عماد فؤاد في عجاجة شعره

منال الشيخ
العراق

منال الشيخحتى لا يتشابه السٍِِِفر علينا
ولا نسقط في قعر النية
ذبابة بأجنحة قاعدية
وعبثا تحاول السبابة أن توازن اللاتوازن

عندما قررت أن أتتبع خطى روح الشعر في نصوص مجموعة الشاعر عماد فؤاد الثالثة (بكدمة زرقاء من عضة الندم) الحائزة على جائزة الديوان الأول في الدروة السابعة لـ(طنجة الشاعرة) لسنة 2006، قررت الانعطاف الى السباحة في ضمير مجموعته الثانية (تقاعد زير نساء عجوز) 2002 لأنني أحسست أن ذبابتي تحتمل أن ينبت لها جناح ثالث حامضي ليهب للمعادلة ثلث التوازن المطلوب .. في المجموعة الثانية رأيت شيئا لم أره في المجموعة الثالثة وكأن تقدم الزمن عند عماد عكسي ارتجاعي وربما هذا ما سمر فراستي في قراءة لمجموعته الأولى أيضا

حسب نظرية داروين فان التطور يبدأ ببعد تصاعدي ولكن ما لمسته هنا هو شكل مخالف للنظرية مثل خارطة تخطيط القلب، يمشي في وتيرة من الارتفاعات وفجأة يهبط بنا إلى قاع الغياب، وتعتدل مرة أخرى ومباغتة مبالغ فيها تحلق فينا الى قمم عتمة بركانية .. احترت أكثر عندما قرأت المجموعة الثانية حتى أنني لم استقر لحد هذه اللحظة على المجموعة الثانية كما الثالثة لأبدا بحثي ولكن الفضول قتلني لأعرف جذر هذين التفرعين (المجموعتين) فحملت أسمال كلماتي ورحت أجول في أروقة المجموعة الأولى ويا ليتني لم افعل ! تفاقم كائن الحيرة عندي واستفحل دملا يثير هرش استناد البلوغ في رسم خريطة خاصة بمساره. هل أنا اقرأ تطورا معكوسا لعقارب الساعة أم أن الزمن اختلف معناه في التقدم الى أسطرة لحظة لا تعوض حتى بعد ترميم انف أبي الهول وإعادة الأحجار إلى زوايا الأهرام .
وما كان علي سوى أن أمر مرورا بدئيا على النظرية العمادية التي قلبت موازين الثوابت الطبيعية فكيف أفسر انه تطور من سمو شعري في :

حتى اصفرت الأوراق تحت جلدي
كل ليلة
يخرج من ممالكي أناس لا يعرفونك
ويمسحوا شياطيني الصغار بماء عيونهم

كيف أطبق التطور الدارويني من نصه في مجموعته الثالثة :

لم أكن أقلد الطير
فليس لي أجنحة
لكنني كنت أجرب
صدق أمي قالت لي يوما :
الأطفال ملائكة الله على الأرض

هذا الوهج الأخير من محاولة للطيران اقرب إلى إبلاغ حقيقة أو خبر معتق على لسان الروح وهو لا يتعدى أن يهضم شعرية الخطاب في نص من نصوصه الأولى البدائية واستوقفتني العناوين في المجموعة الثالثة .. هي عناوين دالة وغير دالة عندما قرأت (المصباح) توهجت لدي فكرة مفادها أن الشاعر مولع باستنطاق أشياء من حوله، ولكننني أدركت للحظة انه لا يعني أي مصباح وإنما يجرني إلى تجسد آخر يلح على تكوينه الشخصي في خضم تجسدات مبررة وأخرى غير مبررة، واستعارة خفية لكائن قادم، محتمل التكوين في حتمية الزمكان وتجدد روح التحفة في محنطات القدر، وبين الكتاب والمصباح أجد بلاغة في استنطاق الكتاب وصل مرحلة هذيان وعويل مدرك لمجلدات البحث والتقمص في ذات الكلمة، أما في تجسد المصباح فكانت مداعبة طفل شعري أمام بوابة مأهولة من اجتثاث عرق القصيدة والتحول إلى سردية المزايدة والمناقصة في حجم سمو شعري ..

وضعوني على الباب
كي أنير لهم
يد مسحت زجاجي المصقول
ويد أشعلت ناري ومضوا

لا شيء لحد الآن في قعر النية المبيتة لحلم الشعر !
إلا أن خطواتي واصلت تهالكها على سلالم لها اتجاه واحد هو السمو الاضطراري، وهكذا كلما قضمت عنوانا من المجموعة الثالثة جرني عنوان أو نص متن الأولى والثانية لأضيف في حلق الذائقة ما يجعل اللقمة الفريدة مستساغة . وعندما تنبأت بذبابتي التي ستحتمل جناحا ثالثا لم أجدها في الواقع القرائي نبوءة بقدر ما وجدتها فخا نصبته لنفسي لصالح حبر عماد، النافر من عروق إخطبوط .
لفت نظري في مرحلة تطور المجاميع الثلاثة تمسك الشاعر بالتجسد الذي لا ينتهي، فهو المصباح والكتاب والرجل والمرأة والقدر والصمت والطفل والأم والأب والقبيلة والسماء والقارب والبحر و... و.. و...
كل هذه تجسدات ومع ذلك لا يكتفي بل يطرح من خلالها رفضه لمسيرة وتيرة النبوغ في رسم خارطة حياة قبيلة، تظهر ملامحها في نبوءات مسبقة، هو يريد ان يكون الموت والحياة، ليتحكم بإزالة اللازم وإضافته أيضا، ويريد أن يكون كل فعل آسن في لغط أفعال، ليحرك ما تسمر على حافة السواقي ورفض العبور. هو القارب الذي يتمنى ان يعترك أنصاف حلول ويرضى بقساوة الماء من اجل مرساة أخيرة في لحم الرمال..

ما جعلني أحيا
ليس المياه
لكنه الرمل.. هذا الذي يمسه خشبي.. فقط حين أرسو

وربما هذه الصورة الأكثر فاعلية مع ذات الفرشاة هي التي دغدغت روح المشاكسة في جسد الشعر. ولي مما قرأته في كائنات (عماد فؤاد) الشعرية فكرة طريحة ألوان بلا فرشاة، وربما اختلاف رأي في جودة الفرشاة إن وجدت وهي تتبع حال المطروح في سوق المهادنة من المنتج، إنتاج غزير..غزير دون أن تتبدى على ظهر الولادة ماركات عالمية، وأختام ليزرية.. وهذا ما ينقصنا نحن على العموم !


إقرأ أيضاً: