إقرأ أيضاُ
ترجمة وتقديم: برهان شاوي
(العراق/ الامارات)
تُعد آنا إندريفنا آخماتوفا (1889 - 1966) واحدة من أهم الشعراء الروس على مر تاريخهم. إن عالمها الشعري ضيق ونحيل مثل شعاع من الضوء يسقط في غرفة مظلمة. إنها شاعرة المساء، اليقظة، والوداع. لقد عاشت وماتت مثل الجميع في ظل الإرهاب الستاليني.
إذ أُعدم زوجها الشاعر غوميلوف في العام 1921، كما أُعتقل غبنها مرات عديدة، وأرسل غلى معسكرات الاعتقال، إما هي فطردت من إتحاد الكتاب السوفيت، ومنعت من النشر لمدة زادت على العشرين عاما، إلى مابعد الحرب العالمية الثانية.
لقد عاصرت آخماتوفا مسيرة الثورة الاشتراكية، ورأت كيف اختفى الشعراء، الكتاب، الفنانون، المفكرون، الساسيون، عامة الناس من الرجال والنساء في أقبية المخابرات، وعاصرت موت الشاعر أوسيب مندلشتام في أحد معسكرات الاعتقال، وانتحار الشاعر مايكوفسكي، ومقتل يسينين، والمصير المأساوي للفنان المسرحي مايرخولد، وفاجعة الشاعرة الروسية الكبيرة مارينا تسفيتايفا.
قد عاشت آخماتوفا مثل الجميع، لكنها عاشت بقوة وتألق ن وبقلق إبداعي جليل، وبعظمة تليق بشاعرة عظيمة حقا. شاعرة أجبرت جلادها (جدانوف) ان يعترف بروعة شعرها من خلال شتيمة قذرة أطلقها، حينما قال: "إنها عاهرة وقديسة في الوقت نفسه. وكأنها تكتب شعرها ما بين الملاءة والسرير". بينما قال عنها صديقها ورفيق دربها الشعري أوسيب مندلشتام: "لقد حملت آخماتوفا إلى الشعر الروسي طاقة هائلة، كما حملت إليه كل ثروات الشعر الرومانسي الروسي". ويكفيها مكانة حينما سئُل مندلشتام عن مكانته الشعرية في تاريخ الشعر الروسي فأجاب: "يكفي إنني أعيش في زمن آنا آخماتوفا"!!.
المجدُ لك أيها الألمُ الذي لا يهدأ..
فلقد مات أمس الملك ذو العيون الرمادية..!
مساء خريفي..مساء خانق..
بينما قال زوجي، حينما عاد، بهدوء:
( أو تعرفي، إنهم، ولحسن الحظ، وجدوا الجثة..
عند شجرة البلوط الهرمة..
مسكينة الملكة..تلك الفتية؛ إبيض شعر رأسها
في ليلة واحدة ).
بين الأحجار وجدوا غليونه..؛
حينما مضى إلى عمله الليلي..
سأوقظ ابنتي الآن..
سأمس عيونها الرمادية..
فمن خلف النافذة تهمس شجرة الحور:
لقد رحل ملك عن هذا العالم.
عن مجموعة "المساء" 1910
لا ليس صحيحا بأنني أعيشُ حزينة..
وان الذكريات تنسل مني..
وإنني ضيفة مقيمة عند الذكرى..
وأنها تعذبني..!
فحينما أهبط إلى القبو، وبيدي فانوسي.
يبدو لي ثمة صمت أخرس
يدوي على درجات السلم الضيق..!
ويتعالى دخان فانوسي.
ولا أستطيع الرجوع..،
بينما أعرفُ بأنني ذاهبة إلى عدوي..
فأرجو..
وأبتهل..
لكن ليس هناك سوى الظلمة..
والسكون..!!
إذن..
انتهى احتفالي..!
فها هي ثلاثون سنة قد مرت..،
منذ أن قادوا النساء إلى هنا..
وهنا..
مات سيد الفجور من وهن الشيخوخة..
لقد تأخرتُ..ياللفاجعة..
ليس علي أن أظهر في الأماكن العامة..
لكني ألمس الجدرات المرسومة
وأتلمس دفء الموقد..
ياللعجب..
فمن خلال هذا الجدار الرطب..
كل هذا العذاب..
وهذه الحكمة..!!
اتقدت زمردتان خضراوتان..
ثمة قطة تموء:
لنذهب إلى البيت..!
لكن..
أين بيتي؟؟
بل أين عقلي..؟؟
من مجموعة "اليراع" 1940
"كم من ظلال الليالي الجميلة
تضم قصور الإسكندرية؟؟" (بوشكين)
بعدما قبلت شفتي (إنتونيو) الميتتين..
وبعدما سكبت الدموع أمام القيصر الجديد..
وحينما خانها الخدم والحاشية..
تعالى ضجيج طبول النصر
تحت نظرات النسر الروماني..،
حيث تستعرض آخر الأسيرات جمالها..
همس ذاك الفارع الطول بقلق: هيا يا أنت..
ومثل عبدة..
دفع بها للسير أمام ناظريه..
بل..
ولم يلتفت بعنقه ،حتى ولو فضولا..!!
غدا سيعتنون بالأطفال..آه..
لم يبق من الوقت إلا القليل..
إذ عليها ان تتبادل المزاح مع السادة الجدد..!!
وبالأفعى السوداء.
ألقت يداً غير مرتعشة..
على ذلك الصدر الأسمر..مودعة..!!!
من مجموعة "اليراع" 1940
نموتُ في السكون اللازوردي..
في غرفة أطفال هذا القرن الفتي..
لم أود سماع صوت الإنسان..،
بينما كنتُ أفهم صوت الريح..
لقد أحببتُ النباتات الشائكة..،
عشبة "راعي الحمام"، والقراص..
بكرامة عشن معي كل العمر..
فهنيتأوهن معي..،
حين تولول أغصاني باكية..!
ويروحن عني، حينما ينتابني الأرق..
لكن. ياللغرابة..
عشتُ أكثر منهن..!!!
هناك ثمة رغوة عالقة لأصوات غريبة..
لصفصافات أخريات يقلن شيئا ما.
تحت سمائنا..!
السماء القديمة نفسها..
وأنا أصمتُ..
وكأنما مات أخي..!!!
من مجموعة "اليراع" 1940
لقد جلبتُ لنفسي هلاكا محببا..
بلايا واحدة إثر أخرى..
فيالمصيبتي..!!
إن هذه القبور هي نبوءة لكلماتي..!
ومثل غربان تحوم..،
يوخزني دمي النقي، الحار..
وهكذا اغتصبت حبي
أغنية وحشية بهيجة..!
معك أحسُ بالعذوبة..، وبالقيظ.
فأنت قريب مثل القلب في الصدر..
أعطني يدك.. وأستمع بهدوء..
إنني أتوسلُ إليك: إذهب
ودعني لا أعرف أين أنت..!
لا تناديه..
فسيكون ناكرا للجميل..
إذا ما كان حيا..
وتنكر لحبي..!
من مجموعة "anno Domini"
1921
"ما الذي تعرفه هذه المرأة عن ساعة الموت؟"
(أوسيب مندلشتام)
دائما لدي أجمل الثياب..
دائما المتفردة..
والأبهى بين الجميع..!
فلم تأتيني من قاع السنوات القتيلة..
والذكريات المفترسة..
تتأرجح أمامي.
بينما صورة وجهك الجانبية
على زجاج العربة المظلمة..؟
وكما سألوا ذات مرة:
هل أنت ملاك أم طائر ؟
أو كما وصفك شاعر :
أنت من القش..!
ينهمر الضوء الشفيف بانسياب
من عينيك القوقازيتين..
عبر أهدابك السوداء..
أيها الظل.. !!
لكن السماء الصافية..
فلوبير..
السهاد..
والليلك المتفتح..
وأنت، أيتها المرأة الثلاثينية..
ويومك العادي، الخالي من السحاب..
كلها أهاجت ذكرياتي..
فلا تنتصب مثل هذه الذكريات أمامي..
أيها الظل..!
من مجموعة "اليراع" 1940
تمت الترجمة عن الروسية،
وقورنت بالترجمات الألمانية لشعر آخماتوفا.
إيلاف - الجمعة 12 سبتمبر 2003 07:25