وليد هرمز

وليد هرمزإلى نيسَان، أبي، الإيْقونَة الكِلْدانِيَّة.
إلى نَوْزَدْ، الإيْقونَة المُوآبية.

لقدْ مَنحَنا الربُّ رِئتينِ كَيْ نَنفُخَ في المَزامير.

بانايت استراتي

مزمورٌ كِلْدِيٌّ. تدوينٌ مشرعٌ لِثمالة الريحٍ، يُرادُ به، مُزاوجة خيال الأميرات من قلاع الجهات، إلى نعمةِ ابتهالات النَّص المُدَونِ بمِدادٍ منْ سُلاف الأسْلاف.

الأميرةُ المدائِحُ، الرَّسولة في وجَعِها العِشْرين.

للزَهْرَةِ، طبعُ صَمْتِكِ،
طَبْعُ دَهْشتي، طَبْعُ الكتاب.
أنتِ زَهرتي التي أحضُنُها،
كما أحضُنُ أو أفتحُ الكتابَ،
أهِيَ الزهرةُ ـ الكِتابُ؟

***

بينَ صَمتُكِ ودَهْشَتي،
بَرْزَخُ نجْمٍ.
انفِعالكِ نضُوجُ سَفرْجلٍ،
عِنْدَ مُنعطفِ الوداع.
ياأنتِ التي أجمعُ لها،
وميضَ دَمْعي،
نَبَضاتَ قلبي،
أدَحرجُهُم في بئرِ نوركِ.
مَنْ يُلملمكِ مِنْ بَعيدٍ؟
مَنْ ينثرُكِ في يَقينِ روحي،
في سَماءِ فتنَتي، مَنْ؟.

***

آهُ النَزَقِ، بوصَلتك.
أسْطُرلابٌ يُدوّنُ مُدني الضَّائِعة،
في زحَامِ الحَنِين.
حُزنكِ ليلٌ بنَفسجٌ،
يسهَرُ مُلتاعاً بليلكِ الأرَقِ.
وئيداً، يُمسِّدُ لسْعَة الجُّفولِ،
بأيدٍ منْ ريح،
بأيدٍ منْ ذهولِ النُّعاس.

***

رَقصكِ الأنيقُ، مُجونُ رشاقةٍ.
جَسَدُكِ الأنيقُ، يُغْريني بحِصارهِ.
ياالمُطرَََّزة بكُهرُمانٍ عذِبٍ.
صَوْتكِ طريٌ بنَبْع المَعْنى الجَّسور.
خِفافاً، تسَللْتي إلى قلبي، في وضَحِ الذُّهول.
يانَبْعة الرََّيْحان،
ياإبنة القلعَة.

ترنيمةٌ أولى

جُلَّ مَنْ هَداكِ،
جُلَّ مَنْ جُنَّ في هواكِ،
أنتِ الجنَّةُ،
وأنا الَّذي في هَواكِ، جُنَّ.

***

ياالأميرةُ المدائحُ، أنتِ.
أأنتِ السُّلطانةُ النَّجمةُ؟،
أأنا مَدارُها؟
فليَكُنْ.
سأحْمِلُ جَسَارةَ الأصْفرِ الذَّاهبِ،
في سَنابِلِِ كَوْكَبِكِ،
ساهٍ، والأرَضُ بي تمْشي.
كوْكبُكِ، قدَري المُشتهى،
ألمٌ ظمِىءٌ، كشَفيفِ برقٍ.

***

أيُّ بَرْقٍ التمَعَ،
في ماءِ عَيْنيكِ،
وأنا اُهَدْهِدُ زَغَبَ أناملُكِ،
بِمَراتِبها الصَهْباء،
من قِرمزٍ،
من شَجَنِ البْرونْز؟.
برونزُ القِلاعِ؛
قِلاعٌ، نُباهي بها مَدِيح الحَجَر المُعَتَّقِ:
قَلعَة "العِمادِيَّة": تكْيَة الأميراتِ الوَصيفاتِ.
مِنْ عَبقَ الكِلْدان، هُن،َّ
رَهيفاتٌ، هُنَّ،
تنبضُ أجْسادُهنَّ بِشَبَقِ الزَّبيبِ،
ضَجيجِ الحُقولِ، نُذورِ الدِّياراتِ،
شهْوةِ الشَّعانينِ لقيامةِ الصُّعود.

***

هي قِلاعٌ ذوات مُسَمَّيات شتَّى في التَّدْوينِ:
"آشِبْ"، "آمَدْ"، "الشَّعْباني".
ملاذٌ لِهَجْعَةِ الفُراتِ،
تُمسِّدُ أكتافَ وكُعوبَ الجِّبال.
قلاعٌ، مَحامِلُ، تسمو ببلاغة المعنى: "آشِب"، "إرْبِلْ"، "دَوْسَرْ".
تَنْشرُُ أحْجارَها، تُدونُ أسْماءَها، تَبْلغُ البِحَارَ.
الأبيضَ: "بعلبك"؛ "حلبَ".
الأحمرَ: "أيلة"، "الرَبَض".

***

سأُنْزِلُ هذي المَحامِلَ عن كتفيَّ.
أكْتبُ، سِفْر قدَري الأخيرِ على بَوّاباتِ البَحْرِالمَيِّتِ:
قلعَةَ "كيرْهيرْس"، "كيرْ موآب"، قلعَةَ الدَّرْبَ السَُلطاني.
على حَجَرِ "مِيشعْ" العَظيم، أنْقشُ،
بِماءِ نبْعِ "عَيْن السِّتْ"،
مُدوَّنَة عِشْقيَ الأخير.

***

أُرْخي ماتبقى مِنْ شهقةِ يَقَظتي.
اُرْخي رَسَنَ البَواشِقِ،
رَسَنَ البَشْروش المُكْتنز بِقلَقِ النُّحول.
أُوْدِعُ مُفتاحي المَصْقول بِقََسْوَة الشَّوكِ
عندَ أميرَتي السَّعْفَة،
المُضرَّجَة بنُبوءةِ رجُلٍ،
مُطهَّرٍ بينابيع الجبالِ،
بأقحِوانِ السُّهول.
مُسْتسلماً لهَنْدَسةِ خَيالها.
خُبزُها مُخمَّرٌ بجَسارَتها،
مُغمَّسٌ بحَبَّةِ البَرَكة.

***

كِلانا، بأنامِلَ مُخدَّرة بوَجَع اليانَسون،
نُمسِّد الغُبارَ المُتهالِكَ على خَتْمِ الأقفالِ.
أوَّلُ الأقفالِ، حجَرٌ،
عُروقٌ حَناجِرٌ؟.
صَوْتٌ طريٌ؟.
فلْيَكُنْ، رَنينَ مَتاه عاشِقَيْنِ.
رنينٌ طازِجٌ كرَغيف الصَّباحِ.

***

مَنْ يُباركُ رَغِيفَ العِشْق، أميرَتي؟.
مَنْ يُبارك، مِزاجَ الرَّغيف، أميرَتي؟.
مَنْ يُبارك مِزاجَ العَشَّاقَ، ياأميرَتي؟.
أَما مِنْ أحَدٍ؟.
أنا وأنتِ مَنْ يُبارِكُه.
نتعَمَّدُ بوميضِ مَزاميرِنا.
أنا وأنتِ، مُعَفَّرينِ،
بمِزاج العِشْقِ،
بِبَياض العِشْق،
وبَراهين العِشْق.
أنا وأنتِ،
نُدوِّنُ فَهْرَسَه،
بنبيذٍ أبيضَ،
على قِرْطاس قلبَيْنا،
نَطلعُ بهِ،
حَتّى النَّصْلَ الأخيرَ،
منْ عُذوبة التَّعَبِ.
بِلا صَخَبٍ.

***

للبَرَكَة خَتمٌ.
مالَنا إلاّ أنْ نشبَكَ إبْهامَيْنا المُدَوَّخَتين بزَيتِ اللُبْلابِ،
نطلعُ القِلاعَ،
نَنقُشُ البَصَماتَ،
الأوْشامَ،
ترانيمَ وَجَعِ المُحاربين،
رؤيا الفارِساتِ المُدَثَّراتِ،
ببيارِق الهَذيانِ،
على الآجُرِّ المَفْخورِ بأنْفاس الأسْلاف.

***

ياتِلكَ الأنْفاسُ الناَّئِمةُ في أخْتامِ الحَجَرِ،
اِطْلَعي بِمَدائحكِ كَشَفيفِ الدِّمَقسِ،
هاتِ اللهاثَ، هَاتهِ،
بارِكيهِ، أميرَتي، بتَوابلكِ الخَدِرَة،
مُباركةٌ عَذِبةٌ، قبلَ أن يَتهاوى سَدِيم اللَّوْعَة.
وحْدهُ، الخَتمُ، الدليلُ،
وحدهُ الخَتْمُ، الدليل.

***

ياسَليلَ قِلاع الكِلْد، تَعالَ.
يابْنَ لوْعتي، تَعالَ،
أفتَحُ لكَ خِزانَةَ غِوايتي.
اسْمِعْنيْ سَهْوَ غَزَلِكَ،
المَدْعوكِ بلوْزِ الشَّمال،
بمِلح دُمُوعِ صَبايا الكِلْدِ.
خضِّبْهُ بخَمْرَةِ الشَّهوة.
تَعالَ،
كيْ أغْتَسِلَ بِدَبَقِ قلقِكَ.
ياحَطّاب أنيني المُبارَك.
اِطْلَعْ، سُلّمَ سَنابلي،
اِطْلَعْ، عَتَباتي الرَّغَدَ،
اِطْلَعْ، كيْ أكتَمِلَ.

***

سَيسْجُدُ لكَ نخْلُ الردَّهات.
اِسقٍ برَحيقكَ، فُسْتُقَ إمارتي.
أحضَرتُ لكَ بَخُورَ مريَمَ،
كيْ تغْتَسلَ بها صباحَ الأحَدِ.
اِغْتَسلْ، إذاً،
وارْمِ الأقاويلَ في بحارِ المُدُنِ البَعيدةِ.
أفلاكُ أبْوابيَ صاغِرةٌ لمَغفرَتكَ.

***

أنا زَهْرةُ تينٍ عَطِرةٍ.
لاتَخْشَ لَبْلابَ الشَّيْطان في جَسَدي،
فتاجُ الشَّوكِ مِنكَ،
تبتهلُ بهِ أنوثتي.
جَسَدي بلّوطٌ حريريٌ،
أدخُلْ بُستانَ المَيْس، لاأحدَ يُباريكَ.
هيّأتُ لكَ مَغارَةَ اليَقطينِ،
زَبَدُ "الجَّميدَ" مَمْروساً بعَشْرِ أصابِعي،
ساخِنٌ من ثؤلولة نِعْمتي،
مِنْ ثؤلولة حَمَلي،
مِنْ نَجْمتي القرمزيّة.

***

القِ بمَرْساتكَ على رَمْلِ تِبْري،
وأباريقَ رَجْفتي.
أهبُّ، كيْ ألقاكَ،
أهلاً،
ياالفحَلُ الجَّسورُ، أهلاً.
اهبطْ، حَدَّ نَعْناع ضِفتي،
ياالفحَلُ الغَيُورُ،
اقترِبْ،
كَيْْ أرتَبكَ،
كي أشْتعِلَ بتِبغِ فحولَتِكَ.

***

ياالمُعطَّر بتِبْغ القدّيسينَ،
تِبْغ كِلْدانَ "أرادِنْ"،
بنَدى قصََبِ الهَوْر وبَجْعات الهَوْر.
أنا بَجْعتُكَ البَحْرية، أرْتجفُ،
كنَخلِ البَصْرَة، أرْتَجِفُ،
كمَرافىءِ أنْهارِها وفناراتِها، أرْتجِفُ،
كالزَّيْزَفون، أرْتجفُ،
كجُنْبُذ الصَّباح، أرْتجفُ،
لكِنّي،
في هَدْأةِ يَدَيْكَ، كثيراً، ماأرتجفُ.

***

اسْرجْ عَذابَكَ بأوْتارِ رعْشتي،
أنا رَسولتكَ في وجَعِها العِشْرين،
خُذْني، حَيثُ عَسَلَ غَفلتكَ،
مواجِعَ مَنْفاكَ.
أصْلحْ رنينَ أجْراسيَ الثَّمِلة بِعافية المُجون.
ياكَبْشي الصَّغير،
الذي يَرْعى هُدْهُدَ مَنارَتي،
في القلقٍ أنوسُ،
كشُرود فانوسِكَ، أنوسُ،
كَنَيْزكٍ، نامَ على نَواقيسِ الكِلدان.

***

غَنَجي، دَأبُ قَرْعِ البُروق،
دَأبُ نُضوج كَمْأتي،
دَثِّرْها بحَريرِ قَميصِكَ.
سَأفرشُ لكَ كِتّانَ الخَباءِ.
سَأسْقيكَ قهوَتي المُرّة.

***

عَطشانةٌ أنا، لِسَماع سِرِّ مُجون الكِلْد ـ أسلافِ الغواية.
خِفافاً جاؤوا معَ صَيْحَةِ الشُّرود الفاجرِ. أقاموا، ثمَّ بَنوا المَعابِدَ، الأبْراجَ والزَّقورات اللوْلبية، وسَوّروها بأسْوارٍ سامقةٍ.
هَندَسوا المَسَلات مِنْ طينِ عَرَقِهم. كانَتِ الحاناتُ المَعابِدُ، مَلاذاً ومَهْجعاً. ارْتشَفوا الخَمْرَةََ بِكؤوسٍ جُبِلتْ من غِريَنِ النُطفَةُ الأولى.
شَرِبوا، ثَمِلوا، وخَطّوا على ألواحِ الطِّينِ نَشيدَ العِشْقِ والخَلْقِ وفداحةِ الخلودِ، بَعدَ أنْ فخَّروها بشمْسِ زَفيرهم الفوّار. تدثّروا بحنينِ نِسائهم الأليفاتِ. غَفوا قليلاً على مَعْدنِ الشَّهْقةِ ـ شَهقةِ العَراءِ.
لِمَ التدوينُ على الألواحِ؟.
كيْ لا تُنفى شَهْقة الأرْواح.

***

كانتِ الألواحُ الحَناجرُ الجَّمْرُ، بَوْحاً رَطِباً بنَدى فِضَّةِ الفجْرِ وتَشابيه اللوْنِ. قِرْطاساً لِتدوينِ آلام حُكماءَ "أور"، ونَثر السَّارِداتِ.
ضَراوةُ النَّرْجسَ، ضَراوة "حينَما في العُلى".
ألمُ الحافِرينَ على صَلْصالِ المَسَلاّت بَسالة "شَمْخَة" في تعليمِ "أنْكيدو" مَباهجِ البَاهِ.
رَقَصوا مُنْتعشينَ بِسَلوى البَنَفسَج،
استنْشقوا طَلْعَ القصَب،
هاموا بالنَّارِ النَّازِلة مِن أصابعَ الكاهِناتِ.

***

أرخَتِ النُّسوةُ أصابعَهنَّ لِلطينِ المُكَحّل بالنُّحاس. صنَعْنَ دِناناً مَفخورةً بِشَهْقتهُنَّ. أرْكنوها مَذاوِدَ المَعابدِ.
طَلينَ أجْسادهنَّ بعَسلِ القَصَب الأخْضَر، حتى تَعتّقتَ بِلذائذِهُنَّ الملذّات. طَهَّرنَ عُيونَهُن من هَباء العَتمَة. رَقَصْنَ نِصْفَ عارِيات، فبَرْهنَّ أنَّهُنَ أسْطورة.

***

رَقصْنَ لأوَّلِ كاهِنِ نبيذٍ. لـ "هِرمِس"، الذي وقفَ على حافَّةِ الماءِ، ثمَّ نَظَرَ إلى الأعلى، هامَ بالهِلال، نِصْف القوْس المُعلّقِ في هُدْبِ السَّماءِ، فأشارَ إلى أتباعهِ أنْ يُدوِّروا منْ طينِ النَّهْرِ أقداحاً للخمرِ.

***

سَألَ الأتباعُ كاهِنُهم:
ـ لِمَ ياحكيمنا، كأسنا هذه مُدوّرة؟
ـ لأنّها في راحةِ الكفِّ تدورُ،
وفيها بنتُ الكَرْمِ تدورُ،
كما في لوْعةِ الرَّأسِ.

***

للقِنْديدِ بألوانهِ اِمْتحان اليَقْظة.
يَسْتدرجُنا للبُكاء.
يلْبِسُنا أجنحة مَلائكة النِسْيان.
يُداعِبُ القلقَ فينا.
يُطهِّرُ مَرايا أجْسادِنا.
يُمسِّدُ ثرْثراتنا.
يَستدرجُ نعاسَ الأميراتِ إنْ مَسَّهُنَّ الخَدَرُ،
ساعةَ مَبْرقِ الفجر.
يَفضحُ أنيسَ طيْشَ الفِكرة.

***

هِرمِسُ، ياأميرَ نَبيذ القلبِ المُعتَّق،
أميرنا الشَّقي، أنْظرْ،
نجومُ الغَبْطة تُغَطي فَجْرَ كِلْدَة.
دِلّنا،
على حَدائقِ أفْلاكك.
أيُّها الشَّفيعُ،
الذي أغوى وِسْواسنا،
دِلّنا،
يارَبَّ القيّافينَ،
دِلّنا،
نَحنُ أهْلٌ لجَسارتِكَ،
دِلّنا،
ياشَهيقَ الألمِ على حَريق أكتافَنا المُثقلة،
بعَرْشكَ الأزْرَق وبَأسكَ العَنودِ.

***

ثمّتَ أميرَةٌ تائِهةٌ في سَرابِ "موآب"
طالعةً كالنُّورِ منْ قلعَة "ماخيروس"،
تقْطُر منْ جَسَدها يَنابيع "أرنون".
ارْشِدْها،
كَمْ تَشْتهي الرَّاحَة في مَهْجعِ قلعَتكَ،
لها مالنا مِنْ لوْعَة الغياب،
من وجعِ أضْلاعكَ.
هاأنكَ رَفعْتها نَجْمةً خَضْراءَ،
تدورُ في فلكِ طاووسِكَ،
انْثرْ لها بَياضَ المَجْد،
وادْخلها مَمْلكة الكِلد،
مُدَثَّرةً بنرْجِسِ الوَجْد.

ترنيمة ثانية

زَيِّنوا لها الأبراجَ، انْثروا المِلْحَ على العتبة.
يَدُها تَرِفةٌ سَعْفةَ الشَّعانين.
نورُها ـ نورُ عُزلتي.
هَلِّلوا لها، هَلِّلوا، رَسولتي (ليسَ فيها عَيْبَةْ).

***

أَميرتي المُسْتحيلة، أُحِبُكِ.
ــ (ضَعْ كفّكََ تَحْتَ فَخْذِي).
أميرتي، مُدَوَّنٌ في كتابِ النُّورِ: إنِّي مُطَرِّزُ نشيدَ هَذيانَكِ، بِضَفيرةِ سَعْفَة.
ــ أميري المُستحيل، مُدَوَّنٌ في كِتابِ النُّورِ: إنّكَ وجَعي القادِم منْ مَرْفأ نَيْسانَ.
أيُّها الشَّفيعُ،
لقد غِبْتَ طويلاً،
عينايَ يَفضَحهما، نَرْجِسُ خيالِكَ،
أنسجُهُ فجْرَ السَّهْدِ،
أسْعى إليهِ،
يُجالِسني،
يَفرُشُ مَعاطِفَ الغَيم الأليف،
كَعُزْلةِ الغَريبِ في "غوتنْبُرْغ".

***

لأرَقِكَ، شَغَفٌ ودَهَشٌ؛
خَيالٌ منْ نَعيمِ الألمِ الأبْيَضِ؛
سُدُمُ شُغافِكَ، كالمَلْجومِ تتلوَّى.
مديحكَ الطَّريُّ،
تُرْسٌ ليقظةِ أنْفاسي الغَافية،
على وَسَنِِ أضلاعيَ.
دوِّنْ، على مَهَلٍ،
مديحَكَ الطَّريَّ،
بدِبْسِ الرُّمانِ المَسْفوحِ على الهضَبَة.
وعداً، أميري،
سأدعُ مدائحَكَ تميدُ كالنَّبْضِ،
في نَهْب الجلَّنار.
تَعالَ، نتناهَبِ الوقتَ،
كزَبَدٍ يَمورُ.
مُسْتسْلِمةٌ أنا، لشَهقةِ قِرْميدك.

***

زِنْ نُشُجي بمِثقالِ رَحيقكَ،
زِنْ بعِطْرِكَ، رائحتي،
زِنْ.
شقاؤكَ مُسكِرٌ،
زَوَغانٌ، أحْلاهُ يُلثَمُ.

***

ــ أميرتي المُسْتحيلة،
دَمي مُباركٌ لكِ،
قُربانٌ للهَضَبة.
ــ أميري المُسْتحيل،
حَلالٌ عليكَ مسيلَ شموعي.

ترنيمة ثالثة

جُلَّ مَنْ هَداكَ،
جُلَّ منْ جُنَّ، في هَواكَ،
أنتَ الجنّةُ، وأنا التي،
بِهَواكَ جُنَّتْ.

***

يانديمي التَّائِه في المَنْفى،
لكَ ضِلْعي، اُحْفرْ عليه،
مَديح ألمي وألمكَ.
اِحْمِلهُ، شُعْلَةً لذبالة فناركَ،
يمْنحُكَ لونَ القدَّاحِ البابلي.
ضِلعي رُقْمٌ، طريٌ،
مشويٌ بنارِ الكلد.
لبُّ الطَلْع المَسْفوكِ،
على مرْمَرِ حَسْرتكَ. مرمر حسرتك.

***

لاتَتحَسَّر، اِمْتطِ وَميضَ الشُّرود.كم كمْ ستتحسر
أراكَ سَتغفو على نَبْعي؟
اثمِلْ بهِ، اثمِل،
اِمْنحني عافية مُجونِكَ،
أبْصرُ بهِ نَجوى خَيالك،
أطوفُ بنِصلهِ كمُحاربٍ أعمى،
سبيلي إلى المُسْتحيلِ.
فلتكُن ضلعي المستحيل.

***

ضلعي، ظِلُّكَ،
أنّا تكُنْ، يَتْبعك،
يَغْمُركَ بحَفيفِ نورهِ.
جسْرُكَ على نَهْر المَتاهَة.
دُرْجكَ المُخَبّأ فيه، وصايا جَدُّكَ هِرمس،
الشيخُ الجَّليلُ.
سَتقرأوها لي،
وأنتَ مُمَدّدٌ، ساهٍ،
يَسْتنطِقكَ الوَرْسُ الأبيضُ.
شَقِياً تَكُنْ، كمَلاك اليانَسون.

***

يااِبن رؤيا المَنام،
أنا مِنْكَ وأنْتَ مِنيِّ.
مَلجومةٌ بسَديمِ جَمْركَ.
دَحْرجْ بهاءَ نوركَ،
أنينكَ الَّليَْلكي،
دَحْرِجْهُ على سَلالم نَسائمي،
دَحرجْ:
رَنينَك،
أنينكَ،
صخبَكَ،
نزقكَ،
حُزنَكَ،
قهقهة أوْتاركَ،
مكائدكَ.
دَحْرجْ:
مديحَ أسراركَ،
خدَرَ طيْشِكَ،
ذهولَ أرقِكَ،
كَمْأةَ شَهْوتِكَ،
تفَّاحَ شهقتكَ،
شفقَ نُضوجِكَ،
نُعاسَ فنارِكَ.
دَحْرجْ:
عرباتِ جسارتكَ،
غَرْينَ ضِفافكَ،
مجازاتِ بُرجكَ،
فهْرَسَ منفاكَ
قيظَ عِتابِكَ،
هرْطقة حِكمتكَ،
بُروقَ سُطورِكَ.
دَحْرجْ:
فِضّةَ أيقوناتكَ،
خرابَ عزلتكَ،
أقدار خطاياكَ،
عَويل قلقكَ،
رِهانَ قُبلكَ،
هوَ رِهانٌ شقي نثرتُه في الهباء.
دَحْرِج، ثُمَّ دحرجْ.

***

سألَمْلِمُ عُنفكَ الأبيَضَ،
وأشتُلْهُ في بُسْتانٍ ناءٍ.
ظمآنةٌ، عَسايَ أرتوي برَحيقِ اليعْسوب.
هاتِ اغْسُلْني، اغْسُلني.
أميرتُكَ، نَخْلَةٌ نَزِقةٌ،
هاتِ، اشْتُلْني في جَسَد البَصْرةِ،
لصْق قناطِرَها،
التي تَهْتزُ من فرطِ عُبور.
هاتِ، وردَ الجُنْبُذ،
كُوزَ الجُمَّارِ،
الطُلّيع المُتساقط،
على حَصيرِ الغَسَقِ.

ترنيمة رابعة

زِنْ، كرَشْفةِ النَّدى، عَنْبَرَ رائحتي.
لَكَ أسْهو، بِمُنْتهى اللّذةِ،
زِنْ، زِنْ.
ياشَجرَ القُندول المَطحون بالبرْقِ،
بقوْسِ قزحٍ.
زِن، عسى رَبُّ النَّارَنج المُترَف،
يُهدىء نبضَ أرْجوحَتي.
زِنْ، زِنْ.

***

زِنْ، هَفائي ببَندول الغيرة.
مولعٌ بيَ أنتْ،
كشَهْقة قرميدٍ.
سَيرْتجِفُ قرميدُ هُدُبي،
كَرجفة الغَبْشةِ،
إنْ غافلتكَ سهواً.
زِنْ، ياالأعمى الجَّميل،
تنشّق ضوءَ زنابقي،
زِنْ، زِنْ.

أنا الأعمى، أنا مدائح الغياب

أنا الأعْمى،
أدَوِّنُ بَوْحَ المَدائحِ،
وأمْضي.
أدوِّنُ وصايا جَدي هِرمس الكِلْديِّ،
وأمضي.

***

أنا الأعْمى،
مِداديَ، خُلاصةُ المَرارَة وعذابيَ أبيضُ.
الأبيضُ، لونُ الغياب، لونُ الحِكْمة،
أقرَبَ الألوانِ للجَسَدِ.

***

أنا الأعْمى،
أحملُ الكآبةَ، كَمَنْجاتٍ،
بالكمنجاتِ، يَرْتَعِشُ الشَّجَنُ،
يتكوَّرُ اللحْنُ بحُمَّى أصَابعي.

***

أنا الأعْمى، دَليلي،
عَصا "بورخيس" ـ حَفيد الكولونيل.
تجْلدُني وَصاياه:
ــ حلِّقْ بَعيداً يابُنيَّ بتَماثيلِ العَوَاشقِ.
ــ حَدِّقْ بعيداً في مَرايا المَتاهة.

***

أنا الأعْمى،
دَليلي، غَزَلياتُ "أوفيدْ" وَفناراتُ مَنفاهُ في "توميسْ".
ارشِدْني يا "أوفيد"، أرفعُ إليكَ كَفي، اعْتِراف العاشِق.
ــ لحبيبتك، اُنظُرْ.
ــ اُنْظرْ إلى مَنْ حَملتْ بيَدها تُرْسوس الآس، تتقدمُ بثِقة، تُرَنِّمُ سوناتا المُتعَة.

***

أنا الأعْمى،
دليلي، أنينُ غانية "أور"،
سيِّدةُ المَعْشوقاتِ.
"أنْخيدْوانا":
ربَّة النَواحِ وفُحولة البَخورِ.
وَجعُ تسابيحُها،
فُلكٌ أوصَلني جُرفُ منفاي.
علَّمتني مَعنى النأي، وقالتْ:
لاتحْكُمْ بعد اليوم، رِتاجَ البابِ.

***

أنا الأعْمى،
دليلي خَطيئة المَعْمَدان: "يهيا يوهانّا"،
وجَسارة "سَالومي"، شَدّتِ المِئزرَ الكِتّان على خصرها، ومالت،
طاشَ نورُ الغيرةِ، بقرميدِ قلعةِ "ماخيروس"،
ارتجَفتْ صَبايا "مادبا": مَاءُ الفاكهةِ.
ارتَجَّتْ معابِدُ "دَيْبون" وصخورُ "ماعين".
وسَالومي تَمورُ برقصِها الفضَّاح،
بِكعْبيْها تَطْحَنُ الأرضَ،
تقرأُ العَماءَ في عينِ "هيرودس"،
المَمْسوس بالبَطشِ،
تنزفُ شَبقاً،
كُلما، قفزَ نصفُ عُريها،
استبسلتِ الفضّة،
كما الفُسَيْفساءُ،
المُعَشّق بمواعظِ الرَّاهِبات.

***

أنا الأعْمى،
دليلي سَرابُ الفوانيسِ،
سَرابٌ يغسلُ جَسدَ "سافوْ" المعتّق بعِقار الحَاناتِ.
شبَقُها،
يشهدُ عَليها،
آهاتُها، رَقْصُها،
غِناؤها النَّقي،
يَشهدُ عليها.
شفيعُها هِرمسُ
يشهدُ عليها.
وهي، بِعَسَلها ونَحْلها،
تشهدُ على عِشقي الأعْمى.

***

أنا الأعْمى الطَّليق،
دليلي، "إيكيلوف"، أواكبهُ مُهرولاً،
يصرُخُ بي:
ـ من أينَ أنتَ؟
من أورْ السُّومَريين.
ـ أتحملُ عشبة "كلكامشَ"؟
ـ هاربٌ منها أنا،
-لاتتبعني إذاً.
ـ يابن "أور"، ماالذي أتى بكَ؟
ـ أبحثُ عن هَدْئة مملكةٍ.
أبحثُ عن نأيٍ،
مُدثرٍ بالجَّمرِ.
عَساي أصلُ أنينَ صَمتي.
ـ (للصمت سوفَ تُصْغي).
أسمعُ صدى أبي،
في قرار بئر.
ـ (البئرُ بعيدةٌ جداً).
أبحثُ عن شالِ أمِّي،
مُدثرةً به، في قبر.
ـ أيُّها السُّومَري،
ستظلُ تحفرُ،
في سَماء الإسكندناف،
لنْ تطلَعَ لكَ شمسٌ،
وإنْ طالَ النَّهارُ.
ستتعتَقُ هُنا،
فأجْمَلُ مالدَينا، مقابرُنا،
وشيطاناً (مُحترقاً بعباءتهِ).

***

أنا الأعْمى،
مُنْذِري هُنا، الحَديدُ الرَّجُلُ،
يقَرِّبُني نحوَ ذاتِ المهَب.
الدَّليلُ الأبْكَمُ، هو،
نحو كمَالِ الإشاراتِ.
مُدَوِّن مَواثيقَ الأرَقِ،
أرَقُ "ديلانا وديرام"،
على حَجرِ الرُّوح.

***

واُنادي: ديـ يـ يـ لالالانـ نـ نـا.
ارْشِديني،
اُباهي بكِ نديمَ الوعول.
أميرتي شبيهتكِ،
إنَّها تعرفُ ما يُكْلِمها.
مَنْ يجْمع شرودَ الطَّيش؟.

***

واُنادي عرّاف الكَراكي،
د يـ يـ يـ رررااام م م.
ارشِدْني،
اُباهي بكَ مجُونكَ الجَّسور:
ـ لا تبقَ كـ (تَيْتلٍ على الهضبة).
هذا مِزاج الخَريف.
العشقُ، أينعُهُ، في الخريفِ.
النَّشيدُ الجَّميلُ لوميضِ اللوْز.
اقتربْ أكثر، اقتربْ،
ابتعدْ قليلاً واقتربْ،
(شسعَ فحولتكَ النَّبيلة).
هي عشرونَ ومضةٍ تحتَ قلبكَ.
كن أهلاً لبسالتها.
لا تبتعدْ.

***

أنا الأعْمى الكليمُ،
لاالنَّدمُ نَديمي.
يقودُني هَديرُ نبضُكِ،
متوجٌ بالرِّيح،
متوجٌ بالغيْب،
بنُذورِ الغفران.

***

أصِرُّ،
بكامل عمايَ،
إلى لسْعةٍ من ضيائِكِ.
وأصِرُّ،
أن أصِلَ ثلجَ قلعتكِ،
كَيْ أصلِّيَ (ركعتان في العشقِ)،
بين زيقِ نهْديكِ.

***

وأصِرُّ،
أن ألثُمَ صَليبكِ المُرَطَّب،
بعَرَقِ نهْدَيكِ.

***

وأصِرُّ،
أن أنقُشَ،
هذيان روحي،
على صَلصَال نهْدَيكِ.

***

وأصِرُّ،
في ختامِ المَديحِ،
أنْ أغفو،
بينَ زِيقِ نَهْديكِ.
نَهْداكِ الصَّغيرانِ،
ضِفافُ نُذوري.
فَلا توُقظيني،
لاتوُقظيني.

***

أنا الأعْمى، بندول عقلي،
شَطحي.
مُطواعٌ على مَهْبط مائكِ.
وَميضي الأزْرَقُ، أحلجُهُ،
من قُطنِ وجَعكِ.
ليكونَ، فِراشي الأخيرَ.

***

رَشيقاً، تَعالَ إلى مذبَحِ الاعتِراف

رَشيقاَ، وبيدِكَ اليُمْنى،
كأسَ الخَنْدريس،
تقدَمْ حَبيبي.

***

رَشيقاً، وبيدِكَ اليُسْرى،
أشعِلْ شمْعَ خَصْرَي، حَبيبي.

***

أمنحُكَ خصْري كَمَنْجةً،
تنتظرُ امْتِحانَ عَزْفِكَ.

***

اُنْقشْ بَحليبي على كتِفَيْكَ
أُخْذَةْ هِرمس السُّومري.

***

رَشيقاً تعالَ،
مَلذوذاً تعالَ،
اشْعِلْ بوهجكَ،
زَيتَ ثؤلولتيَّ الكَسْتناءَ، حَبيبي.

***

رَشيقاً تعالَ،
إلى مَذبَح الاعْترافَ،
في جَسَدي، حَبيبي.

***

رَشيقاً، نَحِّ الخَجَلَ،
وسِّدْني بِنفيرِ قُبلكَ، حَبيبي.

***

رَشيقاً، كَحَذَفِ الفَجْرِ،
انزِلْ،
على قِبابَ نَهْديَّ، حَبيبي.

***

رَشيقاً، كشَقراقِ فجْر "جَدْرا"، كُنْ.
كمَداميكِ "جِراسا" الألف، كُنْ.
كقرْميدِ "أرنون"َ،
صَلبٌ عشقُكَ، لِيَكُنْ.

***

في المَتاه الأزرقِ،
من أقمارِ القلعةِ
سيأتيكَ صَوتي كرَفيف أُرْجوحةٍ.
لِمَ أرتعِشُ،
كُلّما، في الفجرِ نامَ،
قنديلي بعْدَ أرقٍ؟
كُلّما، شُغافُ حُدَقي،
اِسْتسلَم، لبَصيصِ فجْرٍ أزرَقَ.

***

الأزرقُ ـ وردُ النَّارِ،
رومانسُ المَساء في ترَفهِ،
نَديمُ الشَّفقِ،
لونُ بُرْجيَ الذي يُعوَّلُ عليهِ.
العذراءُ المباركةُ بحَملِها تصْطَفيه.
دُرْ بينَ أشجار زيْتونها الأخْضَر،
هاهوَ، يانِعٌ كَرِمْشيَّ.

***

في باحةِ الحَرَسِ الرَّطِبة، دُرْ،
في ردهَّاتها السَّبْع، دُرْ،
تدفأ منْ فرنها العِمْلاق،
نيرانهُ لنْ تخبوَ أبداً.
اقرأ مادوَّنَ فرْسانُ الرُّوم منْ وَصايا، بِلاتينيَّة مُزَرْكشةٍ:
(اطلبْ منَ الرَّبَ أنْ تُعطى الثَّرْوةَ، والحِكمةَ والجَّمالَ، لكنْ حاذرِ الغرورَ).
ياأميري، كَمْ أُغريتُكَ بِكُمثرى السَّيْلِ؟.

***

غابتي، قِدَّاحٌ أحْمَر.
الكسْتناءُ، لاينبُتُ في بُسْتانِ أبي.
الزَّيتونُ، نَذيرُ المَنْسيينَ،
إيهٍ.. ياعَصْفَ الخريف.

***

التِّينُ ـ تينُ الظُّنونِ،
لوعةُ حَرقةٍ،
إيهٍ.. يارنينَ الدِّيكةَ الصَّيْفي.

***

أستميلُكَ، غَفلةً بالمديح الحلو،
مَديح الخطيئة والتوبةِ.
أجثو على مِحْراب صدركَ،
امْسَحني بزَيْت هيامكَ،
أمسَحُكَ بزيتِ نعمتي.

***

أتلو بخفوتٍ فِعْلَ الهُيام:
ياعَرَّابي، الذي ضرَّجَ بفورانه الشَّهي،
خميرَةَ روحي.
لِيَتَقَدَّس رغيفكَ.
آتِني نشيدَ التَّوْبةِ،
ياوليداً يُبارِكُني،
ويُبارِِكُ،
أرقَ المَنْفيِّ،
شقاءَ نيسانَ،
ارتعاشَ حُنْجرة اليَنابيع ـ ينابيعِ الغَريبةِ.

***

أنتَ مِثلي غَريبٌ،
أنتَ مثلي، سَترفعُ،
نخبَ ينابيع القُبَل.
قُبلنا، يَروقُ لها ريَّا القرُنفل المُبارك بماءِ الورد.
قدَري،
نديمُ نُذُرِكَ، بعْدَ ثلاثين لهواً، شَفيفُ شهقةٍ، ونَيِّفٍ.
وميضُ نُذُري مترفٌ بأنينِ نُحاس الزَّنابق.
بهاءُ طيشي نهبُ النّجيلِ،
نهْْبُ العطشى إلى نفيرِ أناملكَ،
تنسَلُّ، تحتمي بهضاب ظهري الموشوم بماء النَّارِ.

***

ترنيمة خامسة

ــ أميري المُسْتحيل، اُحِبُكَ.
ــ ضَعي كفكِ تحتَ فَخْذِي.
عشيقَتُكَ، سأبقى.
شريكةُ كبريائكَ، سأبقى،
أبَدَ الآبدين،
آمينْ

***

سأحمِلُ أفلاكي السَّبعة،
أطوفُ بشعلة القِرْميد المدْعوك،
ببَرْق ندامى الكلد.
أرْضَعُ من حليب لوْزهم،
ونبيذ فاكِهَتهمْ.
أنا أنْشودَة أساطيرهم،
عرّافةُ مدائحِهُم،
تُرْسُ رُعاة مَمالكهُم،
قرْصُ قربانهم الأبيض،
قيّافةُ مَسالِكِهمْ،
نِصْفيَ مِنْهُم، ونِصْفُهم منّي،
زُعْفُران عنفوانهم يسري في كبدي.
عُنقودُ صُرّتي معقودٌ بخيط وترهم .
وصيتي مُدَونة بحِبْر دمْعِهم.
رفيفُ نفسي، بُخارٌ،
من رَيْحان نعْمَتهم.

***

يانُبؤةً تَسْترخي على كاهِلي، يانُبؤةَ "بابِلَ"،
فلتأتوا إليَّ، تزفون حَفيدَكم إلى بيتي،
على جناحٍ سنونوةٍ،
عبقاً برائحة "أرادِنَ" ـ قريةِ أجْدادِه.
هاتوا حفيدكم الخجول إلى جمر مائدتي،
ساُسقيه من كأسي المترعة بمرارة البلّوط،
سيسقيني من كأسه المترعة بمرارة الزيتون.

***

لكأسيْنا مرارة الأرض.
أرضٌ، كمْ قلبناها بمحاريث العذاب!.
اسقِنا، يتُها الأرضُ مديح الملح،
ملح البحر الميت.
اسقِنا، يتُها الأرضُ مديح السنابل.
تفتحُ البيادر شرائعها،
لدَفَق النهرين.
اُنثري، ياأرضُ، مايحلو لك من بركة على دربينا.
قرّبي المسافة بيننا.
اخضرَّتْ شفاهنا،
كلما تناثرتْ منها لوعةُ الزنجبيل.
احمرَّتْ شفاهنا،
كلما رشفنا روح نبيذكِ.

***

ستأتينَ، قالوا،
مستسلمة لضباب اللوز.
ستأتين، قالوا،
مستسلمة لسديم فراشاتي.
قُبَلي على خدكِ الأيسر، ستكونُ،
أكثر ترفاَ.

***

ستأتين، أقولُ،
تهبطُ شُهُبكِ كضيف نحيف الظلِ،
منتصف الغسقِ،
يُراوغ النجم الدليل،
دليل شط "العشّار".
كأني مثلما الشّط، ذلك الضيف،
يُجالس نجمة على بياض الصخر،
مستظلاً بالأوكالبتوس.
أدْعَكُ جبهة الشّط برجفة أصابعي.
يحملني كَوْثَلكِ،
نَشْوانَ بحليب الطلِّيع،
صوب ضفاف الكورنيش اليتيم.
أستعيد حُمَّى الصِّبا،
لازالت فوَّارةً، على غِرْيَنِ الشَّطِ.
نُسْوَةٌ حَزيناتٌ، يَجْلِدنَ أسْمالَهَنَّ بصخر النهر،
صيَّادونَ يُعدّونَ الشِّباكَ لوليمةٍ من نِعْمَةِ الماءِ.
جسورٌ منفلقة الظَّهرِ.
سدرةُ النَّبق لاتُثمرُ،
مِثلما حَسْرة النَّخيلِ،
يَتوحَّمُ بالطّلْع،
وَحْمَة الجُدَري أيسرَ زَنْدكِ.

***

سأتعثر بالحسرة.
كلانا يتعثرُ،
كلانا، نُوشم بجرحها.
ننهض، نتعثر.
بأملاح العثرات.
نداوي جرحنا المُخثَّر،
بشهوة رملٍ محترق.

ترنيمة سادسة

يامِلحَ أبي وأبيكِ،
يامِلحَ أمِّي وأمُّكِ،
ياملحكِ الشَّهي،
مِلحكِ توابلي،
اغسلي بهِ،
أصدافَ جُرْحي.
جرحي، قسْوَة صُبَّارٍ.
رُشِّي مِلحَكِ على جَسَدي،
كي تحْمِني،
من الخطيئة المقدَّسةِ.

***

كأنكِ
في حَيْرةٍ،
كَيفَ ستتلمَّسينَ الدَّرْبَ إلى مَخَابىء شرودي؟،
الشُّرودُ الهَذيانُ.
كيْ نُقسِّم بيننا رَغيفَ القدَّاس.

***

تَحتَ أيْقونة الهَراطِقة العُشَّاق، نَسْتريحُ.
نُدَوِّنُ همْساً خطيئتنا،
ونترُكَ اعْتِرافنا لِمَلاكِ الرَّماد.
اعْتِرافنا الأبيضَ الشَّهيَ.

***

وتُنادينَني:
ياشقائيَ المُخْتلسَ نديمَ حَمَليْ،
تعالَ أنُثُّ،
على جراحِ كتِفيْك قرُنْفُلَ نَزَقي.
نُثّي، واعبُري نهري،
المُكْتنِز بالزّبَدِ.

***

أنا خَريفُ القصَب.
كمْ تشْبَهينَ ربيعَ الزَّنْزَلخْت.
مُعَسَّلٌ خُدَيْدُكِ بعشرينَ جُمَّيزةٍ.
مُعسّلٌ تَبغكِ بغواية الجَّمرِ.
الجَّمرُ ـ نِصْفُ احْتراقي،
نصفُ نديمي،
من بَهْجَةٍ وشجنٍ.
تُتُنٌ طوفانٌ،
تبغٌ ثمِلٌ.

قُبُلاتٌ سَبْعُ، تشْتهي التَّعْميد

هِرمس، مُعَلِمي،
يادَليليَ ودَليلها،
ياحارسي وحارسها.
على مَشارفِ بئرها بنيتُ هيكلي.
أمتحنُ جنوحَ الكوْثلِ.
مضرجٌ بماءِ مَراياها.
ارْشدْني طريقَ العُبور المُر.
تُهيمُ ببَيْدري،
جَفِلَةٌ ذؤابات سَنابلها.
أمِنْجلي جديرٌ بعافية الذَّهب؟.

***

لرسولةِ الكلْدِ، تمضي،
تسجدُ لها.
بفمِكَ قُبُلاتٌ سبْع،
تشتهي البَوْح،
تشتهي التَّعْميدَ.
مِسْكٌ مُرٌّ في فَمكَ،
شَهْدٌ، في فمِها.
في جَسدِها، سبعةُ بيادرٍ عَطْشى.
امتحنها بجنونِ القرنفلِ،
بزيتك الحُرِّ تُطَهِّرُ مَزاميرَها،
على جَسدِها الغَضِّ.
فإن تعمدتْ بقبَلِكَ، سَتتبَعكَ.
بشقائِها تتبَعُكَ.
وإنْ بعُدَتْ،
بأنفاسها، تتبَعُكَ،
شروقاً،
غروباً حتى،
كزهرة الشمسِ، تتبعكَ.

***

تتعفَّرُ بقمْحِ هَيْبَتكَ، وتتبعك.
ساهية ببَطريق قدَرها، وتتبَعُكَ.
مُدوّخة بضجيج المحيطين بها، وتتبعُكَ.
تسلكُ مُنْعَطفاتَ شُرودكَ الأعمى،
كي تتبَعُك.
تسْقيها عَلقمَ نزقكَ، وتتبَعُك.
لأنّكَ عَرّافها المشتهى.
طيفُ وجدك، ميثاقُها،
ميثاقُ نُذور العابر الطَّريد.

***

بقُبُلاتٍ سبْع من مطر قلبكَ، عَمِّدْها.
قُبلَةٌ أولى على جَبينِها،
بزَيتِ الجُّلْجُلان، امْسَحْ ضَفائِرَها،
باركْ لها رِمْشيها.

***

قُبلةٌ ثانيةٌ على ثغرها،
بزيتِ البَلّوطِ، امْسَحْ وَجْنتيْها
باركْ لها عَيْنيها.

***

قُبلةٌ ثالِثةٌ على نهديها،
بزيتِ الإترَنْج، امْسَحْ كتفيها،
باركْ لها حَلمَتيْها.

***

قُبلةٌ رابِعَةٌ على حَلمَتيْها،
بزيتِ الحوتِ، امسَحْ أضْلاعَها،
باركْ لها بَطنَها.

***

قبلةٌ خامِسَةٌ على خَصْرِها،
بزيتِ الدِّمَقس، امْسَحْ ثنَّتها
باركْ لها سُرَّتها.

***

قبلةٌ سادسةٌ على سُرَّتها،
بزيتِ الحَسَكِ، امْسَحْْ هندبَ ثالوثِها،
بارك لها حَوْضَها.

***

قبلةٌ سَابعةٌ على حِرِّها،
بزيتِ البَلَسانِ، امْسَحْ فخْذيها.
ابصُمْ بإبْهامِكَ على دكَّةِ الفجْرِ الوَرْديِّ.
باركْ عُذوبةَ البُرْعُم.

***

لا تَشْتهِها. هيِّئها لفيْضِ المَنام.
لا تشتهها. مَعْشوقتكَ عاقِلة.
لا تَمُسَّها، صوفيٌّ، عشقكَ لها.
لا تُسمِّها. نقشتُ اسْمُها على لوحِ الزُّمُرُدِ.
ينامُ رُمْحُكَ مَفطوماً بنورها العُذري.
احْرَصْ على أختامِكَ السَّبْعة،
نُذُر العشَّاق.

***

استَرِح.
آنَ لكَ يا بُنَي أن تستريح،
بعد أن تعمّدَتْ بحليبِ فحولتِكَ هياكِل العَراء.
استرحْ، واطبقْ اُذنكَ على مَحَّارتِها،
سَتسمَعُ نَشِيشَ البِحَار التي قطعْتها.
كُن المُرْسَل لتيهِ العاشِقاتِ،
تُرشدهُنَّ إلى نحْر اليَنابيع.
رنِّم في منفاكَ سورَةَ الوَحْي الكِلداني:
أعطيْتُكَ ما يَنقصُك،
نِعْمةً لنْ تحْصُلَ عَليها.

ترنيمة سابعة

هِرْمس، ياأبَ أبي،
ياابنَ أبيكَ.
ياحاملَ إبريق الكَسيس.
عمِّدْني بنبيذ مُريديكَ.
سأرفع الكؤوسَ لكَ،
أشربُ ما تشتهيه نفسُكَ.
اِدعو لِمَعْشوقتي، البَركة.
ــ مُباركةٌ معتِّقة زُلالَ الكُرومِ،
ــ مُباركةٌ أميرةُ الأميراتِ.
ــ مباركةٌ،
ــ مُباركةٌ،
ــ مباركةٌ.

غوتنبورغ ـ خريف 2006