ترجمها وأعدها: أحمد عثمان
(إسكندرية- مصر)
دون شك، شكلت الغزوة البونابرتية ذات الملمح الكولونيالي العسكري - هذا إلى جانب عدد من الفرضيات الاجتماعية والسياسية المعروفة - مبررا لاطراد أعداد الجاليات الأجنبية في مصر خاصة وان هذه الجاليات كانت تمثل كل الأجناس التي تتحدث الفرنسية سواء اليونانية أو الأرمنية أو اليهودية أو غيرها، ولكل جالية، بطبيعة الحال، صحفها ومجلاتها، كتابها وشعراؤها، نبغ منهم الكثيرون أمثال: جين آرقش وآندريه شديد زنانيرى وادمون جابيس...... ولا شك أيضا أن تسلل القصيدة الفرنسية على مصر كبلد يحمل بين جنباته تراثا شعريا مؤثرا على آية حركة تجديدية، اثر على الفعاليات الشعرية في مصر سواء كان أعضاؤها من الأجانب المتمصرين أو من المصريين المتفرنسين، على اقل تقدير من الناحيتين:اللغوية والبيداجوجية، نتيجة لهيمنة الوضعية الطبقية، فعلى الرغم من أن الفئة الأولى، أخذت تبحث عن القصيدة عبر المنجزات الحديثة في التطوير الشكلي، وكذا المعجمي، إلا أن المصريين المتفرنسين اغترفوا إلهامهم من المنابع القروسطية اللاعربية _ إسلامية، ولذا كان الهدف واحد رغم تعدد السبل والوسائل. في الواقع، كانت القصيدة العربية، إزاء ما يجرى من أحداث، تسعى إلى إعلاء نبرة صوتها لئلا تفقد البصيرة، فأبدعت القصيدة الفولكلورية، على الرغم من التجديد الظاهري في بنيتها من أواخر النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبذات فهم العالم إلى حد ما أنه يجب إضافة عنصر تسلط اللغة الأموية على ذهنية ولغة الشاعر.
هذا الرافد أحاط بالقصيدة المكتوبة بالفرنسية، دون أن يخنقها.
من نافل القول، أن هؤلاء الكتاب - وليس الشعراء فقط - ولدوا داخل البلاد ( كانت الغالبية إسكندرية المولد، ولذلك انتقل أفرادها، آنذاك، على خلاف القاهريين، داخل نطاق الحضارتين الشرقية والغربية في سهولة ويسر ) ومالوا بصورة ما إلى الناحية الفرنسية حيث الخبرة باللغة وإتقانها. وبالتالي،اب شغلوا بالفعل موقعاً هاما في المجتمع المصري، آي انهم كانوا جزءا من النخبة.
وبالتالي ، هل حافظوا على العلاقات ، أيا كانت هذه العلاقات ، أيا كانت هذه العلاقات ، مع زملائهم من كتاب العربية ؟ لا نستطيع البت في هذا الشأن بصورة قاطعة، إذ كان المجتمع المصري وقتذاك عالمين: عالم الأجانب وعالم بناء البلد ( الوطنيين) مع رابطة مقطوعة حضارياً واجتماعياً وثقافياً، وعلى وجه الأساس: سياسياً واقتصادياُ.. ولذا، يمكن القول: إن كلا الجانبين ( أبناء الضفتين المتقابلتين ) لم يكونوا على موجة واحدة، مما أدى إلى ضعف تواصل أبناء الجانب الأول مع القراء، ربما كان ما سبق راجعا إلى وضعيتهم الاجتماعية، والحالة السياسية السائدة آنذاك تجاه ما هو أجنبي _ عربي: تصاعد المد القومي وازدياد بروزه كانعكاس مباشر لنجاح التيارين: النازي والفاشي في تولى الحكم في ألمانيا وإيطاليا، ربما أدى إلى تهميشهم الثقافي: هل تعد قلة إصداراتهم وكذا أعداد النسخ المطبوعة دليلا ؟ .. مثلا وليس حصراً، لم يزد ما أصدره احمد راسم من نسخ لأي من دواوينه أو كتبه عن ثلاثمائة نسخة.
تقدم القصيدة الفرنسية جهداً رؤيوياً - بصرياً، مستوعبة كافة الأشكال الفنية الغربية. أكثر من مرة، جلب الشاعر إلى القصيدة الفرنسية مكسباً على كافة المستويات، إذ انه معجب بكون القصيدة - المنتج المحلى ذات الهام مصري، ومن ثم قصيدة أصلية، ليس بها أي طابع دخيل على صلب الموضوعات: لا يتناول مفردة بعيدة عن واقعه الحياتي - اليومي المعيش، أشجار التنوب.. عارضا أبياتاً متحررة، وغير مسيجة، تترك القصيدة مساحة لا محدودة لا نهائية للتعبير عن الصور والأحاسيس.
أ. خضري ( 1911 -.. ) … شاعر يكتب بالفرنسية. ولد في الإسكندرية. في بادئ الأمر، درس في مدارس الإرساليات الدينية، ثم في مدرسة الليسيه التابعة للإرسالية العلمانية الفرنسية.
موظف، عمل فترة من الزمن أمينا لمكتبة دمنهور، قبل أن يعين ملحقاً بالمكتب الدائم لمصر بعصبة الأمم. بعد ذاك عاد إلى مركزه في وزارة الشئون الخارجية، ثم عمل سكرتيراً بمكتب الملك فاروق الأول.
تأثر بصورة عامة بالسطر الشعري لرامبو - فيرلين، مع شيئ من القرابة مع سوبرفيل وجوف، هكذا كتب أتيين ميرييل، وهذا لا يمنع طابع صوته الخاص المتفرد وكلماته التي تنتمي إليه أيضاً. فكر ملتفت ناحيته تماماً يستوجب لغته الشديدة الخصوصية.
***
منظر
كلماتك تجتاز،
ربما،
غمائم،
ومع ذلك
فيك أحياناً
يولد اللازورد.
*
بحيث يبكى
أو يغني،
قلبك يرى
في كل مكان
الومضات العظيمة
التي هي السحر
بلا خوف.
*
وحك
في الأمس القريب
مجنونة ومائعة
لا تريد
لأجل العزاء
سوى السماء
الطيبة، القاسية،
أو الملآنة بالمرارة
لكن،
أكثر من القبة السماوية
وجواهرها
المزيفة أو الحقيقية
إغراء آخر
لأجلك
روح فقيرة منهكة،
نارسيس الأبدي،
دائما منحنى
على صورة
يسكب الدموع
وهو يفكر في السماء
التي يخشاها.
***
حمــى
فكر يجــئ،
فكر يروح،
نبض هذا الذي يدق
في إيقاع قدرك.
ثق في، أيها الطفل الساذج،
أنه دمك،
النبيل والمخيب للأمل
الذي يوجد لي
الطرق الخاطئة
المستقبلية والقديمة
لهذا الألم العتيق،
المميت والكلى،
أنه أنت هذا النهر
الصغير والقادر
الذي يسيل من قلبك
إلى رئتيك،
وأنت كل شيئ،
أنت لا شيئ،
الذي يبحث
كمجنون
عن الصدر الملآن
بالسم
في عالم
راسخ وعقيم.
****
أحمد راسم ( 1895 - 1958 ) شاعر وقاص، من جذور تركية، يكتب بالفرنسية. ولد في الإسكندرية لعائلة أرستقراطية، مما أثر على اتجاهاته وآرائه. بعد انتهائه من دراساته الثانوية وتمكنه من اللغة الفرنسية التحق بمدرسة القانون الفرنسية في القاهرة عام 1914. بعد تخرجه، عمل بوزارة الخارجية، وبذا انتقل إلى روما ومدريد وبراغ حتى عمل في العام 1938 محافظاً للسويس، وبها أستضاف العديد من أدباء وفناني هذا العصر.
حاز على جائزة الأكاديمية الفرنسية (جائزة كادفيل) في عام 1954 عن مجمل إنتاجه.
كتب جورج حنين عنه:
"كان احمد راسم يدرك إدراكاً حاداً قوياً أن الظلام، بالدرجة الأولى، طاقة. وهو في حالته البرية يشع من جميع جوانبه إشعاع قطعة من البلور الصخري. عندما كان يسمع صخب الشارع، ويحاول متابعة كلام الناس الذين يجهلون كل قواعد النحو والصرف، منبوذى اللغة الحقيقيين، كان يتزود بالطاقة. وكان يحب أولئك العلماء الأميين الذين يستخدمون مفردات محتقرة. أولئك المبدعون للأمثال التي تمور فيها ذاكرة وسخرية شعب بأكمله"،
بينما يرى جون موسكاتيللى، الشاعر المصري الإقامة الفرنسي الثقافة والجنسية:
"أنه شاعر الفرنسية المصري الوحيد الذي تحمل نصوصه إيقاع لغته الأصيلة ورموزها وقالبها الفكري"،
أما جاستون بيرى فيراه:
"أكثر شعراء الفرنسية المصريين مصرية".
من نتاجه: "كتاب نيسان" (1927)، "جدتي تقول ثانية …" ( 1930 )، "زميل تقول أيضاً …" (1932)، "لدى بائع المسك" (حول ألف مثل عربي - 1934)، "في الحدائق العتيقة" (1942)، "يوميات فنان فاشل" (1954)، "صفحات مختارة" (الجزء الأول - 1954)، "صفحات مختارة" (الجزء الثاني - 1955).
***
وقالت الجدة ثانية …
على الرغم منا كانت امرأة
أمينة كما المرآة .
أحسدها دائماً
وغالباً يظهر جدك ليتجاهلها:
لا تضحك أبداً من كلامها
لم تزل جميلة في هذا الزمن البعيد،
جميلة كالسحاب الذي يزلزل الآخرين.
كان شعرها أبيض،
عن هذا البياض القريب من البنفسجي الذي ينادى دوماً
وردة برتقالية اللون.
وهذه المرأة التي تعرف اكتشاف أذنها
حتى تستحق الارتباط الثمين بجيدها،
ترتدي ملابسَ شبيهة بالحقائب المعدومة الشكل،
حيث تضيع خطوط جسدها الناعمة.
مثل خوذة من الصلب، شعرها من الفجر
يعطر جبهتها الطاهرة من الخصلات المضطربة …
لحمها الكهرماني يشبه عرق اللؤلؤ المخملي
فيما ترتعش حركاته …
لأن نظرتها الصافية تمكث ساكنة كالحجر
و إن كان الباشا، زوجها، حاضراً.
ظلت جميلة وبعيدة كالتمثال.
على جبهتها لون الفجر، الأشعة المتراقصة،
وتحية خفيفة تحيط بشعرها …
وأرى ثانية أيضاً، حينما أغلق عيني،
حاجبيها المقوسين.
*
على الطاولة، تتطلع إلى خبزها بقوة
وتتجاسر على البحث عنه
كم هو عسر الهضم …
تلفظ، صراحة، بذور البطيخ
*
ذكرها، في هدوء، وجهها،
عينيها، شفتيها اللتين
يحبهما العالم.
كانت جميلة للغاية … وتحمل
بلا حشمة خجلها من كونها امرأة مرغوبة.
بشرتها اللؤلؤية
ناعمة كالتمثال
مستساغة كالفاكهة،
يمكن القول بأنها شباب الخريف …
***
المروحـة
لم تكن توجد في القاهرة غزلان متوحشة
عيناها هشتان كالكريستال الصيني، ليس هناك ثمة
ما يقال، لكن، إذا وجدت،
يجب الغناء لها ومقارنة عينيها
بعيني مليكة.
*
ذا لم يكن يوجد في العالم عنب مصر
ذو القشرة الناعمة والحبات المعطرة،
ليس هناك ثمة ما يقال،
لكن، إذا وجد،
يجب أن نتذوقه حتى نتخيل حلق مليكة.
*
ذا لم تكن توجد مروحة من العاج
ذات قبضة مزينة بفراشات رقيقة حيث تستدعى
النعومة بطن طفل، ليس هناك
ثمة ما يقال، لكن، إذا وجدت،
يجب أن نجدها لكي نهديها ذات مساء
صيفي إلى مليكة.
*
لا يـهم
أسنان ذئب عذبة تخفيها
شفتان ورديتان … ينبوع تنشأ
العصافير تشرب منه حتى أفول الشمس …
لكن مليكة تكذب.
*
الانحطاط الفارسي يتمدد في صوتها
حيث تأرجح الرنة الروح في نورها الساخن …
لكنها تكذب.
صدرها يجابه الفضاء كدروع
بينما ينحت الريح جسده بلا ضجة …
لكنها تكذب.
*
لا يهم أن يكون الكلام كله
ذهباً خالصاً إذا كان الفم الذي يرويه يستدعى
لب الفاكهة ؟
*****************
أندريه شديد ( 1921 -.. ) . شاعرة وقاصة وروائية شهيرة. ولدت في القاهرة لوالدين أحدهما لبناني و لآخر سوري.
تخرجت في الجامعة الأميركية بالقاهرة في منتصف الأربعينات بعد أن حازت على درجة الليسانس في الآداب. تزوجت من فرنسي ورحلت معه إلى لبنان ومكثت فيه حوالي ثلاث سنوات، ثم سافرت إلى فرنسا، واستقرت هناك بدءاً من 1949.
حازت على العديد من الجوائز العالمية: جائزة لويز لاديه (1966)، جائزة النسر الذهبي للقصيدة (1972)، الجائزة الكبرى للآداب المقدمة من الأكاديمية الملكية البلجيكية عن مجمل نتاجها (1975)، جائزة الأكاديمية الفرنسية عن مجمل نتاجها الأدبي.
من نتاجها الشعري: "وجه أول"، "أخوية الكلام"، "كهوف وشموس"، "شيئ من الجسد، شيئ من الروح"
من نتاجها القصصي: "الجلد السميك"، "القلب المعلق" (قصص للأطفال).
من نتاجها الروائي: "النوم الخاطف"، "اليوم السادس"، "نفرتيتي وحلم إخناتون".
***
قصيدة I
قصيـدة
تصحبنا
إلى جوهر العالم
*
ممزقة في القصائد
عصابة الكلمات
*
مهشمة غضروفها
مسلوخة من جلودها.
*
متسائلة عن فرجة الضوء
محاصرة نار الجمر.
***
قصيدة II
ما هو أغلى من الكلمة
لكن الكلمة تنقذه.
*
ما هو قابل للهلاك
لكن يولد ثانية أماماً.
*
ما يعتم بوفرة
لكن بلا توقف يقاوم.
*
ما يتجاوزنا دائماً
لكن عندما نكون بذوراً.
…
ما يتملك اسم الحياة
لكن الأيام تبعده.
*
ما هو البداهة
لكنه ما يتبقى قلقاً.
***
قصيدة III
يا أســمنت يا أيها الصلب | يا للطلاوة يا أيها الناعم ! |
*
الثانية تنسقك
الغياب يتوجك
تنزع المساحة
تجلب أراضينا المطمورة
*
يا للطـلاوة أيها الأسمنت !
أنت
الذي لا تحوي شيئاً
*
أنت
أيتها القصيدة.
****
جين آرقش (1916 -.. ) … شاعرة ولدت في الإسكندرية لأب لبناني وأم فرنسية. تلقت تعليمها في مدرسة الليسيه وحازت منها على شهادة البكالوريا.
عملت بالصحافة في مصر. في عام 1945، تزوجت من شارل كينز. مدير المعهد الفرنسي للآثار الشرقية.
نشرت العديد من الكتب التاريخية إلى جانب دواوينها الشعرية.
شاركت في إقامة معرض الكتاب الفرنسي عام 1946.
من نتاجها الشعري: "مصر في مرآتي" (1931)، "الغرفة الكبيرة" (1933)، "عنز أبو سليمان" (1956).
*****
الصمت لا يرتجف سوى تحت اليد العاشقة
دائماً الصمت متشابه ونظائره، كأكواب الكريستال اليدوية الصنع، تهتز الحياة تحت الأصابع، واليد الوحيدة تقود الجمع والملامسة السريعة تكشف مستويات الأصوات المقيدة. أوان من الكريستال، كؤوس كالأجراس الصامتة، الصمت لا يرتجف سوى تحت اليد العاشقة. لأنني أعرف صمت السلام الميت، الصمت يذبل من ساعة الفراغ والصمت، احتسيت الصمت كله، بكل الأكواب الفارغة الممدودة لعطشى الذي لا يروى ! …ثم، ذات يوم، فور أن استطعت الشرب من النبع المتدفق الفوار، كسى الصمت المكان كبقعة دقيقة تنتظرني ــ، ثم ! ثم … كان الصمت المطبق، … وشرشف رطب وحيد، وأغنية الفرح العظيم تتصاعد في الغرفة ولا شيئ ثابت حول المكان الأحمر سوى دائرة من سبعة ألوان، قوس قزح ملون بألوان السماء ! القلب الصامت من الصمت في الفم المغلق بالتراتيل حسب شهقات هذا التوهج الطافي الذي يتسع في الأبدية، حول ذكرى حية. أنتظر اليوم رعشة الكريستال المهشم، لكنه يغنى يوماً ما !
(الغرفة الكبيرة، مطبوعات كاييه ليبر، باريس 1933 )
***
في أعماق كفى
في أعماق كفى طلاوة
فاترة لتويجات الورود، ومنابع خفية للمداعبة
التي أجهلها، وأنا أدس كذلك يدي الغريبتين،
ينقادان تحت باقات كل هذه الورود
الأسيرة وأحس ببطء ملامستها على مدى
أصابعي، فيما النبع الملتهب، في خمس مرات،
يتشعب مندفعاً تجاه السعادة.
*
أيا يداي عديمتا الفائدة ! … من
الحمى ، هل ستصبحان يوماً ما كما المحارة
الخالية حيث يلعب الأطفال على ضفة البحيرة ؟
***
فولاذ يكن (1901 - 1947) … شاعر مصري يكتب بالفرنسية. ابن الشاعر ولي الدين يكن، الذي طرد من تركيا أكثر فترات حياته.
عرف فولاذ طفولة قاسية ملآى بالفشل وخيبات الأمل. درس في المدارس الفرنسية بمصر. في شبابه المبكر، انضم إلى الحركات السياسية المعاصرة وعمل بالصحافة، مما وضعه في خلافات عدة مع سلطات الاحتلال البريطاني، حتى اعتقاله، على الرغم من علاقاته الوطيدة بالسراي وأفراد العائلة المالكة وكذا حماية عمه عدلي يكن، رئيس الوزراء لأكثر من حكومة.
بعد أن هجر السياسة، انقطع إلى الأدب، الحب، الخمر و المخدرات.
مع مرور الوقت، أصبح صعلوكاً فقيراً قتلته جرعة زائدة من المخدر في عام 1974.
خلفاً للعربية، يعرف العديد من اللغات: التركية واليونانية والإنجليزية والفرنسية.
شارك في تحرير العديد من المطبوعات الفرنسية بمصر، لعل أهمها مجلة: "المصرية"، المجلة النسوية التي أصدرتها السيدة هدى شعراوي. كان يعتبرها راعيته وأهداها ديوانه: "الباقة التعيسة"، الغير منشور.
صدر له كتابان تاريخيان: "سعد زغلول" و "مصر تحت حكم فؤاد الأول".
***
كليوباترا
حفظت مثل العبيد قلوب أسياد الأرض،
نجوم الليل تحسد جمالي،
أبهر العالم وأسمى مدون
في الفن والمعرفة مثلما في المتعة.
*
النيل، هذا النهر العظيم، ذو الأمواج الملآى بالسر،
يهدهد مع النسيم ملكي المحدد،
أمامي القياصرة لا يملكون أي عجرفة.
أستطيع أن أصطاد "فينوس" في معبد "سيتير".
*
ير إن جبهتي المتكبرة لا تنحني أبداً
يجب أن يحترمني الجميع، حتى الذين لا يلزمهم
احترامي، تحت نظري، وافقوا على الرق.
*
يها الموت ! أعانقك في صدري
كي يردد الآخر، من عصر إلى آخر،
إني فضلتك على الحب المفروض !
*
سؤال
في أيام الحداد حيث الألم المستعر
يستولي على قلبي بحركة عاصفة،
وفي لحظاته الكئيبة، تردد أبيات عاصفة
في داخلي موسيقاها الرنانة.
*
اسمع هذه الضجة، مضطرباً، إذ سيقولون
اسمع إذن صدى اللحن
الذي يتنبأ بالمعركة وحيث الصوت يذهل
أو زئير ملك الغابة.
*
من أين قدمتم، إذن، أيتها المقاطع الشعرية الشهيرة،
يا ! إضطرابات إيقاعية ملتصقة بقدري،
من أي أعماق اليأس الإنساني
تمددون في أصواتكم العظيمة المهشمة ؟
***
انحطاط
خلال هذه الأيام، هجرتني أيام الحداد
وغيابك أشقى بؤسي،
يا ملاك الشعر ! ألست، بالتالي، سوى خائف
يختبئ بلا رحمة تحت المقدر سلفاً ؟
*
لكن المنفاخ الفظيع المعطي بصورة مجحفة
يشنج الآثار الشاحبة لإلاهتي البيضاء.
تصرخ: " ساقط، كف عن الاقتراب، كف !
إلى الصمت الذي أنت منقاد إليه ".
*
" لأجل من الأغاني التي تتعالى من ربابتك،
لمن تسر بآمالك، هذيانك،
لا أريد شيئاً من أبياتك ذات النبرات المشؤومة ".
*
" وأنا نفسي، نفرت من الوحل
الذي وددت أن تعوم فيه، رغم إضطراباتك،
لن أذهب إليه لئلا يتسخ جناحي، جناحي الملائكيين ! "
***
المصباح الليلي
خجول، أمل باهت يرتجف في قلبي،
يقال إن ضوء المصباح الليلي المتواضع
الذي، دون أن يصطاد الليل الذي يغطي النائمة،
يسقط حول فراشها شيئاً من العتمة.
*
ون أن يغمره الدفء، لديه نار،
نار شديدة، مترددة، خائفة،
أنظروا: نراه متوجعاً، بائساً،
يعرف أن النهار سيخمد لمعانه !
*
هل الشمس، ضحية الأوهام،
ستحرق أيضاً أمالي الغالية
حينما تتبدى ثانية في السماء المتوهجة ؟
*
لا ! كي تبعد الهوة عن عيني،
أنا وحيد، يكفيني أن أشعر حينما أعاني
بحرارة يدك على جبهتي الساكنة.
****
محمد خيري ( 1890 - 1935) … شاعر وناقد موسيقي مصري بارز وشهير، يكتب بالفرنسية. ينتمي إلى عائلة أرستقراطية، قريبة من الأوساط الحاكمة، أيام الملكية المصرية.
يجسد محمد خيري، وكذا يمثل، بقاء المعرفة - الحياة / العيش المهجور، وليس البقاء المهمل في عصرنا الذي يمثله، حيث أنه لا يستطيع أن يتحمل، بأي حال من الأحوال، تجاوز اللياقة، لجأ بإرادته إلى منفى الشعر، وخصوصاً الشعر اللامادي، وإلى منفى الموسيقى.
أصدر العديد من الدواوين الشعرية، تناولتها أقلام فرنسية وأميركية، في عدد غير قليل من المطبوعات الأدبية الشهيرة في ذاك الوقت.
لديه الوصفما يتبدى دلالة عميقة، أحياناً فلسفية إلى أشعاره الموسيقية والطويلة. لديه الوصف "ليس خاتمة وإنما وسيط "، مثلما جاء في مقال منشور بمطبوعة: "مجلة باريس"، وهو "ما يرد من المنظر الطبيعي، خاصة المعنى، معناه المثقف".
عن ديوانه: "الغالي" ( LE GAULOIS ) كتب ديه روه:
"تفضيلات محمد خيري ترجع، دون أدنى شك، إلى الارتدادات الوراثية المصرية، تجلبه هذه التفضيلات إلى قصيدة قليلة الثرثرة وغير مشروحة إلى حد ما، عاطفته المثقفة، في غالب الأحايين، عن كونها حسية، يسيجها في مقاطع شعرية طواعية إضمارية، محذوفاً منها، وبطريقة ما مكتشفة …".
محمد خيري، على الرغم من طبيعته الانعزالية شارك في الحياة الثقافية، بنشر قصائد، في العديد من المطبوعات الأدبية.
ومثله مثل فولاذ يكن ( 1901 - 1947)، الشاعر "الرائع"، تعاون مع مجلة "المصرية" الناطقة بالفرنسية، لسان حال النسوية المصرية التي أصدرتها سيزا نبراوي وهدى شعراوي، وكذا ماتا في أعمار متقاربة: توفي خيري في العام 1935 عن عمر يناهز الخامسة والأربعين.
***
روح تولد من جديد
كحلم يبلل بالدموع الصور الغريبة
في إقامة مستعادة، حلم مبدع من روعة خفية،
حيث أرواح الموتى: أحياناً تستدعي، مشغولة البال،
بذكريات تعبة لروح لاواعية.
*
هذا المساء يهتز كل شيء من صدى شعري،
صدى العواطف الفائقة الوصف، البعيدة،
والتي ربما تبدع خطاً غائراً،
من الألم أو الفرح في قلوبنا المنسية.
*
هذا المساء يهتز كل شيء والهواجس الغامضة،
تلك حالة ترحيل، وهو ذا يزهر من جديد،
سرب طويل ومجنون من الذكريات الراحلة،
في ساحة الحاضر حيث تنتشي آمالنا.
*
في دورة اللذة ينزعج سلام
أفكارنا العذراء عن سعادة البذر
أصداء بعيدة، هاجس وروعة وعنف وخيل،
أقطف منكم حب الروح التي تولد من جديد.
***
عقلية شاعر شرقي
قلبك المتوتر، أيتها النارجيلة !
حينما أمتص بخور روحك
يتبدى لي قلب امرأة
بحيث أن نفساً مبعثرة ستضطرب.
*
نارك المتأججة أيتها النارجيلة !
حينما أمتص بخور روحك
تستدعي لي قلباً خائفاً لامرأة
بحيث أن نفساً نشيطة ستقلق.
*
وحينما تعبت، غمرت بالسعادة
من الرائحة التي تنبعث في الحلم،
أستشف الملذات الصامتة للسراي
الواسعة والمشعة بالفرح.
*
قلبي، فجأة، يثب فرحاً
من العطر الذي ينبعث من الحلم،
فأشم اللذة الصامتة
للعاشقة ذات العينين الفرحتين.
***
النيل الأحمر
في الضوء الشديد، رؤية واسعة
لأشجار النخيل والخمائل، في مناظر ظريفة،
مشيدة في السماء حيث تحوم خطوط هائلة
من العصافير الضخمة.
*
ل شيء مشرق، سكون وإطار مخضوضر،
لكن النهر العظيم العتيق العنيف الجلبة
الذي يمر، مشحوناً بأمواج متقلبة،
محملاً بالليمون والجذور.
*
-أحمر وحزين في حضن الروعة -
دوام بدوره، عنيف، مهيب، غريب
يكشف ضفة عريضة، ذات ألوان جافة،
تموج الطين …
*
و بعض صحارى محرقة برمال متحركة،
حيث الوجهة البراقة لا تنسجم مع أي شيء،
مع هذا المشهد ذي السحور الجذابة
الذي يشطره نصفين !
***
نيلي زنانيري ( 1927-1984) … شاعرة تكتب بالفرنسية.
ولدت بالإسكندرية لعائلة من أصل سوري قدمت إلى مصر في القرن السابع عشر. درست في مدرسة:
"دام دوسيون" حيث حازت منها على شهادة البكالوريا.
منذ صغرها، وهى معجبة بالمسرح لذا رحلت إلى باريس وأمضت بها عامين في دراسة الفن الدرامي، وفى نفس الوقت عملت بالصحافة في مطبوعتى: "إكسلسيور" و "بارى - ميدي".
إثر عودتها في العام 1926، تزوجت من جورج فوشيه المشرف الدولي للصليب الأحمر المختص بشئون الشرق الأوسط، ولعدة ظروف متواترة، أهمها الشخصية، هاجرت إلى سويسرا، وتوفيت بها في 14 مايو 1984 بملجأ خيري فقير.
من نتاجها الشعري: "الحديقة الصباحية" (1920)، "الواحة العاطفية" (1929)، "في الظهيرة تحت الشمس الحارقة" (1936)، "الشمس الغائبة" (1974). لها رواية واحدة: "عذارى الشرق" (1922).
***
قبــور
بعيداً عن القرى البائسة
في الصحراء التي يتجلى انعكاس الذهب فيها
تحت أغطية الرمال الكبيرة
تستريح أجساد خفية،
إنها القبور الصغيرة
المشتتة تحت السماوات التي تقبل بعضها البعض
حيث تتراص حجارة صغيرة،
إنها شهود الماضي بلا اسم، بلا نقش،
لا شيئ سوى حجارة بلا زخرفة،
تذكر إنه في الطبيعة
لا شيئ ينجد سوى المادة.
دون مداعبة لأي نبتة
دون ذكرى للورد
تنتصب الشواهد التي تكشف
رياح الخماسين المهلكة
في الغالب لا تجد الحنين
الذي يضغط على قلب العابر
فكل ساعة ملغاة ستتوارى تحت الرمال
غالباً، أحياناً، في الصمت
تتصاعد فجأة صرخات فرحة،
كأنها تدنيس لقدسية المكان.
إنها فرقة ترتدي الأسمال
لأطفال نصف عرايا
يمرضون ويتفرقون بين قبور الأغراب.
لكن رويداً يتقدم الليل
وهو يرافق السحاب الذهبي
ويمدد شراع الصمت
على الصحراء الشاسعة النائمة.
وهنا في رقدتها الأخيرة
فوق الرمال اللا منتهكة تسهر القبور الصغيرة،
المشتتة تحت السماوات الملآى بالنجوم.
حمام الشمس
في منتصف النهار، تحت الشمس المحرقة التي تمتص الحياة، متمددة على الأرض الحارقة، كحشيشة تموت،
أنا عارية تحت الشمس،
الفكر يصحر الروح التي تطفو على الموج،
كان الطقس طيباً، في الرمال الساخنة، لم أكن سوى حبة رمل،
مطلية بالذهب من الشمس،
*
الصمت، يرتجف في الضوء، يرتعش كأوتار القيثارة،
والفضاء، يتسع مرة أخرى، معبد مترامي الأبعاد
حيث الشمس مبللة بالدموع.
تمضى الساعة، جلدي رطب ومطهو كما الرغيف
الأبيض الساخن.
*
وأسند، أمام وجنتي المرهقة، ذراعي المنهكة التي تنام
متراخية بفعل الشمس.
في السماء، سرب من اللقالق يثقب لازوردية السماء:
أجنحتهم بيضاء، سحب حية، عصافير فارة، خائفة،
أسهم الشمس.
*
فتور، الرمال السائلة تجرى بين أصابعي …
لذة في أعضائي اللدنة وسعادة في إعطائي
قبلات الشمس.
لكن هذا المساء، قلبي، ممزق من العشق المضطرم،
وقد نسى حلاوة الحياة مع جسد وثنى
تحت الشمس.
*
إبراهيم راتب ( 1887 - 1936) شاعر ودبلوماسي مصري يكتب بالفرنسية.
عاش فترة في طفولته بسويسرا. تطوع في الجيش التركي خلال الحرب العالمية الأولى، وبعدها عاد إلى مصر حيث مثل ملك مصر لدى تركيا الجديدة، بداية حكم مصطفى كمال أتاتورك، وكذا في الإرساليات الدبلوماسية في صوفيا وبوخارست.
انضم إلى مجلس الشيوخ، في أوائل الثلاثينات.
أخطير سفيراً لمصر في واشنطن، ومع عودته ثانية إلى مصر، شغل منصب المحافظ العام لقناة السويس، حيث مات فجأة بداء الرئة.
***
سواتا
مذاق توتة العليق والتوت
بين تويجتين أرجوانيتين.
هكذا يركض، في لمسة باردة،
جدول، في كزاجة المروج …
*
في سالف العصر تحت أغصان الشجر،
بين الروائح العنبرية الراقية،
مذاق توتة العليق والتوت
بين تويجتين أرجوانيتين.
*
آه ! روح بائسة حينما يحبسونها
بعيداً عن الآفاق المبرقشة
نحو مكان ما كي يجلبوا لك صاريك المائل،
كي يرسلوا أوهامك، فتهمهم.
" مذاق توتة العليق والتوت … "
***
سوناتا II
هزيلة كما الأوركيدة،
تزهري للمرة الأخيرة
لأنك، عبر ندمك الموجه،
تهربين من قوانين أخرى.
*
بكذبة معتمة لازمة،
روحي تصرخ بضيق شديد.
"هزيلة كما الأوركيدة،
تزهري للمرة الأخيرة"
*
المغزل غزله محلول
بأحلام جميلة فاتنة
آه ! بقلقنا القديم
لا تتبقى سوى فكرة
هزيلة كما الأوركيدة …
***
إدمون جابيس ( 1912 - 1991) شاعر يكتب بالفرنسية.
نزحت أسرته من أسبانيا إلى مصر، قبل ثلاثمائة عام. كانت تربيته فرنسية: درس بداية في مدرسة الفرير (كوليج سان جون باتست) ثم مدرسة الليسيه (التابعة للبعثة التعليمية العلمانية الفرنسية). في أواخر العشرينات، نشر بعض مقالاته ضد موسوليني ونزعته الفاشية في صحيفة "لا ليبرتيه" (الحرية)، وبعض قصائده الرومانسية والرمزية قبل أن يسافر إلى فرنسا للإقامة والدراسة بكلية الآداب في باريس، التي أصدر فيها مجلة: "المختارات الشهرية" لتقديم وعرض النشاط الثقافي المصري المكتوب بالفرنسية.
في منتصف الثلاثينات، سافر إلى باريس وإلتقى ماكس جاكوب، الشاعر الفرنسي الشهير، الذي قرأ عليه بعض نصوصه الشعرية، فما كان منه إلا أن أرشده إلى متابعة نتاجات شعراء الفرنسية المعاصرين، ودفعه إلى مصادقة بول إلوار وأندريه بروتون ورونيه شار، ونصحه بعدم الإلتفات إلى كتاباته القديمة في آن معاً.
في العام 1936، بباريس، نشر: "الرغبة الصالحة للشرب"، وهو اتجاه جديد يقارب السوريالية.
قام، جابيس إلى حد كبير من الحركة السوريالية، ومع ذلك لم يشاركها دعواها السياسية.
قام، بمعاونة من "جماعة الصداقة الفرنسية" التي أسسها في العام 1944، بطبع ديوانه: "حصة الرمال" و "طريق الينابيع" على نفقته الخاصة. وفي العام 1947، نشر ديوان: "أغاني لوجبة الغول" ( 1943 -1945). ومنذ ذاك يساهم مع جورج حنين في العديد من الأنشطة السوريالية: إصدار مجلة، معارض فنية وخلافه. وفي العام 1952، تقلد وسام الشرف الفرنسي اعترافا بدوره الثقافي ومكانته الأدبية الراقية.
أسس دار نشر قدمت نتاجات عدة تحت اسم: "حصة الرمال"، قبل أن يصدر ديوانه الشهير: "قشرة العالم" في دار سيجيرس، عام 1955.
بعد أحداث السويس، هاجر إلى باريس في 19 يونيو 1957: " سافرت إلى فرنسا لأنها بلد اللغة التي أتقنها "، وأضاف في حديث صحافي معه: "تركت بلدي، وكان علي أن أبحث عن صحراء أخرى، غير إنني لم أجد صحرائي أبداً. الصحراء أملي الكبير في حياتي كلها. في القاهرة، كنت أسير مسافات طويلة، ولوقت لا أعرف له حداً في الصحراء. أعلاي السماء زرقاء وأمامي الصحراء ممتدة. هناك في الصحراء يبدو الهدوء بلا نهاية، والصمت ملهماً، ساعداني على الكتابة، وبعد أن تركت مصر تقت طويلاً إلى هذه المشاعر والحالات"
(مجلة: "لا كسبر سو" الإيطالية، 15 ديسمبر / كانون الأول 1985).
أصدر:مشاعر المضطرمة الجامحة، لم تدعه يحتمل العودة إلى صحرائه ثانية، في العام 1988، أثناء تصوير فيلم تسجيلي عن حياته.
أصدر: "أشيد مثواي" في العام 1959، بعد أن أستقر نهائياً في باريس. بعد ذاك، كتب قصيدة مطولة: "سرد"، جمعها وقصائد أخرى في ديوان واحد: "الذاكرة واليد" (1974 - 1979)، ثم أخذ يعيد إصدار دواوينه، حتى صدرت أعماله الشعرية الكاملة في ديوان واحد: "العتبة - الرمل" (1943 - 1988 )، عن دار جاليمار، بعد وفاته بأشهر قليلة.
في تعرضه للحركة السوريالية المصرية، يؤكد جون - جاك لوتي "من بين خبرات هذه الحركة الشابة الناهضة، يذكر اسم إدمون جابيس في أفضل مكانة، وهذا يوضح إلى من ضللتهم القصيدة تناقض ما نفستو الحلم الخالد تجاه اليقظة، وفي سعارتها وخيباتها. في قصائده خفة شفاهية وألاعيب طفولية، فيما خلف ذلك رغبة هائلة للتحرر من كافة القيود العروضية. هذا الفكر المتمرد يقترب إلى حد ما من فكر جاكوب الذي صاحبه قبلاً. نكتشف أن للشاعر رؤية أحادية للكينونة و الأشياء، تهتم بالفنطازيا من الواقعية، وأكثر من ذلك، تعد سذاجة غير عادية لمواجهة العالم الجديد، قصارى القول: "استغل جابيس في قصائده أدى حنايا الحياة الباطنية"،
بينما كتب الناقد / جوزيف ججيلملي: "تحت وطأة الغربة وهجر الوطن أحس هذا الشاعر الصارم، القاسي، بالمتاهة … الصحراء تجذبه، وهو بإرادته منجذب إليها، في تلك المغامرة، حيث تتعلق الحياة بكفاءة الكتابة، يسبرجابيس أغوار سلطة الكلمات، ويسترشد بها لتغذية الصفحة البيضاء، بالإضافة إلى الغموض الجميل للنتاج الشعري، الذي يميز ويجذب الشاعر إليه أيضاً، فإنه يستعين بالتراجيديا لصقله، وأبطاله هم الكلمات نفسها"
صدر له من الكتابات النثرية: "كتاب الأسئلة" ( 7 أجزاء )، "كتاب التشابه" (3 أجزاء)، "كتاب الحدود" (4 أجزاء)، "غريب تحت إبطه كتاب من القطع الصغيرة".
صدرت أعماله الشعرية الكاملة تحت اسم: "العتبة - الرمل" ( 1943 - 1988) عن مطبوعات جاليمار في عام 1991.
***
الثـقـب
… وما هي النقطة إذا
كانت الثقب المدوخ لكل نهاية ؟
- الدخول المرئي.
(يقال إن النقطة كانت يوماً ما
يدا عاشقة لنفسها حتى دورها
الزمن وصقلها قبل
أن يجمدها للأبد.
… النقطة ليست سوى
بقعة صغير للغاية على الطريق،
لكن، هذا الصباح،
بنيرانها، نافست الشمس)
I
في أقصى حد، نقطته
II
"نقطة لامعة، تشير لنا على
الموت، كأنها سماؤنا " قالت.
حد في لا نهاية كل نهاية.
III
الخلاء، الخلاء دائماً على جانب.
***
دائماً، هذه الصورة
دائماً، هذه الصورة
حاضرة لليد والجبهة،
إلى جانب الكتابة المستمدة
من الفكر.
*
عصفور في العش،
رأسي في يدي،
والشجرة تنتصب واقفة
إن اختفت الصحراء.
*
تستطيع اليد
عندما يصفر الذهن
أن تمتلئ بالبذور.
*
في الغد، هناك أجل آخر.
*
هل تعرفون أن مخالبنا
تذرف دموعاً ؟
ولذا نحك الحوائط ببكائنا
القاسي كما قلبنا الرهيف.
*
لا يمكن إنقاذه
إذا أغرق الدم العالم.
ونحرك أذرعتنا
لأجل اختيار الموت، أثناء الموت.
*
(بعيداً عن البحار، وتحت الموج،
يقبع كوكب صغير مجهول
وأياد متحدة، تشكل دائرة،
أياد هاربة إلى بلاد.)
***
النـداء
وجه للحاضر. وجه للماضي.
ساتر يتوسطهما، ساتر بارد.
العين، مرة أخرى، ساخنة من جراء دمعة قديمة،
انه الحنين، الحنين.
*
نموت ممن يقضي علينا.
*
لديه - كما يعتقد - ألف حجة للقول
إن هذه الكلمات التي لا تعني شيئاً
تنتظره وهو يبتعد.
إن هذه الكلمات السرية،
بلا ماض ولا قدر، تثير اضطرابه للغاية،
إلى درجة لا يستطيع، هو نفسه، قول
أي شيئ،
في الوقت الحاضر، في الوقت الحاضر.
*
ابحث عن اسمي في المختارات،
سوف تجده ولن تجده.
ابحث عن اسمي في المعاجم،
سوف تجده ولن تجده.
ابحث عن اسمي في الموسوعات،
سوف تجده ولن تجده.
ما جدوى ذلك، ألم أحز، قبلاً، على اسم ؟
وكذلك، حين أموت لا تبحث عن اسمي
على شواهد القبور
ولا في أي مكان آخر.
وكف عن التكلف، من اليوم، الذي
لا يستطيع الرد على النداء.
(1988)
***
ماء الآبار
افتح ماء الآبار. أعط
للعطش لحظة
كمهلة، ولليد
فرصة الهرب.
*
ليل الأهداب. تمت رؤيته.
شيئ مضاء ليد.
الصخب يرعى الصخب.
الماء يحاصر الذاكرة.
*
المنتهى. قبل الخليقة.
جاوز الهم.
المغامرة وفية
للحظة حلم ملتهبة.
*
مفصلة، مفصلة،
رتل طويل من الوحوش.
أرى، رأيت. ثقة
الأشجار في الفاكهة.
*
يام الطباشير. ألواح الإردواز
تختلج من الطلائع.
الكلمة تصمد للتوقيع.
الطبيعة في الحبر.
*
الطريق. اللا نهائي
هبة الوجه.
في الفصول، المتجعدات
على الأرض، و الأنهار الكبرى.
(1955)
***
جورج حنين ( 1914 - 1973) شاعر يكتب بالفرنسية. رائد وناقل السوريالية إلى مصر، أمير المنفى أو "ترو بادور الصمت" كما لقبه أندريه بروتون.
ولد في القاهرة لعائلة قبطية أرستقراطية. وهو ما زال شاباً رحل مع والده صادق حنين باشا، السفير المصري، إلى روما وفرنسا ومدريد. درس في الخارج، وبعد أن تخرج في كلية الحقوق، رغب في دراسة الأدب، غير إن قيام الحرب العالمية الثانية قضت على آماله.
في العام 1931، تعارف إلى أندريه بروتون، نيكوس كالاس و إيف بونفوا، وكاتب بعض المطبوعات الفرنسية والبلجيكية. عند عودته إلى القاهرة، مع بداية الحرب العالمية الثانية، راح يبشر بين الأوساط الفرانكفونية المصرية بالسوريالية.
شارك في إصدار عدد من المطبوعات سواء بالعربية: "التطور"، "المجلة الجديدة" أو بالفرنسية: "دون كيشوت" و "حصة الرمال" التي أسسها بمساعدة الشاعر المصري إدمون جابيس، متمسكاً. حتى عندما تعاون في تحرير مجلتي:
"جون أفريك" و "لونوفيل أوبزرفاتور" خلال إقامته في فرنسا، الستينات - بمفهوم متطرف عن الحرية استمده السورياليون من تراث الفوضوية.
مات في باريس العام 1973 عن عمر يقارب التاسعة والخمسين، ودفن في مصر.
من نتاجاته الشعرية: "لا مبررات الوجود" ( 1938)، "المتنافر" (1949)، "العتبة المحرمة" (1956)، "الإشارة الأكثر غموضاً" (1977)، "قوة التحية" (1978).
***
بداخلك
بداخلك
يقبع كسلي،
بلدي العظيمة الكسولة
كالثعبان
في ساق شجرة جوفاء.
*
بداخلك
يجري، متشنجا، إطار من الماضي،
تثبت نظرك إلى
البعيد والآني
والمنائر ترفع تنورة زبدها
كي ينطفئ نورها في حماية البحر
الخالي من الحراس.
*
بداخلك
جعل الطيش الأشرعة تتحدث
بداخلك
ترجع القبلة من منفاها البعيد.
*
بداخلك
أنا، أخيراً،
تحت رحمتي.
***
من الرأس إلى السماء
دفقة الماء الصاعدة من الصباح الطيب
وجدت المنظر الممتد على جانبيه
وأخذت لأجل موت طبيعي
ما لم يكن سوى الشكل المستحدث
لمؤامرة الصمت.
*
شجار الحديقة مغطاة
بأغطية بيضاء كبيرة
وفي منحدر الجانب الآخر من الجبال
العناكب تقذف نسيجها
الشبيه بالآلات الموسيقية الوترية.
*
فقة الماء الصاعدة من الصباح الطيب
تتقدم في هذه الصحراء بلا مرآة.
عدد من المبدعين
وقفوا حول السلالم التي تسندها الرياح.
*
عدد من المبدعين
لخصوا بأفضل ما لديهم
فضاءلت الحب الضرورية.
*
عدد من المبدعين
عراة بفرادة
من الرأس إلى السماء.
*
عدد من المبدعين
نطلق عليهم رصاصنا الأخير
حتى يتحصلوا على حق إحراقهم.
***
الانتفاضة
الواجب والملكية
لا يتلوان
في بلور المعابد المجنون.
*
في لحظة واحدة
خلف جليد السنوات التافهة
تنتشر قوة جديدة
في أعين المحتفلين.
*
لحظة إنذار ومخلب
تكرر جمال
مدخل الغابة حيث ينخفض سعر كل حركة.
*
الخوف من الغد
يكفي للاحتفاظ بالحلم.
***
الشـرك
المصير فهد شرس
واللحظة التي لمسناها
أخذت، في ليل السخرية العظمى،
مذاق فجور سارا زين.
*
م سطع الضوء
تابعناه بحيث حافظ
الجوهري على
الأشياء التي لا نشتهيها.
***
جون ديدرال (1906 -.. ) شاعر وروائي مصري يكتب بالفرنسية. من مواليد الإسكندرية.
عمل بالمحاماة: جانب المحاكم المختلطة، حتى فقد بصره في عام 1948 إثر حادثة أليمة.
ترك مصر في عام 1956 إلى باريس.
في عام 1968، أصدر روايته الوحيدة: "مصر، عيناي، شمسي" رداً على العدوان الإسرائيلي 1967، فوضعته في مصاف الكتاب الفرانكفونيين الكبار.
***
ذباب طفولتي
ذباب طفولتي
لصوص أحلامي الأولى
آكلو الشمس والغبار
قل للصحراء ترسل إلى حبة من رمالها
قل لأذرع النيل تبعث إلى بقطرة من مائها
قل للمآذن تبعث إلى بفقرة من ندائها
قل لمن يعيشون المصاعب والضحك النادر
يراسلوني بإشارة من تحيتهم
قل للعينين اللتين تركتهما رهن الصداقة
يبعثا إلى بأشعة من ضوئهما العتيق
لكن أين أنتم يا ذباب طفولتي ؟
***
مكتـوب
مكتوب، هذا موضوع كائن في خلاياك،
حياة أسلافك التي رويتها
يمكن قراءتها متى وجدت، متى أصبحت،
بلل إصبعك الصغير وأعرضه للريح
ثم اسحب يدك من دفة القارب.(1)
(1) هاتان القصيدتان راسلني بهما الشاعر عام 1991 إثر علاقة صداقة بسيطة، دامت أكثر من عامين بأشهر قليلة، طالباً منى ترجمتهما … غير إن الصلة ما لبثت إن انقطعت ربما لوفاته إذ يعيش وحيداً في باريس.
*******************
حيدر فاضل ( 1778 - 1928) … الأمير علي شماسي حيدر فاضل. شاعر وباحث تاريخي يكتب بالمصرية: ينتسب إلى العائلة المالكة المصرية: أخ الملك أحمد فؤاد الأول.
تحصل على البكالوريا في العلوم والآداب من الليسيه الفرنك - تركية في القسطنطينية. قدم أوراقه إلى كلية الحقوق في باريس 1897، وبعد عام تحول إلى كلية الآداب. وهناك، أخذ يتردد على الأوساط الأدبية والسياسية وعقد صداقات مع جولييت آدم، بيار لوتي، البروفسو شارل ريشه وجورج دوهاميل.
في بادئ الأمر، كان بار ناسياً، غير إن حبه وإعجابه بالسيدة آكرمان كسى شعره بفلسفة تشاؤمية خالصة، ومع الوقت خفف قصائده الأخيرة بإطلاعات علمية واسعة.
ترجم إلى الفرنسية عدداً من السور القرآنية وحكايات نصر الدين جحا.
ومع عودته إلى مصر، انقطع إلى الأدب وشارك في إنشاء مدرسة سان مارك بالإسكندرية.
حيدر فاضل، عضو المجمع المصري، كتب عن رحلاته نثراً مهذباً - حسب تعبير الشاعر والناقد / جون موسكاتيلي - التي قام بها إلى اليابان وأميركا.
تركا نتاجاً غير متمم: "تاريخ محمد علي".
صدر له ديوانان: "الورود الملطخة بالدم" (1919)، "حزمة من الشرق" (1921).
له كتاب: "خطاب من الأمير حيدر فاضل إلى جلالة الملك عبد العزيز"، الذي صدرت طبعته الثانية عن المعهد الفرنسي للآثار الشرقية، في العام 1940.
***
العلماء
فرأوا بلا انقطاع، تقريباً، كل الكتب،
فكوا اللفائف، عدوا الصواعق،
عرفوا أخيراً مما يتكون العسل
والأعصاب الثلاثية لجمجمة إنسان نشوان.
*
تبوا بلا توقف كي يستطيعوا العيش،
نتاجاً يعرف الأصيل والمصطنع،
تناقشوا حول البطارية والكمون،
بحثوا إذا كان الإنسان يستطيع العيش إلى الأبد.
*
مع ذلك التهمت الحرب عشرين مليوناً !
درسوا أجنحة الجداجد،
قرعوا بخفة على عمق المحيطات الشاسعة.
*
فتشوا مقلبين معي الخنزير والكلب
كي يجدوا سر الموت والميلاد،
وآخر الأمر عرفوا أنهم لم يعرفوا شيئاً ! …
(حزمة من الشرق، 1921)
***
عـزاء
هي ذي أبيات شعرية بما أنكم تحبونها !
أبيات شعرية تتكلم عن روعة الأشياء.
موسيقى بطيئة وخافقة ذات نبرات نقية جذابة،
تشرح بأصواتها النحيب الطويل للورود !
*
لأن الورود هنا، ذات التويجات الذابلة،
لديها دموعها أيضاً في الورود المغلقة …
ومن داخلها الذكي الرائحة لبواطنها الفواحة،
تنبعث، عطراً، عذابات عظيمة !
*
لا ! لا تبحثوا أبداً عن معنى هذه السوناتا !
ليست ، بكل بساطة ، سوى الحديقة المتواضعة
لحلمي الجميل والنجمي تحت ضوء الشعلة ! …
*
نه صدى قلبي عبر قلبي المردد،
كذبة رائعة تأوي الحقيقة !
… اللا شيئ، بفضل الذي يعزي روحي ! …
***
بعث
تحية ودودة إلى مدام هدى شعراوي
ذات مرة في الفسطاط، انفعل الفنانون
والشعراء في ألفة لأجل الفن والحب،
وبالتبادل أنشأ يستوحون، كل بدوره،
كي يبدعوا مرشحاً لإبريق فخاري.
*
من لم يعجب بهذه المدائح الإلهية،
في المتحف العربي، في وضوح النهار
هذه البقايا الرقيقة ذات التعرجات الرشيقة
هل تكشف لأعيننا روعة الحفل ؟
*
ين أرواح هذه الأشياء المتلاشية
إذا أخذت الأصابع. المنيرة نوعاً ما تلمس
التعرج الخالص لآنية مزخرفة في النار ؟
*
منتصبة، مبتسمة وغالبة.
مصرية وفية لإيقاع قلوبنا.
تبعث بفضل نفثة روحك.
(*) لم تنشر هذه القصيدة في أي من ديوانيه السالف ذكرها، ونشرت في مجلة: " لمصرية"، عدد نوفمبر - ديسمبر 1926، عدد خاص عن الزخرفة العربية.
***
ماري كفاديا ( 1901- 1990) … شاعرة وقاصة من أصل يوناني، ولدت في رومانيا.
تعد ماري كفاديا من أبرز الوجوه الشعرية السوريالية المصرية. درست في فرنسا، حيث نشرت قصائدها الأولى. هذه البدايات الشعرية جذبت إليها السيدة / جولييت آدم التي استقبلتها في صالونها الشهير. وخلال الأعوام 1919 - 1928، نشرت ثلاثة دواوين: "باثني" (PATHENIES )، "جمع"، "ربيع".
خلال رحلتها إلى مصر، في العام 1919 تزوجت للمرة الثانية من السياسي - الوزير / ممدوح رياض وبذا أقامت في مصر وانضمت إلى الحركة الأدبية الطليعية: انضمت إلى جماعة: "المحاولين" بداية ثم شاركت جماعة "الفن والحرية" نشاطاتها، هذه الجماعة الباحثة عن فن مستقل، غير موجه، ومع التقارب الذي جرى بين الجماعة والنزعة التروتسكية، انسحبت من الجماعة.
وقتئذ ساهمت في الكتابة الصحافية بالعديد من المطبوعات الفرنسية الصادرة في فرنسا ومصر: "الأسبوع المصري"، "مجلة القاهرة" وغيرها.
في الحقيقة، لم يكن اهتمامها بالسوريالية وليد تعارفها على نتاجات بروتون ورفاقه، وإنما على ديوان: "لا مبررات الوجود" لجورج حنين الذي أثار اهتماماتها وحماستها، وبالتالي أصبحت أحد المدافعين عن السوريالية.
في الحركة السوريالية المصرية، احتلت ماري كفاديا مكانة وسطية شبه خاصة بين جورج حنين وإدمون جابيس. وعند تحليل قصائدها نجدها مألوفة، عادية، غاية في البساطة من ناحيتي اللغة والتركيب، ففي ديوانها "ربيع" تحررت من التقاليد الشعرية كي تتبع إيقاعها الذاتي، ولذا نتساءل: هل ما كتبته يعتبر
شعراً ؟ أهو من النثر الموزون؟ من الصعب جداً الحكم عليه، غير إنه نغم موسيقي وقصائدها ليست سوى لعبة صور خادعة، كما ذكر جون جاك لوتي، وتحت البساطة الجلية الصارخة والمقيدة، تنادي البيت الشعري تلو الآخر، وهذا الاضطراب الواضح في صورها يجعلنا نتساءل ثانية: ألا يوجد في الحياة إنسان يجهل كافة الظواهر المتتابعة أمام عينيه ؟ وهذا يتضح في هذه الأبيات، التي دونها جون موسكاتيلي في كتابه: "شعراء من مصر"، إلا أنها غير موجودة ضمن: "ربيع"، فهل استله من مخطوط مزيد غير منشور قدمته الشاعرة له؟ احتمال وارد:
"الحياة واجهة / الموت ركام / لكن البنادق موجودة خلف المرايا / كي تعلمنا، آخر الأمر، كيفية تذوق حلاوة / اللحم المهترئ من اللحم المهمهم / واللحم السمين يتحول إلى جسدين منفصلين فجسد واحد / جسد بأكثر من ساق وأشد غضباً / تلك نجوم مثبتة في أعوام مرنة / الحياة ممحاة / الموت ميت."
يتضح بقوة تلاعبها بالألفاظ والنغمات، ورنة بعض الكلمات وقتما تنادي كلمات أخرى، بينما النزعة الساخرة غير غائبة، ويفضي حضورها إلى صور "مفسدة" وبذلك لم يكن الخلاف بين السورياليين والاستعارة أمراً مجانياً.
في العام 1944، أعادت طبع ديوانها: "ربيع" ونشرت مجموعة حكايات: "جلد الملاك" (مطبوعات شندلر، القاهرة) اهتمت فيها بالحكي بكل عناية من أفعال وحركات وسواكن أبطالها. نجد في التحليل النفساني والأسلوبي نسوية ما، نسوية قريبة من نزعة الأديبة الفرنسية الشهيرة كوليت. كتبت نصوصها مسرحية وسيناريوهات سينمائية، لم تتحقق ولم تعمل على نشرها.
***
I
أمسكوها من شعرها
عنقها الأبيض، بسماتها
تهرب في طرفة عين
مرحلة الشباب ذات العينين العسليتين.
*
بكل حيل اللص
نطوقها على أرضنا الخضراء
لن نضيع دقيقة واحدة
إذ إنها متواطئة مع الزمن.
*
ينما أقول: ثلاثة، يجب
أن نسقط عليها كالركام
نمسك جسدها الدقيق
ونحافظ عليها أمام أعيننا.
*
ينما أقول: ثلاثة … لكن واحسرتاه !
أين هي ؟ هل رحلت ؟
لنفعلها، الليل يقترب هطوله
وكل شيء سينتهي بالنسبة لنا.
II
العيد الشعبي يضحك ويبكي
في الكف الشرسة للضاحية.
ادفعوا قرشاً، رجوا الساعات.
خذوا قرشين، بعوا الحب.
*
خلف الباب المنفرج
طيف الشقاء،
إصبع على فهما المطلي،
نفير نداء الحاوي.
*
زحمة، التفت نحو الخلف،
التفت تجاه زمن الزمن،
أحصنتك ذات الأعراف
سوف تمكث مكانها ثائرة وسعيدة.
*
المرأة ذات اللحية، في قبرها،
تغني أغاني للعصافير.
زوجها المجنون، الذي يعتقد أنه مجوسي،
يشق السماء بالمقصات.
*
على طول الأرصفة الماء يسيل
قذراً وهادئاً، نحو المجارير.
أيها البهلوان بعثر الجمع:
الملائكة تهبط نحونا.
III
الأرواح العظيمة للغابة
جلست في دائرة وأخذت تعزف
طوال النهار على مزمار القربة
دو، ري.
*
الة فقير ضال
بلا بوصلة ولا بندقية،
يجب أن تستغل حيلتك
لكي تتجنب الشراك والفخاخ.
*
لأن أرواح الغابة
تصطاد الناس الذين يشتكون من
من آلاف الخيانات الغامضة
المختلفة حسب إرادتها.
*
بينما الشمس، حسب الدرجة،
تغطي رأسها، رأس الميدوزا
في أوقاف كربونات الرصاص
بالنسبة لها، من الأفضل أن تبقى،
*
وفي هدوء سماع همهمة
صفير الريح حيث تنتشر
نوتات - بما إن المسافة تستهلك -
ألحان بنغمة ال " دو "، ألحان بنغمة ال " ري ".
***
محمد ذو الفقار
محمد ذو الفقار (1893 - 1946) … شاعر يكتب بالفرنسية، ملقب بالشاعر - البستاني. في عام 1916، حاز على دبلوم المدرسة الزراعية العليا. ضمه السلطان حسين الأول كمدير للاحتفالات وأهداه لقب (بك) وهو لم يتعد الرابعة والعشرين من عمره. ثم عمل تحت امرة الملك احمد فؤاد الأول في نفس الوظائف.
عين مديراً للحدائق والتشجير بمدينة القاهرة.
في عام 1936، يهجر خدمة الحكومة ويصبح نائباً في البرلمان.
شغوفاً بالأدب والفن، نشر محمد بك ذو الفقار ديواناً من القصائد بالفرنسية بطزاجة وابتكارية الإيقاع المؤثر، ومقدمة جورج دومانى الذي كتب: "مرهفة وفطرية، أليفة ولطيفة، قصيدة محمد التي نقرأها بقلبه ونتذوقها بروحه. قصيدة شاعر جعل من حياته حياة موزعة بين أفراح العائلة وملذات الحدائق، فاتح جميل للفن، بواسطة ما تفترضه قصيدته من حكمة ظافرة، سخرية رقيقة، خضوع وفهم وأمان".
أسس في الثلاثينات: "مجلة القاهرة". رئيس الجمعية الدولية لكتاب اللغة الفرنسية في مصر. مثل بلده في باريس 1937، في المجلس الدولي لكتاب اللغة الفرنسية.
***
الساقيـة
أدور كثور عجوز حول
ساقية صغيرة
الحيوان الخنوع يمشى ويعتقد أنه يقطع كيلو مترات
غير إنه يدور، والعينان مكسوتان بالخجل.
*
الرأس مطأطأة تحت الاستعباد المذل
الساقية تصر أسناناً
الحيوان المسكين يترنح
ومن وقت لآخر يتوجع.
*
بى يسبه، وبسوط
يستحث قوائمه المضطربة.
*
ومن جديد، يدور.
*
يقة هور، سوط اللياقة يوجعني،
والثور متعب.
*
الساقية المستهلكة تنوح،
لكن المياه تسيل وتروى صحراء جدباء،
لا ينمو فيها أي نبات.
***
الكـروان
كروان غامض
لا نلاحظه
رغم وضوح القمر
أهو أبيض أم أسود ؟
لا نعرف …
*
سيل من الصرخات
يمزق الليل
والصمت.
أهو ضحك أم بكاء ؟
لا نعرف …
*
الكروان يصفق بجناحيه
ويتجه شطر
من لا توجد،
هناك حيث الفجر الملتهب،
الأفول المحترق،
هناك حيث تذهب أرواح
من نحبهم.
***
فؤاد أبو خاطر(1911-؟)...شاعر مصري فرانكفوني من أصل لبناني. أنهى دراسته في كليات بيروت التي كشفت عن رغبة وتفضيل مساويين للآداب والعلوم، ثم هجر الطب وعمل بالصحافة.
أخر الأمر، عمل موظفا بمجلس الشيوخ المصري، حتى بلغ مرتبة مدير مكتب الترجمة والنشر.فؤاد أبو خاطر موظف صبور وعنيد، ذو طلاقة مدهشة، كما كتب جون جاك لوتي، أما الناقد م ز دو شانتزي فكتب في مقدمة ديوانه: "قليل من الحب، قليل من الشعر" أنه أحب أن يساهم في أعمال الروح، الجاذبية المتعددة ودائما المتجددة التي تدفع الشعراء إلى البحث بشغف عن تعبير العلم أو الإحساس.
على الرغم كم ذلك كتب رواية فلسفية: "حديقة الآلهة" (1941) حيث عرف، تحت الصيغة الروحانية، عددا من الرؤى الصوفية مع بعض الطلاوة أحيانا ودائما بقوة مذهلة، عن كتابه التالي: "أنهار العالم أو نهاية الأزمنة" (1924).
من ناحية أخرى، أصدر عن مطبوعات: مجلة "القاهرة" (1951) كتابه التاريخي: "حظ ونكبة" (1951) الذي سطر حياة الملكة شجرة الدر والسلطان بيبرس، وفي نفس العام أصدرت بالفرنسية السيدة / درية شفيق كتابها "السلطانة الأم" عن شجرة الدر أيضا، المرأة القوية الإرادة التي تطرح أرضا كل من حولها، التي تشم الحب وهي تستولي على السلطة، حتى يفقدها طموحها نفسها بنهاية مأساوية بالغة، واذا كانت درية شفيق تلقي الضوء على الناحية النسوية من التاريخ: أول امرأة تتولى حكم مصر في التاريخ الإسلامي تاركة ذكرى عميقة غير قابلة للمحو، فان أبا خاطر يرتبط بعلاقات هذه المرأة مع الآخرين، وعلى وجه الخصوص مع منافسيها على العرش.
أبو خاطر، لغته مباشرة وتلقائية، ومن الحب الذي يستنشقه تنبثق أبياته سعيدة، كي يعبر عن أحاسيسه في هدوء وجزالة.
لم يلجأ إلى التعاريف الهندسية والصور الخفية مثل الكلمات المتقاطعة، لكنه يترك فلبه يتكلم بطبيعة حيوية.
من نتاجه الشعري: "رماد بنفسجي"
***
نجمة خيطي
هل تريد القسم الذي نحتته شفتيك
بلا علم من قلبك النامي في عفويا ؟
أظل مرتابا أقول لنفسي شيئا مجنونا،
الاعتقاد بأنه في العلم يقبع حب اللحظة.
*
هل تحلمون، أليس كذلك ؟ النسمة الربيعية
التي تحمل على جناحها عطر الغابة،
النفثة المرتبة التي تبرز من الأرض،
القبلة الناعمة لليل بلا ندم.
*
الجدول الذي يهرب متعجلا، في همهمة
رتيبة، وبتابع مجراه المتناغم،
العندليب المتحمس الذي الطبيعة
للعاشقة المتمردة ذات النداءات المغرية .
*
والقمر الفاتن يغمر الوادي
والجبال المتعجرفة بأشعتها الفضية،
الحرة الغارقة في روح لا معزية ،
إذ إن شفتك ساكنة من القبلة والقسم.
*
الورود، ألليلك، الزنبق والقصاب،
الريحان، الأدغال المبتهجة في الليل،
وقلبي الحزين وقلبك الذي يكشف عن خباياه،
رغبات مضطرمة ليست سوى حلم يهرب.
*
لم نكن نحن الاثنين منحنيين على النافذة ؟
أشم رائحتك وجسدك يلمسني.
تقسمين بحبك لي ربما تخدعيني
بينما في السماء نجمة خيطية.
*
؟آنذاك نحلم سويا، لكن احلم ثابتة في هذا العالم،
والسعادة الشاردة وهم.
تطير متعجلة في الليل الذي قارب على الانتهاء.
وأمكث مداهما بقول: " نحلم ثانية ".
***
قبلتان
قبلتان بقيتا على شفتي،
ملتصقتان كنعاسين،
قبلة موت، قبلة حمى،
مقطوعتان من الضحك والدموع.
*
قبلتان تضمان روحي،
مجدولتان كعاشقين:
فيلة خامدة ، قبلة مشتعلة ،
قبلتا الخريف والربيع .
*
يقف قلبي وأحلم ،
بلا ندم لقبلتي النهار ،
قبلة الحقد والكذب،
قبلة الإيمان، الحب المجنون.
*
قبلتان تباغتاني
ذاتي حنجرة:
القبلة الأولى التي قدمت لأخذها،
والقبلة الأخرى التي أعطيتها لك.
***
مؤنس - كلود طه حسين (1921-2003)....كاتب وشاعر يكتب بالفرنسية والعربية في آن معا. منذ السابعة من عمره، كتب عددا من الأبيات الشعرية ومسرحية، ربما لاختلاطه بأجواء ثقافية (والده العلامة د. طه حسين).
درس في اليسيه الفرنسية بالقاهرة ثم جامعة فاروق الأول التي حاز منها على درجة الليسانس في الآداب، وعمل معيدا للغات القديمة.
بعد ذلك، سافر إلى باريس حيث درس في مدرسة المعلمين العليا (أول مصري يلتحق بها).
أعد في السوربون أطروحته عن سالومي في الأدب المقارن لكي يحوز على درجة دبلوم الدراسات العليا.
نجح في مسابقة امتحان لدرجة الأستاذية في الآداب \، ليكون أول مصري (أيضا) حاصل على درجة الأستاذية من الجامعة نفسها.
لديه دراسة عن: "تمثل الإسلام في الأدب الفرنسي خلال القرن التاسع عشر".
***
الضفيرة المحظوظة
- الروح ترتحل بين العوالم
والهوى المضمحلة.
عشاق الشعور البيضاء،
يحبون نسيج التول الشفيف.
*
هذا، ربما يقودكم إلى البابا،
يالسعادة التفتيش !
لكن، غالبا، افتحوا المخرج
لمكائد المؤرخ....
*
تمساح جبان،
ذو جسد ينزلق من اليدين،
بكاؤك يمنعني. القديس أوديل
يعرف التنبؤ بالأعداء المزيفة.
*
- الروح ترتحل على الدموع
والدوامات ذوات الطاقات العارية،
الكثيرون من المحاربين العزل
هم لي أعزاء وقدومهم مرحب به.
*
وجه جميل شفيف،
أبدا غير ضروري للمكابدة،
الذهب يظهره جليا، الذهب يستغنى عنه،
وأنا أحب الموت فداء له!
*
لكن يجب أن تنتهي الحياة
إذ أن الخيالة جاهزون
إذا صلبنا عليها حلما
فبأي اله نحتفل بالاستعدادات؟
*
آه ! بالأحرى نترك الأرض
ذات الألف نظرة حداد....
لا اعرف معجزة واحدة،
لم تكن يوما ما عقبة واحدة.
*
بالعكس إذا وجدت مصائر
متمكنة في حجتها،
لتطمر، إذا، السنوات الحقيقية
حتى أضمن خطة جديدة.
*
اقطعوا السنابل والحزم،
احصدوا القلوب ذوات الإيقاع الخافت،
يتبقى دائما الحشائش
لتغطية مقبرة المجانين.
*
ودائما يكفي الحقد
لمنع العطش الخالص.
أنا، إذا مت أكون بحيرة،
إذا زفرت، أكون لازورديا.
*
لكن فينيسيا ليست اجلالى
ولان الفرح كفني،
أي قوة تقذفني بالقاذفة ؟
إلا إنني أصر على البقاء وحيدا.
*
لنساعده، عده، العصفور السماوي،
لنرى مصيره !
الأحمق يتأمل رفاته:
يعتقد بكونه حيا، انه ميت.
المراجـع Jean - Jacques Luthi, Le Fransais En Egypte , Maison Naamanpour Laculture , Beyrouth , 1981 . Jean - Jacques luthi, Introduction A' la litterature d'expression fransaise en Egypte (1798-1945), ed. de l'ecole, paris, 1974. La semaine Egyptienne, numero special consacre' aux : Ecrivains d'Egypte, 25' Annee, 1951. Maria cavadia, trois poemes, in : larevue de caire, ere ANNEE, N,03, oct. 1938. Andree chedid, visage premier, ed. flammarion, paris, 1972. Georges henein, alex andrian, coll. Poetes d'aujourd' hui, ed. seghers, 1981. Edmond jabes, le seuil - le sable, ed. gallimard, paris, 1991. Ahmed rassim, poesies, in : les cahiers du chabramant, N, o2, hiver 1986. Foulad yeghen, l' egyptienne. |
أحمد عثمان
مصر - الإسكندرية