كمال سبتي

جلسةٌ قبلَ الحَرب

جَلَسَ الجَميعُ عَلى الأَريكَةِ مُتْعَبينَ:
الْلَيْلُ وَالأَشْجارُ وَالجُنْدِيُّ وَالقَمَرُ الحَزينُ،
يَقولُ أَوَّلُهُمْ : تَعِبْتُ مِنَ الظَّلامِ،
فَتَضْحَكُ الأَشْجارُ مِنْ ضَوْءِ القَمَرْ.
لَكَأَنَّما تِلْكَ الأَريكَةُ مِثْلُ تابوتٍ تَفَتَّحَ نِصْفُهُ.
لَكَأَنَّما كانَ القَمَر
يُلْقي عَلى الجُنْدِيِّ نَظْرَتَهُ الأَخيرَةْ،
وَكَأَنَّما الجُنْدِيُّ جُنْدِيٌّ يَموتُ على الأَريكَةِ
مِثْلَ تِمْثالٍ تَكَسَّرَ نِصْفُهُ،
وَكَأَنَّما الأَشْجارُ تُخْفي مَأْتَماً،
شَهِدَ الجَميعُ:
الْلَيْلُ والأَشْجارُ والجُنْدِيُّ والقَمَرُ الحَزينُ
عَزاءَ جَلْسَتِهِ الأَخيرَةْ.

اِبْنُ رُشْد ..

قالَ اِبْنُ رُشْدٍ مَرَّةً في خَبَرِ السّماءْ
اِنَّ السّماءَ حَيَوانٌ طائِعٌ
وَصاحِبُ العَقْلِ *                                                    
يَقودُهُ كَما يَشاءْ
يوسُفُ قالَ ياحَكيمَ قُرْطُبَةْ
بِاللهِ إِحْكِ كُلَّ شَيْءٍ ، لاتَخَفْ
كانَ اِبْنُ رُشْدٍ صاحِبي أَيْضاً ،
وَذاتَ مَرَّةٍ ،
شَوَّقَني أَنْ أَصْحَبَهْ
لِرؤيَةِ الأَميرِ في المَغْرِبِ ،
قُلْتُ يا أَبا الوليدْ
خَوْفي عَلَيْكَ مِنْ وَلِيِّ العَهْدِ ، مِنْ تَكْفيرِهِ ،
مِنْ لَعْنَةِ المَنْصورِ في مَنْشورِهِ **
فَلا تَقُلْ غَيْرَ الَّذي تُريدْ
وَلا تَكُنْ غَيْرَ الَّذي تُريدْ
فَالشَّرْقُ ماتَ في تَهافتِ الغَزالِيِّ ،
وَماتَ الغَرْبُ في المَنْشورِ ،
قُلْتُ :  ياأَبا الوَليدْ
النَّفيُ في كُلِّ زَمانٍ مِهْنَةُ الدَّوْلَةِ ،
لا تَحْزَنْ وَكُنْ عُمْرَكَ كُلَّهُ سَعيدأً ،
لا تَقُلْ غَيْرَ الَّذي تُريدْ
ولا تَكُنْ غَيْرَ الَّذي تُريدْ
النَّفْيُ عادَةٌ لَنا ، نَتْرُكُها ؟
وما الَّذي يَبْقى لَنا كَعادَةْ
فَيا أَبا الوَليدْ
نَحْنُ إِذَنْ صِنْوانِ في النَّفيِ وفي السَّعادَةْ ..