عقل العويطصدر حديثاً للشاعر اللبناني عقل العويط ديوانه التاسع "إنجيل شخصي" عن "دار النهار" و"الدار العربية للعلوم" في 184 صفحة ويتضمن أربعة أجزاء: "مانيفست لآخر الكون" (قصيدة واحدة)، "صيّاد الغيم" (45 قصيدة)، "الديوان الناقص" (26 قصيدة)، و"من مانيفست لأول الكون" (قصيدة واحدة).

الجزء الأول نص طويل يعكس رؤيا شعرية جحيمية لحال العالم بعد حوادث أيلول 2001. الجزء الثاني قصائد قصيرة، الواحدة من صفحة الى ثلاث صفحات تحتل فيها الأشياء والكائنات المحيطة بالشاعر المقام الأول. وإذا فاحت فيها رائحة الذات أو الأنا فإنما يحدث ذلك من خلال مسام هذه الأشياء والكائنات التي تحتل مرتبة البطولة في هذا الديوان، بخلاف دواوينه السابقة التي كانت تحتل الأنا فيها المكانة الأولى. فالقصائد تريد تكريم التفاصيل والأمكنة التي يعيش الشاعر في كنفها، والتي لم تشأ يوماً أن تتركه وحيداً في عزلته الشعرية والحياتية، مركّزاً في البعض منها على فلسفة الشعر والشعرية والشاعر معاً. الجزء الثالث قصائد حب تشكل إضافة نوعية لتجاربه الكتابية في هذا المجال، حيث يتوغل في مساءلة المرأة الواحدة الوحيدة، جاعلاً بطولتها شبيهة ببطولة القصيدة المنقذة. أما الجزء الرابع فهو من صفحة واحدة ويفتح باب الديوان على التأويل الذي يمكّن الشعر من فتح ثغرة في جدار اليأس الكوني.

يواصل عقل العويط في كتابه هذا تجربته التي بدأها عام 1981 ويعمّق اختباراته حفراً داخل الذات والعالم، كما داخل اللغة نفسها، مفسحاً المجال هذه المرة للسرد كي يأخذ مجراه داخل القصيدة، حتى لكأن الكتابة توهم بأبعاد قصصية فتلامس بنية القصة من دون أن تتورط فيها، موسّعةً مفهوم القصيدة الذي يردم الهوة بين الشعر والنثر، وبين الشعري والروائي.

تتسم القصائد بالقصر النسبي تأكيداً للاختزال وللكثافة الشعرية التي تبتعد عن المفهوم الروائي والحكواتي، حيث الأولوية للصورة الشعرية التي تتوالى في سلسلة متواصلة من الدهشات تنبني في لقطاتها الآسرة قامة القصيدة ومعها هوية الشاعر – الراوي.

يذكر أن الشاعر عقل العويط ناقد وأكاديمي وهو مدير التحرير في "ملحق النهار" الثقافي. وقد صدرت له الكتب الآتية: ماحياً غربة الماء، المتكئة على زهرة الجسد، قراءة الظلام، تحت شمس الجسد الباطن، لم أدعُ أحداً، مقام السروة، إفتحي الأيام لأختفي وراءها، سراح القتيل"، ومختارات شعرية في القاهرة بعنوان "سماء أخرى".

لمزيد من المعلومات حول الشاعر وكتاباته يمكن زيارة موقعه على شبكة الانترنت: www.aklawit.com

*

قصيدة من ديوان "إنجيل شخصي"

اعتذار

لا تأخذوا الحروف بأصواتها ولا الحواس بأدلّتها. كي تصدّقوا لا بدّ من يدٍ تأخذكم الى غيوم. كي تعودوا لا بدّ من شتاء. وكي أربّي القصائد لا بدّ من إنجيلٍ أكتبه للقصائد.

كيف ليدين أن تعيشا في الموت المؤلم وتظلاّ قادرتين على الأمل في الصباح التالي. كيف لهما أن تنبتا في وحشة الحياة كصمت الصخور. أن تتكلّما هذه اللغات كلّها. أن تخبّئا كتباً. أن تتأنّقا. أن تسدلا الستائر. أن تناما على غرار النائمين. أن تحلما. أن تكونا جفنين دامعين. أن تمسحا ضجر الموت. وأن تتفتّحا مثل حقولٍ تسيل في نهر الشتاء.

كيف لهاتين اليدين أن توقظا جسداً من نومٍ طويل. أن تُنهضاه بخفة الهواء وطيشه. أن تضيئاه بنورٍ يشبه نافذةً من موت. أن تفتتحا نهاره بسماءٍ عطشى. أن تخاطباه. وأن تمنحاه عزاءً وشرفةً للمغادرة عند الاقتضاء.

بصمتيَ أنظر الى هاتين اليدين لأكلّمهما.
كيف لكما أيتها اليدان حين تبكيان وتكتبان حين تنزلان من فراغٍ وخيال ولا تستسلمان حين تنعسان وتطفئان الضوء وحين لا تغلقان الرموش حين تُستثاران حين تشهقان وحين تخترعان غيوماً لعينيَّ حين تتنهّدان للحبر حين تنموان وحين تصنعان الحروف وتفتحان منازل للأبجدية.
كيف لكما أن تتحمّلا قسوة رجلٍ صامت. أن تأخذاه بليونة ضبابٍ من الرأس. وأن تتسعا لتضرّعٍ كهذا يعيد الينبوع الى سرّه.

أقول لهاتين اليدين كيف لكما أن تظلاّ يديَّ.

***