(الشعراء البناؤون)

ريبر يوسف

ريبر يوسفيافطة الطريق/
للمسافرين، منها، هذه المعلومات التي ستكون كما شاخصات الطرق. أفكر إن كان للكتابة إشعاع يبعد عامودا عن مدينة الحسكة بالسرفيس حوالي الساعة، إن لم يتوقف السرفيس كثيراً في الطريق كي يرتب العلم المنوط في سلسلة من المعلمين الوافدين إلى المنطقة، وإن لم تستغرق امرأة، في حملها السابع، النزول على طرق إحدى القرى. كانت المرأة تزور والدتها لأن والدتها، ولسبب بسيط ومنطقي، لا تستطيع أن تتحمل عناء الطريق. فقد تقادمت عليها السنون، حتى إنها نستها تماماً؛ والدتُها نست السنين وليست ابنتُها. لا تتحدثوا عن الأمهات بالشعرية. ستكون كل الطرق إلى الحسكة سالكة، ما من فيضان يقطع على المسافرة سلسلة إيمانها، ما من ثلج يشد سيارة بيضاء إلى أخرى، ما من سيارة بيضاء أخرى. لن تموتوا في حادث سيرن إذاً، يا سكان. لن يكون هناك من ضباب في الطريق، وإن وجد فما من طريق أخرى يربك السائق الذي يتحدث عن إحدى سفراته إلى بلدة في جنوبي مدينة حمص 100 كم تقريباً، تلك منطقة تكثر فيها معامل تفريخ الفرّوج وتلقين البيض علومَ الدين. ما من أضواء غازية تربك عين السائق، وان وجدت فلن يكون هناك حادث سير، لأنه ما من ليل يا سكان، ولن تموتوا بحادث سير. ما من شرطي مرور يستوقف السيارة كي يخالف السائقَ، وان وجد فلا تتحدثوا إليه كي لا تتحول التهمة من مخالفة مرورية الى سياسية! دعوا السائق يَرْشُه، ولا تنظروا إليه آنها وتناوموا. أمّا الأطفال، إن كانوا رضّعاً، فمن الأفضل أن تكون أفواههم مشغولةً بتعلم اللغة الأم من ثدي أمه، وان كان من طفل فطيم فعلى أمه أن تلقنه درساً في الخوف (الخوف) لأنه لغته أيضاً!. ما من سيارة ستعكس الشمس عبر البلّور على عين السائق، إذا ما صدف ومرّ السرفيس كما يمرّ الحبيب بكم، لأنه لن تكون هناك من شمس؛ السماءُ ستكون زرقاء وما من شمس، هي حكمة إلهية أن تصل بسلام إذ تسافر منها. لن تموتوا لأن الله يريد ذلك لكم .
أما، للمسافرين إلى القامشلي، فالطريق سالكة.. تستغرق الرحلة 20 دقيقة في كل الأحوال، وستصل بسلام يا مسافر. ولا تنظر إلى جانبي الطريق، لا تفكر سوى بالغرض من زيارتك فحسب، وحذار أن تقرأ كتباً متعلقة بالجغرافيا؛ كي تستطيع أن تفكر بالغرض من زيارتك فحسب. وإن شاهدت قرية مستحدثة (من قبل الحكومة السورية) لا تحصِ بيوتها.. ولا تفكر في أطفالها كي لا يتعلق فؤادك بهم.. " لا تعشقوا الغرباء لأنهم راحلون"، هم أطفال مساكين تعلموا للتو ألعاباً قديمة! ولا تحصِ قطعان الماشية ـ رباه ـ ما من مطر.. ما من خير، كيف تتكاثر أغنام الوافدين؟!. ولا تحاول أن تقرأ أي يافطة على الطريق كي لا تعاني من ألم لحظة نسيانها. النسيان مثل التذكر، كلاهما أبناء المعرفة. وإن لم تستطع أن تعيد بقرةَ فضولك إلى ماء عينيك ففكرْ بفتاة ما، أي فتاة، حتى إن كانت تكبرك سناً، أو إن كانت لا تحبك، سر بالمعنى في اتجاه واحد، أو حاول أن تستمع إلى المسجّلة في السرفيس أو دندنْ أغنية كردية، في سرّك، ولا تُسمِع أحداً في السرفيس من رفاقك كي لا تشوش على أحدهم أغنية ما يرددها في سرّه، كي لا يقرأ مثلك كتاباً في الجغرفيا أو يحصي شيئاً ما، في قرية استحدثتها الحكومة كي تنظر إلى السماء وحسب، دندنْ إحدى الأغاني الكردية؛ إنها تساعد على نسيان الجغرافيا، لذلك استحدث فنانون كثيرون وحفلات، وحذار أن تقرأ الشعر لحظتها.. حذار يا مسافر، وقرب الشعر، أو إن لم تستطع عن التذكر محيداً وإن لم تكن ثمة من امرأة في السرفيس أو إن ما كان من رجل متقدم في السن؛ الكبار في السن لا يسافرون من عامودا لأسباب لا نعيها، فعليك بالاستمناء لأنها موسيقا. إن كان لكل حدث في الكون إيقاعه. واقترح على الجميع هذا، فهم مثلك يؤلمهم ما يؤلمك، كلكم موثوق إلى الأفق نفسه. وان كانت ثمة خلافات بينكم سببُها فتاة أو دين ما سدَّ بينكم أو الاختلاف في وجهات نظر إيديولوجية، أو إن كان أبٌ قد شتم أباك لحظة غضب لأنه (فرشَ) على ستة أوراق في لعبة البوكر. وعليك أن تصلح ذات البين؛ الأبناء أقلام بيضاء تنبت أعلى صفحة آبائهم البيضاء. ستصل يا مسافر، منها إلى القامشلي، في كل الأحوال، ولن تموت في حادث سير أبداً.

عامودا بلدة صغيرة، تحدُّها من الجهات الأربع دمشقُ، وتحدُّ دمشقَ من جهاتها الأربع.

إهداء

إلى أصدقائي الذين ولدوا في عامودا، وغطتهم (الدايةُ) بسترات آبائهم.. إلى أن تيسّرت بآبائهم الحالُ وابتاعوا ما يقيهم بردَ الزمن القارس:

أمـ...
أو...
مقـ...
خو...
لن أكتب أسماءهم كاملة، لأننا إن تحدثنا عن عامودا علينا والإسرارُ.

برلين
00.02.10


إقرأ أيضاً:-