لأطفال
سفحوا براءتهم في المنفى.
احتراقا على رؤيا الوجوه
تكسر عتمة الوحشة
في غرف العمارات اليابسة
ورغبة السباحة في شواطئ الريح.

أقواس الأبنُوس
تريزينا بتيكايو / كفًّا بيضاء تلويحة لك

أصـوات

عصافيرُ
تتجـولُ بالبَهو الواسع خَلْفَ الشّـباك
تقـفزُ من وَكرٍ
لبهاءٍ تسكنه الأشياء النُّورِيَّة
وبقايا وطنٍ لطيورٍ في المنْفَى
العـوْدَة ذاكرة في جسـد الغُرْبة.

أجراس


مـنْفِيٌّ في جسـد الحـنَّاء
تـتدلَّى من كفِّي
ألـوانٌ
وتقـاطيعُ تحْمِلُ رائحة البَّحر.
" سُـومِيت " البلدة
صندل " ميِري "
يفتح عُـري الضوء
وتهـتك منفاي زغاريد النسـوة
أطفـال الرِّيـح ينامون على كفٍّي
المنديل الأبيض قـنديلٌ
وجناح اللَّيل صديقٌ يملأُ جُـبَّتهُ بالحلْوى
كحبوب البُـنِّ السَّمْراء
تكتب في الفجر
تريزيـنا أغـنية الأرض العذْراء .


سمراء

جاءت من بواكير الشـروق
ترتدي جِلْداً من الجَّامُوس
أقْـراصاً من الأبنوس
أرْدِيـةً
وأشـياءً صغيرةَ لا تُقالْ
نطَـقت بقاموس الفحولة
والأساطير الـتَّعيش هناك
موروث الشجاعة
والبطولة كالشموس الفارهةْ
مسكت بتـنِّينِ الجريمة أوْقَعَتْهُ في بساط المحكمةْ
لم تفقه اللغة الفروق الراهنةْ
بين القوارير الرَّهيفة والرجولة
والبطولة لا تشْتهي جنساً دون آخر .
هي من سماءٍ لم تزل تنجب " مهيرة "
و" الكنانية " التي ركضت ترفرف كالبيارقِ
تشْتهي نصر الرجالْ .
تِرِيزِيـنَا اشتهت ذاك الفضاء
تريزينا اقتفت نصر الرِّجال .

أُغْنية اللَّيل

تضحك أغنية الليل
القادمة الآن كنارٍ تطرق أكوام الظِّل
كريحٍ تدرك أن طريق المنفى أعْرج
تقدح شبق الحلم بزيت الريح
وماء النار بصاج الضوء
ليل يكسر عتْمة هذا الوقت
يبيع بقايا الدُّكْنة ،
يطرق باب الفجر،
يعانق بنت " الزَّاندي " ويرقد بين بريق الضوء
يشهد أن شتاء الغربة يمشي ضد مناخ الروح .
أجراس الكلمات

تستقيل الكلمات

عن رداء الصمت
والريح
من أقاليم المناخ الأخيرة
تخرج المشيمة من جوف الأرض
قواميس الكلام من فاتحة النطق
أجراس الكتابة والغناء الصحو من برق السماء .
آخر الريح شقشقة العصافير
والخروج بادئة الشروق المطمئنة .

قـراءة

تأتي اللغة على رداءٍ
وقاربٍ
وسَبُّورة سوداء
تختزل الموت على شارع الضوء
أجنَّة الليل على وجه الملاءات البيضاء
شيئاً من تراجيديا القصيدة
قهوة من عرائش النَّخيل
كأجراس الكلمات على بوَّابة الصًّمت
تخرج حيث سافانا اللغة
ترتدي قوس المروق
وجه القراءة يستفيق
والسلالم تعتلي شبق النوافذ
خلف واجهة النهار
والمدينة من ضريح الغابة السمراء
تأتي بالأناشيد الطقوس .

تريزيـنا

اللون الخارج من حُفْرَتِهِ السمراء
يكسر صمت الباب - السُّمرة قامتنا البيضاءْ

وبهاء عيونك يعشق فاتحة الكون
رحيق البدر يضئ على كفيك
وينـزل
ينـزل
حتى يسكن شُرْفـتنا البيضاء
أرض بلادك يا سمراء .

عارف

(أخرى ، على ذات البهاء : إلى د. عارف عفّان )

فلْتنسج هذا الضوء بشرفتنا
ولتكتب حتى يرعد شعب بلادك بالنَّصر
هذى البلدة تعرفك
ومحار الأرض يغني خلف ضياءٍ يشْبهك .

تريزينا بتيكايو : مواطنة سودانية ، مقيمة بكندا ، أدّت دوراً إنسانياً بطولياً و هى تتصدى لأحد الجناة بينما كان يمطر ضحيته بسيل من الطعنات بآلة حادة ، و استطاعت أن تقهر قواه و تنقذ المجنى عليه ، و قد كرمتها الحكومة الكندية .
ميري : إسم أنثى
مهيرة بت عبود و رابحة الكنانية : يحفظ لهن التاريخ السودانى مواقف بطولية مؤازرة للمقاتلين فى الميدان إبّان فترات التحرر .
الزاندي : إحدى القبائل التى تقطن جنوب السودان .

****

وحدهُ والرَّصيف ، عاريانْ

على الرصِيف المُمْتَد
كَحَبْلٍ خَاطَتْهُ الجَدةُ في الظَلام
يَلْعَقُ الوَحْشَةَ
والجَرِيدَةَ اليَوْمِية
بِلذةٍ واحدةٍ .
/ الجَرِيدَةَ التِي سَقَطَتْ سَهْوًا
مِنْ عَرَبَةِ عُمالِ البَلَدِيَةِ /
ثُم
يَنْهَرُ الشمْسَ بِصَوْتٍ عَالٍ
كَيْ تَغُضَ البَصَرَ
عَنْ عَوْرَاتِ المَشَرَدينَ .

سبتمبر1999

أوراقٌ على بوابة الشمس

كفن اللّعنة

إبر القيامة تنهش الجسد الهزيل
شظية تسري كمصل عقمته الريح في ماء جهنم
كائن في القبر
إبريق يؤاخي عتمة الحجر المغطي
مكفَّنًا سيقان لعنته
كما رقص الهشيم بسيرة غجرية في قاعة الموتى
يصفف تاج حرقته بمكياج الرماد
يحيض آلاف الجثث .

حانة الفوضى

جسد يؤدي لعنة المنفى
طقوس الهجرة الكبرى
مدائح للقيامة
إذْ
تحاصر حانة الفوضى
مرايا
لم تعلق فضة الضوء على سطح الزجاج .

تشكيل

لوحة من طينة الصحراء
ساورها نشيج النار في ألق الظهيرة
غادرت حيث المنافي
جنة بدوية ترتاح للولد الغريب .


سِجِلُّ مواليد الخروج

حارس الموتى يقلب دفتر الأوراق
أرشيف الشهادات القديمة
دون أن ينـزع تواريخ الوفاة - من إبر القيامة .
ساعة الشمس انتقت صلواتها
من غرب ناصية الأفق
بينما، صفصافة بالأرض
أرهقها الوقوف المر بالميدان خلف المقبرة
نامت
على خيط الجنون كخصلةٍ منسيّة

/ في آخر الليل
أرصفة المقاهي
لم تعد تفسح مكاناً للجنون / .

صلاة أخيرة

كاهن في القاعة الكبرى يصلي واقفاً
حتى يشيخ الموت في قعر المنافي
سادراً كالليل في صمت الجنازة
فاتحاً تيجان توبته
خروجاً طيباً جهة القيامة .

الموت / وليمة الفقراء

أعمدة بالشارع فوق رؤوس نهايتها
علق أصدافاً من خرز القطن
قماشاً من تيل السرداق ـ مديداً
كي يصفح عن كل الفقراء
تفاصيل الجوع الكائن من آخر موت بالقرية .

سؤال من قلب ذاكرة الرحيل

يفاجئني
بأشياء الغياب
ولوعة السفر الأخير
بجثة المدن التي نزلت كأوراق الحشيش
بلعبة سرية
من باب طائرة
وقاطرة
وأغلفة البريد كأنها شرخ بأرصفة الحدود
دوماً تكون هوية المنفى ضلالاً زائفاً
يمشي على طرف الأصابع
خارجاً كالماء من صدر الغريب .

بكائية الفصول

( إليها :و هي تصوغ هذا العنوان ، مفردة الحنين و التعب
تنسل من جسد الغياب .. تتهجّى شرفة الزمن الحبيب . )

(1)

النَّهر يرصفُ ضِفَّتيْهِ للمطر
شوقاً يناجي مُقلتيكِ إلى الضياء
وجْهاً يرتِّق ثقب هذي الأرض
يمْنحها أباريق الهطول
هُنا تبكي الفصول
الورد
والأحلام
والأشواق
والوجه البتول
ذكْرى سنين عارياتٍ من غُبار
أو دُخانٍ
أو هشيمٍ كالرَّمادْ .

(2)

صَفَق الحديقة يشتهي وجه المطر
عامل الكافتيريا يسألُ عن مطر
والشمس تدخل في الجدار المستقيم
تلد الظلام
الذِّكْرى تسمِّي قاطِنيها من تواريخ الغياب
/ أفقر الأشياء مُفردة الغياب /

(3)

طفولة الليل احتوت أنثاي
أحلام الطريق
وناغمت في الجَّهر أصوات القمر
جِسْرٌ من الغيمات
يدلق في شبابيك الفصول طراوة المطر الجَسُور
أُنْثاي تحت السَّقْفِ
تلْهو بالسماءِ صديقة الليل الحميم
تبكي مع المطر الرَّزاز
ترتدي وجه السِّراج المستضيئ
بزيت أنسجةِ الحصاد
/ قبل احتقان الأرض بالجُدْبِ السَّفيه /
تنبعث المحاصيل الرَّهيفة من عميق النَّسل
أوراق الإضاءة والطعامْ
.. والزيت يحبل بالإنارةْ .

(4)

تنزف رسالتها الطويلة تحت ظل الفجر
تغرز قُطْرَ زاوية الحُضُور
وتشْتهي شَبَقَ السحابة
فيلق التكوين يحْجِلُ من أقاصي الضوء والبرق النَّزِيـه
هي
لم تزل تنزف دماء وريدها الأخضر
على وجه الدَّوايَةِ والسَّرير
يهتز إصبعها
ليهرب من كتابتها / لآفـاق الحضور
فالوقت يجري في اتجاه الرِّيـح يقفز موْجـتين
يهزمُ في المـدى أقواس هجْرَتهِ الطويلة
والغياب يمـوت في علياء نزْوتـهِ
وحـيداً يحْتسي لون البـياض
يمـدّ ساقيهِ ويرْحل في المـصَبْ .

(5)

جئتُ من جزيـرة المطر
أُسـائل البكاء عن صديقـهِ القَّديم
عن جلسة رصينةٍ
بصُحْبـةِ الحبـيبة المأهولةَ انتظـار
عن زماني الذي يجئ
وجدته معبأً بوجهـها المغسول في جسارة المطر .

(6)

.. وتشرق الشموس من نهـايةِ الشَّفق
تضاحِك الضِّفاف جيِّداً
تغازل الأمواج في حراكهـا الطويل
تشقُّ غربة المسافر البعيد
يعود من سرابهِ لشُرْفة المطر
يعانق الفصول في نسيجهـا الأليف .

(7)

وحيدةً تنام في جِدارهِ الظَّليل
وتنشُر الحديقة الخضراء فرحة الحضور
قِلادةً تنام في جبينها العريض
لتحرق السماءُ جُبَّة التَّعب
وتلبس الحبيبة الخضراء
رغبة البكاء من جديدْ / بطعمهِ اللَّـذيذْ .
لأجلِ عـاشقٍ يجئُ من سحابةِ الأُفقْ
يضمّهـا برغبة الإلـهِ
يكتب الأحلام في نسيج قلبها النضير .

الصَّيف/ حوار الظَّهيرة والماء المالحْ

ظهيرة

واقفاً بشارعِ القِّيامةْ
والأشعة التي تضجُّ بالحريق تصنع الظَّهيرةْ
تحرق البخورَ في موائد الجنوبْ !
في متاهة العراء تخلق الصَّحراء والصبَّار والقلقْ
والنَّهارُ علَّق المياه في جبين عورة المطر
/ حكاية الصّحراء والجفاف والضَّجرْ /
وناقة القبيلة وحدها
جزيرة المياه في براري قُبَّة العطش
والمدينةْ :
لم تزل تبيع وجهها بصفقةٍ لحاكمِ العبيدْ !
/ صفْقةً تنزُّ من حوافر الأكُفْ / .

زهرة عباد الشمس

سيِّدةٌ تخْلع ثوب النَّوْمِ
في الطُّرقِ البيْضاء ترشُّ الصَّيف
تُعلِّقُ لوْحتها في ذيل الرِّيح
كنجمٍ تحت عمود الليل
يراود شمس اليوم التالي
بآخر عُري يفتح جسد الوردةْ .

ماءٌ من جسدِ النَّهار

نافورةٌ من ينابيع الرطوبة
في ساحل البحر
تسير على سطوح البشر العاديين
كلما لامست ورق النَّهار
مدينة تعاني ضجر الظَّهيرة
وعمال يرْفعون عبوَّات الملح
في السَّاعة الثانية عشر ظُهْراً
عندها
يسيل الماء ساخناً
كبخار حزين .

أحزان الظهيرة

كان البحر يبخِّر خبز الغيم
عجين المطر القادم يعفو عن سوءات الليل
سراب الريح يشتِّتُ في الطرقات بياض الماء
الصيف الفاجر يبحث عن أوراق الظلِّ
خيوط الماء
يرفع طاولةً مملوءة بالبرق
" دُعاش " العشب الأخضرْ
يسرحُ في نيران الخوف يُهيْكل وجه الماء
سروجاً خاطتها الطفلة قبل شروق الشمس .

حكاية الهجير

الجمرُ مطيعٌ جدا يسرقُ بهوَ الشمس
ويغرز مدخنة بالباب
قبعة تهوى دخان الحرب
حريق الغابة
يمشى
يمْشي تحت الماء الكاذب
خلف النار التفتح خوف الموت
يجئ الصيف
يسيح الوقت خجولاً بين ثياب القُطن
وتبكي نطفة ليل البرد
شتاء الحزن !

حاشـية الشمس

(1)

يسْبحُ
مُشاغباً صدَفَ الرَّمل
برغبةِ الحصول على لُفافة ماءٍ
يُدخنها عنوةً
لوأد الحرارة في شاطئ الشمس .

(2)

تخرج في الخامسة صباحاً
بدلالٍ تحيك المؤامرة
حتى يغتالها المساء
بمدية الظلال الحزينة .

(3)

الطريق مغلقاً
مثلما إشارة المرور عارية ،
والنهار عاصياً ،
يفاوض الربيع والمطر .

نوفمبر1999

أُخْرى تغتسل
في سماء الأبديـة

( إليها ، فى صمتها الأخير : الشاعرة أماني عثمان )

(1)

هُنـا بين المساء
على أريكة زهـرةٍ شقْراء
سالت دمعة خضراء مُغْبَّرة الخُطى
مرْصُوفةً بالحزن
ضد الموت فارقت الحـياة
تركت أساوِرَهـا
أقاليم المـداد على وجـوهِ الأزرق الأبدي
إنزيم الشَّهيق على ضِفاف الأمْكنة

(2)

نجمة الليل انتهت
ذَبُلَتْ خيوط الحلم وانتبه الفضاء
أين التي كانت تصوُغ الحرف من دمهـا
ترُشُّ الحبرَ
توقيع الوريد على شفاه الأبيض الوهَّـاج
تكوين الكتابة
أوْ
نقوش الجِّير
شئ من صفاء الطين يمْنحها النَّشيد .

(3)

حُزن المدينة عـارياً يخطو على وجَعِ السكون
فجيعة أخرى وأصواتٌ على كفِّ السفر
لُغةٌ تُسافر من أصابعهـا
وأحلامٌ تنام على نشيجِ الرِّيـح - تكْتب صمتهـا
ورقٌ تصَـخَّر في تراب القبر مكسور الملامح
يشتهي قلباً تعذَّب قبل أن يُسْقِطْ تقاسيم الرَّحيل .

(4)

ليلٌ طويلٌ
يقْتفي شفق المسافةِ
برْزَخُ الآتي من الغيب الجميل .

(5)

دروب الأرض باكيةٌ
تُفتِّشُ عن هسـيس الغيم
يمنحها القصيدة
لون ذاكرة طريّة
تنفض عن ثياب الشعر أكوام الدُّخـان .

(6)

الشمس ظلاًّ حارقاً للصمتِ
مرْسىً يُخبئ ريشة الموت
سرابٌ يستبيحُ جسارَةَ الكلمات
أوْدِيَـةٌ من الصَّـرَخَاتِ تعلُو جثَّة النَّهر القريب .
أوراقُ الكتابة
من مياه النيل
تغْسِلُ حزْنَهـا .

(7)

أُمْ دُرْمَان
تفقدُ مرَّةً أُخرى قصائِدها
جدائل شِعْرِهَـا العذْراء
لكنَّها أبداً تُحييِّ صوتها
ذكرى الذين تناوبوا نزْفـاً
لأجل رسالةٍ قُصْوى
تكتب عشْقَهـا شَفقاً جديداً
من رياح الشِّعْرِ
ألْوِيـةً تُرفْرِفُ في سماءِ الكون .
إنسان القضيَّة
لا يخـافُ هزيمةً أبَداً .
ديسمبر1996

حــرائق


حرائق النشيد

من سديم الغرفة السوداء
هاجرت القناديل
المناديل
المصابيح
القصيدة أوغلت في البحر تغرف شارعاً
من طين قافلة النشيد .

حرائق اللغة

بينما الشمس راقدة في خمار المغيب
تغزل النهار والأشَّعة والغبار
هربت نجمةٌ
من جسد العباءة السَّوداء
تخطو ضد رائحة الخيانة .
والسنابل السمراء تعبر حاجز الموت الأخير
لغةٌ تغازل شهوة الحبر الأنيقة للبياض
آخر الصبحِ
تمرِّن شفةً يابسة على تعويذة القصيدةْ

وحدها حرائق اللغة
رهينة العصيان
والكتابة
والنشيد .

حرائق القصيدة

ربما كانت القصيدة أنثى
أوقدت نجمة بيضاء ، راقصة بالعرش
وطفلة تلهو بأقواس الحروف
تبيع المحاصيل المضيئة
والبروق الصادقة
خيمة للضوء تمشي في تضاريس الكتابة
غواية للمصابيح
كي تكشف عن وجهها في ضاحية الليل
دونما
ثقاب كبريت يثير شهوتها لتأويل الظلام
خارجاً من قنينة المساء، تعتريه الدكنة والرماد
مفردة تهجر عشب اللغة الأصفر
ثائرة في الشارع تبني هيكل أغنية
في الهرم الكائن صوب بنايات الورق الأبيض .

حرائق الحرب


(1)

جنزير يعلك وجه الشمس
قبعة يلبسها الثوار بأطراف المدن الحارة
هسيس سراب كاذب
رؤيا معتوهة
أمنية في الصحراء تغازل أوردة الشجر اليابس
كالحزن يرتب أوراق فجيعته في الأرشيف .

(2)

سقيفة هذا الليل المحروق تثرثر في عتمتها
والمدن الليلية في حانات الجبل العالي
تعبث بالريح / سفيرة هذي العتمة فوق العادة .

(3)

حمراء ذاكرة النيران
ترعى نكهة هذا العشب بساقية الحرب
حرائق تمشي عارية في الطرق الوعرة
تكتب تاريخ المأساة .

حرائق العتمة

الوردة كالنجمة
قنديل يمشي في العتمة .

نجمةٌ في الليل
تغتصبُ الشَّـوارع

( . )

حدَّثتنا الريح
عن وكَـرِ الفجيعة
كلما جاء العساكر بالبنادق عابرين الليل
والأطفال في قاع البناية يحتسون الرمل
ذاكرة لأوراق البنفسج /
حينما تنجو المدينة من فتافيت الحريق .

( . . )

هَذَا الطَّرِيقُ
إلى المَدِينَةِ
وانتظَارُ الهَاوِيَةْ !
وَعِـرٌ يجفِّفُ ثوبهُ في الرِّيـحِ غانيةُ النَّهارْ .

( . . . )

بلهفة الخوف من شجر الظلام
يُواري سـوْءة الليل في بركانِ عينيه المجيد
يُؤاخي زهرةَ الآتين من جـوف المدينةِ
عابرينَ إلى سقوف النار سيِّدة الحريقْ
والليل يخرج من عباءته مديناً للقمرْ
يجني قيامته كوجهِ الطين في قبر الجليد .

( . . . . )

كانتْ مواعيدُ الفجيعةِ كالعساكرِ في الخيامْ
جـوقَةُ الحانات
فاكهةُ المساءِ
سليلة الفوضى
وأصـواتٌ كعرْبَدَةِ الطَّريقْ
لكنما
للطبل ذاكرةٌ كوجهِ البحرِ مملوء بصـوتِ الحُلمِ
يمشي تحت فروٍ من صهيل الغابة السَّمراء
وهي تكسو جُـبَّة الصَّحراء خيطاً من نخيل التَّمر
لوناً من عيون الواحة الخضراء في جسد الشمال،
دونما لوحٍ قديمٍ
تسقط الفئرانُ كالديدان في وحلِ الطريق .

( . . . . . )

هَـذَا المكانُ
يوزِّع الأشْـواكَ في أوقاتِ بلدَتِنا البَّريئةَ
والنِّسَاءُ يَرِدْنَ ذَاكِـرَة الغناء
" عـزَّه " التي كانت بآخر شوقها للنيل في ثوب النَّضالْ
أوْقَـدَتْ في الريحِ نايًا من زغاريدِ السَّماء .

( . . . . . )

الكون مذبلةٌ لسَابِلَةِ العساكر
طلقة في الليل
تشوي سَلَّةً من عُشبِ فاتحة النشيد
والريح مسرعةٌ تولولُ في عيونِ الأوفياءْ
وطنٌ يسيحُ
ونجمةٌ في اللَّيلِ تغتصبُ الشَّوارِعَ عُنْوةً
" أبريل " يخرج من ثيابِ الأرضِ
مطليَّاً بماءِ النيلِ
ذاكرةٌ تجئ مع الصباح ونسمة الفجر الجديدْ .
جيلٌ يخـرِّب كل أطنان الفجيعة
والتقاليد السراب .

يناير 2001

قمرٌ يضئ كُهفَ الطَّريق ْ

يَتـَنَزَّهُ القَمَرُ
في هَيكلِ المدِينَةِ
يكشفُ البياضَ عن سديمِ التُراب
والفَوَانِيسُ
في عَتْمَةِ اللَّيْلِ
تّهُشُّ السـواد بمَاءٍ سـراب
كأنَّ المرايا
تعاكسُ نجمـاً بعيداً
يَخُطُّ شموع المسـاء كؤوسـاً عِـذَابْ .
هشـيم المساء وحيداً
يلمُّ خيوطَ الرمـاد البعيدة
يغادر صمت الخلاء كأنثى غزالٍ شـريدة
تسـابق وعل الرياح بقوس الفضاء الفسيح
لعُشـبٍ يسِّمي النهار وريد الحبيبة
وضـوءٌ نضير
يقصُّ رداء الظلام
بنجم
يزيل كهوف المساء الغريبة .
نهاراً أخيراً
يغافل ظل المساء
وليل الشتاء الطويل
يـرجُّ ظلال الجليد بحـاراً بليدة .

آخر الليل / أول الضوء

( 1 )

غير عادتها
تناسلت الشوارع
أفرغت أحشاءَها قبحاً كأصداف الأظافر
من شقوق الطين أطفأت المصابيح
التي كانت تضئ كما الرحيق .

( 2 )

أيدي
كأشواك الفجيعة
أسدلت وسخ الطغاة على دروب الأرض
أزهقتْ
وهج القناديل الفتيّة

أرهفتْ
جدران طابية الإذاعة .

هكذا
ليلاً
من دجى ليل المتاه
يجيء الوحش من قاع الجريمة
خاشعاً للظلم
في مصلاته المثقوبة الأجزاء
محترفاً هوايته اللعينة
في اقتناص الخبز من شرف المدينة
والدساتير الأمينة
واللغةْ .
يبني هياكل من جماجم أمّةٍ
أبداً
تصارع فكرة الموت الذليل
يوماً
ستنسج مخلباً
للهاربين من الجحيم .

( 3 )

فيزياء الخفافيش ، التخفي
جثة الخوف ،
ارتهان الليل ،
أرشفة الظلام الوحش تحت وســادة النوم ، السهر
سرقة الفوضى
وتحريف النصوص المستباحة لحظة الفعل الحرام .
تاهت في خبايا القصر
في خبز المواطن
في حدود البلدة الخضراء
في هدم المواقيت العصيبة عبر فوهات البنادق

عبثت كثيفاً
بأوزان الكلام
وفكرة الإعلام
والحلم المراهق في وجوه الصبية الأطفال
عمداً
لوثت صحن الفضاء
وشاشة التلفاز.

لم تقل يوماً
أن زهر الجوع أورق في البطون
أن أطفال المدارس أحرقتهم في مياه النيل / في قصف الجنوب
أن البيوت تهدمت من غزو ديدان المتاه
والفدادين استحالت قشرة من جدب صحراء الشمال .
لكنها تعلم
نساء النمل
انشأن الطوابير النحيلة بين أبواب الطغاة
عبرن أنفاق المحاصيل المخبأة احتيالا بين جدران البيوت

مهر الحقيقة
باعثاً
في الروح
أقوال الخروج البحر
ناحية المكان المستباح .

( 4 )

ثمة شئ في الطريق
بذرة التكوين قامت من صهيل الروح
تخرج كالبريق
فوق سطح الأرض أشرقت الوجوه
فاتحة الصباح البدر
قافلة الشتاء القمح
حبات الذرة الخضراء
في جوف " المطامير " استحمت بالأمان .

( 5 )

النصر
مسبحة الصلاةْ .

( 6 )

من شفاه البحر
تورق
نجمة ودميرة
شرخت كريّات الدم القاني
ضياء الأرض
أودية الهدير
والريح
تبحر في الصهيل

/ هكذا الأفعال تبدأ في التكون والتخلق والتبخر حيث أدنى البحر أخصب من مياه السطح / من عفو المدينة عن طواغيت الزمان /

حسناً
مفاتيح الفضيحة صرَّخت
حتى نهايات التلاشي
مارست سـرًّا :
انتحار العقرب السوداء
لحظة أن تحاصر بالسكاكين
تفرِّغ سمّها البائر بسلسلة المفاصل
مزدانة
في موتها الأبدي
خبزاً لديدان الحروب الماهرة .

( 7 )

هدرت مواقيت الخروج
الشعب يهدر في الدروب الشاهقات
بيني
وبينك
أيها السلطان
بحراً من قصاص الروح .

04/10/1998

حُطـام

العالم
كهف الأشياء السرية
يمشي في الليل الطيب
نحو خريف
يبدأ خطوته الأولى في نيسان
الخارجِ مسكونا بنشيج الغابات
وغبار المدن الطالع
من أقصى حجرٍ في المبنى
أو أدنى ذاكرة
في نزقِ الإنسان .

صراخ

عندما يشهقُ طفلٌ في بريّةِ الشتاء
ينتشي الجـوعُ في أمعائهِ
ويذهبُ في صراخٍ
يزلزلُ الأرضَ
مثل ضحايا يسقطون وراء الغبار .

طفولة

هذا الطريق
يضحك مثل ذاكرة الخريف
بللتهُ الريح بالماء الذي
" شَـالَتْهُ " من قوس المطر
حينما كانت ثقوب النهر
ترفع ماء رغبتها بماعون النشيد .

حكاية

الصديقة
جوار بيتها العتيق
والصِبية في الشارع يلعبون
ركلةً
ركلةً
يحتاجون لضياء يبلل الغبار العالق بالمكان
كانت تمنحهم سحابة
وضحكةً ناعمةً
من غيمة أيلول .
وحدها سبابة المطر الحزين
تحتاج أنثى البحر
تطرد من قوافيها الغبار .

زنجية

نكهة سمراء
خبّأتها السُلالة
حينما خرجت من حقول البن
ذات مساء بعيدٍ
مثل نبتة أنجبتها الذاكرة
لحصادٍ يليق بزمن الآلهة القدماء
تعيد حق أسلافها في النشيد
قبل ميعاد أخيرٍ
خطَّهُ
ليل الخارجين من الرماد .

العاشق

يتوضأ في قلب نهايات الليل
يقف الآن وحيداً
تسكنه نار
وصبايا ينزعن خمار الشهوة
عن أوراق مدينته
مذهول
يحصي أنوار الأنثى
في شجر الجنة .

سلالة الغيبوبة


( 1 )

يذهب الكهف
وسكانه الأغنياء بالنوم
يتلذذون بالظلام تحت شباك الجبل
والثعالب الهاربة من مائدة
تكاد تشم رائحة الفريسة
التي ستُذْبح حساءً يغطي حجارة العشب
تواجه الشمس
بلهاةِ العطش الذي لا يزهر في الأماكن الباردة
يا ترى
كم من البرية نامت هكذا
في التابوت
تهدر الوقت بمناجل النسيان
وأغطية القماش
وظلال الحاضر الخارجة من سلالة الكهف
هـو الخيط
الذي خانته جنازة العائدين من كسل الغفوة
التي أنجزت قروناً في الجثة
والشخير الصامت

( 2 )

الجراب
ملئ بالحكايات المبجلة بزركشة الخسران
والسيرة غارقة في برميل الليل الطويل
حتى تآكلت الشمس من زرفها النهار
بالكثافة التي تكفي
ثعابين العتمة الواقفة على رؤوسهم
صعقة تذيب الجليد الساكن في الغياب
ليلة واحدة في الوحل
تخنق الذاكرة بأحلام تغرف أواني الرعب
بذات اللهاث المريع
تعبئ الصرخات في صناديق الكوابيس
ماذا تكون غربة في النوم لكل تلك القرون
والصباح يخرج يوميا مثل نار المناجم
يصهر الضباب
والآخرون يعبرون الكهوف
بينما هؤلاء يسكنون الجبال
ويحصدون الدهشة من نوم طويل داخل القفص
هي المرة الأولى التي يخرج الدُّود مذعوراً
ينأى من وليمة بهذا الكسل
خاف أن يطارده وعل الموت لأجلٍ مسمى
ويفقد الطريق إلى مائدة العالم .

( 3 )

ربما حكمة
تشبه الوردة التي تسكت عن سرب الغبار
وتفتح نافذة العطر فاكهة تمشي بجوار الكائنات
أو تطرد الناس عن كابوس قديم
لا ينفع العالم في طبق الحاضر .

****

يسقطون وراء الغبار
المؤلف: نصار الصادق الحاج
الطبعة الأولى ‏2003
الناشر: دار " كاف نون "