ناظم السيد
(لبنان)

بيروت القدس العربي سأم باريس قصائد نثر لشارل بودلير كتاب صدر حديثاً بالعربية عن دار الجمل بترجمة بشير السباعي. الكتاب نفسه كان عبد القادر الجنابي ترجم بعض قصائده إلي العربية لكن تحت عنوان مختلف: سوداوية باريس قصائد نثر صغيرة وهو العنوان الأكثر دقة للترجمة الفرنسية بحسب كاظم جهاد أيضاً كما ورد في مداخلة له بعنوان فلسفة قصيدة النثر ألقاها في مؤتمر قصيدة النثر العربية في الجامعة الأمريكية وأعاد نشرها في صحيفة السفير اللبنانية. أما العنوان الأصلي للكتاب فهو Le Spleen de Paris petits poemes en prose. صدر كتاب سأم باريس عام 1869، أي بعد عامين من وفاة الشاعر (في المناسبة تصادف الذكري المئة والأربعون لوفاته في 31 آب/ أغسطس القادم). وكان بودلير تنقل بين عناوين عدة لهذا الكتاب هي قصائد ليلية و المتنزّه المنفرد بنفسه و الجوّال الباريسي قبل أن يستقرَّ علي العنوان المذكور. لكن هذا التردد ليس هدف التقديم أو مقصد الكتاب، وإن كانت العناوين الثلاثة آنفة الذكر ذات دلالة علي مضمون الكتاب كما سنري. أهمية هذا الكتاب أنه أول كتاب كتبه بودلير تحت مسمّي قصيدة النثر. وقد أعلن ذلك ليس في العنوان فحسب وإنما في المقدمة التي بعثب بها إلي آرسين هوسيه، والتي باتت البيان الأول لهذا النوع من الشعر: صديقي العزيز، أبعث إليك بعمل صغير لن يكون بالإمكان وصفه، دون إجحاف، بأنه لا ذيل له ولا رأس، فكل شيء فيه، علي النقيض من ذلك، رأس وذيل في آن، بشكل تناوبي وتبادلي.... من منا لم يحلم، في أيام طموحه، بمعجزة نثر شعري، موسيقي دون وزن ودون قافية، بالغ السلاسة والمرونة بحيث يمكنه التكيّف مع الحركات الغنائية للروح ومع تموّجات الهواجس وانتفاضات الوجدان . والحال، فإن هذا الكتاب بأسلوبه ومضمونه شكل بداية الحداثة الشعرية في العالم كما رأي نقاد كثر، وذلك بعدما مهّد كتاب الشاعر السابق أزهار الشر لهذه الحداثة. بالطبع، ربما عليَّ شخصياً أن أحتاط وأنا أستخدم مصطلح الحداثة لما يحيل هذا المصطلح علي أيديولوجيا فنية وأدبية قد تكتفي بالشكل وقد تقتصر علي الحقبة الزمنية، في حين أن أعمالاً قديمة جداً تظلُّ حديثة في حين تتراجع أعمال جديدة جداً إلي ما دون الفن والأدب. وعليه، ينبغي النظر هنا إلي الحداثة المرادفة لشكل الكتابة، أي لقصيدة النثر، آخذين في الاعتبار أن بودلير نفسه تأثر في كتابه هذا بكتاب سبقه بعنوان غاسبار الليل لألويزيوس برتران. أين مكمن الحداثة في شعرية بودلير عموماً وفي كتابه المترجم الذي بين أيدينا؟ الأرجح أنها في حساسية هذا الشاعر الذي استطاع أن يُدخل زمنه في أسلوب الكتابة لديه. من جهة، كتب بودلير سأم باريس في الفترة التي شهدت فيها المدينة إصلاحات مدينية تمثلت بتعبيد الطرقات. ناهيك عن أن الشاعر جاء في زمن يضجُّ بالثورات من ترانسندنتالية كانط (1724 1804)، مثالية هيغل (1770 1831)، مادية فويرباخ (1804 1872)، تطورية داروين (1809 1882)، ديالكتيكية ماركس ونظرياته الاقتصادية (1818 1883) إضافة إلي بيانه الشيوعي مع رفيقه إنغلز عام 1848، مروراً بفلسفة أوغست كونت الوضعية (1798 1857) وفلسفة القوة لدي شوبنهاور (1788 1860). بودلير هو الاسم الأدبي الذي يمكن إضافته إلي هؤلاء، فاتحي عصورهم وغزاة أزمانهم. مستدركاً باستعانتي بمقدمة آدم فتحي في ترجمته كتاب بودلير اليوميات الذي صدر في الدار نفسها، أقول إن بودلير كان نسيج هذا الزمن ووليده في شكيته وتخبّطه بين الخير والشر، المثالي والمبتذل، الكلاسيكية والجِدة، الملكية والديمقراطية، المحافظة والثورة، الإيمان والإلحاد. كان بودلير متعدداً في الواحد نفسه (عنوان كتاب لوضاح شرارة) أو بتعبير مستعار من الشاعر عينه: أن تعرف يعني أن تتناقض . هذا كله في خلفية أفكار بودلير التي بلا شك يمكن إحالتها أيضاً إلي ظروف نشأته. لقد توفي والد الشاعر الستيني وهو في السادسة من عمره، وبعد أشهر تزوجت الأم التي لم تتجاوز الخامسة والعشرين القائد العسكري لمنطقة باريس الجنرال أوبيك. هذا الأمر خلق لدي الشاعر إحساساً بأن الشر يكمن في العالم، لا بل في الخير نفسه. وربما كانت هذه المزاوجة بين الله والشيطان، الله الشرير والسيطان الخيّر، متأتية من نظرته إلي أمه، مثال الحب والقسوة معاً قبل أن تخونه صديقته لاحقاً. لهذا لم يكن غريباً أن يحمل بودلير بندقية وينزل إلي الشارع إبان ثورة 1848 مطالباً بقتل زوج أمه. ثمة إذاً سياقان لسأم بودلير واحتمائه بالشر: البعد السيكولوجي التأسيسي والبنيوي في شخصيته والبعد الفكري لزمنه القائم علي ثورات ضد الكنيسة والداعي إلي نقل سلطة الله إلي الإنسان.

ثورة بودلير الأهم قد لا تكون هنا بالضبط في هذا الكتاب. إنها في قدرته علي خلق إيقاع للشعر شبيه ببنية المدن. إن عالم باريس المديني عمارة وعلاقات بشرية وصناعة وآلات، أدّي إلي نشوء قصيدة النثر. الجملة الشعرية في سأم باريس تنطوي علي موسيقي جديدة وغناء جديد غير مطروقين من قبل بهذه المنهجية. وهذا لم يكن عفو خاطر علي الشاعر الذي قال في رسالته سابقة الذكر: هذا المثل الأعلي الآسر الملحّ إنما يولد خاصة من ارتياد المدن الضخمة. من تقاطع علاقاتها التي تفوق الحصر . وعليه، فقد حفل الديوان بقصائد تستمد موضوعاتها من الحياة اليومية مثلما تستمد إيقاعاتها من هذه اليوميات وتشابكها. السماء، الغيوم، الزحام، النوافذ، الشوارع، قناديل الشوارع، واجهات المحال، العاهرات، لاعبو القمار، الفقراء، المنبوذون، المتسولون، المهرّجون، الرسّامون، البيوت، السراديب، الخمّارات، العجائز، الأرامل والأطفال، كلهم مادة هذا الكتاب وأبطاله. أي لحظات الحياة النثرية بتعبير الناقد غوستاف بوردان في مقال نشرته الفيغارو في 7 شباط/ فبراير من عام 1864 (يُقال إن بودلير نفسه أسرَّ للناقد بهذه الأبعاد). لكن بودلير كناقد فني سابق ومثقف كبير وكمترجم ما كان ليكتفي بظاهر هذه العناصر، بل كان يضيف إليها إحساسه بزمنه وفلسفته الحياتية وتخيلاته الجامحة وأفكاره الفلسفية. كان يحوّل هذا العالم اليومي إلي لحظة دائمة، صانعاً من هذه الأشياء والكائنات الهامشية أعماقاً لا يصل إليها إلا المتأمل. لم يكن بودلير مجرّد متسكع يجوب باريس كمكان. كان متسكعاً في الزمن أيضاً. لهذا السبب كان أبطال الشاعر في قصائده يتحوّلون إلي ثيمات إنسانية تكشف الأعماق البشرية ولا تكتفي بتصويرهم الخارجي أو الموّقت. وعدم الاكتفاء بالخارج هذا يندرج أيضاً في فلسفة بودلير التي كانت تبتذل الطبيعة كما صرّح في اليوميات التي تضم ثلاثة كتب كان امتنع عن نشرها وهي صواريخ ، نظافة و قلبي عارياً بالقول: يبدو الشيء جامداً ما لم يشُبْهُ قليل من التشويه (ص 66).

ومن نافل القول إن اطلاعاً علي هذه اليوميات كفيل بتقديم صورة عن شعر بودلير وأفكاره وهواجسه وخيباته وتأملاته وثقافته. هذه اليوميات تشكل نوعاً من ورشة عارية أو غير مشذبة لمخططات شعرية تدلُّ علي الطريقة التي يصدر بها الشاعر تجاه الشعر وتجاه العالم وتجاه الذات والآخرين.

في كل حال، قد يكون السأم الذي أرّق بودلير حدساً بقرن كامل لم تكن فيه وسائل الترفيه المطرّدة إلا تعبيراً ودليلاً علي السأم. إن القرن العشرين بكل وسائل الاتصال والمواصلات، بكل ما حوي من فنون وأدوات بصرية كالسينما والتلفزيون والفيديو، بكل مدن الملاهي وأماكن الترفيه، بكل ثقافته السياحية، كان يؤكد هذا السأم الذي يكاد يشكل عصباً وجودياً لدي الرائي الأول، ملك الشعراء، الإله الحقيقي بتعبير رامبو، وريث هذا السخط. من زاوية أخري، كان بودلير بانحيازه إلي نماذج الشارع، إنما كان يتطهّر من برجوازية العائلة مثلما كان حقده موقفاً أخلاقياً أولاً أو أخيراً. لا فرق. لكن انحيازه إلي الطبقات الدنيا في المجتمع لم يجعله يقع في شعبوية كان يأنف منها ولم يوقعه في الحشود التي مهدّت لها الثورة البرجوازية وبالطبع الثورة الصناعية. ذلك أن البرجوازية والصناعة وليدان شبه توأمين. إن بودلير كان صنيع التناقض علي الدوام: متعة أن تكون بين الحشود، هي تعبير غامض عن الالتذاذ بتكثير العدد مثلما أن البطل الحقيقي يلهو وحيداً كما ورد في اليوميات .

القدس العربي
05/07/2007

*****

سأم باريس" في العربية
الرعشة اللذيذة اليائسة

شوقي نجم

صدرت لدى "دار الجمل" ترجمة جديدة لديوان "سأم باريس" للشاعر الفرنسي الكبير شارل بودلير، بتعريب المترجم المصري بشير السباعي. وكانت صدرت ترجمة أخرى عن المركز القومي للترجمة بتوقيع الشاعر محمد أحمد حمد الذي زعم انها المرة الأولى يترجم كتاب بودلير هذا الى العربية، مع ان الديوان نفسه ترجم أكثر من مرة في العالم العربي. ينبغي القول ان "سأم" بودلير يشكل مفصلاً في تاريخ الشعر الحديث، فمعه، أو مع غيره، وقبله ربما مع كتاب "غاسبار الليل" لالويزيوس برتران، ظهرت قصيدة النثر، التي لم تكف منذ ظهورها رسميّا عن إرباك القارئ والناقد في آن واحد، بحسب الفرنسي ميشال دليفل. سعى بودلير الى إيجاد تعريف أوّل لهذا النوع الأدبيّ بوصفه معجزة النثر الشعريّ، فبعث برسالة الى آرسين هوسيه يقول فيها: "صديقي العزيز، أبعث اليك بعمل صغير لن يكون في الامكان وصفه، دون إجحاف، بأنه لا ذيل له ولا رأس، فكل شيء فيه، على النقيض من ذلك، رأس وذيل في آن واحد، بشكل تناوبي وتبادلي (...) عندي إعتراف بسيط أود الافضاء به إليك. خلال تصفحي للمرة العشرين على الأقل كتاب الويزيوس برتران "غاسبار الليل" الشهير (ألا يملك كتاب معروف لك ولي ولبعض اصدقائنا كل الحق في أن يعد شهيراً؟) خطر في بالي أن أحاول عمل شيء مماثل وأن أطبق على تصوير الحياة الحديثة، أو بالأحرى حياة حديثة واكثر تجريداً، النهج الذي طبّقه على رسم الحياة القديمة، الأخاذة بشكل مفرط الغرابة". سأل بودلير: "من منا الذي لم يحلم، في أيام طموحه، بمعجزة نثر شعري، موسيقى من دون وزن ومن دون قافية، بالغ السلاسة والمرونة بحيث يمكنه التكيف مع الحركات الغنائية للروح ومع تموجات الهواجس وإنتفاضات الوجدان؟". حلم بودلير لا يزال يراود الاجيال الجديدة من الشعراء الذين يبحثون عن لغة مغايرة تعيد الاعتبار الى الشعر. يعتبر دليفل ان "سأم باريس" محاولة أولى ذات دلالة، لواحد من أعظم ممثلي المعيار الغربيّ في الأدب، للشك في فذلكات الشعر المعترف بها على نحو واسع وعريض آنذاك، وأعني حضور الوزن والقافية. ثمة من يعتبر أن بودلير في ديوانه هذا، اقترب أكثر فأكثر من الشعر النثري منه إلى قصيدة النثر، لأنه كتب القصيدة وحلم في الوقت نفسه بخلق معجزة نثر شعري موسيقي، خال من القافية والعروض، ذي أسلوب قليل الليونة وقليل الترابط لكنه يسمح بالتكيّف مع حركات الروح الغنائية، ومع تموّجات الحلم، ومع رجفات الضمير. اما الباحثة سوزان برنار فقالت: "يدهشنا تضارب الآراء، عند بحثنا للأحكام الموجهة الى "سأم باريس"، فالبعض يعجب ببودلير الذي - وقد رفض كل تأثير للأسلبة أو الموسيقية - نجح، رغم ذلك، في النثر الأكثر إيجازاً، والأكثر "نثرية"، في أن "يقول الأكثر من خلال الأقل"، بل يذهبون إلى حد اعتبار "التعاويذ الايمائية" أكثر فاعلية في قصيدة النثر مما في المقطوعة المنظومة، وذلك في الحالات التي تكون فيها المقارنة ممكنة. ولا يرى الآخرون في "سأم باريس" سوى نثر خالص، ولا يمنحون اسم قصيدة النثر إلا لمقطوعة وحيدة هي "محاسن القمر"، فبِمَ نفسر تضارب الأحكام الى هذا الحد؟".

الأرجح ان قصيدة "الغريب"، التي تشكل مفتتح ديوان بودلير تعبّر عن عالمه اذ يقول: "أنت أيها الإنسان المحيّر المحاط بالأسرار، من تؤثر في حبك؟ أباك، أمك، اختك أم اخاك؟ - انا لا أبا لي، لا أم، لا اخت، لا أخ". هذه قصائده النثرية التي تتألق بحريتها المطلقة وحداثيتها وباريسيتها. القواعد التى يتبعها هي القواعد الداخلية فقط. حساسيته البالغة تقود عبقريته إلى حساسية الفرح عند طفل فقير يلعب بفأر، إلى حزن الأرامل، إلى معاناة رجال يسحقهم وحشهم الخرافي، إلى وجد العاشق غير المقدّر. ثمة قاعدة اخرى هي الاشراق. ففي عين إمرأة يرى بودلير الأبدية وتظهر له الجنيات وتعطيه منحة الاعجاب وتُظهر له الشيطان وإيروس ايضاً. ومن وجهة نظره، "ما يسميه الناس الحب هين جداً، قياسا الى تلك العربدة الفائقة الوصف، الى المومسة المقدسة للروح والتي تهب نفسها بالكامل، شعراً ورحمة، للمفاجئ الذي يظهر، للمجهول الذي يمر". أو: "اغني للكلاب المشؤومة، أكانت تلك التي تهيم على وجوهها، وحيدة، في الممرات المتعرجة في المدن الكبرى، أم تلك التي قالت للإنسان المخذول، بعيون مومئة وروحية خذني معك، ومن بؤسينا، قد نصنع نوعا من السعادة".

يجد بودلير نفسه في ديوانه، مشدوداً، إلى ميراثه الثقافي الغربي الباريسي، إلى المحكيات الإنجيلية والميثولوجيا الإغريقية - الرومانية، وهو يتوخى بناء ماهيات شعرية جديدة للذات الإنسانية، المرأة، الجمال، الألم، المكان، والألفة، وتصوير معاودة الإنسان الحديث للسقوط الرمزي جرّاء نهمه إلى ثمار المدنيّة الحديثة المغرية بواجهتها البرّاقة، الهشّة.

اللافت انه رغم مرور عقود على صدور "سأم باريس"، لا يزال صاعقا، يقلق تفكراتنا، ويجعلنا نحسد صاحبه على موضوعاته وشره وتسكعه. انه الاكثر حداثة من اجيال الحداثة، والاكثر قدرة على تجميل القبح، والاكثر شيطنة في ابتكار الأسفار الشيطانية. كان سهلاً على بودلير أن يحوّل باريس اللامعة إلى مرادفٍ للسأم، وقد جعلته كتاباته عنها محورا للأبحاث النقدية والفلسفية. في كتابه "بودلير شاعر غنائي في حقبة الرأسمالية العليا"، يتحدث الألماني فالتر بنيامين عن لحظة الاكتمال تلك في باريس القرن التاسع عشر عبر ظهور ميل الى حالة "التسكع"، أو الى التجوال الحر غير القصدي داخل المدينة، بوصفه محاولة أخيرة للتعامل مع فراغ المدينة باعتباره مكافئاً للفراغ الطبيعي اللامحدود والذي لا يفرض شكلاً معينا للحركة داخله. إنها ليست محاولة رومنطيقية أخرى لاستبدال المدينة بالطبيعة، أو لإحلال قصديات محل أخرى، بل هي رعشة يائسة تسعى الى مواجهة القصديات التي تفرضها المدينة وتنظمها عبر رفع مطلب أو مفهوم اللاقصد، أو نفي القصد ذاته بوصفه شرط حضور المدينة. مع بودلير، يقول والتر بنيامين، "اصبحت باريس للمرة الأولى موضوع الشعر الغنائي. والشعر هذا ليس فولكلورا محليا؛ فنظرة الشارح الرمزي التي تقع على المدينة هي بالأحرى نظرة إنسان مغترب. إنها نظرة المستطرق الذي أضفت طريقة حياته على فاقة البشر المتنامية في المدينة الكبيرة بصيصاً إسترضائياً".

أبعد من باريس وسأمها، علينا القول إن "بودلير الباريسي" بدأ كتابة الشعر مبكرا، لكنه رفض أن ينشر شيئاً قبل الثلاثين. كان يكتفي بقراءة أشعاره أمام أصدقائه المخلصين فحسب، معتبراً أن الشعر جوهر الفن وخلاصة الكتابة. لا ينبغي لنا إذاً، أن نتساهل في شأنه. إنه فلسفة، بل حتى أهم من الفلسفة في معنى من المعاني، لأنه يلخص في أبيات معدودات تجربة الحياة كلها.

النهار
ثلاثاء 02 تموز 2007