مازن معروف
(لبنان)

علي الجلاوييسلك علي الجلاوي في عمله الروائي الأول "الله بعد العاشرة/ رواية سجين متقاعد" (دار رياض الريس) في طريقين يجعلهما متقاطعين حكماً. فذاكرته متأهبة لإثارة الأسئلة حول الله والدين والسلطة الممنوحة للافراد بموجب النصوص المنزلة، ومسائل أخرى كالوجود والعدم والبقاء والقوة والمحدودية. لكن، من جهة ثانية، تبدو هذه الذاكرة أيضا مطوية على احداث سياسية أليمة، وشخصية، تتعلق باعتقال أفراد الأمن البحريني للجلاوي.

في الرواية لا نلمس لمساً شافيا التهمة المنسوبة إلى الروائي. هو لا يستعير أسماء أدبية لتضمين روايته رمزيات ومجازات وتفكيكاً لعالمه. فبطل العمل هو علي الجلاوي نفسه، ومن هذا الباب، يبدو مؤلفه السردي أقرب إلى صفحات في كتاب مذكرات، منه إلى رواية مترفعة عن الإنزلاق المباشر في الواقع. لعل الإشكالية التي يطرحها الجلاوي والمتعلقه بالله وخلقه للعالم، هي ما ينقذ الرواية من رتابة سرد حكاية مكررة بنسخ عدة في الأدب العربي، وقد حفظها القارئ ظهرا عن قلب (رواية سجين).

إلا أن هذا المنتج الأدبي، الصادر اليوم، يحمل اهمية توثيقية من حيث ارتباطه بأزمة البحرين، والتقارير الدولية التي تفيد بقسوة ما يتعرض له المعتقلون المطالبون بالحرية والعدالة الاجتماعية. لا تاريخ معلناً لكتابة الرواية، كما لا نستحصل في العمل على تهمة واضحة في شأن الراوي. نقرأ ما بين السطور ملامح "المؤامرة على قلب نظام الحكم"، اي أنها تهمة سياسية من المقام "الرفيع". الأسئلة المشحونة بنبرة تهكمية، حد التخمة، وأحيانا الرتابة، تطال الله، وتصب في خانة ميتافيزيقية، في مقابل انكباب الراوي على معالجة جانب من الواقع. بين هذين القطبين، يتنقل الجلاوي مازجاً مناخات عدة في الجملة الواحدة، مقارباً الهلوسة، والحكمة العقلية المتأهبة في الوقت عينه، ونافذاً إلى امكنته العديدة، حيث السجون وغرف التحقيق التي تنقل بينها.

تتقاسم الكائن الرغبة في الوقوف عند اكثر الأسئلة التي شغلت فلاسفة عصر الأنوار في اوروبا، كما النزول إلى درك الواقع، والجهاز الحاكم في دولة خليجية. هذا التنقل بين مساحتين، واحدة معيشة، وأخرى فكرية، يؤمن للكاتب مساحة واسعة كي يفرغ "حقده" على لله، في جملة لا تستطيع الفكاك في بعض الاحيان من شوائب اللغة الصحافية التقريرية. كما يقف الجلاوي على مسافة كافية لمعاينة نماذج من "الوافدين" أو العمال الاجانب الذين يلتقيهم في السجن، كالبنغلاديشي والباكستاني، والهندي، والبلوشي والسوري القاسي الطباع من دير الزور (يشغل منصب حارس زنزانة). لكن الجلاوي يبدو منشغلا في تمكين جملته الروائية لغويا وشدّها وتمتين ثقلها، ما يضيّع المعنى أحيانا في لجة الشكل المتين، كما يضعف التواصل بين القارئ والنص.

يشبه العمل الأدبي سلسلة من الحلقات يتصل بعضها ببعضها بفعل توارد المكان ورهبته وقلق الذات الذي يتعاظم فيه، مضافا إلى قلق فكري ينفذ إلى التاريخ والنصوص الدينية محاولا نقدها. غير أن الفراغات الكامنة فيه، ومردها ربما الى ذاكرة الكاتب الشعرية، تحوّل بنية العمل الروائية إلى نثرية، متأملة، تنعتق في كينونتها الخاصة، قبل أن تتجرأ على تقديم نفسها للقارئ.

النهار
16-8-2011